أثار الإعلان عن اتفاق لبناني–فلسطيني يقضي ببدء تنفيذ خطة نزع السلاح من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منتصف شهر حزيران/يونيو المقبل، جدلاً واسعاً في أوساط اللاجئين في لبنان، خصوصاً في ظل غياب أي إجراءات موازية لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين، بحسب ما أكده عدد من أبناء مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة في استطلاع أجراه موقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
وجاء الاتفاق، الذي أعلن عنه خلال زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بيروت بين 20 و23 أيار/مايو الجاري، بعد محادثات مع الجانب اللبناني، وتقرر بموجبه إطلاق مسار تدريجي لتسليم السلاح داخل المخيمات وفق جدول زمني، على أن "تترافق هذه الخطة مع خطوات عملية لتحسين أوضاع اللاجئين وضمان حقوقهم".
الإعلان عن الاتفاق تم في ظل غياب آليات تنفيذ واضحة، وتجاهل للفصائل الفلسطينية الرئيسية، ما أثار اعتراضات واسعة، خاصة أنه لا يعكس توافقاً فلسطينياً وطنياً شاملاً، كما سجّل تغييب "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" عن الاجتماعات الرسمية، وهي الجهة الوطنية المخولة بتمثيل الموقف الفلسطيني في لبنان، وسط دعوات من قوى التحالف وحركة حماس لتفعيل دور الهيئة كإطار جامع لمعالجة القضايا بشكل شامل، يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، مع التأكيد على ضرورة التنسيق مع الجهات اللبنانية المعنية للحفاظ على أمن واستقرار المخيمات.
موضوع ذو صلة: لا اتفاقاً فلسطينياً على تسليم السلاح من المخيمات ومصادر: "الاتفاق حبر على ورق"!
ورغم الحديث عن خطوات مصاحبة لتحسين ظروف الحياة، عبّر العديد من اللاجئين عن تخوفهم من فقدان أدوات الحماية الذاتية، في ظل هشاشة الوضع الأمني وغياب الثقة بالضمانات لتحسين أوضاع اللاجئين وضمان حقوقهم كما طالبوا بضبط السلاح المنفلت لا انتزاعه دون بدائل واضحة أو شاملة.
سلاح يحمي وسلاح يؤذي
أم أحمد الخطيب، وهي لاجئة فلسطينية في مخيم شاتيلا، عبّرت عن موقفها المتوازن من المسألة قائلة: السلاح نوعان، مفيد وغير مفيد، مفيد إذا حاول أحد التعدي علينا، فنتمكن من حماية أنفسنا، وغير مفيد في الإشكالات الفردية التي تحدث.
وأشارت اللاجئة الخطيب، إلى دور اللجنة الأمنية وتقصيرها، وقالت : "لو أن اللجنة الأمنية ضبطت الأمور منذ البداية، لما وصلنا إلى هذه الحال في المخيم."
أما علي الأرْملي، اللاجئ الفلسطيني في مخيم شاتيلا أيضاً، فانتقد ترك المخيم مكشوفاً من دون حماية، وقال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "نزع السلاح من شعب كامل، في ظل عالمٍ بلا أمان، يعني إطلاق يد الذئاب علينا. المشكلة ليست في السلاح، بل في الخارجين عن القانون."
وأضاف:"يجب على الجهات المسؤولة معالجة هذه الظاهرة، وإخراج مروّجي المخدرات من بين الناس ومن داخل المخيمات."
في الاتجاه ذاته، طرح فادي شرقية من أبناء مخيم شاتيلا أسئلة حول حماية اللاجئين الفلسطينيين وقال: "إذا تم نزع هذا السلاح من الشعب الفلسطيني، من سيحميه؟ من سيمنحه قيمة وكرامة؟ نحن، كلاجئين في لبنان، لا نملك حقوقًا. فمن سيتكفل بأمان هذه المخيمات"؟
بين الدولة والفصائل: من يحمي المخيم؟
فوزية عبد الهادي اللاجئة الفلسطينية في مخيم شاتيلا، أيّدت ضبط السلاح، لكنها اشترطت دوراً واضحاً للدولة في ملاحقة مسبّبي الانفلات الأمني: وقالت: "ينبغي أن لا يكون هناك فلتان أمني، ويجب على الدولة التدخل لملاحقة تجّار المخدرات بمساعدة أهل المخيم."
وتابعت: "على الدولة أن تعرف أماكن وجودهم، وتطهر المخيم منهم. هذا ما يريده الجميع. المخيم يجب أن يُحمى من قبل حاملي السلاح التابعين للفصائل والتنظيمات، لكن ضمن إطار قانوني وتحت إشراف الدولة."
أما محمد إدريس من مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية، فرأى أن تنظيم السلاح لا يعني بالضرورة انتزاعه، وقال: "نحن بالعكس، نؤيد تنظيم السلاح، وندعو إلى حالة من الأمن والاستقرار في كافة المخيمات، بحيث لا يُنظر إليها كأماكن خارجة عن القانون أو كبؤر أمنية."
موضوع ذو صلة: السلاح الفلسطيني في لبنان.. من "الشرعية الثورية" إلى محور إشكالية "سيادية"
وفي المقابل، شدد اللاجئ على الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين وقال:" نطالب بحقوق إنسانية واجتماعية للاجئين الفلسطينيين، من خدمات أساسية كالمياه والكهرباء، وحق العمل."
وختم قائلاً :"اللاجئ الفلسطيني لا يعيش في غابة، بل تحت سقف القانون، وهو مقيم مؤقت في لبنان إلى حين العودة إلى فلسطين. وهذا محل إجماع فلسطيني ولبناني على حد سواء. ينبغي على الدولة أن تسعى لتحسين معيشة الناس، وأن تفتح أمامهم سبل العمل والكرامة."
الضمانات أولاً
فيما طالب لاجئ من شاتيلا بتوفير الضمانات الأمنية قبل أي خطوة من هذا النوع: وقال: "حين يطلب منك تسليم سلاحك، يجب أن تكون هناك ضمانات حقيقية لحماية المخيمات، سواء كان مخيم شاتيلا أو أي مخيم آخر في لبنان."
وأشار إلى أنّ الناس في المخيمات لا تعارض تسليم السلاح، لكن بشرط أن يكون هناك أمان، وأن تتولى جهة محددة مسؤولية الأمن داخل المخيم.
أما مها شبايطة، وهي لاجئة فلسطينية في مخيم برج البراجنة، فقد طالبت بسحب السلاح العشوائي، لا سيما في ظل ما تسببه الفوضى من رعب دائم للأطفال وسكان المخيم وقالت: "نعم، أنا أؤيد سحب السلاح، لأنه في كل مناسبة يُطلق فيه النار، سواءً في الأعراس أو عند ولادة طفل، مما يُرعب الأطفال، ويمنعنا من النوم. اليوم هناك قتلى، وغداً لا نعلم كم سيُقتل. بات الموت أمراً عادياً، ونحن نعيش في خوف دائم، حتى إنني لا أخرج من بيتي إلا وأنا أقفله من شدة الخوف."
دعوة إلى العدالة لا الأمن فقط
الناشط الفلسطيني أحمد سخنيني من مخيم برج البراجنة، عبر عن أسف اللاجئين الفلسطينيين من تعامل الدولة اللبنانية مع المخيمات فقط من منطلق أمني، وتُغافلها عن المطالب الإنسانية والاجتماعية وقال: "نحن نطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإنصاف المخيمات الفلسطينية ومنح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية والاجتماعية."
وتابع: "لقد طال الزمن، وهذه المخيمات لم تكن إلا حاضنة لشعب ينشد الحياة، ويناضل من أجل الحرية والاستقلال والكرامة. لكن للأسف، لا تزال الدولة تتعامل مع هذه المخيمات من زاوية أمنية بحتة، في حين أنها لم تكن يوماً مصدر تهديد للبنان، بل هي قلاع وطنية لشعب متمسك بهويته، وأصالته، وتاريخه، ويعيش في ظروف من الفقر والحرمان والتهميش."