سوريا
الوليد يحيى
حفلة تدمير واسترزاق، لم تتوقف منذ إعلان مخيّم اليرموك في أيّار/مايو الفائت، منطقة خاليّة من الارهاب، وذلك عقب العمليّة العسكريّة التي شنّها جيش النظام السوري وحلفاؤه، مدعومين بالطيران الروسي، وانتهت أخيراً بخروج عناصر تنظيم "داعش" عبر الحافلات من المخيّم إلى مناطق مختلفة من سوريا.
حفلةٌ بدأت مع إيقاعات جحيم الصواريخ والقذائف جوّاً وبرّاً على مدى شهرين، انهالت على مخيّم اليرموك، ودمّرت قرابة 80% من أبنيته، وأتت على بناه التحتيّة، في مشهديّة تدمير لا يبررها فقهٌ عسكريّ، ولا انضباطيّة حرفيّة في معالجات حرب المدن، وفق ما يرى أبسط المراقبين بالإضافة إلى أكثرهم خبرةً في شؤون الحرب.
نقول إنّها حفلة، ربمّا يكون التوصيف منصفاً أكثر "للمُحرِّرين" من وصفها بحملة " تحرير" عسكريّة، إلّا في حال أقرّينا بقصور عسكريّ لدى القوات النظاميّة السوريّة وحلفائها، اضطّرهم إلى اتباع التدمير الشامل كوسيلة لـ"التحرير" الكامل، فهنا في الأمر كارثة أكبر، لا سيّما أنّ العدو قد خرج بتسويةٍ سالماً، ولأمن عناصره وسلاحهم غانماً، ولم يجر القضاء عليه، مع أنّه من طراز "داعش" المطلوب رأسه حيّاً أو ميّتاً وفق التعبئة النظاميّة السوريّة والروسيّة والعالميّة.
فالحملة العسكريّة على اليرموك، لم تقض على العدو، إنّما غيّرت مكان تموضعه الجغرافي بمساعدة خصومه، وحتّى لا يبدو في الكلام إدانة لخصوم "داعش"، دعونا نضع الأمور في نصابها الصحيح، فـ"الجيش العربي السوري" وحلفاؤه، قد استثمروا ببراعة وجود "داعش" لإعادة تركيب جغرافيا اليرموك والأحياء المجاورة كالحجر الأسود والتضامن من جديد، بشكل نقيّ وحديث لا مخالفات فيه ولا عشوائيّات، ويسدّ بالنسبة للسلطة باباً من المشاكل المزمنة المُنتجة في أطراف المدن، والتي لطالما أرقته في أوقات الهبّات الشعبيّة، ويحرّك عجلة استثماريّة تدرّ المليارات على مقاولي الحرب والسلطلة وشركائها الإقليميين والدوليين.
حفلة استرزاق عقاري، أنجزت مرحلتها الأولى" مرحلة الهدم" بسلاسة وسرعة بفضل الحرب، وهو إنجازٌ لا توفّره طرق الهدم التقليديّة وفي أوقات السلم، حيث ستهبّ الاعتبارات القانوينة ومن أمامها الصراعات المجتمعيّة ومشاكلها في وجه السلطة وشركائها الإقليميين والدوليين، ومافياتها العقاريّة والتجارية، وهو ما حصل خلال تنفيذ السلطات السورية لشهوتها التنظيمية الربحية، في مناطق معيّنة من دمشق، كحي كفر سوسة عام 2004 – 2005.
وبين المرحلة الأولى والأخيرة، أيّ إنجاز مرحلة إعادة الإعمار وفق مخطط تنظيمي - مازالت ملامحه مبهمة، وعاد رئيس مجلس الوزراء السوري عماد خميس التأكيد عليه أمام مجلس الشعب السوري يوم 24 أيلول/ سبتمبر الجاري- لابد أن تطول الحفلة، فجسد اليرموك غنيّ ومدرار بذات الوقت، غنّي بموجودات شكّل نهبها " تعفيشها" ذروة الحفل الاسترزاقي لقطعات الجيش والميليشيات والمافيات المنظمة التي تعمل برعايتها، وهو ما وثّقته عدسات المُعفشّين وشهادات كثيرة تدلل على هوياتهم التي لا تحتاج كثيراً من الجهد لإثباتها، لتتواصل حفلة الاسترزاق على الجسد المدرار، وكيف ذلك؟.
ارتزاق سياسي وماديّ
في سوق الارتزاق السياسي، تجتمع محددات محوريّة يعتبر مخيّم اليرموك من أغناها سوريّاً، لاسيّما لدى النظام، والجهات الفلسطينية التي تدور في فلكه، وجوهر تلك المحددات، هو رمزيّة المخيّم كعاصمة للشتات الفلسطيني وأحد رموز اللاجئين الثابتة وطنيا ووجدنيّاً من جهة، ولكونه الموئل الوحيد لأكثر من 250 ألف لاجئ بنوا جلّ حيواتهم الماديّة والمعنوية فيه، وهذا ما يجعله مدراراً لمكتسبات الارتزاق السياسي، فالجميع يَهِبّ للاستثمار في تلك المحددات، سلطة فلسطينية وفصائل، وجهات نظاميّة سوريّة وحتّى نجوم نشطاء، وهيئات ومؤسسات مدنيّة.
ولا يمكن وضع ما يجري الحديث عنه وفعله حول مراحل لإعادة إعمار اليرموك والتي بدأت بتنظيفه وفق المُعلن، سوى في خانة الاستثمار في الجسد المدرار سياسياً للبعض، وماديّاً لدى آخرين، وهذا الكلام سوف ينكره الكثيرون، وبعض الناكرين سيكونون من جمهور البسطاء من أهالي المخيّم، فالغريق يتعلّق بقشّة وفق المثل الشعبي، والوقائع تبيّن أنّ الاستثمار في القش رابح في سوق رواده من الغرقى، لكنّ لنصارح الغرقى قليلاً ومنهم كاتب هذه السطور، هل بدأت فعليّاً مراحل إعمار المخيّم، وهل باتت عودتنا قريبة إلى ممتلكاتنا ومملكة ذكرياتنا وحياتنا؟.
في الأخبار الواردة، أنهت الجرافات والشاحنات مرحلة التنظيف وإزالة الردم من شوارع و حارات اليرموك، وبات تأهيل المقبرة القديمة قاب قوسين أو دنى، ووفق معلومات مؤكدّة، بلغت تكلفة هذه العمليّة قرابة مليوني دولار، تكفلّت بتغطية بعضها السلطة الفلسطينية التي أعلنت تمويلها لعمليات تنظيف المخيّم واعادة إعماره، في حين استجلبت بعض المنظمات المدنيّة وبعضها تابع لفصائل فلسطينية كبيرة بعضاً من ذلك التمويل الذي أهلها للمشاركة في هذا الجانب من الحفلة.
مشروع محاط بالكثير من البروباغندا، جرى بإشراف "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب"، وبتنسيق مباشر مع فرعي المنطقة وفلسطين في المخابرات السوريّة، وبتهليل جمهور من اللاجئين، وتشكيك جمهور آخر، ومن حقّ كلا الجمهورين ممارسة ما يمارسونه من تهليل وتشكيك، فالغريق يهلل ويشكك، وكلا الجمهورين من الغرقى، ولكن بالعين المشككة، يحق لنا الحساب والتساؤل، هل يحتاج ترميم المقبرة وعمليات التنظيف مبلغ مليوني دولار؟، إذا أخدنا بعين الاعتبار مصاريف وقود الشاحنات والجرافات التي تمارس عمليات التنظيف، وأسعار المواد الترميمية للقبور وفق مقاييس الأسعار السوريّة؟
تساؤل مفتوح وبرسم الجهات المعنيّة، التي من واجبها مصارحة اللاجئين وأصحاب الممتلكات، حول برنامجها وخططها وأولوياتها، وهل هي جدية باستكمال إعمار المخيم ببقية المبلغ المرصود، أم اكتفت فقط بتنظيف بعض الشوارع وترميم المقبرة، ويتسائل لاجئون مهجّرون يسكنون في مراكز الإيواء، عن منازلهم المدمّرة جزئيّاً، متى يُصار إعادة ترميمها ومن سيتكفّل في تكاليفها؟.
ولكن جملة من المعطيات الواقعيّة والتسريبات تشير أنّ الارتزاق السياسي والمادي هو أوّل الأولويّات، لدى جميع الجهات الممولة والمنفّذة والمُصرّحة، حيث تتربّع السلطة الفلسطينية على عرش المرتزقين سياسياً، وهي التي أهملت مخيّم اليرموك وسكّانه طوال فترة الحصار ولم تغثه إلّا ببعض الوفود والكلمات الركيكة، لتظهر نفسها اليوم في مقدمّة الحريصين على مخيّم اليرموك وإعادة إعماره عبر تمويل جرافات وشاحنات التنظيف، ولكن في الواقع هو تلميع وتنظيف لموقفها المتخاذل طوال سنوات الأزمة، وهذا ليس اتهاماً، فمن حقّ اللاجئين على السلطة الفلسطينية أن يقيّموا أفعالها وفق ما يدور في خلدهم، وهم على درجة كافيّة من الذكاء لإدراك أنّ 80% من الدمار في عمران مخيّم اليرموك، يحتاج إعماره سنوات طويلة في حال توفّرت الإرادة لفعل ذلك، ومؤشرات توفّر الإرادة لم تطلّ بعد، وليست الشاحنات والجرافات من مؤشراتها، إنمّا تكمن المؤشرات الجدّية في حراك سياسي رسمي محلي وإقليمي ودولي، للبدء في إعداد خطط لتمويل إعادة الإعمار، وأولاً تثبيت حقّ اللاجئين في ملكياتهم، وهو الحق الذي بات مبهماً بالكامل في ظل ما أُعلن رسميّاً من مخطط تنظيمي يشمل "حيّ اليرموك" الذي أُسقط عنه لقب مخيّم في الخطاب الرسمي السوري.
وبالتوازي مع المرتزق سياسياً يأتي السماسرة، وهم من المسيّرين والمسهّلين وجلّاب التصاريح، ووفق معلومات مُطَالَبٌ من المعنين تنفنيدها، فقد أغنت حفلة إعادة التنظيف جيوب كبار سماسرة المخيّمات، وهم سياسيون فصائليون معروفون ومسؤولون في هيئة رسميّة معنيّة بشؤون اللاجئين وضبّاط في أفرع المخابرات، إذ لا تصاريح بأموال ستدخل لبث الحياة في اليرموك إلا عبر جيوبهم، وهذا ما يفسّر كبر المبلغ الذي يدور الحديث عنه في الخطوة الأولى لما يسمونه "إعادة إعمار" ، مليونا دولار نهشتها قسمة الضباع، التي ماتزال وستبقى تنهش في جسد مخيّم اليرموك، والاستثمار بسوق الوهم والقش.
شاحنات وجرافات وكاميرات، أدوات جيّدة لاستجلاب تمويل لغرض "خدمة اللاجئين" كما يُرَوّج عند الداعمين والممولين، هيئات ومؤسسات يثير عملها شهيّة المرتزقة من أفرع أمنية مرتشية، ومستخدميها من فصائل وجهات فلسطينية، هنا بالذات يشكّل جسد اليرموك ميدان الحفلة المستمرة، التي لا يعلم أحد متى ستنتهي؟
منطقياً، لن تنتهي إلّا بانتهاء عموم الحالة السوريّة المأزومة وانقضاء ملفاتها المعقدة والشائكة، فلابد للاجئين أن يدركوا، بأنّ إعادة إعمار مخيّم اليرموك، ليست قضيّة خاصة ولن تكون كذلك، ولو زاد المستثمرون فيها من حدّة خطاباتهم الوجدانية في رمزية المخيّم لزوم الاستثمار الارتزاقي، وتكثيف العمليات الشكليّة وزيادة منسوب الكاميرات لزوم البروباغندا، فمسألة إعمار مخيّم اليرموك مرتبطة بإعادة إعمار سوريا، وما لها من اعتبارات سياسية دولية واقليمية، متعلقة بشكل الحل في البلاد، وما سيوفره من طمأنينة للمال ومستثمري الإعمار، والتي لا نستطيع أن نجزم بعد إن كان ملف إعادة إعمار سوريا الذي سيخط دوليّاً، سيبقي على المخيّمات كما هي أم سيراعي بالدرجة الأولى مقتضيات " صفقة القرن"؟.
فكمّ الوهم الذي تجلبه تصريحات المسؤولين الفلسطينيين، عن وعود الجهات الرسميّة السوريّة ودعم الحكومة المفلسة أساساً لإعادة إعمار اليرموك، تبقى خطاياه في رسم من ينصبون أنفسهم أمناء على قضايا اللاجئين، منظمة تحرير وفصائل وهيئات ومؤسسات، وليس للاجئ الفلسطيني سوى مصارحة نفسه، والالتفات لنزع الشوك من حوله بيده.
الوليد يحيى
حفلة تدمير واسترزاق، لم تتوقف منذ إعلان مخيّم اليرموك في أيّار/مايو الفائت، منطقة خاليّة من الارهاب، وذلك عقب العمليّة العسكريّة التي شنّها جيش النظام السوري وحلفاؤه، مدعومين بالطيران الروسي، وانتهت أخيراً بخروج عناصر تنظيم "داعش" عبر الحافلات من المخيّم إلى مناطق مختلفة من سوريا.
حفلةٌ بدأت مع إيقاعات جحيم الصواريخ والقذائف جوّاً وبرّاً على مدى شهرين، انهالت على مخيّم اليرموك، ودمّرت قرابة 80% من أبنيته، وأتت على بناه التحتيّة، في مشهديّة تدمير لا يبررها فقهٌ عسكريّ، ولا انضباطيّة حرفيّة في معالجات حرب المدن، وفق ما يرى أبسط المراقبين بالإضافة إلى أكثرهم خبرةً في شؤون الحرب.
نقول إنّها حفلة، ربمّا يكون التوصيف منصفاً أكثر "للمُحرِّرين" من وصفها بحملة " تحرير" عسكريّة، إلّا في حال أقرّينا بقصور عسكريّ لدى القوات النظاميّة السوريّة وحلفائها، اضطّرهم إلى اتباع التدمير الشامل كوسيلة لـ"التحرير" الكامل، فهنا في الأمر كارثة أكبر، لا سيّما أنّ العدو قد خرج بتسويةٍ سالماً، ولأمن عناصره وسلاحهم غانماً، ولم يجر القضاء عليه، مع أنّه من طراز "داعش" المطلوب رأسه حيّاً أو ميّتاً وفق التعبئة النظاميّة السوريّة والروسيّة والعالميّة.
فالحملة العسكريّة على اليرموك، لم تقض على العدو، إنّما غيّرت مكان تموضعه الجغرافي بمساعدة خصومه، وحتّى لا يبدو في الكلام إدانة لخصوم "داعش"، دعونا نضع الأمور في نصابها الصحيح، فـ"الجيش العربي السوري" وحلفاؤه، قد استثمروا ببراعة وجود "داعش" لإعادة تركيب جغرافيا اليرموك والأحياء المجاورة كالحجر الأسود والتضامن من جديد، بشكل نقيّ وحديث لا مخالفات فيه ولا عشوائيّات، ويسدّ بالنسبة للسلطة باباً من المشاكل المزمنة المُنتجة في أطراف المدن، والتي لطالما أرقته في أوقات الهبّات الشعبيّة، ويحرّك عجلة استثماريّة تدرّ المليارات على مقاولي الحرب والسلطلة وشركائها الإقليميين والدوليين.
حفلة استرزاق عقاري، أنجزت مرحلتها الأولى" مرحلة الهدم" بسلاسة وسرعة بفضل الحرب، وهو إنجازٌ لا توفّره طرق الهدم التقليديّة وفي أوقات السلم، حيث ستهبّ الاعتبارات القانوينة ومن أمامها الصراعات المجتمعيّة ومشاكلها في وجه السلطة وشركائها الإقليميين والدوليين، ومافياتها العقاريّة والتجارية، وهو ما حصل خلال تنفيذ السلطات السورية لشهوتها التنظيمية الربحية، في مناطق معيّنة من دمشق، كحي كفر سوسة عام 2004 – 2005.
وبين المرحلة الأولى والأخيرة، أيّ إنجاز مرحلة إعادة الإعمار وفق مخطط تنظيمي - مازالت ملامحه مبهمة، وعاد رئيس مجلس الوزراء السوري عماد خميس التأكيد عليه أمام مجلس الشعب السوري يوم 24 أيلول/ سبتمبر الجاري- لابد أن تطول الحفلة، فجسد اليرموك غنيّ ومدرار بذات الوقت، غنّي بموجودات شكّل نهبها " تعفيشها" ذروة الحفل الاسترزاقي لقطعات الجيش والميليشيات والمافيات المنظمة التي تعمل برعايتها، وهو ما وثّقته عدسات المُعفشّين وشهادات كثيرة تدلل على هوياتهم التي لا تحتاج كثيراً من الجهد لإثباتها، لتتواصل حفلة الاسترزاق على الجسد المدرار، وكيف ذلك؟.
ارتزاق سياسي وماديّ
في سوق الارتزاق السياسي، تجتمع محددات محوريّة يعتبر مخيّم اليرموك من أغناها سوريّاً، لاسيّما لدى النظام، والجهات الفلسطينية التي تدور في فلكه، وجوهر تلك المحددات، هو رمزيّة المخيّم كعاصمة للشتات الفلسطيني وأحد رموز اللاجئين الثابتة وطنيا ووجدنيّاً من جهة، ولكونه الموئل الوحيد لأكثر من 250 ألف لاجئ بنوا جلّ حيواتهم الماديّة والمعنوية فيه، وهذا ما يجعله مدراراً لمكتسبات الارتزاق السياسي، فالجميع يَهِبّ للاستثمار في تلك المحددات، سلطة فلسطينية وفصائل، وجهات نظاميّة سوريّة وحتّى نجوم نشطاء، وهيئات ومؤسسات مدنيّة.
ولا يمكن وضع ما يجري الحديث عنه وفعله حول مراحل لإعادة إعمار اليرموك والتي بدأت بتنظيفه وفق المُعلن، سوى في خانة الاستثمار في الجسد المدرار سياسياً للبعض، وماديّاً لدى آخرين، وهذا الكلام سوف ينكره الكثيرون، وبعض الناكرين سيكونون من جمهور البسطاء من أهالي المخيّم، فالغريق يتعلّق بقشّة وفق المثل الشعبي، والوقائع تبيّن أنّ الاستثمار في القش رابح في سوق رواده من الغرقى، لكنّ لنصارح الغرقى قليلاً ومنهم كاتب هذه السطور، هل بدأت فعليّاً مراحل إعمار المخيّم، وهل باتت عودتنا قريبة إلى ممتلكاتنا ومملكة ذكرياتنا وحياتنا؟.
في الأخبار الواردة، أنهت الجرافات والشاحنات مرحلة التنظيف وإزالة الردم من شوارع و حارات اليرموك، وبات تأهيل المقبرة القديمة قاب قوسين أو دنى، ووفق معلومات مؤكدّة، بلغت تكلفة هذه العمليّة قرابة مليوني دولار، تكفلّت بتغطية بعضها السلطة الفلسطينية التي أعلنت تمويلها لعمليات تنظيف المخيّم واعادة إعماره، في حين استجلبت بعض المنظمات المدنيّة وبعضها تابع لفصائل فلسطينية كبيرة بعضاً من ذلك التمويل الذي أهلها للمشاركة في هذا الجانب من الحفلة.
مشروع محاط بالكثير من البروباغندا، جرى بإشراف "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب"، وبتنسيق مباشر مع فرعي المنطقة وفلسطين في المخابرات السوريّة، وبتهليل جمهور من اللاجئين، وتشكيك جمهور آخر، ومن حقّ كلا الجمهورين ممارسة ما يمارسونه من تهليل وتشكيك، فالغريق يهلل ويشكك، وكلا الجمهورين من الغرقى، ولكن بالعين المشككة، يحق لنا الحساب والتساؤل، هل يحتاج ترميم المقبرة وعمليات التنظيف مبلغ مليوني دولار؟، إذا أخدنا بعين الاعتبار مصاريف وقود الشاحنات والجرافات التي تمارس عمليات التنظيف، وأسعار المواد الترميمية للقبور وفق مقاييس الأسعار السوريّة؟
تساؤل مفتوح وبرسم الجهات المعنيّة، التي من واجبها مصارحة اللاجئين وأصحاب الممتلكات، حول برنامجها وخططها وأولوياتها، وهل هي جدية باستكمال إعمار المخيم ببقية المبلغ المرصود، أم اكتفت فقط بتنظيف بعض الشوارع وترميم المقبرة، ويتسائل لاجئون مهجّرون يسكنون في مراكز الإيواء، عن منازلهم المدمّرة جزئيّاً، متى يُصار إعادة ترميمها ومن سيتكفّل في تكاليفها؟.
ولكن جملة من المعطيات الواقعيّة والتسريبات تشير أنّ الارتزاق السياسي والمادي هو أوّل الأولويّات، لدى جميع الجهات الممولة والمنفّذة والمُصرّحة، حيث تتربّع السلطة الفلسطينية على عرش المرتزقين سياسياً، وهي التي أهملت مخيّم اليرموك وسكّانه طوال فترة الحصار ولم تغثه إلّا ببعض الوفود والكلمات الركيكة، لتظهر نفسها اليوم في مقدمّة الحريصين على مخيّم اليرموك وإعادة إعماره عبر تمويل جرافات وشاحنات التنظيف، ولكن في الواقع هو تلميع وتنظيف لموقفها المتخاذل طوال سنوات الأزمة، وهذا ليس اتهاماً، فمن حقّ اللاجئين على السلطة الفلسطينية أن يقيّموا أفعالها وفق ما يدور في خلدهم، وهم على درجة كافيّة من الذكاء لإدراك أنّ 80% من الدمار في عمران مخيّم اليرموك، يحتاج إعماره سنوات طويلة في حال توفّرت الإرادة لفعل ذلك، ومؤشرات توفّر الإرادة لم تطلّ بعد، وليست الشاحنات والجرافات من مؤشراتها، إنمّا تكمن المؤشرات الجدّية في حراك سياسي رسمي محلي وإقليمي ودولي، للبدء في إعداد خطط لتمويل إعادة الإعمار، وأولاً تثبيت حقّ اللاجئين في ملكياتهم، وهو الحق الذي بات مبهماً بالكامل في ظل ما أُعلن رسميّاً من مخطط تنظيمي يشمل "حيّ اليرموك" الذي أُسقط عنه لقب مخيّم في الخطاب الرسمي السوري.
وبالتوازي مع المرتزق سياسياً يأتي السماسرة، وهم من المسيّرين والمسهّلين وجلّاب التصاريح، ووفق معلومات مُطَالَبٌ من المعنين تنفنيدها، فقد أغنت حفلة إعادة التنظيف جيوب كبار سماسرة المخيّمات، وهم سياسيون فصائليون معروفون ومسؤولون في هيئة رسميّة معنيّة بشؤون اللاجئين وضبّاط في أفرع المخابرات، إذ لا تصاريح بأموال ستدخل لبث الحياة في اليرموك إلا عبر جيوبهم، وهذا ما يفسّر كبر المبلغ الذي يدور الحديث عنه في الخطوة الأولى لما يسمونه "إعادة إعمار" ، مليونا دولار نهشتها قسمة الضباع، التي ماتزال وستبقى تنهش في جسد مخيّم اليرموك، والاستثمار بسوق الوهم والقش.
شاحنات وجرافات وكاميرات، أدوات جيّدة لاستجلاب تمويل لغرض "خدمة اللاجئين" كما يُرَوّج عند الداعمين والممولين، هيئات ومؤسسات يثير عملها شهيّة المرتزقة من أفرع أمنية مرتشية، ومستخدميها من فصائل وجهات فلسطينية، هنا بالذات يشكّل جسد اليرموك ميدان الحفلة المستمرة، التي لا يعلم أحد متى ستنتهي؟
منطقياً، لن تنتهي إلّا بانتهاء عموم الحالة السوريّة المأزومة وانقضاء ملفاتها المعقدة والشائكة، فلابد للاجئين أن يدركوا، بأنّ إعادة إعمار مخيّم اليرموك، ليست قضيّة خاصة ولن تكون كذلك، ولو زاد المستثمرون فيها من حدّة خطاباتهم الوجدانية في رمزية المخيّم لزوم الاستثمار الارتزاقي، وتكثيف العمليات الشكليّة وزيادة منسوب الكاميرات لزوم البروباغندا، فمسألة إعمار مخيّم اليرموك مرتبطة بإعادة إعمار سوريا، وما لها من اعتبارات سياسية دولية واقليمية، متعلقة بشكل الحل في البلاد، وما سيوفره من طمأنينة للمال ومستثمري الإعمار، والتي لا نستطيع أن نجزم بعد إن كان ملف إعادة إعمار سوريا الذي سيخط دوليّاً، سيبقي على المخيّمات كما هي أم سيراعي بالدرجة الأولى مقتضيات " صفقة القرن"؟.
فكمّ الوهم الذي تجلبه تصريحات المسؤولين الفلسطينيين، عن وعود الجهات الرسميّة السوريّة ودعم الحكومة المفلسة أساساً لإعادة إعمار اليرموك، تبقى خطاياه في رسم من ينصبون أنفسهم أمناء على قضايا اللاجئين، منظمة تحرير وفصائل وهيئات ومؤسسات، وليس للاجئ الفلسطيني سوى مصارحة نفسه، والالتفات لنزع الشوك من حوله بيده.
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين