إيمان الحاج-فلسطين المحتلة
يُواجه اللاجئون الفلسطينيون في مخيّمات وتجمّعات مُمتدة على أرض فلسطين المحتلة والشتات، مصيراً مجهولاً مع تفاقم الأزمة الماليّة الراهنة التي تمر بها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، والتي رافقها ضغوط سياسيّة والحديث حول ما يُسمّى بـ "صفقة القرن"، ما يُنذر بمساعي إضافية خلال الفترة القادمة لتصفية قضيّة اللاجئين وحرمانهم من حقهم في العودة، وذلك يعني القضاء على إحدى أهم ثوابت القضية الفلسطينيّة.
الوضع المالي
بالتأكيد لم تفتعل "الأونروا" الأزمة المالية التي تحيق بها مؤخراً، فالأمر مُرتبط بعجز مالي مُرحّل من عام 2017 بلغ (150) مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى العجز الذي طرأ بعد القرار الأمريكي الصادر في كانون الثاني الماضي، بتخفيض مساهمات الولايات المتحدة المُقدّمة لوكالة الغوث، حيث قدّمت لهذا العام (60) مليون دولار لدعم الموازنة العامة، من أصل (360) مليون دولار قدّمتها العام الماضي، ما يعني عجز بقيمة (300) مليون دولار من تبرعات دولة واحدة، علماً بأنّ "الأونروا" جمعت العام الماضي (135) مليون دولار لصالح المشاريع الطارئة وتقديم الكوبونات الغذائية، من بينها (90) مليون دولار كانت مُقدمة من الولايات المتحدة وحدها، وهذا العام واشنطن لم تدفع شيء من هذه المساعدات. وأعلنت الخارجية الأمريكية في كانون الثاني الماضي، أنّ الولايات المتحدة لن تصرف مساعدات غذائية قيمتها (45) مليون دولار، كانت قد تعهدت بتقديمها للفلسطينيين في إطار برنامج "النداء الطارئ للأراضي الفلسطينية المحتلة."
ولم يقتصر الأمر على وقف حصّة كبيرة من الدعم الأمريكي لـ "الأونروا"، فمدير عمليّاتها في قطاع غزة ماتياس شمالي، صرّح في مؤتمر صحفي عقده بتاريخ 11 آذار الجاري، أنّ "العجز في موازنة الأونروا ليس فقط بسبب تقليص الدعم الأمريكي، ولكن هناك دول خليجيّة لم تُقدّم هذا العام أي شيء لدعم الموازنة العامة للأونروا."
وفي حديث سابق للمستشار الإعلامي لوكالة الغوث، عدنان أبو حسنة، مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" فإنّ ما قدمته الدول العربية لـ "الأونروا" عام 2017 اقتصر على (3.5) بالمائة من الميزانية، علماً بأنّ مجلس جامعة الدول العربية كان قد اتخذ قراراً تاريخياً عام 1987، بأنّ نسبة مساهمة الدول العربيّة يجب أن تبلغ (7.83) بالمائة من ميزانيّة الوكالة، إلّا أنّ المُساهمات التي تُقدمها الدول العربية شهدت لعدة سنوات انخفاضاً حاداً وصل في بعض الأحيان إلى ما نسبته (1) بالمائة عام 2009.
وكانت "الأونروا" أطلقت نداءها الطارئ لعام 2018 في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذكرت فيه أنّ مجموع مُتطلبات التمويل بقيمة (398.806.944) دولار أمريكي، من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية لدى اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وفي تقارير "الأونروا" حول الوضع الطارئ في غزة خلال الأشهر الأخيرة، تناولت مُتطلبات الوضع الطارئ، حيث بلغت (80) مليون دولار أمريكي لتوزيع الطرود الغذائية الطارئة، إلى ما يقرب من مليون شخص، (10) مليون دولار أمريكي على الأقل لخلق فرص عمل مقابل الدفع من خلال برنامج "الأونروا" لخلق فرص العمل، فضلاً عن (7) ملايين دولار لبرنامج الوكالة للصحة النفسية المجتمعية، وبعد العدوان على غزة عام 2014، تم التعهّد بمبلغ (316) مليون دولار لدعم برنامج "الأونروا" للإيواء الطارئ، وذلك من أصل (720) مليون دولار تحتاجها الوكالة لذات البرنامج، ما يترك عجزاً مقداره (404) مليون دولار.
وفي نداء "الأونروا" الطارئ للأزمة الإقليمية السورية 2018، أشارت إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين يعتمدون على الوكالة في تأمين المساعدة المُنقذة للحياة من طعام وماء ومأوى ومساعدة طبيّة، وعليه فإنّ مجموع متطلبات التمويل (408.958.395) دولار أمريكي، للاستمرار في تقديم هذه الخدمات لما يُقارب نصف مليون لاجئ فلسطيني ممّن تأثروا بالأزمة في سوريا، بمن فيهم من نزحوا إلى لبنان والأردن.
الأزمة الماليّة حقيقية لكن لا تنفصل عن الضغوط السياسة
على الرغم من الفجوة الماليّة الحقيقيّة التي تُعاني منها "الأونروا" منذ سنوات والتي تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة، إلّا أنّه لا يُمكن فصل الأمر عن مساعِ سياسيّة للضغط باتجاه إجراء تغييرات على عمل "الأونروا" تحت إطار ما يُسمّى "إصلاحات"، وصولاً إلى إنهاء عمل المنظمة الدوليّة وتصفية قضيّة اللاجئين، فالمفوّض العام لـ "الأونروا" بيير كرينبول صرّح بنفسه في التاسع عشر من كانون الثاني الماضي، بأنّ تجميد الولايات المتحدة لمساعداتها المُقدّمة للمنظمة الدولية، مردّه الحسابات السياسية الأمريكية وليس كيفيّة عمل المُنظمة، والتدهور الكبير في العلاقات بين واشنطن والقيادة الفلسطينية، مُضيفاً أنّه ينظر إلى تجميد واشنطن جزء من تمويلها للوكالة غير مرتبط بأدائها، وإنما بالنقاش الذي أثير عقب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يرفض تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس، والذي جاء عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من كانون الأول الماضي، القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
ولم يكن ذلك خفيّاً منذ البداية، إذ صرّحت المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، خلال مؤتمر صحفي عُقد بمقر الأمم المتحدة في الثاني من كانون الثاني الماضي، في رد على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تعتزم الاستمرار بتمويل "الأونروا"، على خلفية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة للاحتلال، أوضحت هايلي أنّ ترامب قال سابقاً أنه لا يُريد تقديم أي تمويل حتى موافقة الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، وتابعت "ما شاهدناه في ما يخص القرار في الجمعية العامة، لم يكن أمراً مُجدياً بالنسبة للوضع الحالي، نسعى لدفع عملية السلام قُدماً نحو الأمام، لكن في حال لم يحدث ذلك، فإنّ الرئيس لا ينوي مواصلة التمويل."
فيما أحبطت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني خلال عام 2017، مشروعاً في الأمم المتحدة لزيادة موازنة "الأونروا"، حيث شطبت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار قدّمه الفلسطينيّون وتحالف الدول النامية لزيادة موازنة المنظمة الدولية، بحيث يتم استقطاع هذه الزيادة من الموازنة العامة للمنظمة من أجل تمكين وكالة الغوث من القيام بأنشطتها في مناطق عملياتها الخمس لصالح اللاجئين الفلسطينيين، وفي حينه قال السفير الدائم للاحتلال في الأمم المتحدة داني دانون أنّه "آن الأوان لإقامة جهاز رقابي صارم للتأكد من وصول الأموال لما تم تخصيصه من مشاريع إنسانية، ولا تموّل نشاطات مُعادية لإسرائيل."
ورافق ذلك دعوات من أعضاء في "الكونغرس" الأمريكي مُوجّهة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، للعمل ضد الدعوات المناهضة للكيان، مُطالبين بإجراء إصلاحات واسعة في "الأونروا"، عدا عن مجموعة الضغط التي شكّلها الاحتلال في "الكنيست" لمراقبة عمليات "الأونروا" والمُطالبة بإجراء تغييرات جوهريّة على صلاحيّاتها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ عام 2016 شهد محاولات "إسرائيلية أمريكية" لاستهداف "الأونروا"، إذ نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريراً في تشرين الثاني/2016، قالت فيه أنّ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يُخطط لاستهداف "الأونروا" بعد تسلّم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهامها رسميّاً، وجاء في التقرير "يُخطط رئيس الوزراء نتنياهو لاستهداف الأونروا واللجنة المعنيّة بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة في الأمم المتحدة، وموظفي الأمم المتحدة المُناهضين لإسرائيل، بالإضافة إلى قطع المساعدات عن وكالات الأمم المتحدة بمساعدة إدارة ترامب الجديدة"، ولم يكن هذا الاستهداف "الإسرائيلي" الأول لـ "الأونروا"، إذ سبق وأن طالبت "تل أبيب" في السنوات الماضية من مُشرّعين أمريكيين التحرك باتجاه إلغاء هذه الوكالة.
من جانبها، وضعت الولايات المتحدة عدة شروط لضمان استمرار دعمها لنشاطات وكالة الغوث، في الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة دون سوريا ولبنان، وحسب صحيفة "الغد الأردنية" نقلاً عن مصادر في وكالة الغوث، فإنّ الشروط تتلخص بتغيير المناهج التي تُدرّس في مدارسها، وشطب كل ما له علاقة بحق العودة وقضيّة اللاجئين الفلسطينيين، وإسقاط هويّة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، بالإضافة إلى إلغاء ما يخص النضال أو المقاومة ضد الاحتلال، أو تعبير الانتفاضة الفلسطينية، كما شملت إلغاء الأنشطة والفعاليات المتعلقة بمناسبات خاصة بالقضية الفلسطينية مثل "وعد بلفور"، والنكبة والعدوان "الإسرائيلي" عام 1967، وغيرها، وعدم التعاطي مع أي نشاط سياسي.
وفي إطار الحديث عن التغييرات وما يُسمّى بالإصلاحات، التي تطرحها الولايات المتحدة من جهة، والكيان الصهيوني من جهةٍ أخرى، فإنّ رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، طرح على الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش خلال لقاء في ميونخ، توجّه بإجراء تقليصات إضافية على موازنة "الأونروا" ونقلها إلى الحكومة الأردنية، حيث يوجد على أراضيها ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني يتلقّون خدماتهم من الوكالة.
استمرار مُساعدة اللاجئين الفلسطينيين مُرتبط بالاستقرار في الشرق الأوسط
بالتأكيد تُدرك الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تبعات إنهاء عمل "الأونروا"، على حياة أكثر من (5) ملايين لاجئ فلسطيني إن كان داخل فلسطين المحتلة أو خارجها في مخيّمات وتجمّعات الشتات المُوزّعة في الدول العربيّة، وما يعنيه ذلك من تهديد على استقرار المنطقة، إذ صدرت تصريحات مُتكررة لمسؤولين دوليين، ربطت بين عمل المنظمة الدولية والاستقرار في الشرق الأوسط، وفي تصريح للمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال "أعتقد أنّ من المهم جداً أن نفهم بعض الأمور، منها أنّ الأونروا تتكفّل بخدمة بعض السكان الأكثر تهميشاً في الشرق الأوسط"، مؤكداً ما صرّحت به عدة جهات، حول العلاقة بين استمرارية أنشطة "الأونروا" وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، واصفاً إياها بـ "منطقة شديدة التقلّب."
من جانبه قال المفوّض العام لـ "الأونروا" بيير كرينبول في كانون الثاني الماضي "التقليص حاد ومُفاجئ ومُضر... على العالم أن يسأل نفسه هذا السؤال... هل يحتاج الشرق الأوسط لمزيد من عدم الاستقرار؟ هل من المعقول التفكير بأنّ المرء لن يُحقق سوى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة بتقليص التمويل للأونروا؟". بدورها حذّرت وزارة الخارجية السويسريّة من أنّه "بالإضافة إلى العواقب الإنسانية الخطيرة، فإنّ التراجع الكبير في الدعم الدولي يُمكن أن يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط."
فيما أشار نائب السفير السويدي في الأمم المتحد كارل سكاو إلى أنّ "ما نحتاج إليه هو أن تستمر الأونروا في تقديم خدماتها، هذه ليست ضرورة إنسانية فقط، لكنه أيضاً أمر حاسم للاستقرار في المنطقة بشكلٍ أوسع."
وبالنظر إلى أنّ المجتمع الدولي يُبدي أولويّة للاستقرار في الشرق الأوسط، انعكاساً لتخوّفاته من أي اضطرابات من المُمكن أن تنعكس على بعض الأطراف من جهة، بالإضافة إلى أنّ "الأونروا" تأسست بقرار من الجمعيّة العامة رقم (302) "الدورة الرابعة" من جهةٍ أخرى، فإنّ الأمم المتحدة نفسها في حال تخفيض أي جهة مانحة لمساهماتها لـ "الأونروا" بصورة كبيرة، يتعيّن عليها إيجاد مصادر تمويل أخرى، وأعلن منسق عمليات الإغاثة في حالات الطوارئ لدى الأمم المتحدة، مارك لوكوك، في 14 آذار، عن توفير (30) مليون دولار من الصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ، من أجل دعم اللاجئين الفلسطينيين عبر "الأونروا" بشكلٍ عاجل، فيما تحرّكت بعض الجهات لتسريع تقديم مُساهماتها من أجل التخفيف من حدّة الأزمة المالية التي تُعاني منها "الأونروا"، ومن بينها الاتحاد الأوروبي.
وأشار كرينبول في خطابه أمام اللجنة الاستشارية للوكالة خلال اجتماعها نصف السنوي الثاني في الأردن، إلى تحقيق تقدّم ملحوظ في الخطط الرامية إلى تأسيس صندوق ائتماني لـ "الأونروا" من البنك الدولي، وصندوق وقفي مُقترح لدعم لاجئي فلسطين تحت رعاية بنك التنمية الإسلامي، وذلك من أجل تمويل كافِ وقابل للتوقّع ومُستدام للمنظمة الدولية، وتعهّدت مجموعة من الدول الأعضاء من خارج منظومة اللجنة الاستشارية لـ "الأونروا" بتقديم زيادات كبيرة في التزاماتها المالية تجاه الوكالة، بما في ذلك روسيا والهند والصين وتايلند وماليزيا والباكستان على سبيل المثال، وفقاً لتوصيات غوتيريش في التقرير.
كما أعلن الاتحاد الأوروبي و"الأونروا" في وقتٍ سابق عن حوار استراتيجي تُجريه المنظمتان، حول سُبل المضي قُدماً في شراكتهما وتأكيد التزامهما بخدمة اللاجئين الفلسطينيين، حيث ناقش اللقاء وضع الموازنة الصعب للوكالة، وفي بيان مشترك صدر عن الجانبين جاء أنّ "الحوار يجري في ضوء الأزمة المالية الحالية التي تُواجه الوكالة، والحاجة إلى توسيع قاعدة مانحيها ومواصلة الإصلاحات فيها."
ويأتي مؤتمر المانحين الذي يُعقد في الخامس عشر من آذار الجاري في العاصمة الإيطالية روما، الخطوة الأهم التي ستحسم مستقبل "الأونروا" خلال الفترة المُقبلة، خاصةً وأنّ منظمي المؤتمر ينسقون من قرب مع الولايات المتحدة، وكان نائب السفير السويدي في الأمم المتحدة أعلن عن مؤتمر المانحين لسد العجز الذي نتج من القرار الأمريكي بخفض مساهمة واشنطن في موازنة وكالة الغوث. ويُعقد المؤتمر برعاية السويد أحد الدول الأعضاء في اللجنة الاستشارية لـ "الأونروا" وهي من الدول المانحة لها، والأردن الذي يُمثّل أحد مناطق عمليات "الأونروا" إذ يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين لدى الوكالة، ومصر حيث ترأس حالياً اللجنة الاستشارية للوكالة والتي تضم (27) دولة، بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء مراقبين "الاتحاد الأوروبي وفلسطين وجامعة الدول العربية"، وحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، واللجنة الاستشارية العليا لـ "الأونروا"، وتُشارك (90) دولة في المؤتمر الذي يُعقد على مستوى وزراء خارجية دول العالم.
وعلى الجانب الآخر، فإنّ الولايات المتحدة بحاجة لورقة ضغط على الفلسطينيين، ولطالما استخدمت عدة أطراف مسألة التمويل كقوّة للضغط على الفلسطينيين من أجل إجبارهم للاتجاه إلى خيارات معيّنة، فاليوم تستخدم الولايات المتحدة تهديدها للمنظمة الدولية بغرض إجبار الفلسطينيين على التفاوض بشأن خيارات، أفضلها يُعتبر كارثة على القضية الفلسطينية والفلسطينيين، لذلك لجأت الولايات المتحدة لخيار إجراء ما يُسمّى بـ "الإصلاحات" على "الأونروا"، والتي باتت محل توافق لدى واشنطن وجهات أخرى، إذ اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية في كانون الثاني الماضي، أنّ قرار الولايات المتحدة حجب نحو نصف المساعدات التي تمنحها للفلسطينيين من خلال "الأونروا"، لا يهدف إلى معاقبة أحد، لكنه يرجع إلى رغبة أمريكية في إجراء إصلاحات في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وقالت هيذر ناورت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صدر عنها، أنّ "هذا لا يهدف إلى معاقبة أحد."
من جانبه قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، خلال مكالمة هاتفية أجراها مع غوتيريش، أنّ اتفاق تشكيل الحكومة الألمانيّة الجديدة، تضمّن تعهداً بالعمل في إطار الاتحاد الأوروبي على توفير تمويل دائم لـ "الأونروا"، وإجراء المزيد من الإصلاحات في هذه الوكالة.
التقليصات والإجراءات التقشفيّة
اتخذت "الأونروا" إجراءات تقشفيّة وتقليصات على خدماتها المُقدّمة للاجئين الفلسطينيين، بالإضافة إلى إجراءات مُتعلقة بالموظفين العاملين لديها، طالت مناطق عمليّاتها الخمس، علماً بأنها كانت قد بدأت خلال السنوات الأخيرة بشكل تدريجي، ووصلت ذروتها في أعقاب القرار الأمريكي بتقليص مساهماته للمنظمة الدولية.
ورصد المركز "الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" تقليصات "الأونروا" لخدماتها المُقدّمة للاجئين الفلسطينيين، في تقرير نشره في الثالث من آذار الجاري، مُحذراً من تبعاتها.
في الضفة المحتلة، قال عضو اللجنة الوطنيّة المُركّزة لمواجهة تقليصات "الأونروا"، ماهر حرب، في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ الإشكاليات الحالية تتمثّل بالتشكيلات المدرسيّة والتشعيب، والتي ترتبت على فصل نحو (158) مُعلّم من حملة شهادة الدبلوم، حيث لا يكفي عدد المعلمين اليوم لتغطية الصفوف المدرسيّة، ما دفع الوكالة لدمجها وفرض تشكيلة مدرسيّة جديدة تقوم على إعادة توزيع المُعلمين وفقاً لعدد الصفوف الجديد بعد الدمج، وهو ما رفضته اللجان الشعبيّة واللجنة الوطنيّة المُركّزة وأولياء الأمور، حيث ألزمت القوى المجتمعية ومؤسسات وفعاليات المجتمع المدني، مدارس "الأونروا" بعدم تطبيق هذه التشكيلات المدرسيّة، ما دفع مدير عمليات "الأونروا" بالضفة المحتلة سكوت أندرسون إلى تهديد مُدراء المدارس وتحميلهم مسؤولية عدم تطبيق التشكيلة الجديدة.
وأشار حرب على الصعيد الصحي، أنّ وكالة الغوث تُبدي استعدادها لبناء العيادات الصحيّة في المخيّمات، لكنها ليست على استعداد لتحمّل التكلفة المُستدامة للرعاية الصحيّة، وهذه النقطة ظهرت خلال أزمة إغلاق مستشفى قلقيلية التابع للوكالة، إذ حاولت "الأونروا" أن تُلقي بمسؤولية إدارته على أطراف أخرى، إلا أنّ دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير مُمثلة بالدكتور زكريا الأغا، أبلغتهم في حينه بشكلٍ واضح أنّ هذا المستشفى شيّدته "الأونروا"، وهي من تتحمّل مسؤوليته.
كما تحدث حرب عن انخفاض نسبة التغطية المالية التي تتكفّل بها الوكالة في علاج المرضى الذين يتم تحويلهم إلى مستشفيات حكومية، بحيث أصبح اللاجئ الفلسطيني يتعالج على حسابه، بالإضافة إلى عدم توافر الأدوية في عياداتها، وعدم وجود التخصص فيها.
حول التقليصات في قطاع غزة، يقول ماهر مزهر رئيس مجلس أولياء الأمور في مدارس "الأونروا" بالمحافظة الوسطى لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ وكالة الغوث انتهجت سياسة التقشف وتقليص الخدمات، حيث أوقفت عقود البطالة، علماً بأنّ هؤلاء يقتاتون من هذه الوظيفة التي تُعتبر حق للاجئ الفلسطيني، وهناك إنهاء عقود نحو (100) مهندس على بند العقود المؤقتة، يعملون منذ نحو (10) سنوات لدى الوكالة، إلا أنها أنهت تعاقدهم بشكلٍ مفاجئ.
ومن جانبٍ آخر، فإنّ الوكالة قامت بتقليص فترات عياداتها في قطاع غزة إلى فترة واحدة بالإضافة إلى تقليص الأدوية، خاصة لمرضى السكري والقلب، والتي تُعتبر عالية التكلفة بالنسبة للاجئين. كما أشار إلى أنّ هناك تقليصات كبيرة في سلك الخدمات والصحة والتعليم، ونوّه إلى إنهاء كافة الحراسات في مدارس وكالة الغوث بقطاع غزة، ما يعني أنّها الآن عُرضة لأي سرقة أو جريمة.
وفي الأردن أشار تقرير المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ "الأونروا" قامت بإيقاف جميع عمال المُياومة في المراكز الصحية والمدارس التابعة لها في الأردن، حيث أنهت خدمات (100) موظف يعملون بنظام المُياومة في قطاعي الصحة والتعليم، وطال القرار مُجمل مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، حيث تم إنهاء عمل (30) عامل في مخيّم البقعة من أصل (92)، (14) في مخيّم الوحدات من أصل (39)، (7) في مخيّم إربد من أصل (17)، (7) في مخيّم الحصن من أصل (22)، (11) في مخيّم الحسين من أصل (27)، (8) في مخيّم غزة من أصل (22)، (3) في مخيّم سوف من أصل (15)، (17) في مخيّم ماركا من أصل (40).
كما علّقت "الأونروا" الاعتماد المالي في الموازنة العامة لأي خدمات أو أنشطة جديدة، فضلاً عن تعليقها الالتزام بورشات العمل والتدريبات التي كانت تعقدها بشكلٍ دوري. وكان هناك قسم مُستحدث أنشأته "الأونروا" لغوث اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى الأردن، ويجري توظيف العاملين فيه وفقاً لعقود قصيرة الأجل مدتها (3) أشهر فقط، ثم يتم تجديدها، إلا أنها مؤخراً أبلغت أربع موظفات من هذا القسم بإنهاء عملهن مع نهاية شهر آذار الجاري، فيما أشار موظفون يتبعون للوكالة في الأردن أنّ الإدارة تتوجه إلى إلغاء القسم بشكل كامل وإنهاء خدمات كافة موظفيه وعددهم (24) موظفاً.
وفي لبنان، أقدمت "الأونروا" على إحالة (105) مُعلماً للتقاعد قبل انتهاء فترة خدمتهم، ولم تُعلن عن أي وظائف لتعويض الشواغر، بالإضافة إلى وقف المعلمين الذي يعملون بنظام المياومة، كما قلّصت كميات الوقود المرسلة إلى المدارس التابعة لها، وإلغاء عقود الإيجار لمباني المؤسسات التعليمية، ما يعني إمكانية إغلاق العديد من المدارس، والذي سيؤدي بدوره إلى حرمان أكثر من (37) ألف طالب وطالبة من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان، من حقهم في الحصول على الخدمات التعليمية. كما رصد تقرير "الأورومتوسطي" تقليص المبالغ المخصصة لبرنامج الرعاية الصحية، وإنهاء عقود عدد من الأطباء، ما قد يؤدي إلى توقف (27) عيادة طبية تابعة للوكالة عن تقديم خدماتها للاجئين، واتخذت قراراً بإلغاء العديد من العمليات الطبية مع نهاية شهر آذار الجاري، كعمليات الأنف والولادة الطبيعية، وقررت إيقاف الموظفين من عمال الصحة الذين يعملون بنظام المياومة مع عدم تعيين بديل عن الذين تم إنهاء عقودهم.
وكان ما يزيد على (32) ألف لاجئ فلسطيني من سوريا نزح إلى لبنان، يُعانون من حياة قاسية وصعبة في لبنان بسبب افتقار معظمهم للإقامة القانونية، حيث تضيّق السلطات اللبنانية من إمكانية منحهم حق اللجوء أو الإقامة في لبنان.
وفي سوريا، أشار التقرير إلى أنّ أكثر من (600) ألف لاجئ فلسطيني منهم (480) ألف ما زالوا يعيشون فيها، يُعانون أوضاعاً معيشية صعبة جراء (7) سنوات من الصراع الدائر في البلاد، ولا تحتمل أوضاعهم المأساوية أي تقليص للخدمات الأساسية التي توفرها "الأونروا" لهم، حيث يفتقر (95) بالمائة منهم للأمن الغذائي، فيما يُصنّف (93) بالمائة منهم كضعفاء أو ضعفاء للغاية، ويبلغ معدل البطالة بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا (52.2) بالمائة.
ما بعد مؤتمر المانحين
كافة السيناريوهات مُحتملة كنتيجة لمؤتمر المانحين، في ظل الضغوط التي تُمارسها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وضعف الدور العربي في مُساندة اللاجئين الفلسطينيين، ويبقى مطروحاً احتمال عدم قدرة المانحين على توفير الدعم الكافي لسد العجز في ميزانية "الأونروا"، أو أن يكون الدعم مشروطاً بإصلاحات تمس بالقضيّة الفلسطينية والثوابت الوطنية.
وحين طرحت "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" الاحتمالات سابقة الذكر على فاعلين في قضيّة اللاجئين ومواجهة تقليصات "الأونروا"، أشاروا إلى أنّ يوم الخميس 15 آذار يشهد بالتزامن مع انعقاد المؤتمر، انطلاق مسيرات في كافة مناطق تواجد اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة وفي الشتات، لإيصال رسالة إلى المُجتمعين في روما بأنّ الشعب الفلسطيني يرفض بشكل مُعلن القرارات المُجحفة التي طالت قضيّة اللاجئين مؤخراً.
وأنه في حال لم يخرج عن المؤتمر نتائج لصالح اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ مُقنع، فإنّ القيادة السياسية الفلسطينية وفصائل العمل الوطني واللجان الشعبية ومجالس أولياء الأمور، لن تقف مكتوفة الأيدي، فسيكون التحرّك من كافة القطاعات طلاب ومُدرّسين وأطباء وعائلات اللاجئين باتجاه السياج الأمني العازل الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لتنفيذ حق العودة بشكل سلمي، كوسيلة ضغط على العالم أجمع وعلى الكيان الصهيوني.
وأشاروا بأنّ الموقف الوطني سيكون بمُطالبة الدبلوماسية الفلسطينية الضغط باتجاه إنجاح المؤتمر في حال تعرضه لضغوطات أمريكية و"إسرائيلية"، وأن يتم تشكيل هيئة أمميّة لمراقبة "الأونروا" ومديري عملياتها في المناطق، بالتنسيق مع الأمين العام والمفوّض العام، للاطلاع على أوجه الصرف وتوزيع المساعدات على اللاجئين. مؤكدين على أنّ الأمر يُعتبر مسألة سياسية هامّة، وحق من حقوق الشعب الفلسطيني، فـ "الأونروا" جاءت بقرار الجمعية العامة (302) ولا بد من استمرار عملها لحين حل قضيّة اللاجئين وفقاً للقرار الدولي (194).