اهتمت القيادات الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية بدور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" باعتبارها الشاهد الأممي الوحيد والباقي على مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وعملت ولا تزال للحفاظ على وجودها وصمودها ضد محاولات إنهاء دورها خاصة مع تعاظم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية في سبيل ذلك.
صحيح أن الجهد السياسي الفلسطيني للحفاظ عليها يتركز على الخدمات و المساعدات اقتصادية واجتماعية للاجئين الفلسطينيين في دول الشتات والضفة الغربية وقطاع غزة، لكن جذر الدعم الفلسطيني هو سياسي كتعبير عن التزام المجتمع الدولي بحل قضية اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة.
ففي كل العواصم والمخيمات يحمل الفلسطيني حقه بالعودة ليتحصن به في معركة تحول دون إبادته، هكذا كلمة "حق العودة" تعني في العقل الجمعي الفلسطيني العودة إلى القرى والمدن التي هجر منها الفلسطينيون قسراً عام 1948.
فيما يغيب دور لجنة التوفيق الدولية UNCCP عن أجندة السياسية الفلسطينية منذ عقود رغم أهميتها وارتباط نشأتها بالقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة والقاضي بتعويض اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم.
ما هي لجنة التوفيق الدولية UNCCP؟
اتخذت الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين بتاريخ 29/11/1947، وبعدها انسحبت بريطانيا من فلسطين بعد إقامة كيان صهيوني "إسرائيل" إثر نكبة عام 1948 التي أسفرت عن تهجير العديد من الفلسطينيين عن أراضيهم ومنازلهم.
وفي 16/9/1948 رفع الوسيط الدولي برنادوت تقريره إلى الأمم المتحدة الذي حمل فيه "إسرائيل" مسؤولية العدوان، وطالب بحق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم ومنازلهم كشرط أساسي لتسوية النزاع بين الطرفين.
ووفقاً لهذا التقرير أصدرت الأمم المتحدة قرارها رقم 194/ فقرة 11 لتؤكد حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، ودعا القرار إلى إنشاء لجنة توفيق دولية مهمتها السعي لتحقيق السلام في فلسطين، وتسهيل عودة اللاجئين الفلسطينيين من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب دفع التعويضات لهم.
تحت إصرار ممثلي الدول العربية في حينه على ضرورة توفير نظام حماية مضاعف للاجئين الفلسطينيين بحكم خصوصية وضعهم وتميزه عن وضع بقية لاجئي العالم، ونتيجة لإدراك الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورها المباشر في خلق قضيتهم من خلال قرارها رقم 181 لتقسيم فلسطين، أنشأت الأمم المتحدة وكالتين دوليتين هما: لجنة الأمم المتحدة للتوفيق حول فلسطين UNCCP (لجنة التوفيق الدولية)، والتي عهد إليها بمسؤولية توفير الحماية الدولية بالمعنى الشامل (القانونية، والفيزيائية، والخدمية) والسعي لإيجاد حل سياسي للصراع، والثاني وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، (الأونروا)، والتي كلفت بتوفير الإغاثة المؤقتة وبتقديم المعونة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين.
مهام لجنة التوفيق الدولية
دعت لجنة التوفيق الدولية في أغسطس 1951 حكومات كل من "إسرائيل" ومصر والأردن ولبنان وسورية إلى إرسال ممثلين إلى مؤتمر باريس الذي عقد في 13/9/1951 وتقدم فيه رئيس اللجنة بمذكرة إلى الوفود العربية والوفد الإسرائيلي، كل على حدة، شرح فيها أهداف اللجنة من مباحثات المؤتمر، ومن بينها: “تسوية حقوق الأشخاص وأوضاعهم، خاصة فيما يتعلق بإعادة توطين اللاجئين ودفع التعويضات عن الخسائر الناجمة عن القتال”.
تقدمت لجنة التوفيق بمشروع للتسوية أنذاك اقترحت فيه من جملة ما اقترحت: “قبول الحكومة الإسرائيلية دفع تعويضات عن الممتلكات التي يتركها اللاجئون الذين لا يعودون. ويكون التعويض مبلغاً يقدر على أساس القيمة التي توصل إليها مكتب اللجنة للاجئين، وأن توضع خطة للدفع تأخذ بعين الاعتبار قدرات الحكومة الإسرائيلية على ذلك. توضع هذه الخطة من قبل لجنة خاصة من الخبراء الاقتصاديين والماليين يتم تعيينها من قبل الأمم المتحدة”.
أحصى مكتب اللاجئين التابع للجنة التوفيق أملاك الفلسطينيين قبل عام 1948 لكن التقريره الأول شابه الكثير من الخلل حيث لم يأخذ بعين الاعتبار الأملاك الخاصة العائدة للاجئين باعتبار أن 50% من اللاجئين ليس بحوزتهم صك تسجيل، كما استند التقييم العام إلى وضع الأراضي المحددة في اتفاقات الهدنة بين "إسرائيل" ومصر والأردن وسورية ولبنان حيث قدرت قيمة الأراضي العربية المتروكة بحوالي مئة مليون جنيه فلسطيني والأملاك المنقولة بحوالي 20 مليون جنيه فلسطين. وبررت اللجنة الأرقام التقريبية تلك لصعوبة الوصول إلى السجلات الرسمية نظراً لاستيلاء "إسرائيل" على لجنة الوصاية على أملاك الغائبين عام 1951.
لكن في التقارير السرية التي تم الكشف عنها لاحقاً والتي كتبت من قبل مكتب اللاجئين للجنة التوفيق من عام 1952-1957 بين أنه تم تقدير مجموع الأملاك الخاصة العربية بما فيها جزء من بئر السبع بحوالي 235 مليون و660 ألف و250 جنيهاً فلسطينياً أي ما يوازي 659 مليون و 848 ألف و700 جنيه فلسطيني دون الأراضي المملوكة من الفلسطينيين الذين ما زالوا في إسرائيل والتي تبلغ 31 مليون جنيه فلسطيني آنذاك.
يجدر الإشارة أن الكثير من الأراضي الفلسطينية لم يتم تسجيلها في ظل النظام العثماني، كما تم تصنيف بعض الأراضي في ظل الانتداب بحوالي خمسة ملايين و200 ألف دونم، ومع فقدان أو تلف معظم الأفلام وثبوت عدم قانونية السجلات التي أخذت إلى انكلترا، لأن كثيراً من أراضي الفلسطينيين لم تسجل ملكيتها أو أخفيت ملكيتها أو أتلفت عن قصد.
لم تقبل كل من الدول العربية والاقتصاديين الفلسطينيين بتقديرات لجنة التوفيق الدولية التي طرحت في مؤتمر باريس عام 1951، وقامت جامعة الدول العربية بتعيين لجنة من الخبراء للعمل على تقييم أملاك اللاجئين قدروا قيمة الممتلكات الفلسطينية ما بين 756 مليون جنيه فلسطيني، ومليار و82 مليون جنيه فلسطيني عام 1948.
في الستينيات قامت لجنة التوفيق الخاصة بفلسطين بإبلاغ الجمعية العامة للأمم المتحدة أنها أنجزت برنامجها الخاص بحصر وتثمين الأملاك الفلسطينية في "إسرائيل" استجابة لتكليفها الجمعية العامة في قرار لها بتاريخ 14/12/1950 تطلب فيه من اللجنة أن تتخذ الخطوات التي تراها ضرورية “لتقدير التعويضات التي يجب دفعها إلى السكان العرب الذين نزحوا عن ممتلكاتهم في فلسطين بعد انتهاء حكم الانتداب البريطاني."
رفضت الحكومة الإسرائيلية مشروع جونسون لعام 1965، الأمر الذي دعى الدبلوماسية الأمريكية للتحرك من خلال لجنة التوفيق الدولية حيث تقدمت بمشروع قرار أمام اللجنة السياسية الخاصة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو لجنة التوفيق للاستمرار في مساعيها من أجل تنفيذ نص الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (د – 3)، هي الفقرة التي تخير اللاجئين بين العودة والتعويض وفقا للتفسير الأميركي.
منذ الستينيات القرن الماضي لم نسمع بلجنة التوفيق الدولية ولم يأت ذكرها أو تقاريرها المقدمة للجمعية العامة سنوياً، خاصة بعد اتفاقيات التسوية التي جرت بين الفلسطينيين وكيان الاحتلال منذ تسعينيات القرن الفائت، وتم تغييبها قسرياً عن الصراع ومشروعات التسوية، وفي نهاية عام 2017 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها رقم (72) قراراً بمطالبة لجنة التوفيق (UNCCP) بالبحث عن وسيلة لإحراز تقدم في تنفيذ الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة 194 (د-3) (العودة والتعويض واستعادة الممتلكات للاجئين الفلسطينيين)، وبمواصلة الجهود من أجل تنفيذ تلك الفقرة وأن تقدم تقريراً عن الجهود المبذولة في هذا الصدد إلى الجمعية العامة حسب الاقتضاء في أيلول 2018.