أوروبا
أجرى الحوار: أوس يعقوب
تستضيف مدينة ميلانو الإيطالية "مؤتمر فلسطينيي أوروبا"، في نسخته السادسة عشر، يوم الأحد 29 نيسان/ أبريل الحالي، تحت شعار (سبعون عاماً وإننا لعائدون)، وذلك بمشاركة العشرات من المؤسسات الأوروبية المناصرة لفلسطين. ويتزامن انعقاد هذه الدورة لهذه السنة مع مسيرات العودة الكبرى، ومرور 70 عاماً على نكبة شعبنا الفلسطيني الذي شرده الاحتلال الصهيوني من مدنه وقراه في فلسطين، ضمن أكبر عملية تهجير في التاريخ الحديث، حيث يتوزع الآن أكثر من سبعة ملايين لاجئ فلسطينيي على بلدان العالم بسبب حرمانهم من حقهم بالعودة إلى أرضهم.

ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في ظروف وتحديات غير مسبوقة تعصف بالقضية الفلسطينية، خصوصاً مع الخطوات التي إتخذتها الإدارة الأمريكية والمتعلقة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والتهديدات الاقتصادية التي تعيق عمل وكالة الـ "أونروا" وما يترتب عن ذلك من مخاطر تلحق باللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.

(بوابة اللاجئين الفلسطينيين) التقت السيد ماجد الزير، رئيس "مؤتمر فلسطينيي أوروبا"، للوقوف على تفاصيل أكثر حول أجندة المؤتمر والقضايا المهمة والملحة التي سيبحثها المشاركون، والرسائل التي سيبعثون بها للمعنيين بالقضية الفلسطينية، وموقف رئاسة المؤتمر من الخلافات التي تعصف بالبيت السياسي الفلسطيني..  

فكان هذا الحوار:

 

بداية هل لانعقاد المؤتمر في ميلانو نهاية هذا الشهر تزامناً مع مسيرات العودة الكبرى، والذكرى السبعين للنكبة، من خصوصية مميزة بالنسبة لكم ؟

لا شك أن انعقاد المؤتمر في نسخته السادسة عشرة هذا العام يتزامن مع ذكرى خاصة لشعبنا الفلسطيني في شتى أماكن وجوده والمتمثلة بالذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، والتي تشكل النقطة الأساس التي بدأت معها مظلومية شعبنا ومعاناته الممتدة على سبعة عقود من السلب المستمر للحريات والانتهاكات المستمرة لكافة القوانين والشرائع الدولية، ولعل ما يضفي على هذه الذكرى هذا العام مزيداً من الخصوصية عميق الإيمان الراسخ والمتنامي لأبناء شعبنا بحقه في العودة رغم طول السنوات وامتداد المعاناة، والتي دفعته لإطلاق حراكه الشعبي السلمي المتمثل بمسيرات العودة التي يمضي بها هذه الأيام متفنناً في شكل التعبير عن تمسكه بأرضه وحقه في العودة إليها.

أمام كل هذا الحراك الكبير والذكرى السبعين كان من الطبيعي أن يأتي مؤتمرنا كعادته منسجماً في رؤيته وبرامجه وداعماً دافعاً لعجلة قضيتنا ليستحضر في عنوانه الرئيس هذا العام ذكرى النكبة، فجاء انعقاده تحت عنوان (سبعون عاماً وإننا لعائدون)، وليتناول في جلساته وأوراقه مختلف قضايا شعبنا وهمومه وعلى رأسها مسيرات العودة الكبرى، ليبحث ويتدارس الدور المنوط بنا في القارة الأوروبية تجاه هذا الحراك.

النكبة، القدس، معاناة اللاجئين، حصار غزة، (الأونروا) ..

هل للمؤتمر أي اتجاهات محددة؟ وما هي أبرز النقاط التي ستبحثونها في نسخته السادسة عشر؟

إن "مؤتمر فلسطيني أوروبا" وعلى امتداد سنوات انعقاده الستة عشر حمل استراتيجية بينة ورؤية واضحة ساهمت في إنجاز نقلاته النوعية عاماً فعام، وصولاً إلى ما وصل إليه من مكانة وتمثيل على مستوى القارة، وقد حرص هذا المؤتمر في كل سنة من سنوات انعقاده على استحضار هموم أبناء شعبنا المتبدلة وتضميد جراحاته ليأتي جدوله منسجماً مع مصالح شعبنا وحضور قضيتنا ببعديها الزماني والمكاني وعليه فإننا كعادتنا هذا العام نستحضر في مؤتمرنا مختلف ملفات قضيتنا الفلسطينية لتكون النكبة حاضرة بتجلياتها الزمانية ولتحضر القدس بما تمثله من مكانة للفلسطينيين ولعموم أبناء أمتنا خصوصاً بعد القرار الظالم الذي أقدم الرئيس الأمريكي على إتخاذه وفي ظل المحاولات المستمرة للاحتلال لشطب الهوية الفلسطينية للمدينة والعمل على تهويدها، علاوة على ذلك كله يبحث المؤتمر في أوراقه هموم اللاجئين الفلسطينيين ومعاناتهم في شتى أماكن وجودهم ليسلط الضوء خصوصاً على المحاولات الهادفة إلى تقليص دور (الاونروا) وما يترتب على هذا الأمر من تشديد للخناق على الفلسطيني اللاجئ وضرب شواهد نكبته وإنهاء مقومات صموده ودوافع عودته.

إضافة إلى كل ما سبق يحرص المؤتمر على تناول وتداول هموم شعبنا المستمرة وعدم الاعتياد على وجودها فتأتي معاناة الأسرى وحصار غزة على جدول أولوياته، وعلى هذا يأتي المؤتمر ليستحضر مختلف قضايا شعبنا ويناقش كل السبل الممكنة والمتاحة لدعم صمود أهلنا في الداخل الفلسطيني ومناطق الشتات.

ترى قوى وشخصيات فلسطينية أن من الأهداف التي تأسس من أجلها "مؤتمر فلسطينيي أوروبا" هو خلق جسم سياسي بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، رابطين ذلك بصلتكم القوية بحركة (حماس)، ما هو رأيكم؟

منذ نشوء فكرة المؤتمر ووضع اللبنات الأولى له كان الهم الأوحد والهدف الأهم له حشد طاقات شعبنا الفلسطيني في القارة الأوروبية وتوظيف قدراته والاستفادة من الإمتيازات التي يحملها في مختلف بلدان القارة وصهر هذه القدرات والإمتيازات وتطويرها في بوتقة العمل الوطني الفلسطيني وترتيبها في برامج وأعمال تهدف بالدرجة الأولى إلى دعم قضية شعبنا ونضالاته في الداخل الفلسطيني ومسح هموم شعبنا في مخيمات لجوئه وتدوير هذه الطاقات داخل القارة الأوروبية بما يعود بالخير على أبناء الجاليات الفلسطينية في القارة وحماية هويتهم وهوية أبنائهم الفلسطينية ونقل الصورة الصحيحة وتفنيد الرواية الكاذبة أمام المجتمع الغربي وبالتالي تحشيد دعم لصناع القرار السياسي الأوروبي بما يخدم مصالح فلسطين وشعبها، وطوال فترات عملنا ومنذ البداية وحتى الآن آمنا وما زلنا نؤمن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي إنجاز فلسطيني ينبغي التمسك به والعمل على النهوض به فإذا اعترى مؤسساتها وهياكلها بعض الضعف فالأصح أن نبحث في كيفية إعادة بناء وترميم ما ضعف لا صناعة بديل عنه، وعلى هذا الأساس آمنا دوماً بأهمية ودور مؤسسات وفصائل شعبنا المختلفة وكانت قنواتنا وعلاقاتنا مفتوحة مع عموم قوى وفصائل شعبنا سواء فتح أو حماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرها من فصائل العمل الوطني الفلسطيني ومن يتابع أعمال مؤتمرنا وضيوفه في كل عام يدرك حجم التنوع الوطني الذي نعيشه داخل أعمال هذا المؤتمر.

ندعو إلى طي صفحة الانقسام المظلم ..

أين تقفون من الانقسام القائم في البيت السياسي الفلسطيني منذ عشر سنوات، والخلاف بين حركتي فتح وحماس؟

إن أي وطني عاقل ومتابع لمجريات وتحولات قضيتنا الفلسطينية يدرك أن الخط البياني للعمل الوطني الفلسطيني تأثر كثيراً نتيجة الخلاف والانقسام الفلسطيني، وإن هذا الانقسام لم يكن سوى عبء إضافي لشعبنا الفلسطيني وعصا في عجلة نضالاته فقد حرف هذا الانقسام وجهة نضالات شعبنا واستنزفها في مشاكل داخلية ساعدت الاحتلال في الوقت الذي كان الأولى أن توظف هذه الطاقات في دعم شعبنا، وعليه فإننا في مؤتمر فلسطينيي أوروبا وجهنا مراراً وتكراراً وسنظل نوجه رسالة ودعوة واضحة إلى عمادي العمل الفلسطيني وجناحيه المتمثلين في حركتي فتح وحماس بضرورة الإسراع في طي صفحة الانقسام المظلم وتوحيد الجهود والطاقات وتجاوز المصالح الحزبية بما يخدم المصلحة الأم والأكبر، ألا وهي مصلحة قضيتنا وشعبنا الفلسطيني.

كيف يتم التواصل مع المهجرين الفلسطينيين في الشتات على امتداد القارة الأوروبية في ظل تعدديتها اللغوية والتباين بين بيئاتها؟

إن "مؤتمر فلسطينيي أوروبا" يأتي سنوياً ثمرة تعاون وعمل مشترك لعشرات المؤسسات الفلسطينية القائمة بأعماله والمتوزعة على عموم بلدان القارة الأوروبية، والتي تخاطب أبناء الجاليات الفلسطينية في مختلف هذه البلدان، ليخرج المؤتمر في كل عام متنوعاً من حيث جنسيات الحاضرين ولغاتهم ولتأتي اللغة العربية واللغة الإنكليزية ولغة البلد الذي ينعقد فيه المؤتمر والمتغير سنوياً بشكل مدروس، تأتي هذه اللغات الثلاثة لغات خطاب رئيسية داخل أعمال المؤتمر. وبهذه الطريقة نواجه التحدي المتمثل بتوزع الشعب الفلسطيني على امتداد بلدان القارة من حيث طريقة الوصول إليهم ابتداءً ودعوتهم للمؤتمر ومن ثم التواصل مع بعضهم البعض داخل المؤتمر نفسه، بل على العكس نستطيع بهذه الطريقة أن نوظف هذا التحدي لصالحنا فيصبح عامل تنوع اللغة والتوزع الجغرافي عاملاً داعماً ومسانداً لنا لأننا نحتاج حقيقة أن نطرح عدالة قضيتنا بألسنة مختلفة لأننا نراهن كثيراً على أهمية دورنا في نقل الحقائق السليمة وتفنيد الأكاذيب التي زرعها الاحتلال في عقول المجتمع الغربي على امتداد سنوات طويلة.

رسائلنا إلى المحتل الصهيوني وأبناء شعبنا ..

ما هي رسالة "مؤتمر فلسطينيي أوروبا" في هذه الدورة، بشأن قضيتني القدس والعودة تحديداً، خصوصاً مع الخطوات التي إتخذتها الإدارة الأمريكية والمتعلقة بالاعتراف بمدينة القدس المحتلة كعاصمة للاحتلال الإسرائيلي؟

فيما يتعلق بالعودة فإن المؤتمر هذا العام سيحمل عدة رسائل، أولها موجهة للاحتلال الصهيوني، وتقول إن سبعة عقود من التهجير لم ولن تنسينا حقنا في العودة إلى أرضنا وأن مراهنتكم على أن (الكبار يموتون والصغار ينسون) أصبحت خاسرة، فانعقاد مثل هذه المؤتمرات والملتقيات على امتداد العام الحالي والأعوام السابقة ستعزز فينا انتماءنا للوطن الأم فلسطين، وستخلق حالة من الوعي لدى أبنائنا بمحاور قضيتهم الفلسطينية وبالتالي سيشكلون حالة عمل داعمة لنا ترث حب فلسطين والعمل للعودة إليها مهما طال الزمن.

ثاني هذه الرسائل، نوجهها للمجتمع الأوروبي الذي نعيش فيه وحكومات هذه البلدان حيث ندعوهم جميعاً إلى ضرورة البدء بالتحرك لإنصاف هذا الشعب الذي هُجر ظلماً وعدواناً، وبشكل يخالف كل الأعراف والشرائع والقوانين الدولية، وندعوه للالتزام بواجباته التي تمليها عليه ثقافته وحرياته التي يؤمن بها، وبالتالي الضغط لرفع الظلم والمعاناة التي يتعرض لها شعبنا في الداخل والخارج وعدم التنصل من المسؤوليات المنوطة بهم تجاه هذا الشعب الأعزل.

وثالث هذه الرسائل نوجهها لشعبنا المبدع الصامد داخل فلسطين، والذي ينظم مسيرات العودة الكبرى هناك أننا سنكون معكم في كل أحوالكم، وسنعمل من مواقعنا لإيصال رسالاتكم العادلة إلى المجتمعات التي نعيش فيها حتى نصل الى تحقيق مطالبكم المشروعة والعادلة.

أما بشأن القدس وقرار ترامب الأخير فإننا من جهة لاحظنا حالة من عدم الرضا من قبل المجتمع الاوروبي تجاه هذا القرار، وبالتالي نعتقد أنه يترتب علينا مسؤولية كبيرة تتمثل بالبناء على ما هو موجود وصولاً إلى موقف متقدم من قبل هذه البلدان عبر التعبير عن رفض هذا القرار، ومحاولات التهويد التي يقوم بها الاحتلال، بما يشكل حالة ضاغطة على سلطات الاحتلال وصناع القرار السياسي الأمريكي على حد سواء، ونحن في هذا المجال بدأنا جملة من المراسلات الرسمية والتحركات الشعبية وسنستمر بها طيلة العام، كما أننا سنتداول داخل المؤتمر ما يمكن القيام به على كافة المستويات السياسية والقانونية والشعبية.

هل من دعاية إسرائيلية أو مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي تخاطب الجمهور الاوروبي لعرقلة جهودكم؟ وكيف تواجهون ذلك على صعيد الإعلام في ساحة أوروبية يسيطر فيها اللوبي الصهيوني على المنابر الاعلامية المكتوبة والسمعية البصرية والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي؟

 من المعلوم أن الاحتلال الصهيوني عمل على امتداد سنوات طويلة على بناء شبكة قوية من العلاقات السياسية، وشبكة إعلامية متغلغلة داخل البلدان الاوروبية، استطاع من خلالها التأثير على القرار السياسي للحكومات الأوروبية، كما استطاع أن يفرض روايته الملفقة الوحيدة عبر القنوات الإعلامية الرسمية، وبالتالي فإن تعاظم دور "مؤتمر فلسطينيي أوروبا" السنوي جعل منه حالة مؤرقة للاحتلال ومصالحه في القارة، ودفع أدوات الاحتلال إلى التحرك سنوياً والضغط على حكومة البلد التي ينعقد فيها المؤتمر بغية إلغاء انعقاده وتشويه صورته، وهذا يعتبر تحدياً سنوياً خبرناه وخبرنا كيفية التعامل معه.

كما أن نجاح انعقاد المؤتمر وقدرته على إيصال رسالته مترافقاً مع الفعاليات التي تنعقد كل عام، أوجد لنا بالتراكم شبكة مضادة من العلاقات استطعنا من خلالها أن نواجه محاولات التشويه والإلغاء التي يتعرض لها المؤتمر.

أما على المستوى الإعلامي فمن المعروف أن أبعاد الفضاء الإعلامي قد تضخمت كثيراً في السنوات الأخيرة مع تقدم التكنولوجيا، وباتت القنوات الإعلامية الرسمية إحدى الوسائل الإعلامية وليست كلها، وبات الإعلام البديل الآن يمثل كفة إعلامية كبيرة وراجحة أحياناً، ونحن بدورنا اهتممنا كثيراً بهذا الفضاء وحاولنا ونحاول دوماً أن نمتلك أدواته أكثر وأكثر، مستندين قبل كل شيء على عدالة قضيتنا وصدق روايتنا وقربها من الحقيقة في وجه رواية ضعيفة الأركان، وهذا ما انعكس على الموقف الغربي تجاه القضية الذي بتنا نلمس فيه تغيراً يزداد عاماً بعد عام.

 

جدير بالذكر أن النسخة الأولى لـ"مؤتمر فلسطينيي أوروبا" عقدت عام 2003 في العاصمة البريطانية لندن، ثم انتقلت بعد ذلك على مختلف العواصم والمدن الأوروبية بشكل سنوي دون انقطاع في المانيا والسويد والدنمارك والنمسا وبلجيكا وفرنسا، وكان آخرها في مدينة "روتردام" الهولندية عام 2017.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد