الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، يتحسّس الفلسطيني جروحه وآلامه أينما وجد في جغرافيا الأرض الواسعة، التي انتشر فيها نتيجة نكبة ألمت به بعد وعد أطلق في هذا اليوم من عام 1917 ، كان أحد أبرز أسباب مآلاته الحالية.
في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917، أي قبل 103 أعوام هذا اليوم كان وعد "بلفور" المشؤوم الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ممهدةً الطريق لاحتلال صهيوني مُستمرٍ منذ 72 عاماً.
103 أعوام على وعد بلفور والشعب الفلسطيني يتجرّع مرارة "الغدر" بفعل هذه السرقة، ويعد هذا الوعد من أبشع أشكال الظلم الاستعماري.
في هذه المناسبة، خرج كبار السن ممّن عايشوا مرارة الهجرة واللجوء في مُخيّم جباليا شمال قطاع غزة للتعبير عن تمسكّهم بهويتهم ووفائهم لأرضهم التي هجّروا منها عنوةً ويرغبون في العودة إليها اليوم قبل الغد.
وقال رئيس اللجنة الشعبية في مُخيّم جباليا نبيل دياب لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ "هذه الوقفة رمزية، إذ شارك فيها من جايلوا وعايشوا النكبة قبل 72 عاماً لتذكير العالم بالظلم التاريخي الذي حلّ بالشعب الفلسطيني جرّاء وعد بلفور المشؤوم الذي يمر اليوم عليه 103 أعوام، واليوم مرة أخرى نؤكّد عبر هذه الفعالية على أنّ الشعب الفلسطيني متمسك بحقه الثابت الذي لم ولن يسقط بالتقادم".
سنزرع فلسطين في طعام أطفالنا.
ولفت دياب إلى أنّ "حق العودة تحاول الكثير من الأطراف اليوم وبالتحديد الإدارة الأمريكية ومعها الاحتلال خلق أو فرض الحلول التصفوية المختلفة خاصة صفقة القرن للتنكّر لحق اللاجئين بالعود إلى الديار".
من جهته، قال اللاجئ الفلسطيني حسن سعدات لموقعنا: إنّه "يريد أن بوصل رسالة للأجيال القادمة بأنّ حقّنا لن يضيع بالتقادم"، مُؤكداً على أنّه "يجب أن نظل حافظين بأنّ فلسطين بلادنا ولا ننساها بتاتاً، بل يجب أن نزرعها في دماء أطفالنا وطعامهم وشاربهم".
على بريطانيا أن تعتذر وتصحح خطأها الجسيم.
بينما قال اللاجئ الفلسطيني من قرية دمرة محمد أبو ركبة، إنّها "على بريطانيا أولاً أن تعتذر للشعب الفلسطيني عن الجريمة النكراء التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني وليس فقط الاعتراف بها، بل تعمل على إزالة خطئها الجسيم الذي ارتكبته بحقنا، وأهم شيء هو عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948 وتنفيذ القرار 194".
وشدّد أبو ركبة في رسالةٍ للعالم: "قضيتنا لن تسقط ما دام هناك شعب حي موجود، وفي السابق قالوا إنّ الكبار يموتون والصغار ينسون، ولكننا نقول لهم اليوم نحن الكبار وسنسلم الراية للجيل القادم الذي يلينا".
وفي ذات الوقفة، ألقى المختار جبر شعبان منسق لجان الإصلاح العشائري في اللجنة الشعبية للاجئين والمهجّر من قرية سمسم وعايش النكبة حينها، كلمة أظهر من خلالها "الظلم التاريخي الذي تسبب به وعد بلفور المشؤوم حينما أعطى هذا الأخير ما لا يملك لمن لا يستحق والذي بموجبه أيضاً جرى احتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني في أرجاء المعمورة".
واستذكر شعبان في كلمته "كيف مهّد ذلك الوعد المشؤوم الطريق أمام الحركة الصهيونية لتنشئ ما أسمتها بدولة إسرائيل على أنقاض المدن والبلدات والقرى الفلسطينية"، مستعرضاً في هذا السياق "المجازر الدموية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية وما سبقها من قمع وتنكيل ارتكبه جيش الاستعمار الانجليزي إبان الانتداب البريطاني بحق الشعب الفلسطيني قبل النكبة التي حلت به عام 1948".
متمسكون بحقوقنا وحق العودة في الطليعة.
وأكد شعبان على أنّ "شعبنا الفلسطيني ورغم مرور 103 أعوام على ذلك الوعد المشؤوم و72 عام على النكبة سيظل متمسكاً بحقوقه التي لن تسقط بالتقادم وفي طليعتها حقه بالعودة إلى الديار التي هجر منها عنوة، وسيواصل كفاحه المشروع ونضاله حتى تحقيق عودته وحريته واستقلاله ملتفاً شعباً وقوى حول منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، بحسب قوله.
وطالب الحاج شعبان "العالم أن يساند ويدعم شعبنا بنضاله التحرري للتخلص من أطول وأبشع احتلال عنصري فاشي عرفته البشرية لينعم أسوة بشعوب المعمورة بالحرية والاستقلال".
لولا وعد بلفور ما كانت هذه المذابح بحق شعبنا.
وفي السياق، قال رئيس اللجنة الشعبيّة في مُخيّم النصيرات للاجئين الفلسطينيين ماهر نسمان، أنّ "وعد بلفور يأتي متزامناً مع ذكرى مذبحة كفر قاسم (29/10) ومذبحة خان يونس (3/11)".
وأضاف نسمان في بيانٍ له بهذه المناسبة، إنّه "ليس لدينا أدنى شك بأنه لولا وعد بلفور المشؤوم ما كانت تلك المذابح وغيرها التي ارتكبها الاحتلال بحق أبناء شعبنا، والتي مازالت متواصلة ومستمرة إلى جانب تهويد الأرض الفلسطينية وزرعها بالمستوطنات في الضفة الغربية والقدس، بالإضافة إلى حملات الاعتقال والقتل الممنهج".
وأكد نسمان أنّ "هذا الوعد هو وعد من لا يملك لمن لا يستحق، وجاء تتويجاً لكل الجهود والخطوات التي اتخذها المجتمع الأوروبي لإقامة كياناً لليهود على تراب فلسطين، وهذا الوعد هو الذي حكم على شعب آمن ومسالم في أرضه منذ آلاف السنين، بالتشريد والنفي، وتحويلهم من أصحاب أرض ووطن إلى لاجئين في أوطان الآخرين"، مُبيناً أنّه "ورغم انحسار النفوذ البريطاني عن منطقة الشرق الأوسط، إلا أننا كفلسطينيين ما زلنا نحملها المسؤولية التاريخية والسياسية عمّا حدث لنا في عام 1948، فهي التي شرعت وعد بلفور وجعلته نصاً في صك الانتداب، وعملت بكل جهودها على تمهيد الأراضي الفلسطينية لإقامة وطن لليهود، بداية من احتلال الأرض، إلى فرض القوانين الجائرة وإلى فرض الضرائب الباهظة على كاهلهم، وإلى التمييز العنصري في الخدمات والوظائف بين العربي واليهودي".
وأشار نسمان إلى أنّه "حينما تأكدت بريطانيا أن اليهود أصبحوا يملكون القوة والنفوذ، أعلنوا انسحابهم في 15 أيار/ مايو عام 1948، لتفسح المجال لكي يعلن اليهود عن دولتهم، والشعب الفلسطيني عن نكبته، ولهذا تحمل اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم النصيرات بريطانيا المسؤولية المباشرة عن إقامة ما تسمى بـ" إسرائيل"، وذبح الفلسطينيين وطردهم من ديارهم وأرضهم".
المذابح بحق شعبنا مستمرة حتى اليوم.
كما قال غازي الحواجري مسئول الدائرة السياسية باللجنة الشعبية في مُخيّم النصيرات: إنّ "هذا اليوم الأليم نذكّر العالم والمجتمع الدولي بالمذابح الصهيونية والممارسات العدوانية والإجرامية التي ارتكبتها إسرائيل ومازالت ترتكبها كل يوم ضد أبناء شعبنا، وبأن أفعالها وممارساتها تأتي نتيجة لوعودكم ودعمكم المتواصل لإسرائيل، فلولا وعد بلفور، والفيتو الأمريكي، والمساندة لها في المحافل الدولية، والدعم بالمال والسلاح، لما ارتكبت إسرائيل عدواناتها المتواصلة على شعبنا".
وحمل الحواجري "الحكومة البريطانية المسؤولة عن نكبة شعبنا"، مُؤكداً بأنّ "عليها أن تصلح من خطئها التاريخي، بالمساهمة في إعادة الحق لأصحابه الشرعيين، وذلك بالعمل على تنفيذ القرار الاممي رقم (194) والداعي إلى عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها في العام 1948، والعمل بكل إمكانياتها السياسية والدولية على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهذا قد يغفر لبريطانيا ما ارتكبته بحق شعبنا من إجحاف وظلم".
الوحدة الوطنية أولاً.
وأضاف الحواجري: "لكي لا نواجه بلفوراً جديداً كما هو الحال من وعودات لصفقة القرن، فإننا ندعو إلى تجسيد الوحدة الوطنية بإتمام المصالحة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وفق أسس وطنية تحافظ على ثوابتنا الفلسطينية، ولكي نقف يداً واحدة أمام ممارسات الاحتلال وعدوانها المتواصل ضد أبناء شعبنا".
وبهذه المناسبة أيضاً، قالت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إنّ "جریمة بریطانیا في وعد بلفور المشؤوم، ومؤامرة ترامب والكیان الصھیوني في صفقة القرن، یرسم المنحنى الخطیر الذي یتساوق به المتآمرون لتصفیة قضیتنا الوطنیة دون أي اعتبار لقیم الحریة والعدالة ومبادئ حقوق الإنسان وكل الاتفاقیات والمواثیق الدولیة".
وطالبت "حكومة بریطانیا بالاعتذار عن ھذه الخطیئة والتراجع عنھا وإزالة الضرر الواقع نتیجة لھذا الوعد المشؤوم"، مُؤكدةً أنّ "صفقة القرن ومخططات تصفیة القضیة ستتحطم على صخرة وعي وصمود شعبنا الفلسطیني، والمطلوب الیوم ضرورة إعادة بناء النظام السیاسي الفلسطیني على أسس الشراكة، وترتیب البیت الفلسطیني وبلورة برنامج وطني كفاحي، یشكل القاعدة الأھم في مسیرة التحرر الوطني ضد الاحتلال".
وفي ختام بيانها، شدّدت الفصائل على أنّ "المقاومة ستبقى ھي الحامیة لثوابتنا الفلسطینیة، وسنفشل المخططات الصھیوأمریكیة من وعد بلفور حتى صفقة القرن".
أمّا اللجنة الشعبيّة في مُخيّم رفح، فقد نظّمت وقفة احتجاجية تنديداً بوعد بلفور أمام مقرها ومن ثم انطلقت مشياً إلى دوار الشرقي، حيث رفع المشاركون يافطات منددة بوعد بلفور والذي مر (103) عام على ذكراه المشؤومة.
وعد لن يثنينا عن مواصلة الصمود.
وأكَّد رئيس اللجنة الشعبية سميح صقر خلال الوقفة، على أنّ "وعد بلفور وما ترتب عليه من مؤامرات ضد شعبنا وضد قضيتنا الوطنية الفلسطينية، لن يثنينا عن مواصلة درب التضحية والصمود والفداء"، مطالباً بالتكاتف في وجه المؤامرات ورفض صفقة القرن والصفقات المشبوهة.
ومع حلول ذكرى هذا الوعد في كل عام، يطالب أبناء الشعب الفلسطيني العالم بأن يتخلى عن سياسة الكيل بمكيالين وانصاف الشعب المهجّر في مشارق الأرض ومغاربها على يدٍ احتلال ما عرف يوماً درباً للسلام، وهذه المرة تأتي هذه الذكرى متزامنةً مع سقوط ورقة التوت عن بعض الأنظمة العربيّة التي هرولت للتطبيع مع من شرّد الشعب الفلسطيني من دياره بقوة السلاح والقهر، وقد لا تكون الإمارات والبحرين ومعهم السودان الفوج الأخير في ممارسة التطبيع على حساب الحقوق المشروعة للاجئين الفلسطينيين.