شهدت المخيمات الفلسطينية في لبنان، البالغ عددها 12 مخيماً، خلال عام 2025 واحدة من أصعب المراحل التي مرّت بها منذ سنوات، في ظل تداخلٍ معقّد للأزمات الأمنية والمعيشية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وتزامنت هذه التطورات مع استمرار الانهيار الاقتصادي في لبنان، وتداعيات الحرب مع الاحتلال "الإسرائيلي"، وتصاعد التوترات الأمنية الداخلية والانقسامات السياسية، إلى جانب تقليص خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وعودة ملف السلاح الفلسطيني إلى الواجهة، ما انعكس بشكل مباشر على تفاصيل الحياة اليومية للاجئين الفلسطينيين.

الواقع المعيشي والاقتصادي

واصلت معدلات الفقر والبطالة ارتفاعها في مختلف المخيمات، مع تسجيل زيادة غير مسبوقة في أعداد العائلات العاجزة عن تأمين احتياجاتها الأساسية، في ظل غياب فرص العمل وتآكل القدرة الشرائية.

كما شهد عام 2025 تصاعداً لافتاً في ظاهرة الهجرة غير الشرعية، لا سيما في أوساط الشباب، هرباً من انسداد الأفق الاقتصادي.

وشكّلت أزمة "أونروا" وتقليص خدماتها أحد أبرز عناوين العام، إذ انعكست بشكل مباشر على القطاعات الصحية والتعليمية والإغاثية، ما أثار حالة واسعة من القلق والغضب الشعبي، تُرجمت باحتجاجات واعتصامات في أكثر من مخيم.

ولم تقتصر آثار الأزمة على الجوانب الاقتصادية، بل امتدت إلى البنية الاجتماعية داخل المخيمات، حيث سُجل ارتفاع ملحوظ في حالات التسرب المدرسي، وتفكك بعض الأسر، وانتشار حالات الاكتئاب والضغط النفسي، خصوصاً بين فئة الشباب، في ظل غياب أي أفق مستقبلي واضح.

المشهد الأمني وملف السلاح

وعاد ملف السلاح الفلسطيني إلى الواجهة بقوة خلال عام 2025، حيث جرى تسليم دفعات من سلاح منظمة التحرير الفلسطينية في بعض المخيمات للدولة اللبنانية، ضمن تفاهمات مع السلطة الفلسطينية. وفي المقابل، شهدت بعض المخيمات توترات أمنية ومشكلات فردية محدودة، بينما ظل القلق مسيطراً على الأهالي بفعل تداعيات الحرب مع الاحتلال "الإسرائيلي" واحتمالات توسعها أو تجددها.

أوضاع المخيمات

مخيم البداوي – شمالي لبنان

شهد مخيم البداوي توترات متكررة على خلفية إغلاق مداخله الرئيسية من قبل الجيش اللبناني في فترات مختلفة لأسباب أمنية، إضافة إلى إغلاق مداخل فرعية بشكل دائم، ما قيد حركة السكان وأثّر سلباً على الطلاب والعمال. ورافق ذلك تحركات واعتصامات شعبية طالبت بإعادة النظر بهذه الإجراءات، إلى جانب تسليم دفعات أسلحة من حركة للدولة اللبنانية.

مخيم نهر البارد – شمالي لبنان

شهد مخيم نهر البارد اعتصامات جماهيرية وتحركات مطلبية احتجاجاً على تقليصات "أونروا"، في ظل التدهور المتواصل للأوضاع الإغاثية والتعليمية والمعيشية. كما شهدت مدرسة "عمقا" الثانوية التابعة للوكالة حادثة اقتحام مسلح نفذته عائلة أحد الطلاب داخل حرم المدرسة. وبرزت أزمة الإيجارات كأحد أبرز التحديات التي واجهت الأهالي، ما فاقم الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل تفاقم البطالة.

مخيم الجليل (ويفل) – بعلبك

شهد مخيم الجليل في منطقة البقاع اعتصامات جماهيرية احتجاجاً على تقليصات "أونروا"، لا سيما في القطاع التربوي، من خلال دمج الصفوف والمدارس ذات الرمزية الوطنية.

كما عانى كبار السن من أمراض مزمنة في ظل غياب التحويلات الطبية، إلى جانب مناشدات للوكالة لصرف مادة "المازوت" مع اشتداد المنخفضات الجوية.

مخيما برج البراجنة وشاتيلا – بيروت

برز انتشار المخدرات كأحد أخطر التحديات داخل المخيمين، مع تسجيل حوادث متكررة أثارت قلق الأهالي. كما زادت الفيضانات الشتوية من معاناة السكان نتيجة تهالك شبكات الصرف الصحي، إضافة إلى حوادث انهيار أسقف منازل على ساكنيها، ما فاقم الأوضاع الصحية.

وتزامن ذلك مع قرار لبناني بحصر السلاح الفلسطيني بيد الدولة، فيما نفذ الجيش اللبناني لأول مرة عملية أمنية داخل مخيم شاتيلا، داهم خلالها ما يعرف بـ"هنغار شاتيلا" وقام بتدميره. كما شهد المخيم حادثة مقتل الشاب اللبناني "إيليو أرنستو أبو حنا"، ما أثار جدلاً واسعاً في الرأي العام اللبناني.

مخيم عين الحلوة – صيدا

كان مخيم عين الحلوة الأكثر تأثراً خلال عام 2025، في أعقاب المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال "الإسرائيلي" بقصف ملعب لكرة القدم داخل المخيم، ما أدى إلى استشهاد 13 شاباً، في واحدة من أكثر المحطات دموية خلال العام.

وشهد المخيم اشتباكات مسلحة متقطعة عكست حالة من عدم الاستقرار، إلى جانب تسليم شحنات من السلاح للجيش اللبناني. كما برزت حادثة خروج الفنان فضل شاكر وتسليمه نفسه للجيش اللبناني، بعد أيام من محاولة إحراق منزله في حي المنشية، ما أثار توتراً أمنياً في المنطقة.

وسجل المخيم سلسلة جرائم مروعة، أبرزها مقتل ثلاثة أفراد من عائلة واحدة في منطقة جبل الحليب، وجريمة قتل امرأة داخل منزلها في حي المنشية، إضافة إلى اعتداء مسلح استهدف ناشطاً إعلامياً، ووفاة شاب فلسطيني برصاص الجيش اللبناني عند مدخل المخيم.

صحياً، أُصيب 18 لاجئاً بمرض التهاب الكبد الفيروسي (A) نتيجة تلوث بئرين للمياه، جرى إيقافهما فوراً، فيما زادت تقليصات "أونروا" من معاناة السكان، خاصة في قطاعي الصحة والتعليم، ما أدى إلى احتجاجات واعتصامات واسعة.

وفي المقابل، شهد العام بعض المحطات الإيجابية، أبرزها السماح في تشرين الثاني/ نوفمبر بإدخال مواد البناء إلى المخيم بعد سنوات من المنع، وافتتاح أول مركز تسوق عصري (سنتر) داخل المخيم، في خطوة هدفت إلى دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل.

مخيم المية ومية – صيدا

شهد مخيم المية ومية تدهوراً في الأوضاع المعيشية والاجتماعية، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية وتداعيات الحرب على الجنوب اللبناني. وتأثر المخيم بشكل مباشر بالعدوان، حيث ارتقى شهيد من أبنائه جراء قصف استهدف مناطق جنوب لبنان، إلى جانب تسجيل بعض المشكلات الفردية المحدودة.

مخيم برج الشمالي – صور

عانى المخيم من أزمات معيشية وخدماتية متراكمة، شملت ضعف البنى التحتية ومشكلات الكهرباء والمياه، إضافة إلى تشديد السلطات اللبنانية على إدخال الأغراض المنزلية والأجهزة الكهربائية، ما فاقم الأعباء اليومية. كما بدأت التحضيرات العملية لإنشاء مقبرة جديدة لمعالجة أزمة امتلاء المقبرة القديمة، في ملف إنساني بالغ الحساسية، بالتوازي مع قلق واسع أثاره موضوع دمج المدارس.

مخيما البص والرشيدية – صور

سجّل المخيمان تفاقماً في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مع استمرار مشكلات السكن والاكتظاظ وغياب فرص العمل، وتأثرهما المباشر بتقليص خدمات "أونروا".

أمنياً، جرى تسليم سلاح من المخيمين للدولة اللبنانية، وسط قلق دائم نتيجة القصف "الإسرائيلي" المتكرر على المناطق المحيطة.

وفي شباط/ فبراير شيّع أهالي الرشيدية شهيداً من أبناء المخيم ارتقى في الجنوب اللبناني.

كما شهد المخيمان تطورات في ملف مكافحة المخدرات، تمثلت في تسليم أحد المروجين في الرشيدية كمية كبيرة من المخدرات بشكل طوعي، معلناً توبته واستعداده للتعاون مع الأجهزة الأمنية، إلى جانب تسجيل بعض المشكلات الفردية المحدودة.

تأثير الأحداث على تفاصيل الحياة اليومية للاجئين

عكست أحداث عام 2025 واقعاً هشاً في تفاصيل الحياة اليومية للاجئين الفلسطينيين، حيث تداخلت الأزمات المعيشية مع القلق الأمني والنفسي وتراجع الخدمات الأساسية، وهو ما عبّر عنه أبناء المخيمات في شهاداتهم.

"لا شيء يبشر بالخير" كما تقول حنان يوسف من مخيم عين الحلوة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "كانت سنة صعبة جداً، خاصة بعد المجزرة التي أدمت قلوبنا وفقدنا فيها شباباً في عمر الورد… ما زلنا نرتجف مع صوت الطيران ونعيش بخوف دائم، ولا يوجد ما يبشر بالخير في السنة القادمة".

تقليصات مستمرة وقلق دائم

وأضافت يوسف: "حتى صحتنا وتعليم أولادنا لم يسلم من الاستهداف… الغلاء فاحش، والمساعدة النقدية أوقفت، والتقليصات مستمرة على كل المستويات".

ومن مخيم الرشيدية، عبّرت سلوى رشيد عن القلق المستمر قائلة: "عشنا أسوأ أيام حياتنا… أصوات القصف لا تفارقنا، ونعيش ضغطاً نفسياً كبيراً بين الحرب وتقليصات الأونروا وتردي البيوت والمصاريف التي فاقت قدرتنا".

انهيارات اسقف وفياضانات وإغلاق مداخل المخيمات

وفي مخيم برج البراجنة، تحدثت خديجة أبو طاقة عن مخاوف يومية من الفيضانات وسوء البنى التحتية وانهيار الأسقف، مشيرة إلى أن مكافحة المخدرات كانت "النقطة الإيجابية الوحيدة" خلال العام، ومتمنية حلولاً جدية تضمن كرامة اللاجئين وأمنهم.

أما تميم أحمد، فاختصر معاناته بالقول: إن إغلاق مداخل المخيم "خنق حياتنا اليومية"، وأثر على العمل والتعليم، مضيفاً أن تقليصات الأونروا "زادت الطين بلة"، في ظل بطالة واسعة ورغبة متزايدة لدى الشباب في الهجرة.

وتكشف شهادات اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان أن عام 2025 كان عاماً مثقلاً بالخسارات والقلق اليومي، امتزج فيه الخوف من الحرب مع التدهور المعيشي وتقليص الخدمات، ما وضع اللاجئين أمام واقع يهدد حقوقهم الأساسية وحتى حياتهم. ومع اقتراب عام 2026، يأمل اللاجئون بتحرك جدي يعالج أزماتهم، ويحقق قدراً من الاستقرار يخفف من معاناتهم المستمرة.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد