البرازيل - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
ساوباولو - أحمد أبو حسنة
على عادته يظل المجتمع البرازيلي متعطشاً دوماً للتعرف على الثقافة العربية وبالأخص الفلسطينية، ويعشق التفاعل معها. هذا ليس غريباً على مجتمع معروف بمواقفه المتضامنة مع الحق الفلسطيني على الصعيد السياسي والاجتماعي. فينظر البرازيليون بإعجاب واحترام كبيرين نحو المخزون الثقافي والتاريخي الذي يتمتع به "آخر شعب يعيش تحت الاحتلال في العالم”. نظرة يختلط فيها الواقع الذي يغنيه نضال الشعب الفلسطيني وأصالته، بالسحر الذي يستحضره مصطلح "الشرق" في الخيال الشعبي البرازيلي.
شهد يوم السبت، الخامس من تشرين الثاني- نوفمبر الجاري، احتفالاً بالثقافة الفلسطينية في أحد مقرات مؤسسة سيسك (SESC) الكائن في منطقة "فيلا ماريانا" في ساو باولو. وسيسك هي "مؤسسة خدمات خيرية اجتماعية" أسسها رجال أعمال، وتم إشهارها في البرازيل في العام 1946. وتعنى المؤسسة بتقديم خدمات التعليم والصحة والترفيه والثقافة، ويستفيد العموم من بعض هذه الخدمات بشكل مجاني في أغلب الأحيان. ومؤخراً أتاحت سيسك خدماتها الصحية والثقافية للمهاجرين واللاجئين الذين قامت البرازيل باستقبالهم على أراضيها.
الاحتفال بيوم فلسطين جاء ضمن مشروع "ملاجئ ثقافية" والذي أقامته سيسك، وأتاحت نشاطاته بشكل مجاني للعموم، موفرة الفرصة للبرازيليين الراغبين بالتعرف على ثقافات اللاجئين المختلفة من أنحاء العالم.
تم افتتاح النشاط المخصص للتعرف على الثقافة الفلسطينية في قاعة الاحتفالات التي تتسع لحوالي مئتين وخمسين شخصاً. وقام لاجئون فلسطينيون بتقديم فقرات ثقافية وفنية مختلفة. ابتدأ النشاط بعرض لكيفية تحضير القهوة العربية بأدواتها التقليدية، وحاكى العرض الأجواء الفلكلورية التي تصاحب جلسات تحضير وتناول القهوة العربية في المجتمع الفلسطيني. فإلى جانب ما تتمتع به القهوة من أهمية بالغة، تتمحور حولها الحياة اليومية للبرازيلي، فإنها من جهة أخرى تحتل مكانة مميزة جداً باعتبارها إحدى علامات الضيافة والترحاب في المجتمع الفلسطيني. أضف إلى ذلك، الطعم والرائحة المميزة التي يضيفها "الهال" الذي تفتقده القهوة البرازيلية، ليشكل سراً لنكهة خاصة يحب البرازيليين إعادة تجربتها مراراً. وخاصة مع السحر الخاص الذي يضفيه مصب القهوة النحاسي، إحدى العلامات المميزة للقهوة العربية.
سحر القهوة استكملته رحلة الشعر. فتم إلقاء حوالي عشر قصائد فلسطينية لشعراء فلسطين العظام أمثال "محمود درويش، مريد البرغوثي وفدوى طوقان" وآخرين. قام منسق النشاط من الجانب الفلسطيني السيد "أمجد ملحم" مع منسقي النشاط البرازيليين، باختيار القصائد التي تتمتع بترجمة برتغالية، تحافظ على المعنى الأصلي بأفضل شكل. وتم إلقاء القصائد باللغتين العربية والبرتغالية بشكل مباشر على أسماع الجمهور، الذي وصل إلى مكان الاحتفال حاملاً بين يديه وفي وجدانه القصائد المقررة والمعلن عنها بشكل مسبق.
يقول أمجد بلهجته الفلسطينية "مش مشكلة المكان.. ساو باولو كبيرة وواسعة.. بنتدرب بالشارع".
"أمجد ملحم" كان بدأ مع أصدقاء له في الملجأ البرازيلي بالعمل على إعداد فرقة للدبكة الشعبية الفلسطينية منذ حوالي السنة، وقد تشارك مع صديقه "زاهر حمزات" تأسيس المشروع، الذي يعاني من عدة صعوبات تبدأ من التمويل، حيث لا جهة داعمة لجهة توفير الملابس أو حتى مكان للتدريب، يقول أمجد بلهجته الفلسطينية "مش مشكلة المكان.. ساو باولو كبيرة وواسعة.. بنتدرب بالشارع". ولا تنتهي هذه الصعوبات عند عدم توفر الوقت لشباب يعمل ويكافح في سبيل تأمين لقمة العيش. فيما أضاف زاهر حمزات: "نقوم باقتطاع مبالغ صغيرة من رواتبنا.. بعد فترة قريبة، سيكون لدينا القليل من المال ليساعدنا في تطوير الفرقة ونشاطها ومستواها".
زاهر الذي قام بتقديم لمحة تعريفية حول فن الدبكة خلال النشاط، معرفاً الجمهور بتاريخها وتطورها مع الزمن، ومبرزاً الإضافات التي جعلت من الدبكة أسلوب مقاومةٍ وحفاظٍ على التراث والهوية الفلسطينية، قاد الفرقة التي بدأت بتقديم عروض دبكة فلسطينية متنوعة، وسط تفاعل قوي من الجمهور الذي أعجب برقصات الدبكة، وتناغم حركات الراقصين، وما لبث أن بدأ يشارك الراقصين في عروض الدبكة! يقول أمجد بأنه "كان أكثر من مندهش وسعيد في الوقت نفسه"، لما رأى من تفاعل الجمهور البرازيلي مع حركات الدبكة"، وأضاف "مشاركة البرازيليين لراقصي الدبكة، كان دليلاً مهماً لنا على أن ثقافتنا موجودة ومنتشرة ولا تزال حاضرة، والأهم أنها محبوبة ومطلوبة".
ولن ينسى أمجد أن "الجمهور بقي متواجداً في مكان الاحتفال ويرغب باستمراره إلى ما بعد ساعة انتهاء النشاط بفترة مطالباً بتمديد العروض واستمرارها". فيما يأسف أمجد "لعدم اهتمام البعض بهذه الثقافة التي يجب حمايتها والحفاظ عليها". خاصة أنها بمثابة"بطاقة هوية عابرة للقارات.. لكل الحدود ولكل الثقافات".
سيسك التي استضافت ضمن مشروع "ملاجئ ثقافية" أياماً ثقافية من سورية، ومن جمهورية الكونغو الديمقراطية في وقت سابق من هذا العام، مستمرة في تأمين "ملاجئ" أخرى لثقافات اللاجئين إلى البرازيل هذا العام، لتعزيز التواصل بين اللاجئين والبرازيليين. وهذا سيساعد اللاجئين في التعريف على ثقافتهم وتسهيل تقديمها لمضيفيهم.
في سياق متصل، أقامت مؤسسة "بيت الورود" في ساو باولو، في الشهر الماضي أمسية شعرية ألقيت فيها قصائد للشاعر محمود درويش، مع حضور لأغاني وطنية وتراثية فلسطينية أدتها المغنية الفلسطينية "علا الصغير" يرافقها على العود الفنان الفلسطيني "عبد السلام السيد" والفنان البرازيلي "ليوناردو بيانشيني". وشهدت الأمسية حضوراً عربياً وبرازيلياً لافتاً.
شاهد الفيديو :