سوريا - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
وسيم السلطي
الآلام التي مرّت بها الطفولة في سوريا خلال السنوات الماضية والتي ما فتئت التقارير تنشرها وتخبر بمُرِّ ما يمر به الطفل السوري، لم تتوقف، إنما ما يزال درب تلك الطفولة معبداً بالمآسي والإنتهاكات واستمرار الحرمان من التعليم والحصار والقتل والاعتقال وسوء التغذية وأعمال التجنيد والإستغلال الجنسي والصدمات النفسية والندوب الجسدية، وكان العام 2017 الأسوأ عليها منذ بداية النزاع المسلح في سورية، بحسب ما جاء في تقرير لمنظمة اليونيسف التي وصفت الحرب في سوريا بأنها "حرب على الأطفال"، ومما جاء في تقريرها الصادر في شهر آذار/ مارس من العام الحالي، أنه بات حوالي 3,3 مليون طفل معرضين لخطر المتفجرات والذخائر غير المتفجرة في الداخل السوري، إلى جانب وجود 13 مليون شخص بحاجة لمساعدات نصفهم من الأطفال.
لم يكن الطفل الفلسطيني اللاجئ في سوريا بمعزل عن آلة الحرب تلك، التي مزقت مفاهيم الطفولة وابتلعت حقوقها، إذ لقي 220 طفلاً فلسطينياً مصرعهم خلال الحرب لأسباب مختلفة، فلم تشكل المخيمات الفلسطينية التي يعيش فيها ذاك الطفل وعائلته، ملاذاً آمناً أو مساحة تقيه شرَّ النزاعات والإنتهاكات والأعمال العسكرية، وأصاب اللاجئ الفلسطيني في سوريا ما أصاب المواطن السوري من سوء الأوضاع المعيشية والتعليمية والاجتماعية، وشهد مختلف الأحداث والوقائع المأساوية الأخرى التي أنتجتها الحرب وسببها استبداد وتعنت الأطراف المتنازعة، إلى جانب صمت المنظمات والقيادات الفلسطينية عن ما يجري لهذ اللاجئ.
المخيمات الفلسطينية الخمسة عشر المنتشرة على الجغرافيا السورية، والتي كان يسكنها مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين قبل بدء الأحداث، معظمها شهد تخريباً وتدميراً لممتلكاتها وعمرانها، وتشريداً وحصاراً وانتهاكاً لساكنيها، ولعل أكبر مثال يدل على ذلك هو ما عاناه مخيم اليرموك، المخيم الأكبر في سوريا، الذي حوصر منذ العام 2013 حتى الآن، ومُنعت إغاثة ساكنيه وإدخال المواد التموينية والطبية إليه، ونزح عنه أكثر سكانه، فلم يبق إلا 1500 عائلة من أصل قرابة الـ 150 ألف نسمة، وقضى نحو 70 طفلاً من أطفاله جراء الحصار.
وما زاد في الأمر سوءاً هو دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى المخيم في شهر نيسان/إبريل من العام 2015، فأصبح الحصار حصارَيْن، وأخذ التنظيم يمارس سلوكه غير البشري على ساكني المخيم، ولم يستثنِ الأطفال، إنما استهدفهم بشكل مباشر في تعليمهم، فأعلن عن إغلاق المدارس الموجودة، وفرض الدراسة في مدرستين فقط حددهما لاحقاً، كما ألغى المناهج القديمة وفرض مناهج جديدة تتناسب ووتوجهاته، ومنع اختلاط الذكور والإناث، وفرض اللباس الشرعي على الفتيات الصغيرات.
لم يكتف التنظيم بهذا، بل استكمل ذلك في عملية تجنيد أطفال المخيم، فسيّر عدداً من الدوريات قوامها الأطفال، إلى جانب فرض نقل الذخيرة والعتاد لعناصره، وطلب إلى الأهالي إرسال أبنائهم إلى ما سماه (المدرسة الشرعية العسكرية للأطفال) ما بين الـ 12 والـ 14 عاماً، وكان ذلك بشكل علني في العام 2017، شكل ذلك صدمة كبيرة للعائلات، فرغم كل الظروف المريرة التي يعيشون تحت وطأتها في المخيم، ورفضهم الخروج والنزوح، ازدادت بذلك أوضاعهم تعقيداً، وباتوا عاجزين عن التصرف، خاصة وأن التنظيم استغل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه أهالي المخيم، فعرض عليهم مقابل ذلك معونات مادية لمن يرسل طفله.
ليس أطفال مخيم اليرموك فقط من مورس بحقهم الاضطهاد والإنتهاك لحقوقهم، فإخوتهم في المخيمات الأخرى كمخيم خان الشيح الذي حوصر أيضاً وعُرف بمخيم البراميل المتفجرة، لكثافة قصفه بالبراميل التي دمرت حاراته وأبنيته ومدارسه، وقضى جراء ذلك 20 طفلاً، ومخيم درعا في جنوب سورية الذي أفرغ من سكانه وقضى فيه نحو 31 طفلا.
إلى جانب قيام "مركز توثيق المعتقلين والمفقودين الفلسطينيين في سورية" بتوثيق 790 حالة اعتقال وفقدان طفل فلسطيني منذ بدء الأحداث في سورية.
ناهيك عن المخيمات الأخرى التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً، ولا تستطيع عائلات اللاجئين فيها تأمين مستلزمات الحياة كافة من طعام وشراب والضروريات الأخرى التي باتت صعبة المنال بسبب ندرة فرص العمل وانتشار البطالة في سوريا بشكل كبير، فمن لم يحاصره العسكر، حاصره قلة المال والعمل، ليتحوّل الطفل معيلًا لأسرته بسبب فقدان الأب أو الأخ الأكبر، ومن لم يجنده داعش، جندته ظروف الحياة البائسة، فقتلت آمال الأطفال وبراءتهم.
لقد عانى أطفال اللاجئين الفلسطينيين كأخوتهم من الأطفال السوريين وأضحوا يسيرون على درب الآلام ذاته ويتقاسمون خراب الحرب.