في ظلّ التحديات المعيشية والقيود المفروضة على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تبرز الرياضة كمساحة أمل وصمود، وكمنبرٍ لرفع الصوت الفلسطيني في المحافل المختلفة. لكن اللافت أنه من داخل المخيمات، حيث تقلّ الإمكانات وتشتدّ الظروف، ينجح شباب وفتيات فلسطين في تحويل التحديات إلى إنجازات، حاملين اسم المخيمات وعلم فلسطين إلى منصّات التتويج اللبنانية والدولية.
بطولة كأس لبنان للكيك بوكسينغ تتوج بفلسطينيين
في إنجازٍ جديد يُضاف إلى سجلّ الحضور الفلسطيني المشرّف في الساحة الرياضية اللبنانية، شارك نادي أكاديمية القدس في بطولة كأس لبنان للكيك بوكسينغ تحت إشراف المدرب رامز غنيم التي أُقيمت في مدينة عاليه – محافظة جبل لبنان، حيث تُوّج اللاعب عمر العامر بطلاً عن فئة الشباب، فيما أحرزت اللاعبة رزان غنيم لقب البطولة عن فئة الشابات.
ويشير مدرب أكاديمية القدس في مخيم نهر البارد، رامز غنيم ووالد رزان إلى أن الرياضيين الفلسطينيين يعانون من الحرمان وقلة الدعم، ويعتمدون بشكل أساسي على جهودهم الذاتية.
وأوضح أن الطريق في الرياضات القتالية شاقة وطويلة، وتتطلب انضباطاً عالياً، سواء من اللاعب أو المدرب.
ولفت إلى أن الحلبة تكشف الشخصية الحقيقية للاعب، فإما أن يتحول الخوف إلى تراجع، أو إلى دافعٍ أقوى لإثبات الذات، مؤكداً أن النادي يضم مواهب كبيرة تحتاج فقط إلى الفرصة المناسبة.
وأضاف غنيم، أنه وجد في ابنته موهبةً حقيقية في الرياضات القتالية، ورأى فيها امتدادًا لمسيرته الرياضية التي حالت الظروف دون إكمالها كما كان يطمح، فكرّس جهده لتدريبها وصقل قدراتها.
وأوضح أن ابنته خاضت نزالات قوية خلال الموسم الحالي، ونجحت في إثبات حضورها وتحقيق خمسة إنجازات بارزة، من بينها إحراز لقب كأس لبنان، مشيرًا إلى أنها خاضت نحو 20 نزالًا من دون خسارة تُذكر، في دلالة على الجهد الكبير المبذول في الإعداد النفسي والبدني.
وفي السياق نفسه، أشاد غنيم بموهبة اللاعب عمر العامر، واصفًا إياه بالشاب الطموح الذي يتمتع بإرادة عالية وتصميم واضح، ما جعله خيارًا مناسبًا للمشاركة في بطولة كأس لبنان.
وقال: إن التحضيرات كانت شاقة وطويلة، وواجه اللاعب صعوبات كبيرة خلال فترة الإعداد، إلا أن التزامه وانضباطه انعكسا إلى أداء قوي على الحلبة، تُوِّج بتحقيق الفوز وإحراز الميدالية الذهبية.
وختم غنيم بالتأكيد على أن هذه النجاحات ليست فردية، بل هي نتاج عمل جماعي، وإصرار لاعبين قرروا شقّ طريقهم في زمنٍ صعب، مؤكدًا أن أكاديمية القدس ستواصل إعداد الأبطال، والمشاركة في الاستحقاقات المقبلة بروحٍ تنافسية عالية، حاملةً اسم فلسطين والمخيمات إلى ساحات التتويج.
أداء مميّز وإشادة تحكيمية وفخر برفع علم فلسطين
أما اللاعب عمر العامر ، بطل كأس لبنان للكيك بوكسينغ لفئة الشباب، فقد وصف تجربته بالمميزة، مؤكداً أن دخوله عالم الرياضة القتالية كان بدافع الشغف، وأن حلمه أن يصبح بطلاً عالمياً.
وقال: إن كل بطولة يشارك فيها، وكل فوز يحققه، يرفع من معنوياته ويقربه خطوة إضافية من حلمه، مضيفاً أن شعوره بالفخر لا يوصف عندما يرفع علم فلسطين، معتبراً ذلك أعظم إنجاز.
وأشار إلى مشاركته السابقة في بطولة الاستقلال، ومواجهته أبطالاً على مستوى لبنان، موضحاً أن بطولة كأس لبنان الأخيرة أُقيمت على مرحلتين من التصفيات وصولاً إلى النهائي، حيث حقق اللقب.
وختم بإهداء فوزه إلى فلسطين، وأهل غزة، والشعب الفلسطيني، مؤكداً أن الأجيال الفلسطينية قادرة على صناعة الأبطال وتحقيق الإنجازات رغم كل التحديات.
من جهتها، عبّرت اللاعبة رزان غنيم ، بطلة كأس لبنان في الكيك بوكسينغ لفئة الشابات، عن سعادتها الكبيرة بهذا الإنجاز، مؤكدة أن المشاركة في بطولة كأس لبنان شكّلت تجربة استثنائية على المستويين الفني والإنساني.
وأوضحت غنيم أن البطولة أُقيمت بنظام التصفيات وصولًا إلى النهائي، لافتة إلى أنها وُضعت مباشرة في النزال النهائي رغم مشاركتها المتزامنة في بطولة أخرى بمدينة طرابلس، ما شكّل تحديًا إضافيًا تطلّب تركيزًا وجهدًا مضاعفًا.
وأضافت أنها خاضت النزال أمام لاعبة تكبرها سنًا، وتمكّنت من تقديم أداء قوي ومتماسك، حظي بإشادة واضحة من الحكّام، الذين أثنوا على دقّة لعبها وتميّز أسلوبها مقارنة ببقية اللاعبات. واعتبرت أن هذا التقدير التحكيمي شكّل دافعًا إضافيًا لها، وزاد من شعورها بالثقة والفرح
وخصّت بالشكر مدربيها وكل من وقف إلى جانبها خلال النزال، ولا سيما المدرب باسم إبراهيم على دعمه المباشر أثناء المباراة، والمدرب رامز غنيم على متابعته المستمرة وتوجيهه الفني، مؤكدة أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا هذا الدعم الجماعي.
تألق فلسطيني في بطولة لبنان العامة للكيوكوشنكاي
ولم تقتصر النجاحات على رياضة الكيك بوكسينغ، إذ شارك نادي القدس للكراتيه بقيادة المدرب أمين جبر (سلطاني) في بطولة لبنان العامة للكيوكوشنكاي كاراتيه لعام 2025، التي أُقيمت في قاعة الكوثر – الشياح / بيروت، بمشاركة أكثر من 1700 لاعب ولاعبة من مختلف المناطق اللبنانية، وعلى مدار يومين متتاليين: السبت 20 كانون الأول 2025، والأحد 21 كانون الأول 2025.
وفي ختام البطولة، كان لنادي القدس حضورٌ لافت، تُوِّج بعددٍ من الميداليات المتقدمة على مستوى لبنان، وجاءت النتائج على الشكل التالي:
المركز الأول: هادي مجدي عبد الغني، خالد معتز عباس، زياد جلال لوباني.
المركز الثاني: مجد جلال لوباني، عبد الله مجدي العمري
المركز الثالث: فرح وسيم بشير، نادر أحمد مصطفى، تيا أمين جبر.
الانتصارات الرياضية تحمل بعداً وطنياً
مدرب نادي القدس في مخيم البداوي، أمين جبر (سلطاني)، أكّد في حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن هذا الإنجاز يتجاوز الإطار الرياضي، ليحمل بعداً وطنياً وإنسانياً، قائلاً إن"هذا النصر، كما كل الانتصارات، نهديه لأهلنا وشعبنا في فلسطين، في الداخل، ولإخواننا في غزة".
وأضاف أن هذه البطولة ليست الأخيرة، بل محطة أولى في مسارٍ طويل، مشيراً إلى الطموح بتمثيل فلسطين في المحافل الدولية.
كما وجّه شكره إلى الاتحاد اللبناني، الذي يتعامل مع اللاعبين الفلسطينيين على قدم المساواة، ما يتيح لهم المنافسة والتصنيف كغيرهم من اللاعبين.
وشدّد جبر على أن نادي القدس لا يمثّل مخيم البداوي وحده، بل جميع المخيمات الفلسطينية في لبنان، من نهر البارد إلى برج الشمالي والرشيدية، مؤكداً أن "اللاعب الفلسطيني حين يصعد إلى الحلبة، فإنه يمثّل شعباً بأكمله في الداخل والشتات"”.
وكشف عن التحضيرات الجارية للمشاركة في بطولة كأس نخبة محافظة الشمال، المقررة في 4 كانون الثاني/ يناير المقبل، وهي بطولة احترافية تضم نخبة اللاعبين من مختلف الفئات العمرية.
الأهالي: تألق أبنائنا ثمرة تدريب وصبر
من جهتها، عبّرت إسراء ريناوي، والدة اللاعب خالد عباس الحاصل على المركز الأول في بطولة كأس لبنان في الكيوكوشنكاي، عن فخرها بما حقّقه ابنها، مؤكدة أن جميع الأطفال قدّموا أداءً احترافياً، وأن هذا الإنجاز جاء ثمرة توفيقٍ إلهي وجهدٍ متواصل ودعمٍ عائلي مادي ومعنوي.
وأوضحت أن خالد، وبقية اللاعبين، خضعوا لتدريب مكثف على مدار أربع سنوات، منذ كان في الخامسة من عمره، تحت إشراف المدرب أمين جبر، مشيرة إلى أن هذه الميدالية ليست الأولى له، إذ سبق أن أحرز المركز الأول في "كأس الشهيدط العام الماضي، لكنها تُعد أول ميدالية على مستوى لبنان.
وأضافت أن العائلة تسعى إلى تربية أبنائها تربية متكاملة تجمع بين القيم الدينية، وحفظ القرآن، والرياضة، واللياقة البدنية، مؤكدة أن هذا الفوز يُهدى إلى شهداء مخيمات لبنان وفلسطين.
بدوره، عبّر عدنان العامر والد اللاعب عمر العامر عن فخره الكبير بما حقّقه نجله، مؤكدًا أن موهبته لم تكن وليدة اللحظة، بل ظهرت منذ طفولته المبكرة.
وأوضح أن عمر بدأ مسيرته الرياضية في رياضة الكاراتيه لما يقارب عامين، قبل أن ينتقل إلى الكيك بوكسينغ بدافع الشغف والميول الطبيعية نحو الرياضات القتالية.
وأشار إلى أن عمر حقّق خلال سنوات قليلة عددًا كبيرًا من الإنجازات، تمثّل بحصوله على أكثر من 20 ميدالية ذهبية وكأس حتى اليوم، من دون تسجيل أي خسارة تُذكر، معتبرًا أن هذا السجل يعكس التزامه العالي بالتدريب والانضباط، إلى جانب الدعم الأسري المستمر.
وأضاف أن أكثر ما يميّز عمر، إلى جانب أدائه الرياضي، هو تواضعه واعتزازه بهويته الوطنية، إذ يحرص في كل بطولة على ارتداء العلم الفلسطيني أو الكوفية، في رسالة واضحة بأن مشاركته لا تقتصر على المنافسة الرياضية، بل تتعداها إلى تمثيل فلسطين وقضيتها.
وأكد أن العائلة تقف إلى جانب عمر بشكل كامل، وتبذل ما بوسعها لدعمه معنويًا وماديًا رغم الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، مشددًا على أن هذا الدعم نابع من إيمانهم بقدراته وبحقّه في تحقيق حلمه.
وختم بالقول إن عمر لا يمثّل عائلته فحسب، بل يُعد فخرًا لمخيم نهر البارد، وللمخيمات الفلسطينية كافة، وللقضية الفلسطينية، معربًا عن أمله في أن يواصل نجله مسيرته بنجاح، وأن يرفع اسم فلسطين عاليًا في البطولات الإقليمية والدولية، داعيًا إلى مساندة المواهب الفلسطينية الشابة ومنحها الفرصة التي تستحقها.
