أوس يعقوب
"لقد كان مؤتمر التعهدات حدثًا إيجابيًا للغاية يدعم الزخم المبذول لمعالجة العجز المالي المتبقي للأونروا والبالغ قيمته 250 مليون دولار".
بهذه الكلمات افتتح البيان الرسمي الصادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) بعد انتهاء أعمال "مؤتمر نيويورك للمانحين".
بيان الوكالة الدولية، الذي سعى إلى طمأنة نحو 8 ملايين لاجئ فلسطيني في الوطن المحتل والشتات، لم يخفف من مخاوف الفلسطينيين رسميًا وشعبيًا من تصفية (الأونروا) بعد سلسلة الإجراءات التي اتّخذت تجاه اللاجئيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية ودول الشتات بذريعة انكماش ميزانيتها وضعف التمويل.
ذلك أنّ المفوّض العام للوكالة، "بيار كرينبول"، أعلن مؤخرًا، عن تدابير فوريّة لمواجهة العجز المالي المقدّر بمبلغ 217 مليون دولار، للاستمرار بتقديم الخدمات خلال النصف الثاني من العام 2018 الجاري، والتي تضمنت بعض الإجراءات الداخليّة التي تعتزم الوكالة اتّخاذها، والتي تتعلق أساسًا بتقليص فرص العمل لصالح المساعدات التي تتعلق بالحماية الغذائية والطوارئ.
(الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين) رأت عقب الإعلان عن نتائج المؤتمر، أنّ نتيجته كانت "مخزية ومخيّبة للآمال، كما حال مؤتمر روما الذي عقد في 15/3/2018، إذ لم يتمكن المؤتمر وللأسف إلا جمع ما يقارب من خُمس المبلغ المطلوب لسداد العجز المالي للوكالة (250 مليون دولار)".
واعتبرت (الهيئة) أنّ "هذا ينذر بالمزيد من قرارات التقشف التي ستتتّخذها الوكالة في برنامجيْ الصحة والتعليم.."، مؤكدة أنّه "إذا كان قد فشل المؤتمر بجمع المبلغ المطلوب، فقد نجح في تعرية المجتمع الدولي وفضحه باستمرار تواطئه وتآمره على حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة منذ 70 سنة حتى الآن!..".
وكان أن عقد في 25 حزيران/ يونيو الماضي مؤتمر "التعهدات المستمرة"، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك للدول المانحة لوكالة (الأونروا)، بمشاركة 70 دولة، لمحاولة حل العجز الحاصل في ميزانية الوكالة والبالغ نحو 250 مليون دولار.
"كرينبول" قال في كلمة له موجهة إلى العاملين بالوكالة في السابع من الشهر الجاري: "لا أستطيع إخفاء المخاطر الهائلة التي سنواجهها في خدماتنا إذا لم نتلقَ تمويلًا إضافيًا وعلى وجه السرعة"، مشددًا أنّ "نداء الطوارئ للوكالة في سوريا يعاني من نقص حاد في التمويل".
وأكد المسؤول الأممي إنّ "عجزًا ماليًا بمبلغ 217 مليون دولار ما زال يشكل أكبر عجز شهدته (الأونروا) في تاريخها"، محذرًا أنّه "إذا فشلنا في اتّخاذ خطوات أو أمّلنا أنفسنا بأنّه وببساطة سوف تنتهي المشكلة، فسوف تفرض علينا قرارات أكثر صعوبة".
ثلثا الشعب الفلسطيني في مهب الريح ..
بلغة الأرقام، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم لسنة 2018 حوالي 8 ملايين لاجئ بما نسبته حوالي ثلثيْ الشعب الفلسطيني و 11.6% من إجمالي عدد اللاجئين والنازحين في العالم (68.5 مليون حسب تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR لسنة 2017).
تنشط (الأونروا) التي أسست عام 1949، لدعم ما يزيد على 4.7 مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في 58 مخيمًا في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.، كما تدعم الوكالة، نحو 530 ألف طالب موزعين على 700 مدرسة، وتقدم خدمات طبية لنحو 3.5 مليون لاجئ، و1.7 مليون لاجئ مساعدات غذائية ونقدية فضلًا عن أنّها تقدم خدمات بنية تحتية لنحو 60 مخيماً للاجئين.
الموقف الإسرائيلي تجاه ما يجري في الساحة الدولية واضح، ألا وهو الدعوة إلى تفكيك (الأونروا) وإلغائها، وإضافة اللاجئين الفلسطينيين، إلى حصيلة لاجئي العالم، (عددهم عام 2018 ثمانية وستون مليون لاجئ في العالم)، وإضافتهم إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وهذا ما عبر عنه "ديفيد بادين"، المختص بملف (الأونروا) في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لصحيفة المستوطنين، "أروتس شيفع" في 10/06/2018.
وفي أكثر من مناسبة أكدت حكومات "تل أبيب" المتعاقبة أنّه "على أميركا أن تتولى تجفيف قضية اللاجئين، ولاسيما أنّ العرب قد غيروا مواقفهم من القضية، وذلك "بإعادة تأهيل اللاجئين". وأنّه "يجب إعادة إسكان اللاجئين الفلسطينيين في دولٍ أخرى، وبخاصة في الدول العربية الغنية، ويمكن الشروع في ذلك بالمتعلمين الذين تقل أعمارهم عن خمسٍ وأربعين سنة هم وعائلاتهم".
إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية يتجاهلان أنّ قضية اللاجئين الفلسطينيين تعتبر الأقدم بين حالات اللجوء الأخرى في العالم (70 سنة)، والأهم، إذ جرى تكرار تأكيد تنفيذ قرار عودة اللاجئين رقم 194 من قبل الأمم المتحدة حتى العام 1994 لما يزيد عن 130 مرة.
وفي الوقت الذي استطاعت فيه الأمم المتحدة وخلال 10 سنوات في تسعينيات القرن الماضي بأن تعيد حوالي 10 ملايين لاجئ إلى بلدانهم في غواتيمالا وكمبوديا وكوسوفا وموزمبيق وروندا وتيمور الشرقية وغيرها..، فشلت إلى الآن وبعد 7 عقود من أن تعيد اللاجئين الفلسطينيين إلى أماكن سكنهم الأصلية وتنهي قضيتهم كلاجئين.
محللون سياسيون فلسطينيون يرون أنّ التقليصات التي تقرها (الأونروا) بين الحين والآخر، هي التفاف على المطالب الرسمية والشعبية الفلسطينية، وتتساوق مع المشروع السياسي الدولي والإقليمي لتصفية القضية الفلسطينية، والمسمّى "صفقة القرن".
ويرى هؤلاء أنّ من يديم قضية اللاجئين الفلسطينيين هي الأمم المتحدة التي تعاطت مع القضية بسياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة، وليس وكالة (الأونروا) كما يدّعي البعض.
التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية ترعاه واشنطن الساعية اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى تصفية (الأونروا) تمهيدًا لإنهاء قضية اللاجئين والعودة، ورغم توجه سبعة من سفراء الولايات المتحدة السابقين لدى الأمم المتحدة إلى وزير الخارجية الأمريكي، "مايك بومبيو"، قبل أيام، بطلب استعادة حجم التمويل لوكالة (الأونروا). حيث جاء في الرسالة التي وجهها السفراء السابقون إلى "بومبيو"، وكذلك إلى مندوبة الولايات المتحدة الحالية لدى الأمم المتحدة، "نيكي هايلي"، أن "نقص التمويل يضع موضع الشك قدرة (الأونروا) على مواصلة تقديم خدمات التعليم والرعاية الصحية لملايين الناس، ولديه تداعيات على أمن أقرب حلفائنا، بمن فيهم إسرائيل والأردن". وأضاف السفراء: "ندعوكم إلى استعادة التمويل الأمريكي للمساعدة على تسديد هذا النقص".
صورة إنسانية مأساوية وبارقة أمل ..
شهدت الشهور الستة الماضية حالة من عدم الاستقرار الشديد لمجتمع لاجئي فلسطين. وقد أدت مسألة نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الاحتلال إلى القدس، وما تبعها من مسيرات العودة وعدوان صهيوني متواصل على قطاع غزة، بالإضافة إلى الصراع المدمر في مخيم اليرموك إلى التأثير على المجتمع الفلسطيني بشكل كبير وبطرق عدّة مما أثار مخاوف عميقة حيال المستقبل.
في نهاية الشهر الماضي حذر، "ماتيوس شمالي"، مدير عمليات (الأونروا) في قطاع غزة، من دخول المنطقة العربية في حالة من الفوضى في حال توقفت وكالة الغوث عن تقديم خدماتها، داعيًا المجتمع الدولي لعدم السماح إلى الوصول إلى هذه المرحلة من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
وبحسب "شمالي" فإنّ "العجز المالي للوكالة هو تحت الصفر أصلًا، "لأننا حملنا عجزًا من العام الماضي بقيمة 146 مليون دولار، ليصبح العجز الحالي 446 مليونًا"، مشيرًا إلى أن التعهدات التي أعلنت عنها بعض الدول مقارنة بعجز (الأونروا) هو مبلغ ليس كبيرًا.
ولاحقًا لقرار الولايات المتحدة الأمريكية بخفض تمويلها بواقع 300 مليون دولار فقد باتت (الأونروا) تواجه أزمة هائلة وعجزًا تمويليًا هو الأسوأ في تاريخها حيث بلغ 446 مليون دولار. بحسب المفوض العام للوكالة الدولية.
كما أنّ تدخلات الطوارئ في قطاع غزة، حيث معدلات الفقر والبطالة فيها تصل لمستويات عليا واعتماد ما يقارب مليون لاجئ، واللذين يشكلون أكثر من 50 بالمائة من السكان في القطاع المحاصر، على المساعدات الغذائية من (الأونروا) كونها ضرورة إنسانية قصوى وأولوية للوكالة.
وهو ما يعني اتّخاذ (الأونروا) كافة التدابير الممكنة لحماية هذه المساعدات الحيوية بما في ذلك توفير التمويل لها عبر ميزانية البرامج.
ولضمان نجاح هذا فإنه يتوجب على المسؤولين في الوكالة إجراء تعديلات في التدخلات الأخرى. واحدة من هذه التدخلات تتعلق ببرنامج الصحة النفسية المجتمعية للوكالة.
كذلك فإنّ تدخلات الطوارئ في الضفة الغربية، تعتبر الأكثر تأثرًا وذلك لأنها كانت مدعومة بالكامل تقريبًا، ولعدة سنوات خلت، من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الموارد لم تعد موجودة لما تبقى من عام 2018.
ناهيك طبعًا عن تقليص خدمات (الأونروا) للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان خاصة، وبشكل خاص خدمتي التعليم والصحة، ما يعني أن هناك الكثير من الخدمات الحياتية المفصلية التي ستتأثر سلبًا وتتطلب تمويلًا كافيًا ومناسبًا، لأن مضاعفاتها ستكون خطيرة على أوضاع اللاجئين الإنسانية والحياتية وعلى أمن واستقرار مجتمع اللاجئين في البلدين.
بناء على ما سبق فإن واقع الحال يضعنا أمام صورة إنسانية مأساوية، غير أنّ بارقة الأمل كانت بموافقة 25 من الجهات المانحة على تسريع تحويل مساهماتهم المحددة لهذا العام مما ساعد الوكالة بالتغلب على التداعيات الأولية لفقدان التمويل الأمريكي.
وعلاوة على ذلك فقد تمكنت (أونروا) في الفترة بين شهري آذار/ مارس وأيار/ مايو 2018 من تحقيق دعم قارب 200 مليون دولار كتمويل إضافي (100 مليون دولار في مؤتمر روما و100 مليون دولار من تعهدات مالية قدمت بعد المؤتمر).
وأثناء مؤتمر التعهدات الأخير في نيويورك، قال المفوض العام لـ(الأونروا)، "لقد استلمنا تعهدات إضافية بلغت 38 مليون دولار(من بلجيكا وقبرص والدنمارك والاتحاد الأوروبي والكرسي البابوي وإيرلندا ومالطا والمملكة المتحدة) وبالتالي فإن المبلغ الإجمالي الجديد من الدعم المحقق منذ بداية الأزمة بلغ 238 مليون دولار وهو المبلغ الإضافي الأكبر الذي استطاعت الوكالة تأمينه في فترة زمنية قصيرة".
"التنبّؤ والإستدامة والكفاية".. ثلاثية إنقاذ (أونروا)
في السادس من نيسان/ أبريل 2017 طالب الأمين العام للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريس"، في تقريره المقدّم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن تكون ميزانية (الأونروا) "أكثر قابلية للتنبؤ والإستدامة وكافية". وهو الأمر الذي أكد عليه بيان وزارة الخارجية التركية، التي تسلمت مطلع تموز/ يوليو الجاري رئاسة اللجنة الاستشارية لـ(الأونروا)، لتكون بذلك المرة الأولى التي تتولى فيها تركيا رئاسة هذه اللجنة، حيث ذكر البيان أنّ "تركيا ستهدف خلال دورتها لرئاسة للجنة الاستشارية للوكالة، إلى زيادة عدد الدول المانحة لـ(الأونروا)". وأنّه "لكي تواصل وكالة الغوث تقديم خدماتها دون اضطرابات في وجه مشاكلها المالية المتنامية، ستواصل تركيا، بصفتها رئيس اللجنة الإستشارية، جهودها لوضع الوكالة على أساس مالي أكثر قابلية للتنبؤ والإستدامة والكفاية. في هذا السياق، تشمل أولوياتنا توسيع قاعدة المانحين والتنوع الجغرافي".
ويؤكد خبراء في الشأن الفلسطيني، أنّه للاستمرار في تقديم خدمات الوكالة الدولية والمحافظة عليها وحمايتها والتصدي لمن يريد إنهاءها كمقدمة لإنهاء قضية اللاجئين والعودة، تحتاج "(الأونروا) -منا جميعًا، فلسطينيين ومتضامنين- الشراكة الحقيقية والجادة في رفع الصوت، والمساهمة في الضغط على الأمم المتحدة لتحمل مسؤولياتها"، بحسب علي هويدي رئيس (الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين)، الذي رأى أنّه "على الدول المانحة التي تعهدت بدفع مبالغ مالية في ميزانية (الأونروا) لا سيما في مؤتمر نيويورك الأخير للمانحين أن تلتزم بما تعهدت به، وإلا فعاصفة الخطر الداهم على اللاجئين الفلسطينيين لن تتوقف". ذلك أنّه في ضوء تسارع الأحداث وفشل مؤتمر نيويورك في إيجاد الحل وتسديد العجز القائم في موازنة (الأونروا) أصبح الجميع قلقًا على مستوى الخدمة المقدمة للاجئين الفلسطينيين في مناطق عمليات الوكالة الدولية.
أخيرًا، لابد من القول إنّ التأكيد على بقاء (الأونروا) واستمرار ولايتها في تقديم الخدمة للاجئين الفلسطينيين لحين عودة آخر لاجئ إلى وطنه فلسطين. وإنّ المطلوب اليوم لوضع حدّ للإجراءات المجحفة والظالمة ومجزرة التقليصات التي أقرتها الوكالة في الشهور الأخيرة، مناشدة حكومات الدول المضيفة والجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المحلي فيها ممارسة ضغوط أكبر على المجتمع الدولي بحيث لا يترك اللاجئون الفلسطينيون وحدهم في الميدان.
"لقد كان مؤتمر التعهدات حدثًا إيجابيًا للغاية يدعم الزخم المبذول لمعالجة العجز المالي المتبقي للأونروا والبالغ قيمته 250 مليون دولار".
بهذه الكلمات افتتح البيان الرسمي الصادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) بعد انتهاء أعمال "مؤتمر نيويورك للمانحين".
بيان الوكالة الدولية، الذي سعى إلى طمأنة نحو 8 ملايين لاجئ فلسطيني في الوطن المحتل والشتات، لم يخفف من مخاوف الفلسطينيين رسميًا وشعبيًا من تصفية (الأونروا) بعد سلسلة الإجراءات التي اتّخذت تجاه اللاجئيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية ودول الشتات بذريعة انكماش ميزانيتها وضعف التمويل.
ذلك أنّ المفوّض العام للوكالة، "بيار كرينبول"، أعلن مؤخرًا، عن تدابير فوريّة لمواجهة العجز المالي المقدّر بمبلغ 217 مليون دولار، للاستمرار بتقديم الخدمات خلال النصف الثاني من العام 2018 الجاري، والتي تضمنت بعض الإجراءات الداخليّة التي تعتزم الوكالة اتّخاذها، والتي تتعلق أساسًا بتقليص فرص العمل لصالح المساعدات التي تتعلق بالحماية الغذائية والطوارئ.
(الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين) رأت عقب الإعلان عن نتائج المؤتمر، أنّ نتيجته كانت "مخزية ومخيّبة للآمال، كما حال مؤتمر روما الذي عقد في 15/3/2018، إذ لم يتمكن المؤتمر وللأسف إلا جمع ما يقارب من خُمس المبلغ المطلوب لسداد العجز المالي للوكالة (250 مليون دولار)".
واعتبرت (الهيئة) أنّ "هذا ينذر بالمزيد من قرارات التقشف التي ستتتّخذها الوكالة في برنامجيْ الصحة والتعليم.."، مؤكدة أنّه "إذا كان قد فشل المؤتمر بجمع المبلغ المطلوب، فقد نجح في تعرية المجتمع الدولي وفضحه باستمرار تواطئه وتآمره على حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة منذ 70 سنة حتى الآن!..".
وكان أن عقد في 25 حزيران/ يونيو الماضي مؤتمر "التعهدات المستمرة"، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك للدول المانحة لوكالة (الأونروا)، بمشاركة 70 دولة، لمحاولة حل العجز الحاصل في ميزانية الوكالة والبالغ نحو 250 مليون دولار.
"كرينبول" قال في كلمة له موجهة إلى العاملين بالوكالة في السابع من الشهر الجاري: "لا أستطيع إخفاء المخاطر الهائلة التي سنواجهها في خدماتنا إذا لم نتلقَ تمويلًا إضافيًا وعلى وجه السرعة"، مشددًا أنّ "نداء الطوارئ للوكالة في سوريا يعاني من نقص حاد في التمويل".
وأكد المسؤول الأممي إنّ "عجزًا ماليًا بمبلغ 217 مليون دولار ما زال يشكل أكبر عجز شهدته (الأونروا) في تاريخها"، محذرًا أنّه "إذا فشلنا في اتّخاذ خطوات أو أمّلنا أنفسنا بأنّه وببساطة سوف تنتهي المشكلة، فسوف تفرض علينا قرارات أكثر صعوبة".
ثلثا الشعب الفلسطيني في مهب الريح ..
بلغة الأرقام، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم لسنة 2018 حوالي 8 ملايين لاجئ بما نسبته حوالي ثلثيْ الشعب الفلسطيني و 11.6% من إجمالي عدد اللاجئين والنازحين في العالم (68.5 مليون حسب تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR لسنة 2017).
تنشط (الأونروا) التي أسست عام 1949، لدعم ما يزيد على 4.7 مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في 58 مخيمًا في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.، كما تدعم الوكالة، نحو 530 ألف طالب موزعين على 700 مدرسة، وتقدم خدمات طبية لنحو 3.5 مليون لاجئ، و1.7 مليون لاجئ مساعدات غذائية ونقدية فضلًا عن أنّها تقدم خدمات بنية تحتية لنحو 60 مخيماً للاجئين.
الموقف الإسرائيلي تجاه ما يجري في الساحة الدولية واضح، ألا وهو الدعوة إلى تفكيك (الأونروا) وإلغائها، وإضافة اللاجئين الفلسطينيين، إلى حصيلة لاجئي العالم، (عددهم عام 2018 ثمانية وستون مليون لاجئ في العالم)، وإضافتهم إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وهذا ما عبر عنه "ديفيد بادين"، المختص بملف (الأونروا) في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لصحيفة المستوطنين، "أروتس شيفع" في 10/06/2018.
وفي أكثر من مناسبة أكدت حكومات "تل أبيب" المتعاقبة أنّه "على أميركا أن تتولى تجفيف قضية اللاجئين، ولاسيما أنّ العرب قد غيروا مواقفهم من القضية، وذلك "بإعادة تأهيل اللاجئين". وأنّه "يجب إعادة إسكان اللاجئين الفلسطينيين في دولٍ أخرى، وبخاصة في الدول العربية الغنية، ويمكن الشروع في ذلك بالمتعلمين الذين تقل أعمارهم عن خمسٍ وأربعين سنة هم وعائلاتهم".
إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية يتجاهلان أنّ قضية اللاجئين الفلسطينيين تعتبر الأقدم بين حالات اللجوء الأخرى في العالم (70 سنة)، والأهم، إذ جرى تكرار تأكيد تنفيذ قرار عودة اللاجئين رقم 194 من قبل الأمم المتحدة حتى العام 1994 لما يزيد عن 130 مرة.
وفي الوقت الذي استطاعت فيه الأمم المتحدة وخلال 10 سنوات في تسعينيات القرن الماضي بأن تعيد حوالي 10 ملايين لاجئ إلى بلدانهم في غواتيمالا وكمبوديا وكوسوفا وموزمبيق وروندا وتيمور الشرقية وغيرها..، فشلت إلى الآن وبعد 7 عقود من أن تعيد اللاجئين الفلسطينيين إلى أماكن سكنهم الأصلية وتنهي قضيتهم كلاجئين.
محللون سياسيون فلسطينيون يرون أنّ التقليصات التي تقرها (الأونروا) بين الحين والآخر، هي التفاف على المطالب الرسمية والشعبية الفلسطينية، وتتساوق مع المشروع السياسي الدولي والإقليمي لتصفية القضية الفلسطينية، والمسمّى "صفقة القرن".
ويرى هؤلاء أنّ من يديم قضية اللاجئين الفلسطينيين هي الأمم المتحدة التي تعاطت مع القضية بسياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة، وليس وكالة (الأونروا) كما يدّعي البعض.
التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية ترعاه واشنطن الساعية اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى تصفية (الأونروا) تمهيدًا لإنهاء قضية اللاجئين والعودة، ورغم توجه سبعة من سفراء الولايات المتحدة السابقين لدى الأمم المتحدة إلى وزير الخارجية الأمريكي، "مايك بومبيو"، قبل أيام، بطلب استعادة حجم التمويل لوكالة (الأونروا). حيث جاء في الرسالة التي وجهها السفراء السابقون إلى "بومبيو"، وكذلك إلى مندوبة الولايات المتحدة الحالية لدى الأمم المتحدة، "نيكي هايلي"، أن "نقص التمويل يضع موضع الشك قدرة (الأونروا) على مواصلة تقديم خدمات التعليم والرعاية الصحية لملايين الناس، ولديه تداعيات على أمن أقرب حلفائنا، بمن فيهم إسرائيل والأردن". وأضاف السفراء: "ندعوكم إلى استعادة التمويل الأمريكي للمساعدة على تسديد هذا النقص".
صورة إنسانية مأساوية وبارقة أمل ..
شهدت الشهور الستة الماضية حالة من عدم الاستقرار الشديد لمجتمع لاجئي فلسطين. وقد أدت مسألة نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الاحتلال إلى القدس، وما تبعها من مسيرات العودة وعدوان صهيوني متواصل على قطاع غزة، بالإضافة إلى الصراع المدمر في مخيم اليرموك إلى التأثير على المجتمع الفلسطيني بشكل كبير وبطرق عدّة مما أثار مخاوف عميقة حيال المستقبل.
في نهاية الشهر الماضي حذر، "ماتيوس شمالي"، مدير عمليات (الأونروا) في قطاع غزة، من دخول المنطقة العربية في حالة من الفوضى في حال توقفت وكالة الغوث عن تقديم خدماتها، داعيًا المجتمع الدولي لعدم السماح إلى الوصول إلى هذه المرحلة من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
وبحسب "شمالي" فإنّ "العجز المالي للوكالة هو تحت الصفر أصلًا، "لأننا حملنا عجزًا من العام الماضي بقيمة 146 مليون دولار، ليصبح العجز الحالي 446 مليونًا"، مشيرًا إلى أن التعهدات التي أعلنت عنها بعض الدول مقارنة بعجز (الأونروا) هو مبلغ ليس كبيرًا.
ولاحقًا لقرار الولايات المتحدة الأمريكية بخفض تمويلها بواقع 300 مليون دولار فقد باتت (الأونروا) تواجه أزمة هائلة وعجزًا تمويليًا هو الأسوأ في تاريخها حيث بلغ 446 مليون دولار. بحسب المفوض العام للوكالة الدولية.
كما أنّ تدخلات الطوارئ في قطاع غزة، حيث معدلات الفقر والبطالة فيها تصل لمستويات عليا واعتماد ما يقارب مليون لاجئ، واللذين يشكلون أكثر من 50 بالمائة من السكان في القطاع المحاصر، على المساعدات الغذائية من (الأونروا) كونها ضرورة إنسانية قصوى وأولوية للوكالة.
وهو ما يعني اتّخاذ (الأونروا) كافة التدابير الممكنة لحماية هذه المساعدات الحيوية بما في ذلك توفير التمويل لها عبر ميزانية البرامج.
ولضمان نجاح هذا فإنه يتوجب على المسؤولين في الوكالة إجراء تعديلات في التدخلات الأخرى. واحدة من هذه التدخلات تتعلق ببرنامج الصحة النفسية المجتمعية للوكالة.
كذلك فإنّ تدخلات الطوارئ في الضفة الغربية، تعتبر الأكثر تأثرًا وذلك لأنها كانت مدعومة بالكامل تقريبًا، ولعدة سنوات خلت، من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الموارد لم تعد موجودة لما تبقى من عام 2018.
ناهيك طبعًا عن تقليص خدمات (الأونروا) للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان خاصة، وبشكل خاص خدمتي التعليم والصحة، ما يعني أن هناك الكثير من الخدمات الحياتية المفصلية التي ستتأثر سلبًا وتتطلب تمويلًا كافيًا ومناسبًا، لأن مضاعفاتها ستكون خطيرة على أوضاع اللاجئين الإنسانية والحياتية وعلى أمن واستقرار مجتمع اللاجئين في البلدين.
بناء على ما سبق فإن واقع الحال يضعنا أمام صورة إنسانية مأساوية، غير أنّ بارقة الأمل كانت بموافقة 25 من الجهات المانحة على تسريع تحويل مساهماتهم المحددة لهذا العام مما ساعد الوكالة بالتغلب على التداعيات الأولية لفقدان التمويل الأمريكي.
وعلاوة على ذلك فقد تمكنت (أونروا) في الفترة بين شهري آذار/ مارس وأيار/ مايو 2018 من تحقيق دعم قارب 200 مليون دولار كتمويل إضافي (100 مليون دولار في مؤتمر روما و100 مليون دولار من تعهدات مالية قدمت بعد المؤتمر).
وأثناء مؤتمر التعهدات الأخير في نيويورك، قال المفوض العام لـ(الأونروا)، "لقد استلمنا تعهدات إضافية بلغت 38 مليون دولار(من بلجيكا وقبرص والدنمارك والاتحاد الأوروبي والكرسي البابوي وإيرلندا ومالطا والمملكة المتحدة) وبالتالي فإن المبلغ الإجمالي الجديد من الدعم المحقق منذ بداية الأزمة بلغ 238 مليون دولار وهو المبلغ الإضافي الأكبر الذي استطاعت الوكالة تأمينه في فترة زمنية قصيرة".
"التنبّؤ والإستدامة والكفاية".. ثلاثية إنقاذ (أونروا)
في السادس من نيسان/ أبريل 2017 طالب الأمين العام للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريس"، في تقريره المقدّم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن تكون ميزانية (الأونروا) "أكثر قابلية للتنبؤ والإستدامة وكافية". وهو الأمر الذي أكد عليه بيان وزارة الخارجية التركية، التي تسلمت مطلع تموز/ يوليو الجاري رئاسة اللجنة الاستشارية لـ(الأونروا)، لتكون بذلك المرة الأولى التي تتولى فيها تركيا رئاسة هذه اللجنة، حيث ذكر البيان أنّ "تركيا ستهدف خلال دورتها لرئاسة للجنة الاستشارية للوكالة، إلى زيادة عدد الدول المانحة لـ(الأونروا)". وأنّه "لكي تواصل وكالة الغوث تقديم خدماتها دون اضطرابات في وجه مشاكلها المالية المتنامية، ستواصل تركيا، بصفتها رئيس اللجنة الإستشارية، جهودها لوضع الوكالة على أساس مالي أكثر قابلية للتنبؤ والإستدامة والكفاية. في هذا السياق، تشمل أولوياتنا توسيع قاعدة المانحين والتنوع الجغرافي".
ويؤكد خبراء في الشأن الفلسطيني، أنّه للاستمرار في تقديم خدمات الوكالة الدولية والمحافظة عليها وحمايتها والتصدي لمن يريد إنهاءها كمقدمة لإنهاء قضية اللاجئين والعودة، تحتاج "(الأونروا) -منا جميعًا، فلسطينيين ومتضامنين- الشراكة الحقيقية والجادة في رفع الصوت، والمساهمة في الضغط على الأمم المتحدة لتحمل مسؤولياتها"، بحسب علي هويدي رئيس (الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين)، الذي رأى أنّه "على الدول المانحة التي تعهدت بدفع مبالغ مالية في ميزانية (الأونروا) لا سيما في مؤتمر نيويورك الأخير للمانحين أن تلتزم بما تعهدت به، وإلا فعاصفة الخطر الداهم على اللاجئين الفلسطينيين لن تتوقف". ذلك أنّه في ضوء تسارع الأحداث وفشل مؤتمر نيويورك في إيجاد الحل وتسديد العجز القائم في موازنة (الأونروا) أصبح الجميع قلقًا على مستوى الخدمة المقدمة للاجئين الفلسطينيين في مناطق عمليات الوكالة الدولية.
أخيرًا، لابد من القول إنّ التأكيد على بقاء (الأونروا) واستمرار ولايتها في تقديم الخدمة للاجئين الفلسطينيين لحين عودة آخر لاجئ إلى وطنه فلسطين. وإنّ المطلوب اليوم لوضع حدّ للإجراءات المجحفة والظالمة ومجزرة التقليصات التي أقرتها الوكالة في الشهور الأخيرة، مناشدة حكومات الدول المضيفة والجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المحلي فيها ممارسة ضغوط أكبر على المجتمع الدولي بحيث لا يترك اللاجئون الفلسطينيون وحدهم في الميدان.
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين