الناصرة – «القدس العربي»: فيما تعرض الرئيس الفلسطيني ومرافقوه لانتقادات لاذعة وساخرة من الشارع الفلسطيني لمشاركتهم في تشييع جثمان رئيس إسرائيل شيمعون بيريز، فقد تجاهلهم الساسة الإسرائيليون وذوو بيريز نفسه في كلماتهم، وسط ترحيب برؤساء وملوك كثر وذكرهم بالاسم. نتنياهو الذي التقى عباس في باحة تشييع الجثمان بشكل عابر بعد ست سنوات من لقاء ثنائي جمعهما توقف عند مصافحته وتبادلا المجاملات لمدة خمسين ثانية قبل افتراق طريقهما مجددا وبدت شارات الارتباك عليهما.
«منذ زمن لم نرك» قال عباس لنتنياهو الذي رد بالمجاملة «أهلا وسهلا بك». وفي كلمته بالانكليزية حرص نتنياهو على الترحيب بأمير لوكسمبورغ لكنه لم يجد كلمة ترحيب واحدة بالرئيس عباس الذي شارك في مراسم التشييع تحت وابل من الانتقادات الفلسطينية والعربية. وهكذا فعل بقية الخطباء الإسرائيليون الذين تجاهلوا أيضا موضوع السلام عدا الأديب عاموس عوز الذي استذكر اتفاق أوسلو. بخلاف رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين الذي اعتذر لبيريز عن التحريض الذي تعرض له من أوساط اليمين في تسعينيات القرن الماضي عقب توقيع اتفاق أوسلو في 1993 فقد تركز حديث رئيس حكومتها نتنياهو على نفسه وعن «صداقته وقربه» من الراحل، ولم يعتذر عن مشاركته بمظاهرات تحريض ضده وضد رفيقه اسحق رابين الذي اغتيل على خلفية هذا التحريض عام 1995. واستذكر نتنياهو نقاشاته مع بيريز حول السلام والأمن، وقال إنه يؤمن أن الأول يتحقق عندما يتوفر الثاني وليس العكس، كما اعتقد بيريز، وخلص للقول «كلانا محق» محاولا بذلك التغطية على تحريضه ضد بيريز وقتها وساعيا لوضع ذاته بمصاف بيريز كمؤسس بارز جدا لإسرائيل.
بيد أن الأديب المحسوب على اليسار الصهيوني عاموس عوز الذي تحدث في التأبين بطلب من عائلة بيريز قام بتمزيق القناع الذي تخفى خلفه نتنياهو طارحا موضوع السلام مع الفلسطينيين في جوهر كلمته، معتبرا ذلك القسم الأبرز في إرث بيريز السياسي. وأكد على أن السلام ضرورة وحتمي وأنه لا مناص من تقسيم البلاد ومن تقسيم البيت لشقتين وعائلتين لكل منهما مدخلها. عوز وهو من أنصار تسوية الدولتين وحزب «ميرتس» تضمنت كلمته لسعة لنتنياهو بقوله «عميقا في القلب كلنا ندرك ذلك ولكن أين القادة الشجعان لمواصلة طريق بيريز؟».
وهكذا تضمنت كلمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مستهلها تذكيرا بأن الفلسطينيين موجودون بقوله «إن وجود الرئيس عباس هنا اليوم يذكر بمهمة أو عمل لم يستكمل بعد وهو يتعلق بإنجاز السلام». وأشاد أوباما ببيريز وانحاز لرؤيته بعكس رؤية نتنياهو بقوله إنه فهم بأن إسرائيل آمنة أكثر بعد توقيع اتفاقات سلام مع جاراتها وفاضل بالتلميح بين الاحتلال للأرض الفلسطينية وبين السود في الولايات المتحدة. وكسابقه الرئيس الأسبق بيل كلينتون نفى أوباما عن بيريز صفة المثالي المنقطع عن الواقع بقوله «من معرفتي له أعرف أن سعيه للسلام لم يكن يوما ساذجا والمسؤولية لتحقيق ملقاة على متممي طريقه».
وتحدث أوباما عن بيريز كقائد عالمي كبير بمنزلة نيلسون مانديلا. وقال إن الراحل لم يفكر يوما في استطلاع الرأي وفي شعبيته وفي البقاء بالحكم بل سعى لتحقيق ما آمن به، وربما تفسر هذه لسعة أخرى لنتنياهو على خلفية الخلاف شبه المعلن في مواقفهما خلال السنوات الأخيرة. بيد أن أوباما أغدق على إسرائيل المديح معتبرا بيريز جزءا من إسرائيل التي تربى على معرفتها كـ «مجتمع مثالي» من أصدقائه اليهود الليبراليين في شيكاغو، ومن الصهيونية التي في قلبها عدالة وأمل وسلام».
واعتبرت بعض أوساط المعارضة ملاحظة أوباما هذه تعبيرا عن خيبة أمل من تغير إسرائيل بصفتها المذكورة، وأن رحيل بيريز هو أحد رموز هذا التحول.
بين هذه اللسعة وتلك شكلت جنازة بيريز التي شاركت بها سبعون بعثة من العالم تظاهرة لدعم إسرائيل لا سيما وأن وفدا فلسطينيا ووفودا عربيا أيضا شاركت بها من مصر والأردن والمغرب وعمان والسلطة الفلسطينية. وبإجماع مراقبين كثر لم تشهد إسرائيل جنازة بهذه الضخامة ولا حدثا دوليا كهذا مما يفسر بكاءها على بيريز واهتمامها الكبير بطقوس تشييعه باعتبار أنها بكت على ذاتها .
والى حد بعيد بكت إسرائيل صانع مفاعل ديمونا للسلاح النووي، ولكن ليس فقط بل فقدت «الأب» أو «الأخ الكبير» الدبلوماسي الثعلب المحامي عنها في العالم ومانح الثقة والشعور بالأمان» آخر مؤسسيها، دون أن تستقر بعد في ميناء آمن وتواجهها تحديات حقيقية خطيرة، وإن كانت داخلية أكثر منها خارجية كما حذر رئيس سابق للموساد، وهو إفرايم هليفي أمس.