بيروت - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
بقلم وسيم السلطي
الذاكرة الذاكرة، محرك الشقاء والألم لـ "اللاجئ الفلسطيني" بعد نكبته الأولى في العام 1948، لا يمكن أن يعبره عاماً إلا وأوجاعاً تتكرر جراء مرور تورايخ تحفر ألمًا في الذاكرة، مجازر واغتيالات ونكبات ونكسات واحتجاز واعتقال وقصف وحصار، بيد أن ما يؤرق الذاكرة أكثر تذكرها الماضي وإحيائه في ظل حاضر يشبه ما مرت به من قبل في ذاكرة أجدادنا وأبائنا.
فمالذي يجعل ذاكرة الفلسطيني حصن متين لحوادث وشهادات قاسية توجع القلب والبصر والضمير لما حصل وكأننا في وقتنا الحاضر نعيش مفرغين من الآلام.
في الوقت الذي نستذكر فيه المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين وبعض الميليشيات اللبنانية بحق اللاجئين منهم على أراضيها القرن الفائت، مثل مجرزة صبرا وشاتيلا التي يصادف ذكراها اليوم من العام 1982، يُرتَكب أبشع المجازر بحق اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية داخل سورية بعد العام 2011.
حصار لمخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق وقضاء الأطفال والشيوخ نتيجة نقص الأغذية والدواء، إلى الشمال في حندرات حيث أفرغ من سكانه بالكامل وتشرد لاجئيه، وفي الجنوب في مخيم درعا حيث 80% من مبانيه دمرتها المعارك بين قوات النظام السورية وقوات المعارضة المسلحة، إلى الوسط من الجغرافيا السورية حيث مخيم العائدين للاجئين الفلسطينيين في حمص واعتقالات بالجملة لشبانه.
ربما وعلى سبيل الإستعارة من الفيلسوف "ارتر شوبنهاور": "نحن نُحس بالألم إذ أصابنا .. ولا نحس بالخلو من الألم بعد فترة قصيرة من زواله"، فما أن نحس بألمنا ومصابنا الحالي، حتى نعود لألم ماضٍ لم يخلو منا ونستذكره.
أي نعم ممارسة الذكرى وطقوسها أمرٌ يساعد على تخليد المآسي وغيرها من فصول الحياة في الحرب والسلم، بيد أن الإحساس بالألم لمجزرة تعود إلى 34 عامًا وأنت تحيا ألم حاضر، هذا ما يبرهن على بشاعة وفظاعة ما حدث، لدرجة أثر تلك المجزرة وخلودها في كل مرة يدق ذكراها باب التاريخ من جديد.
وفي الوقت الذي ترى فيه أحد اللاجئين المحاصرين يحيي ذكرى مجرزة صبرا وشاتيلا في مخيم اليرموك وسط أحلك الظروف التي يعيشها وأكثرها ظلامًا في ظل وجود تنظيم "داعش" الإرهابي الدموي الذي يحاصره في مخيمه، لهو دليل بقاء المجزرة وتاريخها وأثرها، ومحاولة للقول بأن القاتل واحد ومن يريد إنهاء الوجود الفلسطيني واحد، ذات الأسلوب وذات الطريقة في الحصار والقصف والقتل الجماعي، وأننا نحي ما نحي من تاريخنا للتذكير بأن حقنا لا يموت، ونستذكر مجازرنا القديمة ونحن نعيش مجازر حاضرة للقول بأن حرب يخوضها اللاجئ الفلسطيني لإثبات وجوده مقابل آخر يريد نفيه، وأنه مهما ارتكب مجازر لن ننسى الوجود وجودنا، هي معركة وجود إذن، التاريخ أبقاها وهناك من يحاول مسحها بجرائم أخرى.
كيف ننسى وما زلنا نمارس زيارات إلى كتب التاريخ والأفلام الوثائقية التي تروي مأساة كبيرة بحجم مجزرة صبرا وشاتيلا من العام 1982، وما زلنا نستمع بشكل دوري إلى قصص الأجداد ممن حضروا نكباتنا في فلسطين والأردن ولبنان في سبعينات وثمانينات القرن الفائت، منهم من كان مقاتل ينتمي لأحد الفصائل وقتها، وأحدهم مفكر وآخر صحافي، بهدف معرفة التاريخ تاريخنا من أفواههم بعيدًا عن روايات منحازة وتأويلاتها و"حقائقها".
إذًا،هو امتداد الألم والوجع والمصير ذاته للاجئ منذ مجازر الأردن ولبنان، من النكبة إلى المجازر اللاحقة وهي مستمرة بوجود فاعليها وعدم محاسبتهم ومقاضاتهم لقتل آلاف اللاجئين وتعذيبهم بشتى الطرق والوسائل وبالتعاون مع الاحتلال الصهيوني، ولو لم يكن له تواجد مباشر، بيد أن ما يبتغيه يتحقق عندما يرى اللاجئون محاصرون ومهانون، يقصفون ويقضون جوعًا، ما يريده الاحتلال يتحقق عندما يشاهد اللاجئون يتشردون ويهجرون منازلهم عبر الحدود والمعابر الخطرة بين الدول التي تمنعهم دخول أراضيها بطرق قانونية.