فلسطين المحتلة
تقرير: إيمان العبد
"من يدخُل السجن مفقود ومن يخرج منه مولود، ليس هناك أجمل من فرحتنا حين خرج عبد الكريم، التقينا جميعاً واجتمع الشباب الثمانية في حضني، شعور لا يُوصف"، تصف رسميّة أحمد الطيطي لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" شعورها حين التقت بنجلها بعد انتهاء حكمه والإفراج عنه من سجون الاحتلال.
تبدأ أم ثائر حكايتها "كانت مأساة كبيرة حين اعتقلوهم، في البداية اعتقلوا زوجي من عام 1987 حتى 1991، سبع مرات أخذوه، وفي عام 2000 اعتقلوا ابني ثائر، وبعد عدّة أشهر علاء، وبعده بيومين ضياء وعبد القادر، أصبحوا أربعة في السجن.. كنّا على وجه عيد، كيف يكون قلب الأم والأب؟"
رسميّة الطيطي والدة (7) مُحررين من سجون الاحتلال من أبناء مُخيّم العرّوب للاجئين شمالي الخليل بالضفة المحتلة، اعتقلهم الاحتلال عدّة مرات وقضوا عدّة أحكام في سجونه منذ اندلاع انتفاضة الأقصى "الانتفاضة الثانية"، غاب الأبناء عن عائلتهم ومنزلهم (18) عاماً، أوّلهم ثائر قضى عاماً كاملاً في سجون الاحتلال، وشقيقه علاء (4) سنوات ونصف، ضياء (5) سنوات، هشام (4) سنوات ونصف، شامخ (4) سنوات ونصف، عبد القادر (5) سنوات ونصف، وآخرهم عبد الكريم تحرّر في 21 تشرين أوّل/أكتوبر الجاري، بعد أن قضى في سجون الاحتلال نحو عامين.
قضت الوالدة (18) عاماً منذ عام 2000 وحتى 2018 في معركتها مع الوقت والعُمر والسجّان، تدور خلف أبنائها السبعة في مُحاولة للحاق بمواعيد زياراتهم في سجونٍ فرّقتهم من شمال البلاد إلى جنوبها. مضت سنوات ولم تتمكّن من زيارتهم بسبب الرفض الأمني من قِبل الاحتلال، واضطرت في كثير من الأحيان أن تطلب من امرأة من بلدة بيت أمّر أن تقوم بزيارتهم خلال توجهها للزيارات في سجون الاحتلال، وفيما بعد صدر تصريح للوالدة لزيارة نجلها ضياء، وتمكّنت من إرسال أطفالها لزيارة أشقّائهم في سجن "عوفر"، وآخر في "النقب" واثنين في "عسقلان."
كانت والدتهم تُعاني كبقيّة أهالي الأسرى، من صعوبة الطريق للزيارات في سجون الاحتلال، وذلك بسبب المسافات الطويلة والحواجز والتفتيش وإجراءات الاحتلال في الزيارة، وكانت زيارات أبنائها مُتقاربة في أيام الأحد والاثنين والخميس، ما كان مدعاة للاستغراب بالنسبة لمُوظف في اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر.
تحدّثت أم ثائر لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عن ألمها في كل مُناسبة للعائلة وفي الأعياد أثناء اعتقال الأبناء، إذ تزوّج ابنها وابنتها خلال فترة اعتقال البقيّة، وفي المناسبتين كانت الفرحة منقوصة "كان الموقف صعب، طيلة فترة العُرس كنت أبكي ودموعي على وجهي"، تقول الأم.
عبد الكريم حُر
يقول عبد الكريم واصفاً أيّامه في سجون الاحتلال "كنت داخل سجن النقب، في البداية كنت أعد الأيام، وفي الفترة الأخيرة بدأت عد الساعات، متى سينتهي اليوم، أريد رؤية أمي وأخوتي، أريد العيش معهم، منذ 18 عاماً لم أتناول الطعام في نفس الطبق معهم، لم أشرب الماء معهم، كنت أتمنى أن أحضر المُناسبات والأعياد، عُرس شقيقي عبد كنت أتمنّى حضوره، لكن بسبب الاعتقال لم أتمكّن من ذلك، وحاولت الاتصال بهم إلّا أن ضغط إدارة مصلحة السجون والتفتيشات حالت دون ذلك."
وعن اللقاء، يقول المُحرر الطيطي لـ "بوابة اللاجئين": "حين خرجت من سجن النقب ووصلت المعبر إلى الظاهريّة ورأيت أشقائي وأصدقائي وأحبّتي جميعهم وسلّمت عليهم، كانت المرة الأولى منذ عامين، والمرة الأولى منذ 18 عاماً، أجتمع مع أشقّائي وأتناول معهم الطعام في طبق واحد، كأنه حلم، كنت مُستغرباً من لقائنا."
عبد الكريم جبر الطيطي، ابن مُخيّم العرّوب بعد ساعات على خروجه من سجون الاحتلال وطي صفحة رحلة طويلة من الغياب، ومُحاولات الاحتلال لصهر وعيه ورفاقه الأسرى في دائرة حرق الوقت والأعمار خلف القضبان، عاد ليؤكّد مُجدداً على أحقيّته كلاجئ في العودة إلى بلاده، قائلاً "جميعنا كلاجئين في الداخل والشتات بالتأكيد لنا عودة إلى البلاد، وطالما هناك احتلال سنُقاومه حتى رحيله، حتى آخر نفس، رغم كل الشهداء والأسرى، سنُقاوم حتى يرحل الاحتلال."
ولا تُعتبر قصة عائلة الطيطي الوحيدة في مُخيّم العرّوب أو غيره من مُخيّمات اللاجئين في الضفة المُحتلّة، حيث تقع بمُعظمها بمناطق تماس واحتكاك مع الاحتلال، ويُحيط بها الحواجز والبوّابات والأبراج العسكريّة والمُستوطنات، ما يجعلها عُرضةً للاقتحامات والحصار والاستهداف المُتكرر من قِبل قوّات الاحتلال وفي حالة اشتباك ومُواجهة دائمة.
وشهدت المُخيّمات في الضفة المُحتلّة حالة تصعيد ومُقاومة شديدة في فترات الانتفاضة، ما بين العمل العسكري والشعبي، ولا تزال حتى يومنا هذا تتصدّى لمُحاولات الاحتلال اليوميّة بالاقتحام أو الوصول للمُقاومين، ما يجعل أبناءها عُرضة للاعتقال المُتكرر أو الإصابة أو الاستشهاد، ولا تقتصر مُواجهة أبناء المُخيّمات على قوّات الاحتلال فحسب، بل تطال أيضاً المُستوطنين على الطُرق الالتفافيّة أو كحالة مُخيّم بلاطة في المنطقة الشرقيّة من نابلس حين يتصدّى الشبّان لمُحاولات اقتحام المُستوطنين لقبر يوسف تحت حماية قوّات الاحتلال.
شاهد الفيديو
تصوير: ساري جرادات
تقرير: إيمان العبد
"من يدخُل السجن مفقود ومن يخرج منه مولود، ليس هناك أجمل من فرحتنا حين خرج عبد الكريم، التقينا جميعاً واجتمع الشباب الثمانية في حضني، شعور لا يُوصف"، تصف رسميّة أحمد الطيطي لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" شعورها حين التقت بنجلها بعد انتهاء حكمه والإفراج عنه من سجون الاحتلال.
تبدأ أم ثائر حكايتها "كانت مأساة كبيرة حين اعتقلوهم، في البداية اعتقلوا زوجي من عام 1987 حتى 1991، سبع مرات أخذوه، وفي عام 2000 اعتقلوا ابني ثائر، وبعد عدّة أشهر علاء، وبعده بيومين ضياء وعبد القادر، أصبحوا أربعة في السجن.. كنّا على وجه عيد، كيف يكون قلب الأم والأب؟"
رسميّة الطيطي والدة (7) مُحررين من سجون الاحتلال من أبناء مُخيّم العرّوب للاجئين شمالي الخليل بالضفة المحتلة، اعتقلهم الاحتلال عدّة مرات وقضوا عدّة أحكام في سجونه منذ اندلاع انتفاضة الأقصى "الانتفاضة الثانية"، غاب الأبناء عن عائلتهم ومنزلهم (18) عاماً، أوّلهم ثائر قضى عاماً كاملاً في سجون الاحتلال، وشقيقه علاء (4) سنوات ونصف، ضياء (5) سنوات، هشام (4) سنوات ونصف، شامخ (4) سنوات ونصف، عبد القادر (5) سنوات ونصف، وآخرهم عبد الكريم تحرّر في 21 تشرين أوّل/أكتوبر الجاري، بعد أن قضى في سجون الاحتلال نحو عامين.
قضت الوالدة (18) عاماً منذ عام 2000 وحتى 2018 في معركتها مع الوقت والعُمر والسجّان، تدور خلف أبنائها السبعة في مُحاولة للحاق بمواعيد زياراتهم في سجونٍ فرّقتهم من شمال البلاد إلى جنوبها. مضت سنوات ولم تتمكّن من زيارتهم بسبب الرفض الأمني من قِبل الاحتلال، واضطرت في كثير من الأحيان أن تطلب من امرأة من بلدة بيت أمّر أن تقوم بزيارتهم خلال توجهها للزيارات في سجون الاحتلال، وفيما بعد صدر تصريح للوالدة لزيارة نجلها ضياء، وتمكّنت من إرسال أطفالها لزيارة أشقّائهم في سجن "عوفر"، وآخر في "النقب" واثنين في "عسقلان."
كانت والدتهم تُعاني كبقيّة أهالي الأسرى، من صعوبة الطريق للزيارات في سجون الاحتلال، وذلك بسبب المسافات الطويلة والحواجز والتفتيش وإجراءات الاحتلال في الزيارة، وكانت زيارات أبنائها مُتقاربة في أيام الأحد والاثنين والخميس، ما كان مدعاة للاستغراب بالنسبة لمُوظف في اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر.
تحدّثت أم ثائر لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عن ألمها في كل مُناسبة للعائلة وفي الأعياد أثناء اعتقال الأبناء، إذ تزوّج ابنها وابنتها خلال فترة اعتقال البقيّة، وفي المناسبتين كانت الفرحة منقوصة "كان الموقف صعب، طيلة فترة العُرس كنت أبكي ودموعي على وجهي"، تقول الأم.
عبد الكريم حُر
يقول عبد الكريم واصفاً أيّامه في سجون الاحتلال "كنت داخل سجن النقب، في البداية كنت أعد الأيام، وفي الفترة الأخيرة بدأت عد الساعات، متى سينتهي اليوم، أريد رؤية أمي وأخوتي، أريد العيش معهم، منذ 18 عاماً لم أتناول الطعام في نفس الطبق معهم، لم أشرب الماء معهم، كنت أتمنى أن أحضر المُناسبات والأعياد، عُرس شقيقي عبد كنت أتمنّى حضوره، لكن بسبب الاعتقال لم أتمكّن من ذلك، وحاولت الاتصال بهم إلّا أن ضغط إدارة مصلحة السجون والتفتيشات حالت دون ذلك."
وعن اللقاء، يقول المُحرر الطيطي لـ "بوابة اللاجئين": "حين خرجت من سجن النقب ووصلت المعبر إلى الظاهريّة ورأيت أشقائي وأصدقائي وأحبّتي جميعهم وسلّمت عليهم، كانت المرة الأولى منذ عامين، والمرة الأولى منذ 18 عاماً، أجتمع مع أشقّائي وأتناول معهم الطعام في طبق واحد، كأنه حلم، كنت مُستغرباً من لقائنا."
عبد الكريم جبر الطيطي، ابن مُخيّم العرّوب بعد ساعات على خروجه من سجون الاحتلال وطي صفحة رحلة طويلة من الغياب، ومُحاولات الاحتلال لصهر وعيه ورفاقه الأسرى في دائرة حرق الوقت والأعمار خلف القضبان، عاد ليؤكّد مُجدداً على أحقيّته كلاجئ في العودة إلى بلاده، قائلاً "جميعنا كلاجئين في الداخل والشتات بالتأكيد لنا عودة إلى البلاد، وطالما هناك احتلال سنُقاومه حتى رحيله، حتى آخر نفس، رغم كل الشهداء والأسرى، سنُقاوم حتى يرحل الاحتلال."
ولا تُعتبر قصة عائلة الطيطي الوحيدة في مُخيّم العرّوب أو غيره من مُخيّمات اللاجئين في الضفة المُحتلّة، حيث تقع بمُعظمها بمناطق تماس واحتكاك مع الاحتلال، ويُحيط بها الحواجز والبوّابات والأبراج العسكريّة والمُستوطنات، ما يجعلها عُرضةً للاقتحامات والحصار والاستهداف المُتكرر من قِبل قوّات الاحتلال وفي حالة اشتباك ومُواجهة دائمة.
وشهدت المُخيّمات في الضفة المُحتلّة حالة تصعيد ومُقاومة شديدة في فترات الانتفاضة، ما بين العمل العسكري والشعبي، ولا تزال حتى يومنا هذا تتصدّى لمُحاولات الاحتلال اليوميّة بالاقتحام أو الوصول للمُقاومين، ما يجعل أبناءها عُرضة للاعتقال المُتكرر أو الإصابة أو الاستشهاد، ولا تقتصر مُواجهة أبناء المُخيّمات على قوّات الاحتلال فحسب، بل تطال أيضاً المُستوطنين على الطُرق الالتفافيّة أو كحالة مُخيّم بلاطة في المنطقة الشرقيّة من نابلس حين يتصدّى الشبّان لمُحاولات اقتحام المُستوطنين لقبر يوسف تحت حماية قوّات الاحتلال.
شاهد الفيديو
تصوير: ساري جرادات
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين