الوليد يحيى
اللافت في تصريحات وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان خلال مؤتمره الصحفي، الذي عقده اليوم الخميس 18 تموز/ يوليو، في ساحة النجمة وسط العاصمة اللبنانية بيروت، استدعاءه لتوصيات لجنة الحوار الفلسطيني اللبناني عام 2017، بقوله: "نحن نطبق التوصيات التي رفعتها اللجنة التي تشارك فيها كل الأحزاب اللبنانية إلى مجلس الوزراء".
وهي مغالطة لافتة للسيّد الوزير، حيث أنّ تلك التوصيات، التي صدرت ضمن وثيقة وقّعت عليها معظم الأحزاب اللبنانية المشاركة في الحكومة حينها، لم تبصر النور حتّى هذه اللحظة، ولم تصدر أيّة مراسيم تنفيذيّة بخصوصها من قبل مجلس الوزراء، ما يثير تساؤلات حول حديث الوزير عن تطبيقه لإجراءات لم تدخل حيّز التنفيذ منذ إقرارها بالأساس!
توصيات ما تزال حبيسة الادراج؟
وتضمّنت وثيقة لجنة الحوار التي رفعت إلى رئيس الحكومة اللبنانية حينها تمام سلام، خمس توصيات أساسية، أهمّها توصيتان تتعلقان بقانونين عدّلت بموجبهما مادتين بقانوني العمل والضمان الاجتماعي.
تحتوي الأولى، مقترحات لتنظيم تطبيق القانون 129 الصادر عام 2010 المتعلّق بتعديل المادة 59 من قانون العمل، والذي نصّ على أن " يستثنى حصراً الأجراء الفلسطينيون المسجّلون فقاً للأصول في سجلات وزارة الداخلية والبلديات_ مديريّة الشؤون السياسية للاجئين، من شروط المعاملة بالمثل ورسم إجازة العمل الصادرة عن وزارة العمل".
أمّا الثانية فتتعلّق بالاتفاق على تفسير القانون رقم 128 الصادر بنفس العام، والذي عُدّلت بموجبه المادّة 9 من قانون الضمان الاجتماعي، ونصّ على أن "يخضع اللاجئ الفلسطيني العامل المقيم في لبنان، إلى أحكام قانون العمل اللبناني لجهة حصوله على تعويض نهاية الخدمة، واستثناءهم من تقديمات صندوقي ضمان المرض والأمومة والتقديمات العائلية"، وذلك وفق صيغة يسدد بموجبها رب العمل 8.5% من راتب كل عامل فلسطيني لديه لقاء إفادته من تعويض نهاية الخدمة.
الّا أنّ أيّاً من تلك التوصيات لم تصدر بمراسيم تنفيذيّة من قبل مجلس الوزراء، ما يجعلها حبراً على ورق.
ماذا تعني تصريحات الوزير؟
وبغض نظر قسري عن مغالطة الوزير أعلاه، لم يتجاوز الوزير أبو سليمان الصدق، حين نفى صدور أي قرارات عنه، في سياق حملة " مكافحة العمالة غير الشرعية" تستهدف بشكل خاص اللاجئين الفلسطينيين، الّا أنّ حملته قد تجاهلت بالأساس، وجود قوانين صادرة عن مجلس النواب ومصادق عليها من قبل رئيس الجمهوريّة اللبنانية عام 2010، تفرض عدم مساواة العامل الفلسطيني اللاجئ في لبنان بالعامل الأجنبي، لجهة الإجراءات المرعيّة التنفيذ، بخصوص تنظيم العمالة الأجنبية وفق القانون اللبناني.
كما لم يشر الوزير في تصريحاته خلال الأيام الفائتة، التي وصفها البعض بـ " التوضيحيّة" لأي استثناء للعامل الفلسطيني اللاجئ، من إجراءات مفتّشي الوزارة، والتي ظلت وعوداً كلامية وبغرف مغلقة لسفير السلطة الفلسطينية أشرف دبور كما ورد من تسريبات بعد اجتماع الرجلين في 15 تموز/يوليو الجاري - على الأقل إلى حين إقرار مرسوم وزاري لتنفيذ توصيات لجنة الحوار حول تعديلات القوانين المشار إليها أعلاه - إنّما استمر في الذهاب نحو التأكيد على تطبيق القانون، دون التنويه لخصوصية اللاجئين الفلسطينيين، ما عكس في أذهان هؤلاء اللاجئين، إصراراً من قبله على قضم خصوصيتهم، والمضي قدماً في شملهم بإجراءاته التعسفيّة التي فجّرت غضب المخيّمات.
لذلك، يرى مراقبون أنّ تصريحات الوزير خلال مؤتمره الصحفي، لا تعني أنّ تغييراً ملموساً سيطرأ على أرض الواقع، في التعاطي القانوني مع العمّال اللاجئين، طالما لم يُصار إلى إقرار مراسيم تنفيذيّة صريحة من قبل مجلس الوزراء، تُدخل التعديلات أعلاه حيّز التنفيذ، كما لم يصدر عن الوزير تعميماً رسمياً لمفتشي وزارته، بأن يغضّوا النظر عن العمّال الفلسطينيين وأصحاب العمل، خلال حملاتهم، الأمر الذي يدفع اللاجئين بالتشكيك بتصريحات الوزير رغم ما احتوته من عبارات إطراء وطمأنة، واندفاعهم نحو إعلان استمرارهم في الحراك حتى إحداث تغيير ينعكس بشكل ملموس على أوضاعهم القانونية إزاء حقّهم في العمل.
زياد عارف يعيد فتح مؤسسة بتعهد
في خطوة عززت الشكوك في أوساط اللاجئين الفلسطينيين، حيال نوايا وزارة العمل، في مضيها الجدّي نحو مقاربة قانونية مرضيّة في خضم الأزمة الراهنة، التي رافقت تطبيق حملة "مكافحة العمالة غير الشرعيّة".
سمحت الوزارة اليوم بإعادة افتتاح مؤسسة عارف للسيراميك في الكورة -والتي جرى إغلاقها بالشمع الأحمر يوم 12 تموز/ يوليو الجاري، في سياق حملة الوزارة بذريعة عدم حصوله على إجازة عمل- وذلك بعد توقيع صاحب المؤسسة الفلسطيني زياد عارف على تعهد بالالتزام بأي قانون مقبل، يتم الاتفاق عليه في الحوار الفلسطيني اللبناني، وفق ما قال عارف لـ " بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
وأكّد عارف أنّ الوزارة لم تطلب منه أيّة إجراءات جديدة، سوى انتظار ما سينتج عن الحوار لتطبيقه، ما اعتبره البعض إجراءً تسكينيّاً، وإحالة إقرار حقوقهم إلى الزمن، وتهدئة غضب المخيّمات، والتي كان إغلاق المؤسسة أحد مفجّريه، بالإضافة لمحاضر إغلاق ومنع قد حُررت، رآها اللاجئون بداية لحملة واسعة، لا حلّ لها سوى إقرار كامل وشامل للحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى حين تجسيد حلّ عادل لقضيتهم، لا يرونه سوى بعودتهم إلى فلسطين.
نجاعة الاحتجاجات في تحريك المياه الراكدة
فقد بدا واضحاً، أنّ ضجيج الاحتجاجات وفاعلية الإضرابات في المخيّمات، وبروز مدى تأثيرها في عموم الفاعلية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وما خلّفته من مساعِ و اتصالات وجولات مكوكيّة لأطراف فلسطينية ولبنانية، تجري لمقتضى احتواء الأزمة، نبّهت الوزير والحكومة اللبنانية، أخيراً لتعديلات القوانين والتوصيات بخصوصها، والتي شكّلت له، ضفّةً يتراجع نحوها بشكل مرتبك، فهل يصحح زلّته بحديثه التبريري، عن أنّه يطبّق ما هو غير مطبّق قانوناً، بالسعي نحو تحرير التوصيات أعلاه من الأدراج، والدفع بها نحو طاولة مجلس الوزراء لإقرارها؟
وفي تساؤل أخر.. هل يعتبر اللاجئون الفلسطينيون إقرار تلك التوصيات كافياً؟