وليد صوان – فيينا
لطالما عقدت المؤتمرات واللقاءات في الدول الأوروبية للنقاش حول سبل الحد مما يسمى "معاداة السامية"هو مصطلح يعطى لمعاداة اليهودية كمجموعة عرقية ودينية وإثنية، ويحتوي ضمنا على العديد من المغالطات التاريخية والعرقية، إلا أن الصهاينة ما زالوا يستخدمونه لتبرير مجازرهم ضد الفلسطينيين والحصول على دعم دولي.
من هنا اكتسب المؤتمر الذي عقد قبل أيام في العاصمة النمساوية فيينا شكلاً خاصاً من التميز من ناحية العنوان الذي حمله والجهة التي نظمته، فهو أقيم بدعوة من النمسا بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، تحت شعار " معاداة السامية والصهيونية... ضمان حياة يهودية آمنة في أوروبا"
جديد المؤتمر أن رئيس الحكومة النمساوية سيبستيان كورتز وخلال كلمة له فيه يزعم أن معاداة السامية ومعاداة الصهيونية وجهان لعملة واحد، وتأثير هذا الكلام الصادر عن رئيس الحكومة يكمن بالخشية من تحول هذا التصريح إلى تشريع قانوني يطبق على أرض الواقع، ما يجعل أي انتقاد لكيان الاحتلال الإسرائيلي هو معاداة للسامية، بالتالي جريمة يعاقب عليها القانون، أو على الأقل من الناحية السياسية يمثل وسيلة لقمع كل من ينتقد الاحتلال وسياساته الإجرامية والاستيطانية في فلسطين المحتلة.
كما أن هذا التصريح وكذلك عنوان المؤتمر من شأنهما أن يساويا بين ينتقد الحركة الصهيونية التي تعد حركة استعمارية تقوم على احتلال الأرض وبين من يهاجم اليهود لأنهم يهود، وهذا الأمرخطير إذ يخلط بين معاداة "السامية" والصهيونية ويجعل الكثير من اليهود الرافضين للصهيونية وولوجود الكيان الإسرائيلي معادين للسامية، وهو خلط غير منطقي، فكيف يمكن أن يكون يهودياً ويعادي اليهود.
من جهة أخرى يمثل شعار المؤتمر وخطاب كورتز سعياً من الحكومة النمساوية للتقارب مع حكومة الاحتلال وإبداء ولاء مطلق لـ "إسرائيل" التي أوقفت التعامل مع وزراء حزب الحرية النمساوي، إضافة إلى وزيرة الخارجية التي تشغل منصبها بترشيح من هذا الحزب المتطرف، لتعود وتلغي الحظر عنها لاحقاً، بعد لقاء بين كورتز ونتنياهو بمقر الأمم المتحدة.
يحاول كورتز جاهداً وبكل السبل فك صفة "العنصرية" التي تثقل كاهل حكومته، وبالنسبة إليه لا ضير بوصف حكومته بأنها تتبع سياسة تمييزية تجاه اللاجئين والمسلمين، لكن أن توصف بأنها "معادية للسامية" فهذا أكبر من أن تحتمله الحكومة وحتى النمسا، لهذا السبب يهرول لإرضاء "إسرائيل"، وهذا المؤتمر خطوة في السياق ذاته.
نتنياهو يعي ذلك تماماً، وهي فرصة بالنسبة إليه لابتزاز النمسا، والحصول على المزيد من المكاسب السياسية، مثل مساواة معاداة السامية بمعاداة الصهيونية، وربما أيضاَ تحصيل اعتراف نمساوي بالقدس كعاصمة لكيانه، خاصة أن ممثلاً دبلوسياً نمساوياً حضر احتفال نقل السفارة الأميركية لدى الاحتلال إلى القدس المحتلة.
خطوة تتقاطع مع دعوة هاينز كريستيان شتراخه نائب رئيس الحكومة الحالية لنقل سفارة بلاده لدى الاحتلال إلى القدس، عندما زار "إسرائيل" نهاية العام الماضي، حيث جاءت تصريحات شتراخه قبيل تشكيل الحكومة النمساوية، بهدف السعي لكسب ود اليهود، نتيجة العبء الثقيل الذي يحمله حزبه بمعاداته لـ "السامية" ولكل ما هو أجنبي.