لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
إنتصار الدّنّان
أسباب عديدة تستدعي الشباب للهجرة، والتفكير بها وإن كانت تحمل من المخاطر ما تحمله. وقد يتعرض المرء للموت، للغرق، ولسوء الحظ، لكن ما يعيشه الشباب الفلسطيني من ذل وهوان تجعلهم يفكرون بها وإن كلفهم ذلك عمرهم. الفلسطيني في لبنان محروم من وجود فرصة عمل، بسبب القوانين التي في مضامينها نفحات عنصرية، محروم من تملك بيت ليأويه، لا لأن يكون وطنًا بديلا عن فلسطين، محروم من إنسانيته، بسبب لف شريط شائك على أبواب المخيمات الفلسطينية، ممنوع عليه بناء أو ترميم منزله في المخيمات، باختصار محروم من إنسانيته، لذلك تضيق بهم الدنيا وتصير الهجرة بحسب تفكيرهم المنقذ، ويأتي ما كانوا يعتقدونه غير صحيح. تستهويهم بلاد أوروبا والهجرة إليها هربًا من الذل الذي يعيشونه في مخيمات لبنان، وبحثًا عن فرصة حياة وفرصة عمل. يحملون أجسادهم ويرحلون عن أهلهم معرضين حياتهم للخطر وللمجهول الذي لا يعرفون عنه شيئًا.
"حسن" شاب فلسطيني من مخيم الرشيدية، هاجر إلى بلجيكا منذ ثلاث سنوات ونصف، عله يجد فرصة حياة كريمة لائقة هناك. قدّم لجوءً وتعلّم وعمل هناك، وكان سيحصل على عقد عمل دائم، لكنه فجأة ومن دون أن يدري أغلق ملفه وخسر عقد العمل الذي كان سيحصل عليه، لكن المحامي استطاع أن يسوي له أوراقه، واستطاع العمل من جديد، والآن بعد أن أعاد تسوية أوراقه وأموره إلا أنها رفضت مرة ثانية، وطلبوا ترحيله من البيت الذي كانوا قد أعطوه إياه سابقا، البيت الذي هو عبارة عن غرفة صغيرة ومطبخ وحمام وغرفة نوم صغيرة على حجم تخت.
يقول: عندما نريد العمل يكون ذلك عن طريق مكاتب العمل، وعندما نريد أن نقدم أوراقنا لنيل الإقامة يعتبروننا مجهولي الهوية، فلذلك يجب أن نخضع لمحكمة حتى نؤكد أننا فلسطينيون من لبنان، حتى يعتبرونا دون وطن وإلا يعملون على ترحيلنا، وكذلك الأمر عندما نقدم على لجوء إنساني، لا نحصل على أية مساعدة لأن وضعنا غير قانوني في البلد، ما يعني أنه إذا وجدنا عملا فسيكون في السوق السوداء، ويشير إلى أنه لا يحق لهم إلا الطبابة والعلاج إن احتاجوا إليها.
عن سبب سفره قال: أنا خريج كلية سبلين مهندس الكتروميكانيكل electromechanical engineer. بحثت عن عمل مرارًا وتكرارًا، وأجري معي مقابلات عديدة، لكن حينما يعلمون أنني فلسطيني يرفضونني، فمثلا رفضت شركة في منطقة الزهراني أن أتدرب عندها لأنني فلسطيني. بالمختصر الفلسطيني يجب أن لا يتعلم ولا يعيش، ولذلك قررت السفر، وليته لم يكن هذا القرار، فأنا أشعر بأن سنين عمري تمرّ هباء، يومًا بعد يوم أكتشف أن ما قررته كان خطأً كبيرًا، والعديد من الشباب حالهم كحالي تضيع سنوات عمرهم في انتظار الإقامة، لكن الحرمان والذل الذي يعيش فيهما الشباب الفلسطيني في لبنان هما من يعطيهم الحق بالتفكير على هذا النحو.
يضيف: أنا متأكد من أن هناك عددًا من الشبان سينجحون لو حصلوا على الإقامة من الدولة البلجيكية، لكن الأولوية لمن يوجد خطر في بلادهم، كالسوريين أو آخرين من دول أخرى.
فأنا مثلا قمت بتعديل الدبلوم في بلجيكا وكنت أنتظر الحصول على الإقامة حتى أبدأ بالعمل، ووضعي كوضع الكثيرين من الشباب الفلسطيني، فمعي شباب موجودون هنا منذ أربع سنوات لكنهم لم يستطيعوا الحصول على الإقامة، وهناك شبان انتظروا سبع سنوات حتى استطاعوا الحصول على الإقامة. وكان الرفض يأتي لأمور تافهة أنه في لبنان لا يوجد خطر ولا حروب!
البلجيكيون يعتبرون أن الفلسطينيين في لبنان تحت حماية الأونروا، وهي مسؤولة عن تقديم جميع الخدمات لحياة كريمة ووضع المخيمات آمن. لكن الوضع في لبنان لا يشجع على العيش بكرامة، فلا عمل ولا حياة كريمة، وهنا صار الوضع صعبًا والحصول على الإقامة صعب، عملت كثيرا على أوراقي، لكن دون جدوى، ولا أعلم إن كنت سأستطيع الحصول عليها، علما أن خطيبتي موجودة في ألمانيا ولا أعلم كيف سأذهب إليها وأعيد تكرار مشواري لثلاث سنوات جديدة قادمة ستضيع من عمري.
باختصار عدد قليل من الشباب الفلسطيني اللبناني استطاع الحصول على إقامة، وذلك بعد مرور خمس سنوات. خمس أو ست سنوات تضيع من عمر الفرد حتى يحصل على الإقامة هذا إن حصل عليها، باختصار لقد مللنا هذا الوضع الذي نعيش فيه، فالهجرة ليست كما كنا نظنها سهلة، وهناك عدد من الشبان لم يستطيعوا التحمل فعادوا إلى لبنان كما أتوا، لم ينلهم من الهجرة سوى تضييع عمرهم هباء. وهناك عدد من الشباب يودون العودة، مازلت سأنتظر ولا أعلم إلى متى سيطول انتظاري.