السويد - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
باسل أبو حمدة
ليس غريباً أن يحتفظ عيد أبو خميس المتحدث باسم المجتمعات البدوية في القدس وأحد سكان قرية خان الأحمر بشيء من الأمل في رفع جور الاحتلال واستعادة مفردات حياته اليومية من براثن آلة العدوان الاسرائيلية وسرطان التمدد الاستيطاني الكاسح في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن الغريب أن يعلّق هذا المناضل الفلسطيني ذلك الأمل على جدران أروقة من سلبوه أرضه وحلمه سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة داعياً المجتمع الدولي بمنظماته الرسمية وغير الرسمية إلى التحرك للضغط على دولة الاحتلال لوقف محاولات تهجير الفلسطينيين بمعول الاستيطان الذي يبتلع في طريقه كل تلك المفردات ويسحق تطلعات سكان قريته خان الأحمر في نيل قسط من التعليم والصحة والحياة الكريمة في أبسط تجلياتها.
موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين التقى الناشط الفلسطيني عيد أبو خميس في مدينة غوتينبيرغ السويدية على هامش مجموعة من اللقاءات والندوات التي نظمتها منظمات للمجتمع المدني السويدي والتي دعي الناشط الفلسطيني للمشاركة فيها إلى جانب عدد من الباحثين والأكاديميين والبرلمانيين السويديين والأوروبيين، وسلطت خلالها الضوء على معاناة سكان قرية خان الأحمر والمجتمعات البدوية في القدس لا سيما بعد أن أخطرتهم المحكمة العليا لدولة الاحتلال، مؤخراً، بأنها تخطط لتدمير القرية التي يقطنها 127 شخصاً وتقع بين مستوطنتي كفر أدوميم ومعاليه أدوميم في منتصف عام 2018.
يحمل عيد أبو خميس رسالة عرب الجهالين ويطوف بها العالم شارحاً ما يتعرضون له من أوجه القمع والاضطهاد والتهجير من بيوتهم المشيدة من الصفيح وألواح الخشب على يد سلطة الاحتلال منذ أن حلت بهم،أسوة ببقية سكان فلسطين، نكبة عام 1948 وإعلان قيام دولة الاحتلال،حيث يوضح أن قبيلة الجهالين التي يعود أصلها إلى منطقة تل عراد الواقعة جنوب صحراء النقب، هجرت عام 1951 وليس عام 1948، وذلك لأن شيوخ القبيلة رفضوا التحاق أبنائهم في صفوف قوات الاحتلال لأسباب وطنية، فهاجمت عصاباتي "شتيرن" و"الهاغانا" الصهيونيتين في شهر نيسان من عام 1951 مضاربهم في منطقة النقب وقتلوا خمسة رجال منهم فضلا عن قتل المئات من رؤوس الغنم والماعز والجمال، ما دفعهم إلى الهرب إلى منطقة تقع شرقي مدينة الخليل كانت تتبع إدارياً للحكومة الأردنية وحينها تدخلت منظمة الصليب الأحمر الدولي وأجرت مفاوضات مع سلطة الاحتلال لإعادتهم إلى أراضيهم في منطقة النقب تلقوا الكثير من الوعود بذلك دون جدوى، ما أبقاهم في المناطق التي نزحوا إليها شرقي الخليل في منطقة يطا وسوسيا حتى يومنا هذا، حيث سجلتهم "الأونروا" كلاجئين، وحيث يتوفر في هذه المنطقة أهم عنصرين يحتاجهما البدو وهما المياه والمراعي.
لكن المشاكل الكبرى التي تعرض ويتعرض لها عرب الجهالين بدأت فعليا بعد احتلال بقية الأراضي الفلسطينية عام1967، وذلك عندما وضعت قوات جيش الاحتلال يدها على أراضيهم الجديدة قبل أن تعمد إلى تسليمها إلى قطعان المستوطنين، اللذين لا يعتبرهم أبو خميس فوق القانون فحسب بل يقول إن المستوطنين هم الدولة ذاتها في واقع الأمر، موضحاً أن المستوطنة القريبة مما تبقى له من أرض تضم منازل أربعة من أعضاء البرلمان الاسرائيلي، فضلاً عن أن سلسلة من المستوطنات باتت تلتف كحبل المشنقة حول رقاب سكان المنطقة وأن قوات الاحتلال عمدت على مر الوقت إلى رمي دمى وألعاب وأقلام وحلوى ملغمة بالمتفجرات ومادة الفسفور الحارقة على إمتداد مراعيهم بهدف دفعهم إلى الرحيل ما خلف العديد من الإعاقات البشرية بين أبناء قبيلة الجهالين، مثلما عمدت إلى حظر بناء المدارس ورياض الأطفال والعيادات الطبية والمساجد وحتى المراحيض التي يصار إلى هدمها في كل مرة يحاول الفلسطينيون بناء أي منها، والهدف هو الاستيلاء على المنطقة الجغرافية الممتدة من القدس إلى البحر الميت حيث تم إغلاق الجهات الشمالية والغربية والجنوبية من منطقة القدس بالمستوطنات ولم يتبق أمام الفلسطينيين سوى الجهة الشرقية التي يعيش على أراضيها عرب الجهالين والتي أقيمت عليها مستوطة "معاليم أدونيم"، وبذلك ينتهي حلم العرب بإقامة دولة فلسطين وينتهي معها حل الدولتين بطبيعة الحال، ما يشكل رصاصة الرحمة التي تطلقها دولة الاحتلال في جسد عملية السلام على حد تعبير أبو خميس.
على المقلب الآخر من المعادلة، أي السلطة الفلسطينية ومسؤوليتها حيال هذا الوضع الاستيطاني الكارثي الذي يعيشه أبناء عرب الجهالين وفلسطينيو الضفة الغربية عموماً، يوضح أبو خميس أن المنطقة التي تقع فيها قرية خان الأحمر تحسب على ما يعرف بالمنطقة "سي" وفق مخرجات معاهدة أوسلو، ويضيف في هذا السياق،أن السلطة الفلسطينية علقت حبل المشنقة لنفسها بيدها عندما وقعت هذه الإتفاقية، التي تعني كما يقول أبو خميس، أن مناطق"سي" تشكل ما نسبته 62% من الضفة الغربية حيث لا يحق لأي مسؤول فلسطيني سواء كان وزيراً أو رئيس وزراء الدخول إلى هذه المناطق إلا بتصريح من الاحتلال، وبهذا تكون السلطة قد كبلت نفسها بنفسها أو بالأحرى تنازلت عن مناطق "سي".
أما نضالات عرب الجهالين وتحركاتهم وحراكهم في سبيل توفير مقومات صمودهم على أرضهم في وجه آلة الاقتلاع الصهيونية فهي تتفرع إلى ثلاثة اتجاهات، أولها حكومة الاحتلال وثانيها مؤسسة السلطة الفلسطينية وثالثها المجتع الدولي حيث يواجهون في الحالة الأولى ما يسمى بمحكمة العدل العليا "الاسرائيلية" فقط والمتخصصة بمناطق "سي"، التي تشكل بتكاليفها عبئاً اقتصادياً يفوق طاقاتهم المالية فضلاً عن أن القاضي الأول فيها هو مستوطن يقيم في مستوطة "كفار عسيوط" والقانون هو قانون احتلال، وهذا ما يجعل عرب الجهالين يعولون على المجتمع الدولي لأنه، كما يقول أبو خميس، أكثر جهة في المعادلة التي تناصر الشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق زار أبو خميس البرلمان البريطاني في لندن ومقر الأمم المتحدة في نيويورك والعديد من العواصم الأوروبية، التي حضر قناصل بلدانها في الدولة العبرية جلسة عقدتها المحكمة العليا "الاسرائيلية" للبت في شأن هدم مدرسة قرية خان الأحمرالمتواضعة قبل بضعة أشهر ما شكل عاملاً ضاغطاً على المحكمة التي أصدرت حكما لصالح بقاء المدرسة وعدم هدمها.
وفي ما يخص السلطة الفلسطينية، يقول أبو خميس إن الوزراء الذين لم ندعوهم لزيارة قريتنا حملنا إليهم أوراقنا وملفاتنا وذهبنا إلى مكاتبهم في رام الله، من وزير الصحة، الزراعة، التعليم ووزراء ومسؤولين آخرين لكن دون جدوى، لا بل إن بعض منازل البدو الفلسطينيين الذي يعيشون في المنطقة "أ" تعرضت للهدم بأوامر من السلطة نفسها أو هي مهددة بذلك، حيث يؤكد الناشط الفلسطيني أنه تم هدم تجمعات سكانية بدوية فلسطينية في الضفة الغربية على يد السلطة الفلسطينية، علماً بأن تلك التجمعات تفتقر لأبسط مقومات الحياة مثل المدارس والشوارع والعيادات الطبية بينما تمكن نظرائهم من مناطق "سي" من بناء أربع مدارس عن طريق دعم المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني.