يعاني أهالي مخيم الجليل عند مدخل مدينة بعلبك والنازحين منه، والفلسطينيون في عموم منطقة البقاع اللبناني، من أوضاع إنسانية صعبة واستثنائية، وسط الحرب "الإسرائيلية" المستمرة على لبنان منذ ما يزيد عن ثلاثين يوماً ، وتزيد من هذه المعاناة، برودة الأجواء التي تميّز منطقة البقاع اللبناني عن سواها، واقتراب فصل الشتاء، إضافة إلى تجار الحرب الذين رفعوا أسعاء اللوازم المعيشية إلى أكثر من 10 أضعاف، وهو ما يفاقم حاجة اللاجئين للمستلزمات الإغاثية، لكن وكالة "أونروا" لم تقم بتوفير خطة طوارئ تلبي هذه الاحتياجات، كما لم تتحرك الفصائل الفلسطينية بالشكل الكافي، ما دفع مؤسسات محلية فلسطينية وناشطون في المخيمات إلى التدخل ضمن قدراتهم لمساعدة الأهالي.
ومع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة ليلاً، تزداد احتياجات النازحين من مخيم الجليل وعموم البقاع، خاصة في ظل مخاوف من استمرار الحرب وتصاعد النزوح.
هذا الواقع يتطلب توفير مساعدات عاجلة لتلبية متطلبات الشتاء، من أجل التخفيف من معاناة اللاجئين الذين صاروا بين مطرقة الحرب وسندان نقص الدعم الإغاثي، في انتظار أي تحرك من الجهات المعنية.
الناشط في الإعلام المركزي لمخيم الجليل سامر عيسى، وصف وضع اللاجئين والنازحين في البقاع الغربي والأوسط ومخيم الجليل لبوابة اللاجئين الفلسطينيين بالصعب جداً.
وقال: إنّ "النازحين في البقاع الغربي والأوسط، والأهالي في مخيم بعلبك سواء من نزحوا أو من بقوا، يعيشون أوضاعاً غاية في الصعوبة لانعدام مواردهم بشكل كامل وغياب الدعم الإغاثي الطارئ".
وأضاف: "نسبة النزوح قاربت 50% من أهالي المخيم، ومعظم النازحين لديهم أطفال وحالات مرضية ولا يمتلكون أي مقوم من مقومات الصمود جراء غياب خدمات وكالة الأونروا والفصائل".
المنطقة تواجه سيطرة تجار الحرب الذين رفعوا الأسعار بشكل جنوني
وأكد عيسى أن الأهالي متروكون دون مقومات صمود، وخصوصاً في ظل الأوضاع الاستثنائية في البقاع مع اقتراب فصل الشتاء، وقال: "أهم عامل دعم قد فقده الأهالي هو التحويلات المالية، حيث صارت التحويلات إلى منطقة البقاع شبه مستحيلة، بينما تعاني المنطقة من سيطرة تجار الحرب الذين رفعوا الأسعار بشكل جنوني يصل إلى 10 أضعاف عما هي عليه في بقية المناطق، وأيضاً غياب الدعم الصحي والمستشفيات، نظراً لكون المستشفيات صارت لا تستقبل سوى الجرحى، ما دفع العائلات التي لديها حالات مرضية للنزوح من المخيم إلى مناطق أخرى".
وتابع: "تقصير الفصائل ووكالة (أونروا) هو تقصير واحد، فلا أحد منهم أمّن للشعب الفلسطيني أياً من مقومات الدعم، ومنطقة البقاع منكوبة بالشتاء بسبب البرد حتى دون حرب، والآن تصبح النكبة مضاعفة"
وأشار إلى أنّ وكالة 'أونروا' لم توزع مازوت التدفئة للفلسطينيين منذ ثلاث سنوات، والفلسطيني صار يشتري ماء شرب ومازوت واحتياجات الشتاء، في ظل بطالة وفقدان الأعمال، وهو ما سينعكس خلال الحرب إلى مكابدة مأساة مضاعفة".
في حال طالت فترة الحرب الناس ستموت من الجوع
وأشار إلى أن الجمعيات الفلسطينية المحلية لا تستطيع تغطية كافة الاحتياجات قائلاً: "الجمعيات تؤمن على قدر قدراتها، لكنها لا تستطيع تغطية 12 ألف إنسان، بين فلسطينيين من سوريا ولبنان، موزعين بين البقاع الغربي والأوسط والسفلي والجنوبي والشرقي، فالأمر ليست محصورة بالمخيم فقط".
وحذّر أنه "في حال طالت فترة الحرب وصار تسكير طرقات، الناس ستموت من الجوع".
ونوه عيسى بجهود تلك الجمعيات، وكذلك الناشطين الذين يعمدون إلى شراء بضائع ومستلزمات أساسية ولا سيما حليب الأطفال من مناطق أخرى كطرابلس، اعتماداً على تبرعات الناس، وهي عملية غير كافية نظراً لقلّة التبرعات جراء الظرف المادية لعموم الناس في ظل الحرب".
ونزحت عائلات من مخيم الجليل إلى مناطق أخرى في البقاع الغربي والأوسط، بينما قصد البعض مدينة طرابلس شمالي لبنان، وفق ما أفاد الناشط الإغاثي محمود شهابي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
وأشار شهابي إلى صعوبة الأوضاع التي تواجه العائلات النازحة، خاصة في منطقتي المرج وبر الياس، مؤكداً أن هذه العائلات تعيش ظروفاً شديدة القسوة في ظل غياب خطة طوارئ شاملة.
وقال شهابي: إن بعض العائلات تقيم لدى أناس فتحوا لهم منازلهم أو محالهم، لكن الاستجابة الإنسانية كانت خفيفة جداً بسبب الوضع العام في ظل الحرب مضيفاً: أن معظم أرباب الأسر النازحة صاروا بلا عمل أو مصدر دخل بعد فقدان وظائفهم في المخيم الذي يعاني من أوضاع خطيرة.
وداخل المخيم، أطلقت اللجنة الشعبية برئاسة جهاد عثمان مبادرة لتشكيل لجنة طوارئ في منطقة البقاع لتوزيع المسؤوليات الصحية والإيوائية، لكنها مبادرة يصفها الناشطون والأهالي بغير الكافية ولم تقدم شيئاَ يرقى للحد الأدنى من مستوى الأزمة.
يوضح عثمان أن الجهود ركزت على تجهيز مراكز إسعاف وطوارئ بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني وجمعية الشفاء، مشيراً إلى أن هذه المبادرات جاءت لتعويض غياب خطة الطوارئ من قبل "أونروا"، لضمان توفير الخدمات الإسعافية العاجلة في حال تصاعد العدوان.
كما بادرت اللجنة الشعبية إلى تأمين كميات من الطحين والمازوت لضمان تزويد العائلات بالخبز في حال انقطاع المواد الأساسية، وتأمين المحروقات لاستمرار عمل سيارات الإسعاف.
وفيما يتعلق بالإيواء، تم تأهيل بعض الملاجئ القديمة من السبعينات وتزويدها بالإنارة وأنابيب المياه وتأمين مياه صالحة للشرب، في محاولة لتوفير مأوى آمن للنازحين.
ووجّه ناشطو الإعلام المركزي من أبناء مخيم الجليل رسالة إلى المعنيين، طالبوا فيها بضرورة تحرّك "أونروا" والفصائل الفلسطينية لإطلاق خطة طوارئ حقيقية، متهمين الوكالة بالتقصير.
وجاء في الرسالة: "جميع المخيمات الفلسطينية في لبنان تفتقر إلى خطة طوارئ فعلية من قبل (أونروا) أو الفصائل، ولا توجد أي تموينات، لا حليب أطفال، ولا مقومات حياة أخرى، وما يُقال عن خطة طوارئ هو كذبة تكررت قبل اندلاع الحرب".
يتزايد القلق مع اقتراب فصل الشتاء، والتحذير من أن غياب الدعم الإغاثي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية إذا استمرت الحرب لفترة أطول، حسبما ختم الناشط سامر عيسى حديثه لموقعنا، والذي حمّل الفصائل الفلسطينية مسؤولية عدم وجود تحركات ضاغطة على وكالة "أونروا" تدفعها إلى تفعيل خطة طوارئ مناسبة قبل الحرب، مشيراً إلى أن الفصائل حصرت التحركات فقط ضمن أطرها التنظيمية، فيما ظلت خطط وكالة "أونروا" على ما هي عليه، "ولم يدفعها لفعل شيء يذكر"، وفق تعبيره.
موضوع ذو صلة: مسؤولون فلسطينيون: لا بديل عن "أونروا" في الخدمات وننتقد خطة الطوارئ في لبنان