أوضاع قانونية معقدّة، حرمت اللاجئ الفلسطيني "رياض شحادة"، من فرص تلقي العلاج بشكل شبه مطلق، وهو الذي ترك سوريا إثر حصار مخيّم اليرموك وجنوب دمشق وتهجير سكّانهما قسراً، قاصداً تركيّا كملاذ وحيد، وغير قادر قانونياً على استحصال بطاقة الإقامة " الكملك" التي تشكّل شرطاً اساسياً للاستشفاء.
قلق دائم يحيط بحياة رياض، بعد أن دخل إلى تركيا بطريقة "غير شرعية" هرباً من احتمالات الموت الكثيرة في سوريا، في وقت تواصل فيه السلطات التركية حرمان اللاجئين الفلسطينيين حملة الوثائق السوريّة من تأشيرة الدخول النظاميّة، والآن يحاول بشتّى الطرق تسوية أوضاعه القانونية، والخيالات القاتمة حول مصيره في حال احتاج إلى مسشفىً أو معاينة طبيّة، أو أصابه مرض مزمن، تلازمه بشكل مستمر.
يقول رياض :" في حال أصابني عارض صحّي أو مرض ما، ليس لي سوى الجلوس في المنزل، لا استطيع تلقي العلاج، لأنه ليس عندي تسجيل دخول ولا شيء ولا أوراق قانونية، واحتمال كبير أن أُستدعى من قبل البوليس في حال قصدت مستشفىً، وأدخل بتحقيقات وإجراءات ومنها السجن"
تلقي العلاج في تركيا مرهون بالحصول على إقامة قانونية، وهو ما يفتقده رياض، الذي لم يدخر جهداً لتحصيل "إقامة إنسانيّة" نظراً لشحّ احتمالات حصوله على بطاقة الحماية المؤقتة التي تُمنح للاجئين من سوريا "الكملك"، إلّا أنّ ذلك النوع من الإقامات في تركيا يحتاج إلى شروط، قد لا يمتلكها، كتقرير طبّي ومبرر قوي يبيّن عدم قدرته على السفر خارج تركيا، إضافة إلى جواز سفر وعدّة وثائق رسميّة.
رياض يؤكّد أنّ عدّة أشخاص في تركيا يشاركونه حاله، تمكّنوا من الاستحصال على "الإقامة الإنسانيّة"، عبر مُساعدة من قبل سفارة السلطة الفلسطينية أو حركة "حماس"، الّا أن الأخيرتين لم تساعداه حتّى بالاستعلام عن كيفيّة التقدّم للحصول عليها، "لعدم امتلاكه واسطة" حسب قوله.
هذا اللاجئ المهجّر، واحدٌ من مئات اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا الذين قصدوا تركيّاً، يعيشون أوضاعاً قاتمة على الصعيد الإستشفائي وسواه، في بلد يقدّم الاستشفاء بشكل مميز للاجئين والمقيمين، باستثناء "غير الشرعيين منهم" المتروكين دون التفاتة من قبل المؤسسات الرسميّة الفلسطينية وغير الرسميّة ذات العلاقات المميزة مع تركيا.
استشفاء وفق نوع الإقامة
قرابة 10% من اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيّا الذين تترواح أعدادهم بين 8 ألى 10 آلاف فرد، محرومون من أي نوع من أنواع الإقامة المُتاحة للمقيمين في هذا البلد، ومن أنواعها: "السياحية" و إقامة الحماية المؤقتة " الكملك" و" الإنسانيّة"، في حين يتمتع المُقيمون بشكل شرعي وفق إحداها، بخدمات طبيّة واستشفائيّة واسعة.
اللاجئ والباحث المطلّع على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في تركيا عزّت إبراهيم، أوضح لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" تفاصيل الواقع الصحّي والاستشفائي للاجئين الفلسطينيين السوريين، بناء على نوع الإقامة التي يمتلكونها، مسلّطاً الضوء على أوضاع المجّردين منها وضآلة فرص تلقيهم للعلاج في البلاد.
يقول الباحث عزّت إبراهيم: "إنّ كل فلسطيني مهجّر من سوريا، وقدم إلى تركيا بشكل شرعي في فترة الإتاحة للفلسطينيين السوريين دخول البلاد، وحصل على بطاقة الحماية المؤقّتة "الكملك" تخوّله بطاقته تلقّي تغطية طبيّة كاملة في المستشفيات والمستوصفات الطبيّة الحكوميّة".
ويضيف، أنّ كافة القطاعات الصحيّة الحكوميّة والمستوصفات المخصصة للمهجّرين، مُتاحة أمام حامل البطاقة، إضافة إلى العيادات الطبيّة في المراكز، وفق حجز مسبق ضمن النظام الصحّي المعمول به، بينما المستشفيات الخاصة فحاله معها حال المواطن التركي حيث يتطلّب دفعه التكاليف، أمّا الدواء، فيجري صرفه للاجئين الشرعيين من الصيدليات الحكومية بشكل مجّاني.
ويشير إبراهيم، إلى صنف آخر من الفلسطينيين السوريين، وهم الذين يمتكلون "الإقامة السياحية" وتقدّموا للحصول على هذا النوع من الإقامة، جرّاء دخولهم البلاد وفق تأشيرة سياحيّة حين كانت مُتاحة للفلسطينيين السوريين، وبقوا يجددونها كلما انتهت مدتها طوال فترة إقامتهم.
فهؤولاء وفق إبراهيم، يحصلون على الخدمات الإستشفائيّة بتغطيّة تتراوح بين 10% إلى 50 حتّى 100%، وهذه النسبة معيارها نوع التأمين الصحّي الذي يُفرض عليهم إصداره كشرط للحصول على إقامة وبرسم يُدفع سنوياً، تحدد قيمته نوعية بوليصة التأمين وحجم تغطيتها للخدمات الاستشفائيّة، لافتاً إلى أنّ كل نوع من أنواع التأمين يتناسب مع عمر المتقدّم إليه، فإبن الـ60 عاماً يختلف عن ذوي الـ40 عاماً وهكذا.
(الكملك) يعمل في مكان صدوره فقط
ويشير الباحث، إلى صعوبات تواجه اللاجئين الفلسطينيين الحاصلين على إقامة الحماية المؤقت (الكملك)، ولكن قاموا بتغيير مكان سكنهم إلى ولاية أخرى غير التي مُنحوا منها بطاقة الـ" الكملك"، ويقول: "هناك لاجئون كثر استحصلوا على الإقامة مثلاً من ولاية هاتاي وبعض الولايات الجنوبيّة، ولأسباب تتعلّق بفرص العمل، اضطرّوا إلى الانتقال للولايات النشطة اقتصادياً كاسطنبول وأزمير وأنقرة، هؤولاء غير قادرين على الاستفادة من النظام الصحّي سوى من الولايات التي حصلوا فيها على الإقامة حصراً".
ويشير إلى أنّ تلافي هذه المشكلة، مرهون بالحصول على إذن عمل في الولاية الجديدة التي انتقل إليها، وفق السياقات القانونية التي تتطلب ورقة من ربّ العمل وتأخذ مدّة بين شهر و3 أشهر، وبهذه الحالة يمكن أن ينقل مكان إقامته ويصدر بطاقة كملك جديدة، أمّا من لم يحصلوا على هذا الإذن فقد يضطرّوا للجوء إلى المستشفيات الخاصة.
كما ينوّه الباحث إبراهيم، إلى استثناء السلطات الصحيّة في تركيّا، تطعيم الأطفال من شرط تلقيه حصراً في الولاية التي صدر عنها الكملك.
ضآلة احتمالات تلقي العلاج للمجردين من الإقامة
ويلفت الباحث إبراهيم، إلى صعوبة احتمالات تلقي العلاج بالنسبة للشريحة المحرومة من أنواع الإقامة، الذي يصف أوضاعهم بالمأساويّة، حيث لا تتوفّر لديهم حتى إمكانيّة علاج أنفسهم بأنفسهم من الوعكات الصحيّة البسيطة، كالكريب والالتهابات الخفيفة سهلة التشخيص والآلام الحادة متعددة الأسباب الطارئة، عبر شراء الأدوية من الصيدليّة.
ويوضح إبراهيم، أنّ النظام الصحّي في تركيا شديد التنظيم، ويختلف جذرياً عن نظيره السوري، حيث من غير المُتاح في تركيا شراء الدواء بشل عشوائي، دون وصفة صادرة عن طبيب في مستوصف أو مستشفى، وهذا يضيّق فرص الحصول على العلاج للاجئ غير الحاصل على الإقامة.
فكل شيء مرهون بالوثائق والبيانات، فيما يخص آلية الاستشفاء، ويقول إبراهيم: "إنّ آلية صرف الدواء، تتم بعد معاينة الطبيب المسؤول في المركز الصحّي للمريض، بناء على بطاقة الكملك خاصته، ومن ثم يجري منحه (كود) بدلاً من وصفة الدواء التقليديّة، التي يتوجه بها إلى الصيدلي، الذي بدوره يتعرف على حالة المريض عبر الحاسوب والدواء الذي يوصي به الطبيب، ليقوم الصيدلي بصرفه له وتلقينه آلية استعماله".
ماذا عن "كورونا" والحوادث؟
وهو سؤال يؤرّق الكثير من اللاجئين الفلسطينيين غير الحاصلين على أي نوع من أنواع الإقامة القانونية في البلاد، الّا أنّ النظام الصحّي في البلاد، يوفّر لهم إمكانيّة تلقي الإسعاف الفوري في حال تعّرضهم إلى حادث، وحتّى في حال الإصابة بفايروس "كورونا" لا تتركه الدولة دون حجر وعلاج.
وهنا يؤكّد إبراهيم لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ اللاجئ الذي ليس معه وثائق قانونية، وتعرّض لحادث، فسيارات الإسعاف تسعفه إلى أقرب مستشفى موجود، بغض النظر إذا كان حكوميّاً أم خاصّاً، وهو أمر مخوّل الإسعاف به بغض النظر عن هوية صاحب الحالة ووضعه القانوني، بينما المستشفى مضطرّة للتعامل مع الحالة بشكل فوري للحفاظ على حياته، وهذا يضمنه النظام الصحّي التركي.
أمّا في حال الإصابة بفايروس "كورونا" يشير إبراهيم، إلى أنّ السلطات في البلاد، تتعامل باهتمام شديد مع جائحة "كورونا"، ورغم أنّ التوجه إلى المستشفى يحتاج إلى بيانات وإقامة لتلقي العلاج أو إجراء فحص "PCR" إلّا أنّ من يتبيّن إصابته عبر الأعراض وسواها، يجري الحجر عليه كي لا يصبح مصدراً للعدوى، وتقدم له كافة العلاج بغض النظر إذا كان معه "كملك" أم لا.
ويدلل إبراهيم على ذلك، من خلال حادثة جرت قبل قرابة 3 أشهر، وهي الفترة التي شهدت أوج انتشار فيروس "كورونا" في تركيا، حين وصل قارب يقل مهاجرين، بينهم فلسطينيون من سوريا، جرى إلقاء القبض عليهم عند السواحل اليونانية وإعادتهم إلى تركيا، حيث قامت السلطات التركيّة بالحجر عليهم صحيّاً لمدّة 14 يوماً وأخضعتهم لكافة الإجراءات الصحيّة قبل إطلاق سراحهم.
والحال هذه، فإن الحل في شأن الاستشفاء للفلسطينيي سوريا في تركيا هو الحصول على نوع ما من أنواع الإقامات، الأمر الذي لا يقدر عليه معظمهم دون مساعدة من جهة رسمية فلسطينية، وهنا يكم الجزء المفقود من الرواية، إذ إن التفاعل الرسمي والفصائلي مع فلسطينيي سوريا في تركيا خجول، وإمكانية مساعدتهم مرتبطة حسب معظمهم بالانتماءات والولاءات السياسية.
تجدر الإشارة، إلى أنّ عدّة مناشدات أطلقها اللاجئون الفلسطينيونالمهجّرون من سوريا إلى تركيا، غير الحاصلين على إقامة قانونية، وجههوها لسفارة السلطة الفلسطينية والفصائل والمؤسسات الموجودة في البلاد وتمتلك علاقات جيدة مع حكومتها، من أجل السعي لهم بحل قانوني، ولكن دون استجابة تّذكر، رغم قلّة أعدادهم مُقارنة بأعداد اللاجئين بشكل عام في تركيا، وكان "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قد سلّط الضوء على مبادرة أطلقوها لحل أوضاعهم بأنفسهم، بعد يأسهم من الجهات الرسميّة " المُمثّلة" للشعب الفلسطيني.