محمود زيات
توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم يعد «فزَّاعة»، مع دخول القضية الفلسطينية عصر الاستهدافات الأميركية التي تهدد الهوية الفلسطينية في جوهرها، والتي بدأت بقرار استفزَّ عالم.. باعتبار القدس «عاصمة» للكيان الإسرائيلي، بالتزامن مع رفع وتيرة الحصار على المؤسسات الدولية الراعية لشؤون اكثر من ستة ملايين لاجىء فلسطيني يقيمون في مخيمات في قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا والأردن ولبنان،بعد التلويح الاميركي بوقف المساعدات التي تُمنح للوكالة.
جملة من المستجدات المتسارعة سجلها اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في لبنان، شكلت هواجس ومخاوف من المصير الآتي وبالا من الإدارة الأميركية التي صعدت مؤخراً من استهدافاتها لقضية الشعب الفلسطيني، بسلسلة خطوات استفزت العالم، بدأت بإعتراف القدس «عاصمة» للكيان الإسرائيلي، مع إشارات وتلميحات حول مصير اللاجئين وتوطينهم في الدول التي تستضيفهم، فيما وجد قادة الاحتلال، أن الظرف الأميركي مؤات لضم القدس والمستوطنات القائمة في الضفة الغربية والجولان السوري المحتل، ويبقى الأخطر الاستهدافات الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التي يعتبرها اللاجئون إنها المنتفس الحياتي لهم. هذه الأجواء التي تتزامن مع مواجهات للشعب الفلسطيني رفضا لتهديد عروبة القدس ومحاولات تهويدها وإعتبارها عاصمة الكيان الإسرائيلي، أعادت إلى أذهان الفلسطينيين ما رُسم قبل سنوات على طاولة صنَّاع القرار الدولي، من مشاريع تذويب مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة، تمهيداً لتجنيسهم وصولاً إلى التوطين، بالرغم من أن فريقاً سياسياً لبنانياً ما زال يُصر على وصف مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان، بـ «الفزَّاعة»!.
التلويح الأميركي بوقف المساعدات الأميركية لوكالة «الأونروا»، وصلت أصداؤه إلى داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث تبلغ قيمة التمويل الأميركي للوكالة 125 مليون دولار أميركي، مقابل 143 مليون دولار أميركي يقدمها الاتحاد الأوروبي، فيما تمنح ألمانيا الوكالة 76 مليون دولاراً أميركياً، والسويد 61 مليون دولار فيما بريطانيا تمنحها 60 مليون دولار و43 مليون دولار من اليابان وسويسرا 26 مليون دولار والنرويج 26 مليون دولار وهولندا 20 مليون دولار،تخصص للتنمية البشرية وخدمات التعليم والرعاية الصحية التي تقدم للاجئين الفلسطينيين يقيمون في مخيمات في سوريا والإردن ولبنان، ما أنذرهم بتهديدات تطال مصيرهم، وبالقدر الذي رحب فيه الكيان الغسرائيلي بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس كـ «عاصمة» للإسرائيليين، لاقى التلويح الأميركي بوقف المساعدات لوكالة «الأونروا»، تحت حجة أن الفلسطينيين لا يريدون «السلام» ولا العودة مجدداً إلى المفاوضات مع الإسرائيليين، فلماذا ينبغي علينا أن ندفع لهم هذه المدفوعات المستقبلية الضخمة؟، نحن ندفع للفلسطينيين مئات ملايين الدولارات (!) سنوياً ولا ننال أي تقدير أو احترام، وفق ما قاله الرئيس الأميركي، فيما ألمحت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة إلى أن بلادها ستوقف مساهماتها المالية لوكالة «الأونروا»، لإجبار الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل.
استهدافات أميركية وإسرائيلية و«أممية».. لشطب حق عودة اللاجئين
ويؤكد قيادي فلسطيني على علاقة وثيقة بالسلطة الفلسطينية في رام الله، أن طلباً إسرائيلياً وصل إلى مكتب الرئيس الأميركي، حول ضرورة ممارسة الضغوط اللازمة لطرح ملف وكالة «الأونروا» على طاولة الامم المتحدة، والبحث في جدوى وجودها، في محاولة لتصفية قضية اللاجئين والقفز فوق قرار الأمم المتحدة رقم 194 المتعلق بعودة اللاجئين إلى ديارهم، لافتاً إلى أنه في حزيران العام 2017، وانسجاما مع السياسة الإسرائيلية الساعية إلى شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى حل الوكالة أو دمجها مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بحيث لا يعود وجود لاي مؤسسة ترتبط حصراً باللاجئين الفلسطينيين.
ويرى القيادي أن محاولات شطب حق العودة الذي شكل في كل جولات المفاوضات التي قامت بها القيادة الفلسطينية مع العدو الإسرائيلي ملفاً شائكاً ومعقداً، ولاقى استنفاراً إسرائيلياً وأميركياً مع كل جلسة يُفتح فيها الملف، إلى أن تم ترحيله إلى مفاوصات الحل النهائي الذي لن يُولد في مثل هذه الظروف الضاغطة أميركياً وإسرائيلياً، مع تصنيف الفلسطينيين لاجئين عام 1948 وغير لاجئين عام 1967، وتفكيك الوحدة الديموغرافية للشعب الفلسطيني، والجميع يذكر أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كان متحمساً جدا لنزع سلاح المخيمات في لبنان، بل أنه أكد أن هذا السلاح بات عبئاً، وبهذا يكون عباس قد سعى الى إسقاط مقولة «أن السلاح الفلسطيني مرتبط بحق العودة»، فيما الظروف في لبنان لم تنضج بعد لتسوية هذا الملف، من دون أن يُستبعدَ أن يكون مطروحاً في المستقبل، سيما وأن الورشة الرسمية اللبنانية ناشطة في تعداد اللاجئين الفلسطينيين التي استقرت «بورصتها»: على 174 ألف لاجىء فلسطيني، في توقيت أحدث جملة من التساؤلات السياسية الكبرى المتعلقة بمصير الوجود الفلسطيني في لبنان.
كثيرة هي الدول العربية المتواطئة مع تذويب حالة اللجوء الفلسطيني، يقول القيادي الفلسطيني، من خلال تجنيس كتل شعبية بالمفرق، يلي ذلك سيناريوهات معدة سلفاً، عن التوطين، من خلال إغراءات تُقدمها عواصم القرار الدولي للدول المضيفة ومنها لبنان، فيما إستمرار التضييق على الواقع الاجتماعي والحياتي للاجئين الفلسطينيين في المخيمات من شأنه أن يدفع بالعديد من اللاجئين إلى الاقبال على تقبل التجنيس والتوطين، طالما أن الافق مسدود أمامه، وطالما أنه محروم عليه الهجرة إلى أي دولة في العالم، بينما وكالة «الأونروا» تستقيل شيئاً فشيئاً من دورها في رعاية اللاجئين، في ظل سياسة التضييق التي تمارسها الحكومات اللبنانية المتعاقبة، وهي سياسة لا تشكل هي الحافز لتمسك الفلسطينيين بحق العودة، بحيث تمنع الفلسطيني حق التملك والبناء والعمل في أكثر من 60 مهنة، ما أدى إلى إرتفاع نسبة البطالة التي تتجاوز الـ 70 بالمئة، فيما النسبة المتبقية تعتاش من العمل المأجور بصورة يومية، مع قلة قليلة يستفيدون من وظائف وكالة الأونروا في مجال التعليم والطبابة والهندسة. ويعتبر أن انعكاسات قرار الرئيس الاميركي بتهويد القدس من خلال السعي لتكريسها عاصمة للدولة اليهوية فوق أرض فلسطين، تمهد الطريق أمام تمرير شطب حق عودة اللاجئين من دول الشتات ومنها لبنان، إلى وطنهم، وانتظار المناخ الملائم لتجنيسهم وتوطينهم، ولو على دفعات، كما حصل في حكومات ما بعد اتفاق الطائف، حيث تم تجنيس مئات اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في المخيمات، ويلفت إلى أن قياديين فلسطينيين في الداخل الفلسطيني، تحدثوا عن أن المفاوضين الفلسطينيين، وفي جولات المفاوضات في أوسلو ومدريد، كانوا يتعرضون لضغوط إسرائيلية وأميركية ترفض البحث في مصير اللاجئين الفلسطينيين، ودفعهم إلى تقديم تنازلات مؤلمة بالنسبة لموضوع اللاجئين؟.
مخاوف فلسطينية من تصفية وكالة «الأونروا».. ومن التوطين
بكثير من الريبة، يُتابع اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في لبنان، التلويح الأميركي بوقف المساعدات التي تقدمها الإدارة الأميركية إلى وكالة «الأونروا» التابعة للامم المتحدة، والتي تقدم خدماتها الصحية والتربوية والإنمائية لاكثر من ستة ملايين لاجىء، وسط مخاوف حملوها خلال العقدين الماضيين، من أن تؤدي سياسات تقليص الخدمات الصحية والتربوية التي يتلقونها من الامم المتحدة عبر الوكالة، إلى إنهاء دورها، وهم لطالما واكبوا سياسات الحصار التي مورست عليهم، من خلال انخفاض مستوى الخدمات إلى ما دون الحد الادنى، ما أدخلهم في معاناة لا تنتهي، عجزت مؤسسات السلطة الفلسطينية في رام الله عن التخفيف من وطأتها، فيما المخاوف تكبر في أوساط الفلسطينيين من أن الاستهداف ترتفع وتيرته من أجل فرض مشروع توطين اللاجئين في الدول المضيفة.
ويرى مسؤول الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في مخيم عين الحلوة فؤاد عثمان أن أولى إنذارات توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة، التآمر الذي يجري على وكالة «الاونروا» من أجل إلغاء دورها الرعائي لمئات الآلاف من اللاجئين في لبنان وسوريا والاردن والضفة الغربية وقطاع غزة، وشطب قضية اللاجئين وحقهم في العودة، يبدأ بوقف العمل في « الأونروا»، وما يجري اليوم هو وضع الوكالة في دائرة العجز مالياً والتقليص التدريجي لخدماتها، وتلويح الإدارة الأميركية بوقف مساعداتها للوكالة والبالغة 125 مليون دولار، تندرج في هذا الاطار، فالوكالة لم تعد قادرة على الاستمرار بعملها الطبيعي الذي يتلائم وحاجات اللاجئين الفلسطينيين، يلفت إلى هناك بوادر تنذر بوقف توظيف الفلسطينيين في دوائر ومصالح الوكالة، والعمل بالبطاقة الشخصية للإعاشة، لشطب كل المسافرين. ويرى.. أن خطورة سياسة الحصار التي تمارس على اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، والتي من شأنها أن تؤدي إلى رفع نسبة البطالة في صفوف اللاجئين إلى 90 بالمئة، ستدفع بتسويق مشروع التوطين، من ضمن الحلول المطروحة أمام الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وهم جزء من مجموع اللاجئين الستة ملايين لاجىء ويزيد.
فيما يعتبر أمين سر «التجمع الوطني لأسر شهداء فلسطين» في لبنان عصام الحلبي، أن الفلسطينيين تلقوا التهديدات الاميركية بوقف المساعدة لـ «الأونروا» بقلق شديد، ويصب في خانة الضغوط التي تمارس على الشعب الفلسطيني وقيادته من أجل الانصياع والخضوع للإملاءات الأميركية والإسرائيلية، والقبول بما أطلق عليه «صفقة العصر» والتي كانت أول خطواتها إعلان الرئيس الأميركي القدس «عاصمة» للكيان الاسرائيلي، وهي خطوة خطيرة ستطال تداعياتها ملف عودة اللاجئين، مثلما طالت ضم القدس والمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، لقطع الطريق أمام اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، في إطار «الحل النهائي». ويشير إلى أن وكالة «الأونروا» بدأت برفع وتيرة سياسات التقليض التي تمارسها في خدماتها الصحية والتربوية. ويؤكد حرص الفلسطينيين على الإبقاء على وكالة «الأونروا» لما تمثله من شاهد حي على نكبتهم، ورفض كافة أشكال التوطين، بل أن ما يطالبون به التعامل معهم على أنهم يمثلون قضية حية، والإسراع في منح حقوقهم المدنية والإنسانية والإجتماعية.
وأشار إلى أن هناك مخاوف حقيقية غير توطين اللاجئين الفلسطينيين، فما يجري يدفع بهم إلى الهجرة، فيما لو توفرت ظروفها، علماً أن أعداداً من اللاجئين نجحوا في مغادرة دول عربية ومنها لبنان، عبر رحلات بحرية نظمتها عصابات منظمة، باتجاه أوروبا، بعد أن ضاقت سبل الحياة أمامهم، فيما مؤسسات السلطة الفلسطينية التي تعاني من أزمات مالية، غير قادرة على تلبية حاجات اللاجئين في المخيمات، والخوف من الضغوط التي تمارس على القيادات الفلسطينية للقبول بالحل السلمي وفق الرؤية الأميركية، إلى تصاعد، وشعبنا سيبقى متمسكاً بدور «الأونروا» ورفض التوطين والتهجير، وفي الوقت نفسه هناك إجماع على المطالبة بالحقوق الإنسانية والإجتماعية والمدنية للاجئين الفلسطينيين.