استفاقت مدينة جنين ومُخيّم اللاجئين فيها صباح يوم الاثنين 16 أغسطس/ آب، على حالةٍ جديدة من حالات الفعل النضالي المُستمر في جنين تحديداً، أنباءٌ متضاربة تناثرت في بداية الأمر، وعقب قرابة نصف ساعة من إطلاق الرصاص المُستمر تبيّن أنّه اشتباك مسلّح بين مجموعةٍ من المقاومين تصدّت لقوةٍ صهيونيّة خاصّة من قوات "المستعربين" في مُخيّم جنين.
هذالاشتباك أدّى لاستشهاد أربعة من أبناء جنين اثنان منهم من المُخيّم، حيث شيّع الآلاف من الفلسطينيين بعد ساعات اثنين منهم وهما: صالح أحمد محمد عمار (19 عاماً) من مُخيّم جنين، ورائد زياد عبد اللطيف أبو سيف (21 عاماً)، فيما اختطفت القوّة الخاصّة كلاً من الشهيد: نور الدين عبد الإله جرار، وأمجد إياد حسينية.
جانب من تشييع جثماني الشهيـ ـدين صالح عمار ورائد أبو سيف في #جنين pic.twitter.com/HcsilSbggD
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) August 16, 2021
لم يكن هذا الاشتباك غريباً على مُخيّم جنين، لا سيما وأنّ الاحتلال ركّز خلال الفترة الماضية في اعتقالاته ومداهماته على هذا المُخيّم بشكلٍ مباشر، وفي كل مرّة كان يخرج أبناء المُخيّم من كل زقاقٍ وشارع ليتصدّوا بكل أنواع الأسلحة لهذه الاقتحامات، من الحجر وصولاً للـ"m16"، في سياق استمرار الفعل النضالي في المُخيّم الذي لم تطله آفة الانقسام الفلسطيني أو حالة التشرذم الموجودة في بعض المُخيّمات.
كشعب فلسطيني هناك ضريبة يجب أن ندفعها
يقول أبو محمد جرّار، والد الشهيد نور الدين الذي ارتقى في الاشتباك لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ نور كان محبوباً للغاية وسط أبناء المُخيّم والمدينة، وكان شاباً مُكافِحاً بمعنى الكلمة، ويعمل سائق "دليفري" يوصّل الحاجيات للناس من خلال دراجته الناريّة التي اتخذها مصدر رزقٍ له بعد أن ترك الدراسة ولم يلتحق بالجامعة بسبب ظروفٍ أمنيّة.
يضيف أبو محمد: أنّ المصاب جلل، ولكن معلوم لدينا أنّنا كشعبٍ فلسطيني هناك ضريبة يجب أن ندفعها، وما أروع أن يدفع ابني هذه الضريبة شهيداً على يد الاحتلال الغاصب، رغم أنّ الأمر عصيبٌ علينا إلّا أنّنا نرفع رؤوسنا عالياً لأنّ ابننا شهيد ومحط فخر واعتزاز.
الوالد جرّار كان يتوقع أن يستشهد ابنه يوماً "نور الدين كان انساناً وطنيّاً بامتياز، وكان يتوقّع في أي لحظة أن يستشهد، وفور انتشار خبر استشهاده جاءني كل أصدقائه وأحبابه من كل المُخيّمات والمُدن ليُقبّلوا رأسي، وسبحان الله تزامن استشهاده مع يوم وفاة أخيه قبل ثلاث سنوات، وكأنهما اشتاقا لبعضِهما".
بيد أن جرائم الاحتلال لن تردع الشعب الفلسطيني لا سيما اللاجئ في المخيمات عن مقاومته وسيبقى يُقاوم بكل الطرق، بهذه العبارة اختصر والد الشهيد جرار الحكاية الفلسطينية في المخيم.
الشهيد نور الدين سبق وأن سُجن في سجون أمن سلطة رام الله لمراتٍ عديدة، واكتفت السلطة بإصدار بيان شجبٍ واستنكار لما جرى من مجزرةٍ بحق مُخيّم جنين.
سلوك الاحتلال يستلزم من السلطة رداً عملياً بعيداً عن بيانات الشجب والاستنكار
في هذا الإطار، يرى رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي أنّ مجزرة جنين توضّح بشكلٍ كامل تحلّل سلطات الاحتلال من أيّة التزامات أخلاقيّة، وهذا يستلزم من السلطة رداً عملياً بعيداً عن بيانات الشجب والاستنكار، والتحلّل من كل الالتزامات مثل اتفاق أوسلو، والبدء بالعمل على استعادة الوحدة الوطنيّة على أساس شراكةٍ وطنيّةٍ وتطوير استراتيجيّة وطنيّة تقوم على تعزيز الاشتباك الشعبي والدبلوماسي والقانوني ضد كيان الاحتلال لضمان مساءلة قادة هذا العدو على كل هذه الجرائم.
يؤكد عبد العاطي أن هذا هو المطلوب وطنياً حتى يستطيع الشعب الفلسطيني مواجهة مخططات الاحتلال وجرائمه بحق المدنيين، مُشيراً إلى أنّ كل أشكال المقاومة مشروعة بموجب القانون الدولي وبالذات في ميثاق الأمم المتحدة، لذلك المقاومة حق وواجب للشعب الواقع تحت الاحتلال لرفع كلفة هذا الاحتلال وضمان إنهائه، وكل الفعل النضالي اليوم في مُخيّم جنين للاجئين وبقيّة المُخيّمات هو في إطار ما كفله لنا القانون الدولي.
القيادي في الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، ماهر حرب من الضفة المحتلة يشير أيضاً إلى ضرورة التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده، خاصّة في المُخيّمات الفلسطينيّة لأنّ الرهان اليوم على شعبنا وعلى اللاجئين الذين تحوّلوا إلى مقاتلين ومدافعين عن القضية الذين هم عنوانها، وهذه حقيقة ورهان قائم.
السلطة الفلسطينية تتعاون مع استهداف الاحتلال لمخيمات الضفة
وبحسب حرب فإن مُخيّمات اللاجئين في الضفة الغربيّة على وجه التحديد مستهدفة من الاحتلال بشكلٍ كبيرٍ جداً من الناحيّة الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، و"للأسف الشديد السلطة الفلسطينيّة تتعاون مع هذه الخطّة وتحديداً من خلال التنسيق الأمني الذي يعني تحييد ما يمكن تحييده من أبناء المُخيّمات، وحرمان جزء كبير جداً من أبناء المُخيّمات وتحديداً الكادر النضالي من الكثير من الحقوق كابتزازٍ من أجل التطويع".
"شهادة حسن السير والسلوك المقصودة من طرف السلطة غير موجودة لدى أبطال المُخيّمات" هكذا يصف حرب العلاقة بين السلطة الفلسطينية والشباب المقاوم في مخيمات الضفة الغربية.
جرائم الاحتلال لن تردع المخيمات في الضفة
ويقول: إن المُخيّمات في الضفة سارت في مسارين: هناك مُخيّمات اختارت طريق النزاع مع السلطة وتفجّر الإشكاليات الداخليّة وتحديداً في مُخيّم بلاطة والفارعة وقلنديا، وهناك مُخيّمات أخرى مثل الدهيشة وجنين اختارا طريقاً آخر وهو التناقض مع المحتل والعدو الرئيسي، وما حصل في جنين من مجزرةٍ رهيبة رسالة ستلتهما كافة جماهير شعبنا وتحديداً أبناء المُخيّمات "الذين هم مصدر عزّتِنا وكرامتِنا".
ويُشير حرب إلى أنّ من يقود جنين اليوم هي القوى الوطنيّة والشعبيّة وليس السلطة وأجهزتها الأمنيّة، وجنين تهب يومياً للدفاع عن أبنائها في وجه جرائم الاحتلال، مُؤكداً أنّ العدو لم يستطع اختراق هذه الحالة الوحدويّة، لذلك كل جرائم الاحتلال ومجازره لن تردع المُخيّمات إطلاقاً بل ستولّد المزيد من التحفيز للرد على هذه الجرائم لأنّ الفلسطيني لا يُردع، لكنّ يؤلمنا هي القنابل السياسيّة الفلسطينيّة والجرح الداخلي الفلسطيني الذي يُضعف شعبنا ويضعه في خانة الإحباط واليأس أحياناً.
هنالك قائمة من الخيارات المتاحة إذا ما نوت السلطة الرد على الاحتلال
الكاتب الفلسطيني والمحلّل السياسي هاني المصري، يرى أنّه من الطبيعي أن يكون لكل فعل ردّ فعل، وما جرى اليوم عقب الجريمة في مُخيّم جنين هي بيانات شجب واستنكار فقط حتى من جانب السلطة الرسميّة، مع أنّه كان يجب أمام هذه المجزرة اتخاذ إجراءات وخطوات عمليّة سياسيّة وميدانيّة وعقوبات بحجم هذه الجريمة، وهذا ما لم يحدث.
يضيف المصري: لم تتخذ السلطة اليوم أي إجراءات من قبيل وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال أو تجميده على الأقل، أو عمل حملة دوليّة كبيرة، أو الرد من خلال تنفيذ عمليات، أو أمر قوات الأمن بالتصدي لقوات الاحتلال ومنعها من دخول مناطق السلطة، وهناك العديد من الخيارات وقائمة لها أوّل وليس لها آخر إذا كانت هناك نيّة للرد على كل هذه الجرائم بحق أبناء شعبنا.
يعزو المصري ما يصفه بـ العجز والهوان إلى حالة الضعف و"التوهان" في الحالة الفلسطينيّة وغياب الإرادة السياسيّة، حتى فصائلياً أكَّد أنّه يجب على فصائل المقاومة تفعيل كل أنواع المقاومة لأنّ هذا هو الوقت المناسب، وهذا بعيداً عن مربّع المناكفات وأن يقوم كل طرف بإلقاء اللوم على الآخر انطلاقاً من واقع الانقسام المرير المُعاش في الأراضي الفلسطينيّة.
يُشار إلى أنّ جرائم الاحتلال لا تتوقّف بحق مُخيّم جنين وسكّانه من اللاجئين الذين تطالهم الاعتقالات والمداهمات بشكلٍ شبه يومي، ومُؤخراً لم ينس أبناء المُخيّم قيام الاحتلال بإعدام الشاب ضياء الدين محمد الصباريني بدمٍ بارد.