الأردن - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
أسماء عوّاد
عندما تم اقتراح هذه المادة، انطلقت ضحكة مريرة منّي وأنا أدوّن في دفتر الملاحظات الصغير: اللاجئون الفلسطينيون من سوريا في الأردن. ضحكة مليئة بالأسى عمّن لاحقهم اللجوء مرة أخرى؛ جيل فلسطيني جديد كان يعتقد أن سوريا محطة اللجوء الأخيرة، عَبَرَ طريقًا من الآلام، لكنّها الحرب حيث تكون يُصبح كل الظلم مباح.
في مُستهل حديثي، وجب القول إنّ موضوع هذه المادة قد يبدو للكثيرين وكأنه خبر عادي جاف، يسرد أرقاماً وإحصاءات، ولكن على أرض الواقع كان الأمر أصعب ممّا توقعت والمعلومات حوله شحيحة ويشوبها حذر كبير؛ فلا تقارير محلية دقيقة تتضمّن أعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين عبروا للجانب الأردني قادمين من مخيّمات اللجوء في سوريا وبالأخص مخيّم درعا القريب من الحدود.
بدأت البحث قاصدةً ما أوردته تقارير المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، وكل الطرق أخذتني إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى UNRWA، حيث تضمّن تقريراً صادر عنها تناول أزمة سوريا الإقليمية بعنوان "النداء الطارئ 2017"، أنّ عدد الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى الأردن 16,776 شخصًا يُمثّلون 4,047 عائلة، دخلوا إلى الأردن بشكلٍ غير منتظم بموجب وثائق ثبوتية أردنيّة ومنهم بدونها، وهؤلاء وإن كانوا لا يُقيمون في مخيّمات اللجوء السوري في الأردن إلّا أنّ أعدادًا كبيرة منهم توجّهت لـ "الأونروا" طلبًا للمساعدة، حيث صنّفت الوكالة الأمميّة ما نسبته 45 بالمائة منهم بمستوى "ضعفاء جدًا" وبحاجة للمساعدة، لا سيّما في مجال الصحة والتعليم والغذاء.
لكن ماذا عن العائلات التي لا تحمل وثائق ثبوتيّة أردنيّة؟ "أي اللاجئين الرسميين المسجلين في سوريا"
في بداية الأزمة السورية كان حرس الحدود يُدخِل كل من قصد الأردن هربًا من الحرب الدائرة في سوريا، وبعد تسجيلهم بشكلٍ رسمي يتم نقلهم بشكل مبدئي إلى سكن "البشابشة" وهو عبارة عن ست أبنية تم إيواء العائلات السورية والفلسطينية فيها، حتى المساعدات التي كانوا يحصلون عليها كانت تأتيهم على شكل تبرعات شخصية من سكان المنطقة وبعض الجمعيّات الخيرية.
في بداية عام 2013، تنبّهت الحكومة الأردنية لموضوع اللاجئين الفلسطينيين فمنعت دخولهم عبر الحدود بشكلٍ قطعي، لكن توافدهم لم يتوقف فأصبحوا يعبرون الحدود بوثائق سورية مزوّرة حصلوا عليها بعدة طرق، وانخرطوا في مُخيّمات اللجوء السورية وكأنهم سوريون بالأصل. لا توجد أرقام دقيقة عن هذه الفئة، وإذا اكتشفت الحكومة الأردنية أمرهم تقوم بقذفهم (هذا هو المصطلح المستخدم لإرجاعهم) على الجانب السوري الذي كانت تُسيطر عليه المعارضة السورية والآن تجري التفاهمات بخصوصه.
يروي لي أحد الأشخاص قصة فلسطيني، أمّن له أحدهم أوراق ثبوتيّة تعود لشخص سوري "ميّت"، دخل بها إلى الأردن وعندما اضطر لتجديدها اكتشف أنّ الشخص (صاحب الهوية) على قيد الحياة فافتضح أمره وقامت السلطات الأردنية بإرجاعه إلى سوريا.
بالعودة لأفواج اللاجئين الفلسطينيين الأولى والتي كانت موجودة في سكن البشابشة، وهم قرابة 70 عائلة أو أكثر بقليل، تم نقلهم لسكن "سايبر ستي" وهو سكن مهجور للعمالة الوافدة الآسيوية قريب من مدينة الحسن الصناعية شمالي الأردن. لمدة ثلاث سنوات أقام ما يقارب من 500 فلسطيني وسوري في سجن يُسمّى "سايبر سيتي" يُمنع عليهم الخروج منه وكانت تراقبه قوات الأمن بشكل مباشر.
المبنى بحد ذاته غير صحي ويفتقر للتهوئة ومساحة غرفه صغيرة ومرافقه غير مناسبة لحياة كريمة، كان يُحظّر على الصحافة دخوله، وكل التقارير التي تم إعدادها عنه كانت من قِبل صحافيين متخفّين، وحتى الصور المنشورة هي صور غير رسميّة.
المساعدات التي قدمت للمُحتجزين (كانت إقامتهم أشبه ما يكون باحتجاز حيث التكفيل والخروج ممنوع على الفلسطينيين) من الأمم المتحدة قليلة، ويُذكر قيام اللاجئين في "سايبر سيتي" بإضراب عن قبول الطعام من الأمم المتحدة لمدة شهر احتجاجًا على كميّته وجودته، من ناحية أخرى كانت تأتيهم تبرعات عينيّة من جمعيات خيريّة وأفراد، هذه التبرعات تُغطي الحاجات الأساسيّة فقط وخصوصاً للأطفال.
يُذكر أنّ لا خدمات تعليمية ولا صحيّة حقيقية كانت تُقدم داخل "سايبر سيتي". في ظل هذه الظروف السيئة كان هناك أربع محاولات انتحار بسبب الضغوط النفسية، كما سُجلت أيضاً عدة حالات هروب فردية منه قبل أن يتم تفريغه وإقفاله في نهاية عام 2016 ونُقل اللاجئين الفلسطينيين الموجودين فيه إلى سكن الحديقة في الرمثا.
سكن الحديقة، هو مخيّم آخر للاجئين، تتواجد فيه قرابة 400 عائلة بحسب معلومات من اشخاص يعملون في جمعيات خيرية، وهناك رقم غير رسمي يقول إنّ عدد العائلات الفلسطينية المنقول إليه قبل أربع اشهر هو 55 عائلة تعيش في كرافانات، ولكن أصبح بإمكان المُقيمين فيه الخروج في إجازة ليوم واحد مع بقاء أحد أفراد العائلة فيه كضمان لحين عودتهم.
من الصعب الحصول على موافقة رسميّة لدخول سكن الحديقة، لذلك لا معلومات دقيقة عنه، وهل تم نقل اللاجئين المُقيمين فيه لمخيّمات أخرى مثل الأزرق والزعتري وما طبيعة الخدمات المُقدّمة، وفي ظل شُح المعلومات لا يمكننا معرفة عدد الأفراد الذين حصلوا على لجوء لبلدان خارج الأردن.
انصبّ اهتمام المنظمات الدولية والحكومات العالمية بشكل أساسي على اللاجئين السوريين الذين لا يعيشون في بحبوحة بالضرورة؛ ففي النهاية اللجوء ليس نزهة ولا استجمام، ومؤخرًا بدأ الجميع يتململ من قضيتهم وهذا يتضح من خلال عدم الوفاء بالوعود الخاصة بتحويل المبالغ التي تم التعهد بتقديمها إلى الدول التي تستضيف اللاجئين، في المقابل استمرت عملية استقبال اللاجئين السوريين في بلدان أخرى وإن أصبحت بوتيرة أقل إلّا أنها موجودة وتُمثّل جانباً آخر لموضوع اللجوء ألا وهو "التوطين".
في الساحة الأردنية ترتبط كلمة توطين بمسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين وعلاقة ذلك بمشروع الوطن البديل وإسقاط حق العودة. لكن التوطين بعد الحرب في سوريا أصبح في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، حيث تستقبل الحكومات الغربيّة اللاجئين وتدمجهم في مجتمعاتها بعد أن يصلوها بطرق شتى منها رحلات قوارب الموت عبر البحر. بالتوازي مع توطين اللاجئين السوريين فإنّ آلاف اللاجئين الفلسطينيين من سوريا قد تم توطينهم بالفعل في تلك البلدان ومنهم من كان موجود في "سايبر سيتي" أو في المخيّمات الأخرى المُقامة في الأردن. آلاف من اللاجئين حصلوا على الجنسيات الأجنبية وكأنه تفريغ ناعم للفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في سوريا.
إذًا، أين ذهبوا؟
بعد البحث عنهم وفي محاولة لعدم إثارة أية مشكلة، يمكن القول أنهم إمّا سافروا وتم توطينهم في بلدان أخرى، أو أنهم يُقيمون في التجمّعات السكانية أو في مخيّمات اللجوء الرسميّة في الأردن كسوريين يحملون وثائق مزوّرة وسرعان ما ستكتشفهم السلطات وتقذفهم للأراضي السورية، أو في المخيّمات المُخصصة لهم بصفتهم لاجئين فلسطينيين من سوريا في الأردن.