لبنان - بوابة اللاجئين
يعاني اللاجئون الفلسطينيون ممن تبقوا في سوريا ظروفا معيشية صعبة، وتفاوتت معاناتهم بين من بقي في مخيمه محاصرًا، أو من يعيش في مخيمه تحت القصف اليومي بالبراميل المتفجرة، فلا بديل ولا عمل يقوم به في ظل الأوضاع الحالية_ جراء ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة_ ليوفر له إمكانية الإقامة في مكان أكثر أمنًا، بينما أقام بعضهم في مراكز إيواء لنزوحه عن مكان إقامته نتيجة تدمير مبانيه، فضلا عن أن بنيته التحتية تفتقد لأدنى مقومات الحياة، في وقت قرر فيه عدد من اللاجئين الإقامة في منازل مستأجرة بعدما نزحوا عن مناطقهم وقرروا الدخول في معترك الحياة والعمل ضمن ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد.
مع عدد من أولئك اللاجئين وللوقوف على طبيعة الظروف التي يعيشونها في ظل الصراع الدائر في سورية، أجرت البوابة تحقيقا شمل عددًا من عائلات اللاجئين الفلسطينيين، منهم ما يزال في مخيم اليرموك المحاصر، وعائلات أخرى نزحت عن منازلها إلى مناطق مختلفة في العاصمة دمشق كـ"جرمانا" و"صحنايا"، وهي مناطق شهدت نزوح عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين بكثرة بعد اضطراب أوضاعهم في مخيماتهم.
في مخيم اليرموك المحاصر منذ أكثرمن ثلاث سنوات، حيث انقطاع الخدمات من كهرباء وماء، وانتشار البطالة، وحصار داخل حصار تفرضه "داعش" على أهالي المخيم الذين مكثوا في منازلهم ولم يبارحوها إلى بلدات الجوار أو إلى خارج المخيم، حيث بقي فيه ما يقارب الـ(2500)عائلة، إحداها:
عائلة "ج، ف"التي تعيش في أحد أحياء مخيم اليرموك
تتألف العائلة من سبعة أفراد أحدهم أصيب بشظية في قدمه وأخرى في عينه، ومنهم من شارك في بعض الأعمال العسكرية، تروي العائلة للبوابة أنها اعتادت على الحصار وعلى انقطاع الكهرباء والانترنت شبه الدائم، وعدم وجود الطعام لأيام، ثم أكل وجبة واحدة فقط إن وجدت، وفي حال الرفاهية القصوى وجود وجبتين و"أكلة حلو".
من أبشع الظروف التي عانتها العائلة هي مقتل أربعة من أفرادها خلال أحداث المخيم، ما أدى إلى انهيار الأم النفسي حتى أصابها الخدر وعدم الاكتراث بما يدور حولها، لذلك اختصرت حديثها وعبّرت عن معاناتها بقولها: "أعيش يومي بسنة".
لا يوجد لدى رب العائلة "ج. ف" هاتف أو جهاز كمبيوتر لمعرفة الأخبار والتواصل مع العالم الخارجي، إنما يتواصل ويتعرف أخبار العالم من خلال ابنته الشابة التي تمتلك هاتفا محمولا، حيث تقوم تعبئه بخدمة الـ"3 جي" بين حين وآخر، فالقنص أو الإصابة برصاصة طائشة خلال الاشتباكات في المخيم، لم يمنعاها من التواصل مع الأقارب والأصدقاء، حيث تصعد إلى سطح منزلها من أجل البحث عن شبكة للهاتف المحمول، لا تنجح في كل الأوقات في إيجاد تلك الشبكة وإرسال كلماتها إلى أشخاص لا يبعدون عنها سوى أمتار قليلة تفصلهم عن المخيم.
من أبشع الظروف التي عانتها العائلة هي مقتل أربعة من أفرادها خلال أحداث المخيم
وعن الخروج من المخيم والسفر إلى أوروبا كباقي الشباب، يرد الشاب "م" أحد أفراد العائلة: "لا أفكر بالخروج من المخيم أصلا حتى إلى يلدا لأفكر بالسفر، وأمي كذلك الأمر وأبي، أما أختي وزوجها فهم يفكرون بالخروج لتوفير حياة أفضل لابنهم، مع عدم قدرتهم على ذلك، حيث أن زوج أختي لم يخدم في العسكرية، ويخشى من الاعتقال".
ليس هناك دخل لأحد من أفراد العائلة بسبب وضع المخيم وعدم وجود فرص عمل، ولصعوبة تحويل المال من الأقارب لهم من الخارج، ما حذا بأحد أفراد هذه الأسرة المشاركة في بعض الأعمال العسكرية من أجل توفير بعض المال ومساعدة عائلته، والذي اكتفى بالقول: "أريد وأهلي البقاء في مخيمنا، وأظن ما نحتاجه هوالقليل فقط من الطعام حتى نستمر في العيش داخل المخيم".
رغم قساوة الحصار ومرارة ما تمر به العائلات المحاصرة، إلا أن الحالة الاقتصادية التي تشهدها عموم البلاد في سورية، انعكست بالسلب على أوضاع اللاجئين الذين نزحوا عن مناطقهم أو مُنعوا من العودة إلى مخيماتهم، وأقاموا في منازل مستأجرة، مثلما فعلت:
عائلة "أبو ياسين. ع" أحد عائلات مخيم سبينة
يلزم عائلة أبو ياسين (70) ألف ل.س فقط للإيجار أي ما يعادل (150$)
عائلة فلسطينية كبيرة كانت تسكن في بناء واحد في مخيم سبينة في ريف العاصمة دمشق، والعائلة مكونة من) الأب والأم وأولادهم الثلاثة، فتاتان وأخرى متزوجة لديها شابين وطفلة صغيرة، زوجها مقعد (نزحوا إلى بلدة صحنايا في دمشق، وسكنوا منزلًا مؤلف من ثلاث غرف ومطبخ وحمام مشترك.
تتحدث" سمر" الأخت الكبرى في العائلة عن معاناة العائلة التي تتجسد أولا في صعوبة تأمين أجرة البيت، حيث يشترط دفعها لشهرين مقدما، ويلزم الأسرة (70) ألف ل.س فقط للإيجار أي ما يعادل (150$). ثانيا ما تحتاجه الأسرة تعبئة مياه الخزان للاستهلاك اليومي، حيث تعاني منطقة صحنايا من فقر شديد في المياه، وقد تشهد المياه مرة واحدة فقط في الأسبوع وربما لا، مما يؤدي إلى إجبار العائلة على التقنين في استخدام المياه، وعدم الاستحمام أو الغسل والطبخ. ثالث الصعوبات التي تواجه عائلة أبو ياسين هي الخوف من مرض أحد أفراد العائلة وعدم قدرتهم على العلاج والمعاينات الطبية، وذلك لارتفاع تكلفة الدواء بدرجة كبيرة حيث عمدت وزاة الصحة إلى رفع نسب سعر الدواء مرات مضاعفة عن سعره كل حين.
"نمتلك الكهرباء عن طريق الصدفة والانترنت نشتريه يوميا، أما اللحوم فقد نسيناها" هكذا تحدثت السيدة "رحاب" الأخت المتزوجة معقبة على أوضاع العائلة المعيشية وتضيف: "زوجي مقعد منذ عشر سنوات، ولدي الكبير تم سوقه إلى الخدمة الإلزامية في جيش التحرير، ولم أستطع تهريبه خارج البلد لأني لا أملك المال"، وعن رؤيته أجابت: "أراه مرة كل شهر وأحيانا لا أراه". أما ولدها الآخر فهو طالب جامعي يذهب إلى الجامعة في فترات متباعدة ومن غير التزام لتوفير مال المواصلات وشراء محاضراته.
أما عن المدخول المالي، فإن العائلة لا تمتلك مدخولا مستقرًا لعدم وجود عمل ثابت لأي فرد من أفرادها، وتعتمد كما الأغلبية على وكالة الأونروا وما تقفدمه من معونات، وعلى تحويل أموال من أحد الأقارب في الخارج، ويتمنى جميع أفرادها السفر ولا يستطيعون لعدم امتلاك المال.
في العاصمة دمشق، يمكن مزاولة بعض المهن ولكن بأجور ضئيلة وزهيدة، فأجرة العامل في أي مهنة لا تتجاوز الـ(20) ألف ل.س أي مايعادل الـ(35$) في الوقت الراهن، ولا تتناسب هذه الأجور أبدا مع متوسط الدخل الذي تحتاجه عائلة واحدة مؤلفة من ثلاثة أشخاص والتي تحتاج على أقل تقدير (85) ألف ل.س بحسب ما صرحت به حكومة النظام في أكثر من موضع حول الظروف الاقتصادية للبلاد.
بيد أن الواقع لا يُطابق هذا التصريح، خاصة في ظل ارتفاع سوق العقار، فعائلة "أبو محمد تاجي" المكونة من (أب وأم وثلاث فتيات) التي نزحت من الغوطة الشرقية، بعد اضطراب الأحداث، وتنقلت في عدة بيوت إلى أن استقرت في بيت صديق لها في جرمانا، حيث صدمت العائلة عندما طلب مالك المنزل برفع أجرة المنزل أو الخروج منه، إذ باتت الأجرة (75) ألف شهريا، مما وضع العائلة في مصيبة "غير محسوبة" على حد قول أبو محمد رب العائلة، حيث سيتضاعف المصروف الشهري المقدربـ"150" ألف ليرة سورية، والصدمة أنه قبل ذلك كان أبو محمد يعتمد على راتبه الذي لا يتجاوز الـ(25) ألف ل.س إلى جانب راتب زوجته التقاعدي بالإضافة إلى مساعدات الأونروا النقدية، ومع كل هذا فإنهم الآن في أزمة مالية كبيرة.
تقول السيدة أم محمد والمصابة بالتهابات المفاصل والعظام: "ليس المهم دوائي أو علاجي، لو كانت القصة في يدي، فأنا لا أريد الأكل والشرب، فقط ما أريده هو متابعة ابنتي تعليمها والذي أصبح يكلف الكثير، فما تحتاجه شهريا ليس بالقليل بين مواصلات ومحاضرات ومصاريف أخرى"، أما الغذاء فنحتاج "أكل مغذي لأحفادي وليس فقط أكل يدخل جوف المعدة، كيف إذا بلغ كيلو حليب النيدو أكثر من 2000 ليرة سوري؟، أما اللحمة والدجاج لا أفكر بهم على الإطلاق".
أما بالنسبة للطالبة "الاء" إحدى بنات أبو محمد، فقد فكرت أكثر من مرة في ترك دراستها نظرًا لصعوبة المواصلات وتكاليف الدراسة المرتفعة في الوقت الراهن، إلا أن عائلتها أصرت إتمام دراستها والذهاب إلى الجامعة وشراء المحاضرات والكتب الخاصة بالصيدلة.
"ليس المهم دوائي أو علاجي، لو كانت القصة في يدي، فأنا لا أريد الأكل والشرب، فقط ما أريده هو متابعة ابنتي تعليمها"
إذًا، في النهاية لا بد من القول أن الأوضاع الإنسانية السيئة في سورية، والأزمات الاقتصادية الخانقة نتيجة الحرب الدائرة، وعدم استقرار الوضع المعيشي، كل تلك الأمور ساهمت في تردي حال اللاجئين الفلسطينيين في سورية، خاصة في ظل عدم توفير حماية لهم، ما دفع بعضهم للسفر، وبعضهم الآخر تم تجنيده وزجه في الصراع العسكري، بينما آخرين بقوا محاصرين تمر عليهم الأيام منتظرين مساعدة من جهة ما ليسدون بها الرمق ومواصلة العيش رغم الحصار.