وقع وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم على قرار رقم 96/1 يتعلق بالمهن الواجب حصرها باللبنانيين فقط، وقد ذكرت المادة (1) من القرار تلك المهن، إلا أن المادة (2) منه استثنت من أحكام المادة الأولى الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية والمسجلين بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية مع التقيد بالشروط الخاصة بالمهن المنظمة بقانون.

يأتي قرار وزير العمل اللبناني بعد عقود طويلة من حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقوقهم الانسانية والمدنية منذ لجوئهم  إلى لبنان، ليثير ردود فعلٍ متعددة،  منها  رحّب به وأخرى اعتبرت أنّ القرار مجرّد "بروباغندا" إعلاميّة غير قابل للتطبيق بسبب تعارضه مع قوانين أخرى تحرم الفلسطينيين من حق الانضمام للنقابات أو التسجيل في الضمان الاجتماعي اللبناني على سبيل المثال.

" بوّابة اللاجئين الفلسطينيين" استطلع عدّة آراء سياسية وقانونية حول القرار، إذ أشاد مسؤول "الجبهة الشعبية  لتحرير فلسطين" في لبنان مروان عبد العال بما وصفه بـ  "القرار الشجاع" لوزير العمل، معتبراً إيّاه  خطوة لا بد منها و بالاتجاه الصحيح، "كونه يعبر عن حرص  أخلاقي وإنساني ووطني في الاستجابة لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني."

عبد العال: المطلوب اليوم هو تدعيم هذه الخطوة قانونيًا ونقابيًّا حتى لا يتم التراجع عنه لاحقاً كما جرى مع مذكرة مماثلة لوزير العمل الأسبق الدكتور طراد حمادة

وأشار عبد العال في حديث لموقعنا، لمن يختلف مع قرار وزير العمل  إلى أنّ  " الحظر السابق عن حق العمل للفلسطينيين هو المخالف للقانون، فقد كان قراراً تعسفياً اتخذ في مرحلة سابقة نتيجة مناخات سلبية."

واعبر أنّ المطلوب اليوم هو تدعيم هذه الخطوة قانونيًا ونقابيًّا حتى لا يتم التراجع عنه لاحقاً كما جرى مع مذكرة مماثلة لوزير العمل الأسبق الدكتور طراد حمادة. "وهذا ما تفرضه المصداقية السياسية وتعريزاً لروح العلاقات الاخوية بين الشعبين الشقيقين في مواجهة التوطين، وليس العكس، باعتبار  الفلسطيني لاجئاً في لبنان وليس وافداً أجنبيًّا." حسبما أضاف.

كما أكّد مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان، أنّ قرار الوزير لا يتناقض مع حق العودة وهو من شروط رفض التوطين، موضحًا أنّ تجويع الفلسطيني في لبنان لا يقرّب موعد العودة ويمنع التوطين، إنّما هو موضوع سياسي ليس له علاقة بالحق الأساسي لحفظ كرامة الانسان سواء كان المواطن اللبناني أو اللاجئ الفلسطيني.

أبو عفش: الفلسطيني في لبنان هو محرك للدورة الاقتصادية وليس مستنزفا لخزينتها

من جهته اعتبر أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت سمير أبو عفش، قرار وزير العمل اللبناني، أنّه جاء في سياقه الطبيعي، واستغرب بشدّة ما ورد على لسان بعض اللبنانيين الذين اعتبروا القرار "توطين مقنع."

 وأكّد أبو عفش أنّ "الفلسطينيين كانوا و ولا زالوا وسيستمرون في رفضهم للتوطين والتهجير لأنّه لا بديل عن فلسطين الا فلسطين. لافتاً أنّ الفلسطيني في لبنان هو محرك للدورة الاقتصادية وليس مستنزفا لخزينتها، حيث أنّ "ما ترسله دولة فلسطين الى شعبنا في لبنان وما تصرفه مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في المخيمات الفلسطينية في لبنان وما يحوله أهلنا من خارج لبنان لمساعدة ذويهم يصرف في لبنان."

وأشار أبو عفش إلى أنّ "الإعلام اللبناني يذكر  ليلا ونهارا وجهارا ان المهارات اللبنانية أصبحت مستنزفة نتيجة هجرتها للعمل خارج لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية".

كما أكّد أبو عفش أنّ الفلسطيني لديه القدرة والكفاءة المطلوبة لسد هذا النقص، لذلك تمنّى على الجميع عدم زج الفلسطينيين في نزاعاتهم السياسية، مجددًا تأكيده على أنّ الفلسطينيين حريصون على أن يكون لبنان قويًا معافا ليكون خير داعم لقضيتهم في الاستقلال والعودة إلى فلسطين.

وفي رأي حقوقي، رأى مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) محمود حنفي، أنّ قرار الوزير "شجاعاً وجاء في الوقت المناسب في ظروف استثنائية."

حنفي: القرار يؤسس لأرضية قانونية لأمور أخرى، مرتبطة بالتملك والضمان الاجتماعي، وموضوع نقابات المهن الحرة، إضافة لارتباطه بالنظرة العامة  للفلسطينيين

ووصف حنفي القرار في حديث  لموقعنا بـ "الرسالة الأخلاقية أكثر من أي شيء آخر" وتأتي أخلاقيّة القرار بحسب حنفي أساساً، من  انتفاء المسوّغات  القانونية أو الأخلاقية أو الوطنية والعروبية لحرمان اللاجئ الفلسطيني من حق العمل. بينما يكتسب القرار أهميّة خاصّة لكونه أتى  بعد قرار الوزير السابق كميل بو سليمان وانتفاضة الفلسطينيين  التي قامت ضد هذا القرار، أمّا الأمر الثالث، فهو مجيء القرار في ظروف صعبة على مستوى لبنان ككل.

وأضاف حنفي  صحيح لا يوجد هناك فرص عمل في الوقت الحالي بلبنان  لكن القرار يؤسس لأرضية قانونية لأمور أخرى، مرتبطة بالتملك والضمان الاجتماعي، وموضوع نقابات المهن الحرة الطب والصيدلة، إضافة لارتباطه بالنظرة العامة  للفلسطينيين.

وأشار حنفي، مدير مؤسسة شاهد أنّ القرار بتفصيله ليس جوهريًّا بمعنى الجوهري، إنّما جاء ضمن صلاحيات الوزير وضمن الهامش الذي سمح له القانون لعام 1946، لافتًا إلى أنّ هذا القرار يتحدث عن أمور عامة لكنه لا يعزز الأمان الوظيفي ولا المساواة ولا العدالة للموظفين لسببين: السبب الأول أنّ الفلسطيني لا يمكن أن يتم تسجيله في الضمان الاجتماعي، وإذا تم تسجيله فيقتطع منه نسبة 23 بالمئة، ويستفيد من 8 بالمئة وهذا ليس عدلًاً.

أمّا السبب الثاني، يمكن لأي وزير آخر أن يأتي بعده ويلغي هذا القرار وبالتالي هناك ملاحظات على القرار من حيث الشكل وحتى من حيث المضمون، "لكن لا بأس في ذلك فهو ضمن الهامش كان جيد ضمن ما يسمح به القانون."

عبد الله: استثناء معنوي لا يقدّم ولا يؤخّر ولايغير شيئًا على أرض الواقع هو استثناء فارغ المضمون، ولا يمت لإنصاف اللاجئين بصلة

التوضيحات التي قدّمتها مؤسسة شاهد، تتلاقى نوعاً ما، مع رأي مدير جمعية حقوق الانسان الفلسطيني غسان عبد الله، الذي رأى أنّ هذا القرار روتيني سنوي يصدره وزير العمل، يجدده أو يغيّره اذا استمر في الوزارة لأكثر من سنة، و اذا جاء وزير جديداَ.

وخلال حديثه لـ" بوّابة اللاجئين الفلسطينيين" أشار عبد الله، إلى أنّ الاستثناء الذي يتعلّق باللاجئين الفلسطينيين ما هو الا استثناء معنوي لا يقدّم ولا يؤخّر ولايغير شيئًا على أرض الواقع هو استثناء فارغ المضمون، ولا يمت لإنصاف اللاجئين بصلة، فإنصافهم يتطلب إرادة سياسية وسنّ قوانين وليس نوايا حسنة. مؤكّداً أنّ القرار "وليس له علاقة بالانهيار الاقتصادي لا من قريب ولا من بعيد لا سلبًا ولا إيجابًا."

وأوضح عبد الله إلى أنه في الوضع الحالي، فإنّ تشغيل الفلسطينيين من عدمه لا يغيّر شيئًا في الوضع الاقتصادي في لبنان، لأنّ الأمر يتطلب أمورا كثيرة أبرزها مكافحة الفساد والقيام بإصلاحات سياسية واجتماعية وخطط استراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، تكون ناجحة وتقوم على النهج العلمي والحقوقي وتراعي الأمن الانساني وترجّح المصلحة العامّة على المصالح الضّيّقة.

ولفت، الى أنّ هذا القرار بتوقيته من حيث يقصد واضعه أو لا يقصد، استعمل في الهرطقات السياسية و"البروباغندا" الاعلامية كما أساء استخدامه البعض من السياسيين اللبنانيين في شدّ العصب الطائفي العنصري من أجل خوض الانتخابات اللبنانية التي أصبحت على الأبواب مستخدمين فزّاعة التوطين كالعادة.

ياسر علي : الوزير بيرم عدّاه العيب، ولكن القرار لا يلغي القانون الذي صوّت عليه مجلس النواب عام 1983

يتقاطع موقف غسان عبد الله مع موقف الكاتب والباحث الفلسطيني ياسر علي ، الذي شكر وزير العمل على هذه المبادرة الطيبة، التي ستمحو الضرر والتوتر الذي تسبب به الوزير كميل ابو سليمان في تموز ٢٠١٩.

وقال ياسرعلي لـ " بوّابة اللاجئين الفلسطينيين" "الوزير بيرم "عدّاه العيب"، فعل ما بوسعه وهذا اكثر ما يمكنه تقديمه، وهو ما فعله قبله الوزير طراد حمادة عام ٢٠٠٥ ، ويستحق الوزير بيرم منا كل دعم وتشجيع في وجه الخطاب العنصري من بعض الجهات المزعوجة.

وأشار إلى أنّ، منع الفلسطينيين من العمل تم بموجب قانون صوت عليه مجلس النواب عام ١٩٨٣، إبّان الوجود الإسرائيلي في محيط بيروت، وسيطرة اليمين اللبناني (بالتنسيق مع الاحتلال).

وبالتالي، القرار لا يلغي القانون، ويمكن لكل وزير عمل أن يصدر قراراً مخالفاً لسلفه، فهذا القرار سيكون في مهبّ الريح إذا تبدّل الوزير أو الحكومة.

لذا هذا القرار لا يشمل كل المهن، لأن المهن التي تتبع للنقابات، وتحديدا نقابات المهن الحرة، لا يمكن العمل فيها من دون الانتساب للنقابة والحصول على رقم نقابي، والفلسطيني ممنوع من الانتساب لهذه النقابات (ما عدا نقابة الممرضين والممرضات)، بالتالي لا يستطيع العمل في الطب والهندسة والمحاماة والصيدلة وما يماثلها في النقابات. وكذلك هذه المهن تحتاج أيضاً ترخيصاً من الوزارة المختصة (الصحة والعدل وغيرها)على سبيل المثال وفق قوله.

يشار  إلى ان قرار وزير العمل اللبناني  يأتي في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، والانهيار التام،  الذي أرخى بظلاله على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين  اللذين تتجاوز نسب الفقر  فيه70 % فيما تصل نسب البطالة لما يزيد عن 80% بحسب مؤسسات حقوقية فلسطينية.

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد