في سابقة هي الأولى من نوعها، رفعت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" دعوى ضد "مجهول" في مخيم "نهر البارد" شمالي لبنان، بتهمة التعدّي على مكاتبها وآليّاتها خلال حركة احتجاج شعبي قام بها أهالي منطقة "البركسات" ضد مكتب مدير الإعمار "جون وايت" يوم السبت في ١٨ أيلول/ سبتمبر الماضي، للمطالبة بعدم إجبارهم على الاخلاء قبل تأمين البديل أو عودتهم إلى منازلهم.
"أونروا" اعتداءات سجلت مؤخراً على مقراتنا ومؤسساتنا في مخيم نهر البارد
وقالت الناطقة الإعلامية باسم وكالة "أونروا" هدى السمرا لبوّابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ الأونروا في أعقاب الاعتداءات التي سجّلت مؤخراً على مقرّاتها ومنشآتها في مخيم نهر البارد، تقدمت بدعوى ضد مجهول مثلما تقتضي الأمور عادة ومثلما تقوم عادة بالحالات التي يكون فيها اعتداءات على مقرّات الأونروا.
وأشارت إلى أن الاعتداءات وصلت في أحد المرات إلى سرقة إحدى المدارس والاعتداء على مكتب إعادة الإعمار، على حد قولها.
أمّا بالنسبة لمجريات التحقيق، فأشارت السمرا إلى أنّ وكالة "أونروا" لا تتدخل بمجريات التحقيق ولا مع من يستدعي المحققون أو أي شيء من هذا القبيل، هي فقط ادّعت ضد مجهول، والتحقيق يأخذ مجراه لدى السلطات المعنية والأجهزة المعنية المولجة بالتحقيق.
وللاطلاع أكثر على الموضوع، قابل موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين مسؤول الحراك الفلسطيني في مخيم نهر البارد محمد أبو قاسم وهو أحد الأشخاص الذين تم استدعاؤهم للتحقيق.
ما حدث ردة فعل شعبية على سياسات الأونروا
وقال أبو قاسم: إنّ مخفر حلبا اتصّل هاتفياً بنحو 22 شخصاً من أصل 50 عائلة تقطن في "البركسات" إضافةً إلى ناشطين متّهمين بالمشاركة في الاحتجاج وغالبيتهم من النساء، واستدعاهم للاستماع إليهم في الدعوى المرفوعة بالتعدي والتكسير وحتى السرقة.
وأضاف أبو قاسم: أنّه منذ ما يقارب ثلاثة أسابيع اعتصم أهالي البركسات أمام المركز الرئيسي للإعمار المعروف بـ "الديزاينر" في مخيم نهر البارد ضد سياسة الأونروا، لأنهم تفاجؤوا بعد 15 عامًا من العيش في بركسات لا تليق بالحياة الآدمية أنّ الوكالة تريد إجلاءهم بالقوّة وبطريقةٍ مهينة، وقطعت عنهم المياه والكهرباء لإكراههم وإجبارهم على ترك البركسات، على حد قوله.
وبحسب أبو قاسم فإن هذا الأمر أغضب أهالي البركسات وقد عبّر البعض عن غضبهم بتكسير مكتب الديزاينر، وربّما هناك طرف استغلّ هذا الأمر، لكن بكلّ الأحوال هذه ردّة فعلٍ شعبية على سياسة "أونروا" بسبب سوء الادارة وعدم معالجتهم ملفات الناس بطريقة صحيحة.
وطالب أبو قاسم الوكالة بالإيفاء بوعودها لهذه العائلات التي تنتظر منذ 15 عامًا إعمار بيوتها المدمّرة والعودة إليها، وإلى حين ذلك يجب أن تتعامل مع هؤلاء بطريقة إنسانية وتعمل على تحسين أحوالهم المعيشية وأقلّها تأمين المياه والكهرباء لهم، كما قال.
في سياق متصّل، قال عضو الحراك الفلسطيني مُحمّد حجو: إنهم كنشطاء طالبوا منذ خمسة أيام بسحب الدعوى وقد استجابت أونروا لهم يوم الاثنين الماضي، وأشار حجّو لموقعنا إلى أنّ التهمة التي وجّهت للنشطاء وهو من بينهم سرقة مدرسة جبل طابور وسرقة مازوت.
الهدف من الدعوى هو إجبار أهالي مخيم نهر البارد على التوقف عن المطالبة بحقوقهم
وردًّا على هذا الاتهام، قال حجّو: نحن كحراك فلسطيني معروف في مخيم نهر البارد تأسس منذ عام 2012 هدفنا تسليط الضوء على معاناة أهلنا في مخيم نهر البارد والوقوف بجانبهم في كل اعتصام أو مطلب محق لهم، ونتابع مع الفصائل والوكالة ولكن للأسف الطرفين متخاذلان ومقصّران، بحسب وصفه.
وأضاف حجو: أنّ الهدف من هذه الدعوى هو إجبارهم على التوقّف عن المطالبة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد، لكنّ ذلك لن يزيدهم إلّا إصراراً، مشيرًا إلى أنّهم سيواصلون تحركاتهم السلميّة.
وأوضح حجّو أنّ قاطني "البركسات" ليسوا ضد المغادرة ولكن بكرامتهم، لافتاً إلى أنّ وكالة "أونروا" تتذرع بأنها غير صالحة للسكن، والواقع هو أنّه بإخلائها، سوف توفّر الوكالة على نفسها دفع 25 ألف دولا سنويًّا بدل إيجار للأرض، إضافةً إلى توفير ثمن الكهرباء والاشتراكات والتصليحات وغيرها من الأمور التي يحتاجها قاطنو "البركسات"، على حد قوله.
"أونروا" هي المسؤول الأول عن تأخير إعادة الإعمار ولجؤوها للقضاء مرفوض
مسؤول اللجان الشعبية في منطقة الشمال البداوي ونهر البارد ماهر غنومي يقول: إنّ وكالة "أونروا" اتخذت قراراً بإغلاق مجمع البيوت المؤقتة على أن تدفع للعائلات التي لم يتم إعمار منازلها أجرة بيت بقيمة ٥٠$، وقد رفضت العائلات هذاالمبلغ الزهيد حيث لم تحصل العائلات على بدل إيجار منذ حوالي 7 سنوات.
وأضاف غنّومي: في حين يقيم بالبركسات عائلات لا تعترف وكالة "أونروا" بحقوقهم باعتبارهم لم يكونوا يمتلكون بيوتاً في المخيم القديم قبل الحرب، وهي عائلات حديثة التكوين، نحن كلجان شعبية وفصائل نؤيد مطالب الأهالي ونرفض مقاربة الوكالة لهذا الموضوع، لأن إدارة مشروع إعمار المخيم التابعة لـ "أونروا" تتحمل مسؤولية تأخير الإعمار وعدم الوفاء بواجباتها تجاه العائلات، ومنها وقف بدل الايجار وأكثر من ذلك كل يوم تبتدع مشكلة جديدة للأهالي ولا تجد حلًّا لها .
واعتبر غنّومي، أنّ أسلوب "أونروا" باللجوء إلى القضاء والأجهزة الأمنية مرفوض، قائلاً: إن اللجان الشعبية عبرت عن رفضها للهجوم على مؤسسات وكالة "أونروا" وتكسيرها باعتبارها مؤسسات لخدمة شعبنا.
ويضيف بأنه كان على وكالة "أونروا" بدل اللجوء إلى هذه الأساليب في الرد على الهحوم على مقارها، أن تسرّع عملية إعادة الإعمار وأن تعوض الاهالي اللذين لم يتم إعمار منازلهم والتي قد تمتد لـ 20 سنة، لأن المتزوجين الجدد استحدثت عائلاتهم في زمن الأزمة التي أطالت عمرها الوكالة، بحسب قوله.
وطالب الوكالة بإيجاد حل سريع لمشكلة المياه المالحة وتحريك ملف تعويضات المخيم الجديد، كما طالبها بمراعاة الوضع الاجتماعي والصحي لأهالي المخيم اللذين يعانون من العيش في مخيم ما زال يعتبر منطقة عسكرية، وما يعنيه ذلك من ضغط نفسي وصحي واقتصادي ناهيك عن التأثر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان.
يذكر أنّ وكالة "أونروا" أنشأت البركسات كبيوت مؤقتة الى حين عودة أهالي مخيم نهر البارد الى منازلهم التي دمرت صيف عام 2007، ولمدة ثلاث سنوات فقط، لكن التأخر في عجلة الإعمار حال دون ذلك، وما زال اللاجئون الفلسطينيون فيها منذ 14 عاماً، على أن ينتهي عقد إيجارها عام 2023، ولكن المتعهد طالب الأهالي باخلاء البركسات في وقت يشهد المخيم أزمة إيجار بيوت، ويصف اللاجئون البركسات بأنها غير صالحة للسكن والخدمات فيها شبه معدومة.