ليست كطقوس العيد في غير مكان من العالم

العيد في مخيم العرّوب.. آمال بالعودة وتحية أمهات الشهداء لأبنائهن

الجمعة 07 يونيو 2019
من أجواء العيد في مخيم العرّوب - الخليل - تصوير ساري جرادات
من أجواء العيد في مخيم العرّوب - الخليل - تصوير ساري جرادات

مخيم العرّوب - الخليل 

بتكبيرات "الله أكبر" يبدأ اللاجئون الفلسطينيون في مخيم العرّوب في الخليل جنوبي الضفة الفلسطينية المحتلة عيد الفطر، كباقي نظرائهم من المسلمين في باقي أرجاء العالم.

ولكنهم ليسوا كغيرهم من باقي المسلمين والمجتمعات الأخرى في تحري أمنيات عيدهم وطقوسه، فلمجتمعات اللاجئين الفلسطينيين خصوصيتها التي فرضتها ظروف ما تعرض له أبناؤها من جيل النكبة والأجيال التي تلته، إذ غالباً ما يمثل العيد مناسبة لاستذكار ذلك العيد الذي كان في "البلاد" – وهو المصطلح الذي يطلقه اللاجئون الفلسطينيون على قراهم ومدنهم التي هجروا منها بقوة سلاح العصابات الصهيونية عام 1948 وتجاوز تعدادها وفق إحصائيات عدة 543 مدينة وقريةً – وما تلاها بعد ذلك من نكبات متتابعة -سببتها النكبة الأولى- وهذه الأخيرة تختلف من مخيم إلى آخر، فكل مخيم ذاق اللاجئون فيه نوع من أنواع المرارة والأسى، حسب ما يصفون بأنفسهم.

وفي حال مخيم العروب والمخيمات التي أقيمت للاجئين الفلسطينيين في الضفة قد لا تختلف النكبات عن تلك التي يعيشها أبناء الضفة بشكل جمعي.
 

اللاجئ الفلسطيني عبد الفتاح جوابرة - مخيم العرّوب 


 

يقارن اللاجئ الفلسطيني من قرية "عراق المنشية" إلى هذا المخيم عبد الفتاح جوابرة  - وهو من جيل النكبة – بين العيد في "البلاد" والعيد في المخيم، وكحال كل لاجئ ترجح كفة العيد في "البلاد" حيث البيوت الكبيرة و الأملاك الزراعية والمواشي التي تركوها وراءهم عام 48 ليعتبر أن العيد في المخيم "ذلاً وإهانةً".

يقيس هذا اللاجئ العيد بباقي أيام اللاجئين الفلسطينيين في المخيم بعدما أصبحوا "لاجئين" يعتمدون على المعونات الدولية وينتظرون حلاً لوضعهم الطارئ منذ 71 عاماً، بعد أن كانوا أصحاب أرض وعمل وبيوت في قراهم الأصلية.

ربما لم يشعر هؤلاء اللاجئون من جيل النكبة، ولو لمرة،  بحلاوة العيد طالما هم مهجرون بعيدون عن أرضهم بشكل إجباري، يعيشون على أمل العودة وإن طال.

عيد أمهات الشهداء يبدأ بزيارة أبنائهن

وككل الفلسطينيين في الداخل والشتات، باتت زيارة قبور الشهداء طقساً لا يُترك في الأعياد وباقي المناسبات.

تحمل أمهات الشهداء أكاليل الرياحين ويبدأن عيدهن بإلقاء التحية على أبنائهن في مقابر الشهداء، التي لا يخلو مخيم للاجئين من واحدة منها.
 

والدة الشهيد عمر ماضي 



هو أسلوب حياة وعيد بالنسبة لمن فقدن فلذات أكبادهن في سبيل قضية تربى معظم اللاجئين الفلسطينيين على تحمل متاعبها، والدفاع عنها، "فطالما هنالك احتلال، لا بد من أن يكون هنالك شهداء وجرحى وأسرى" تقول والدة الشهيد عمر ماضي، الذي استشهد عام 2016 خلال مشاركته في التصدي لقوات الاحتلال قرب مخيم العرّوب، وهو فتى لم يتجاوز السادسة عشر من عمره.

رصاصة قناص إسرائيلي في تلك المواجهات التي فرضتها - عربدة المستوطنين وحماية جنود الاحتلال لهم-

كانت كفيلة لأن تتحول هذه الأم الفلسطينية إلى واحدة من "أجمل الأمهات" كما يصف الشاعر الفلسطيني "محمود درويش أمهات الشهداء.

هذه الأم  تقول لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين بدموع الشوق لأبنائها: إنها والدة لشهيد وأسير وجريح.

هي ظروف الاحتلال تفرض على هؤلاء الأمهات أن يختلفن عن غيرهن من باقي أمهات العالم، ويختلف عيدهن أيضاً، برضى يملؤه اليقين تضيف لموقعنا أن "مسيرة المقاومة هي نهج حياة الفلسطينيين واللاجئين خصوصاً، طالما أن الاحتلال موجود يمارس سياساته العدوانية ضد أبناء الشعب الفلسطيني".

 لا تيأس والدة الشهيد خالد جوابرة من إمكانية تحقيق النصر و العودة، هكذا تخبر بوابة اللاجئين الفلسطينيين متربعة قرب قبر ولدها الذي استشهد عام 2015، خلال تصديه لقوات الاحتلال على مدخل مخيم العرّوب.

تصر بلغة الخبير بتفاصيل القضية، - وهي من نذرت أبناءها لهذه القضية – أن أمانيها لن تتحق طالما بقي هناك انقسام سياسي في الساحة الفلسطينية.

في مقابر الشهداء داخل مخيمات الفلسطينيين حيث الأمهات الثكالى، من الصعب جداً أن تجد من يرضى بأقل من التحرير والعودة حلاً لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فعلى قدر التضحيات تكون التطلعات.

بلغتها البسيطة تعبر والدة الشهيد جوابرة عن هذه المعادلة التي لم تستوعبها القيادة الفلسطينية الحالية، أو صانعي السياسات في المنطقة والعالم " بالنسبة لصفقة القرن هاي، بالنسبة للشعب الفلسطيني، عوائل الشهدا ..عوائل الأسرى .. عوائل الجرحى، أصلاً إحنا مش شايفينها، ولا  أحنا سامعينها، ولا عم نفكر فيها ولا عمرها رح تصير بالنسبة إلنا، لو مهما صار ، لو منفقد كل أبنائنا"
 

والدة الشهيد خالد جوابرة 



ظروف اللاجئين تفرض أمنيات سياسية في العيد

في صبيحة العيد داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين،حيث تتناثر صور الشهداء على الجدران، لا يوجد أناس عاديون بأحلام عادية تتمثل في المسكن اللائق والعمل والدخل الجيد.

فكيف ما تدير وجهك في ذلك الصباح الممزوج بين الروحاني والواقع تجد أمنيات مختلفة تتردد في صدور ساكني هذه المخيمات، تجد أسرى محررين و جرحى لم تنل انتهاكات الاحتلال من عزيمتهم، ولاجئون تربوا في المخيم على أنه مكان مؤقت وأن عليهم يوماً بذل ثمن ما من أجل ما نشؤوا على ضرورة أن يتحقق.

يستذكرون الأسرى في سجون الاحتلال، ومعظمهم خبر تجربة الأسر.
 

أحد الجدران في مخيم العروب - الخليل 



الأسير المحرر من أبناء المخيم عامر أبو عفيفة تختلط لديه مشاعر الفرح بالعيد مع مشاعر الحزن على أسرى مازالوا في قبضة السجان الإسرائيلي.

والأسير المحرر صامد جوابرة لا يمتلك أمنيات شخصية بقدر ما يتمنى أن "يجد يوماً ما صفاً فلسطينياً موحداً، يواجه المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها قضية اللاجئين" .

 وتختلط أمنية اللاجئ في المخيم فتحي البدوي بين الشخصي والعام، طالما معيشة اللاجئ الفلسطيني تعتمد في معظمها على ما تقدمه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" له، وطالما أن عمل الوكالة بات مرهوناً لحسابات سياسية، تفرض استمرارها مقابل تقديم تنازلات، أو لا استمرار لها، ولا داعي لتمويلها – كما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينما أوقفت تقديم الالتزامات الأمريكية للوكالة العام الماضي 2018-  ضمن ما بات يعرف بـ "صفقة القرن" التي تحاول إلغاء صفة اللاجئ عن اللاجئين الفلسطينيين، وتحيلهم كل في منفاه إلى منتمي أصيل لهذا المنفى، وبهذا تنتهي قضيتهم.

هو السيناريو الأمريكي – الإسرائيلي المرسوم لهؤلاء اللاجئين في مخيم العروب وغيرهم، لا شك من سيزور هذه المخيمات ويلتقي أهلها، سيؤمن بحتمية فشله، فهؤلاء اعتادوا على الشهادة والأسر و دفع الأثمان، ترى كل ذلك في وجوه خرج أصحابها للاحتفاء بالعيد، الذي لا يشبه غيره من الأعياد في باقي بقاع الأرض.

شاهد الفيديو 

 
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد