محمد حامد – اسطنبول
حالة من القلق والتوتر تسيطر على فلسطينيي سوريا الذين لا يحملون وثيقة حماية مؤقتة (الكملك) في تركيا، قبيل ساعات من دخول وقت انتهاء المهلة الذي منحته لهم السلطات التركية قبل ترحيلهم إلى الشمال السوري، حيث تسيطر المعارضة المسلحة.
وكذلك بالنسبة للذين يحملون (كملك) صادرة عن ولايات أخرى، حيث تنتهي غداُ في 20 آب/ أغسطس، المهلة المحددة للهم للعودة إلى الولايات التي صدر منها الكملك الخاص بهم.
هذا القلق دفع اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى تركيا إلى تجديد مناشدتهم التي حملت عنوان (#بكفي_نكبات)، وطالبوا فيها المعنيين من سفارة السلطة في أنقرة والفصائل والمؤسسات الفلسطينية، بتحمل مسؤولياتهم، غير منكرين الجهد الذي بذله سفير السلطة في أنقرة، فائد مصطفى، والجمعية التركية للتضامن مع فلسطين " فيدار"، لحل أوضاعهم، لكن هذه الجهود لم تثمر شيئاً حتى اللحظة.
بانتظار الرد التركي
وفي ظل غياب السفير مصطفى عن تركيا هذه الأيام، تلقى موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين رداً من السفارة، بأنها ما تزال في انتظار جواب الجانب التركي على الطلبات التي قُدمت بخصوص تسوية وضع فلسطينيي سوريا والنظر في خصوصية حالهم.
وكان مصطفى أشار، في تصريح سابق لموقعنا، إلى أن السفارة ستواصل عملها بهذا الخصوص مع الجهات الرسمية المسؤولة عن هذا الملف، ولن تتوقف سواءً في إسطنبول أو في أنقرة، وتسعى لطرق كل الأبواب وبذل كل جهد ممكن من أجل تسوية وضعهم القانوني والتخفيف من معاناتهم، ومعالجة الوضع القانوني لهم في تركيا.
كذلك الأمر بالنسبة لـ "فيدار" إذ تلقى موقعنا جواباً منها بأنها في انتظار عودة السفير من فلسطين، ومتابعة نتيجة لقاءاته مع رئيس بلدية اسطنبول.
وقال مسؤول ملف اللاجئين والعودة في الجمعية، ابراهيم العلي: "نحن في الجمعية التركية للتضامن مع فلسطين "فيدار" نتابع باهتمام جميع حالات التوقيف والاعتقال الناتج عن عدم امتلاك بطاقة الحماية المؤقتة "الكيملك"، التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون داخل مدينة اسطنبول للحيلولة دون أية عملية ترحيل من خلال التواصل مع المؤسسات الرسمية والحقوقية التركية، كما أن الحراك من قبل المؤسسات الأهلية والرسمية الفلسطينية مستمر، ونأمل أن تشهد الأيام القادمة قرارات تصب في مصلحة اللاجئين عموماً وتخفف من معاناتهم".
شهادات
بوابة اللاجئين الفلسطينيين التقى عدداً من اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا المتضررين من الحملة التركية الأخيرة.
محمد محمود، موظف في مؤسسة تركية تعمل في إسطنبول، يحمل بطاقة حماية صادرة عن ولاية هاتاي. توقف عن العمل منذ بدء حملة السلطات التركية خوفاً من الترحيل إلى ولاية هاتاي الحدودية حيث لا عمل له هناك.
يقول محمد: "اليوم أنا بلاعمل، لا أستطيع الخروج من المنزل بسبب الحملة الأمنية التي تقوم بها السلطات التركية، كل ذلك لأنني لا أملك بطاقة حماية صادرة عن ولاية إسطنبول، على الرغم من تقديم طلب لنقل قيود الكمليك إلى إسطنبول إلا أن إدارة هجرة الأجانب رفضتها وأبلغتني بضرورة العودة إلى ولايتي وإلا سيتم ترحيلي إلى الشمال السوري".
يضيف: "أنا متزوج، ولدي طفلان، إذا بقيت في المنزل وبدون عمل ، لن أستطيع إطعام أولادي وتأمين أدنى مقومات العيش لهم، وفي حال عُدت إلى ولاية هاتاي لن استطيع أن أجد عملاً، ماذا أفعل؟".
لا تقل حال محمد سوءاً عن حال اللاجئ الفلسطيني، صافي عبدالله، والذي يتجرع الأمرين بسبب عدم امتلاك بطاقة حماية أصلاً، حيث إنه دخل نهاية العام 2018 إلى الأراضي التركية، ولم يستطيع تحصيل (كملك) بسبب إيقاف إدارة هجرة الأجانب منح بطاقات الحماية في عدة ولايات من بينها إسطنبول.
يقول صافي: "لقد عجزت عن تحصيل (كملك)، أخبروني أنه يجب عليّ الذهاب إلى مدينة بورصة لاستصدار كمليك من هناك، بورصة تبعد عن إسطنبول حوالي 3 ساعات بالسيارة، يجب على أخذ موعد مسبق عن طريق السماسرة بتكلفة 500 ليرة على العائلة، كما أن السيارة تأخذ ذات المبلغ تقريباً لتقلنا إلى بورصة، لم أعد أعرف ماذا أفعل، هل أعود إلى سوريا حيث القصف ينتظرني، أم أتوجه إلى بورصة على الرغم من عدم قدرتي على العيش فيها بسبب غلاء المعيشة فيها وقلة فرص العمل."
اللاجئ الفلسطيني، وائل عبدالحفيظ، يقول: لقد سُرقت الحقيبة التي تضم كل أوراقي الثبوتية، ولم يبق معي شيئاً يثبت هويتي، سوى صورة بطاقة الإقامة المؤقتة الصادرة عن الحكومة السورية، لقد توجهت قبل فترة إلى القنصلية الفلسطينية في إسطنبول لمساعدتي بإصدار جواز سفر سلطة، لأستطيع التعريف عن هويتي في حال تم توقيفي، إلا أنهم رفضوا صورة الهوية، وطلبوا مني إخراج قيد صادر من النفوس في دمشق، ومصدق من سفارة السلطة في دمشق، الأمر الذي يستحيل تحصيله، بسبب عدم وجود أحد من عائلتي في سوريا، بالإضافة إلى التكلفة المادية العالية التي سأتكلفها، وليست باستطاعتي".
أم سامر، لاجئة فلسطينية، دخلت هي وعائلتها إلى تركيا في عام 2018، بعد تهجيرها من جنوب دمشق، بعد اتفاق المصالحة الذي تم في شهر نيسان من نفس العام، بين المعارضة السورية والنظام، مثلها مثل كل اللاجئين الذين دخلوا في نفس الفترة، لا يملكون بطاقات الحماية المؤقتة "الكمليك"، تقول أم سامر: "أفكر جدياً بالهجرة مع عائلتي إلى اليونان، لكني متخوفة من ركوب البلم، لابد من المغامرة لتأمين حياة جيدة لأطفالي".
يذكر أن دائرة الهجرة في اسطنبول، قد أمهلت اللاجئين ممّن يحملون "الكملك" الصادر عن ولايات أخرى، لغاية 20 آب/ أغسطس الجاري، لمغادرة المدينة، في إجراء من شأنه إحداث الضرر بالعشرات من المرتبطين بأعمال ومصالح داخل المدينة منذ سنوات.
نظرة عامة على الوضع القانوني
يعيش اللاجئون الفلسطينيون السوريون في تركيا وضعًا قانونياً مضطربًا نظرًا لصعوبة تسوية أوضاعهم القانونية بشكل طبيعي حال أخوتهم السوريين، حيث تتعامل السلطات التركية مع "وثيقة السفر للفلسطينيين" كوثيقة سوريّة، ولا تنظر لخصوصية وضعهم كلاجئين فلسطينيين في سوريا، وسببّ هذا الأمر حالة ضبابية في التعامل مع ملف نزوحهم حتى عام 2015 فموضوع الإقامات واللجوء السوري والفلسطيني حتى بداية آب/ أغسطس من عام 2014 كان عن طريق فروع "الأمنيات" وهي جهة أمنية تتبع لوزارة الداخلية، وذلك قبل أن تصدر حزمة قوانين جديدة، منها ما نص على نقل ملف اللاجئين بالكامل إلى إدارة جديدة استحدثتها لهذا الغرض هي الإدارة العامة للهجرة، والتي استحدثت مباشرة نتيجة التقدم الحاصل في المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي لحسم ملف اللاجئين مقابل منح المواطنين الأتراك حق الدخول إلى أوروبا دون تأشيرة.
مع بداية شهر تموز /يوليو 2019، الفائت بدأت مرحلة جديدة من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في تركيا، بعد أن استحدثت الحكومة التركية عدة إجراءات في مدينة إسطنبول تحد من حركة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، وصلت إلى حد الترحيل إلى الشمال السوري، مما جعل العديد من اللاجئين يتركون أعمالهم ويلتزمون منازلهم خوفاً من هذا السيناريو الذي يتربص بهم.
وجاءت هذه القرارات بعد تصريح وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، بترحيل 45 ألف مخالف من مدينة إسطنبول من بينهم آلاف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين غير الحاصلين على كملك من ولاية إسطنبول إلى ولاياتهم التي قدموا منها أو إلى الشمال السوري في حال لم يملكوا إقامة لجوء.
هذه الإجراءات، خلفت وجود مئات اللاجئين الفلسطينيين السوريين الذين لا يملكون وثيقة الحماية المؤقتة أو إقامة اللجوء "الكمليك"، الأمر الذي جعلهم مهددين بالترحيل إلى الشمال السوري، المكان الذين هربوا منه بسبب القصف والدمار وصعوبة العيش، في ظل غياب استقبالهم كلاجئين في أي دولة اخرى.
حملات للضغط على المستوى الرسمي والفصائلي الفلسطيني
أُطلقت عدة حملات إعلامية لإلزام الجهات الرسمية الفلسطينية والفصائلية بواجباتها الوطنية والأخلاقية تجاه اللاجئين الفلسطينيين من سوريا والمهجرين إلى تركيا، وإنهاء معاناتهم وتسوية أوضاعهم القانونية.
موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين كان أول العاملين مع مجموعة ناشطين حقوقيين وإعلاميين، على إطلاق حملة إعلامية بتاريخ 19 تموز/ يوليو 2019، للضغط على سفارة السلطة الفلسطينية والمؤسسات والمنظمات الفلسطينية للوقوف عند مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين من سوريا والمهجرين إلى تركيا، والذين تأثروا بالقرارات التركية بتغريم وترحيل كل من لا يملك إقامة حماية مؤقتة أو لجوء "كملك" من السوريين والفلسطينيين وغيرهم.
وبتاريخ 4 آب / أغسطس 2019، أعاد ناشطون إطلاق حملة تحت عنوان " #بكفي_نكبات " للفت الأنظار على قضيّة الموقوفين من فلسطينيي سوريا في تركيا، ولمطالبة سفارة السلطة الفلسطينية، وجميع المؤسسات والهيئات الفلسطينية العاملة على الأراضي التركيّة للتدخل، من أجل وقف شمل فلسطينيي سوريا في الحملة التي بدأتها السلطات التركية بتغريم وترحيل من لا يملكون وثيقة الحماية المؤقتة "الكملك"؛ كونهم فارين من جحيم الحرب في سوريا، ولا مكان آخر يلجؤون إليه.
حيث أن السلطات التركية، قد شرعت بحملة اعتقالات ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين السوريين، سواء ممن يحملون بطاقة الحماية المؤقتة "الكملك"، الصادرة عن ولايات أخرى غير اسطنبول، ويقيمون حالياً في اسطنبول، أو لا يحملونها، وفق ما ورد لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين.
كانت قد شاركت مجموعة من المؤسسات الإعلامية والحقوقية والأهلية الفلسطينية العاملة في تركيا، وعدد من ناشطي المجتمع المحلي المتحدثين باسم العائلات الفلسطينية السورية في اسطنبول، يوم 1 آب /أغسطس 2019، في مدينة إسطنبول، في اجتماع يهدف لوضع خطط تحركات من أجل إنهاء معاناة آلاف اللاجئين الفلسطينيين السوريين المتضررين من الإجراءات الأخيرة للسلطات التركية، والعمل على تسوية أوضاعهم القانونية والإنسانية.
وتم نقاش أبرز المشكلات القانونية والأمنية التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا، بعد القرارات الأخيرة التي استحدثتها الحكومة التركية والتي بدورها تهدد اللاجئين الفلسطينيين بالغرامة والترحيل، والأوضاع التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون منذ بداية خروجهم قسراً من مخيماتهم إلى مخيمات الشمال السوري في مخيمي دير بلوط والمحمدية، وعدم قدرة عدد منهم العيش في هذه المخيّمات التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة، الأمر الذي اضطر العديد منهم إلى الدخول إلى تركيا بطرق غير شرعية وتكاليف مادية عالية للعيش في مكان آمن بعيداً عن الخطر الذي يهددهم في مناطق الشمال السوري، والتي تعاني من مشكلات أمنية، كالخطف والقتل وغيرها. وتسهيل سفارة السلطة الفلسطينية اجراءات استخراج جواز السفر الفلسطيني للاجئين بشتى الطرق وبدون أي تكاليف مادية ومعنوية، وإيجاد آلية لتسهيل استصدار إذن العمل للاجئين الفلسطينيين والسماح لهم بالعمل، وخلق آلية للعمل على حل المشكلات القانونية للاجئين قبل تفاقمها، والبحث عن فرص إيجاد صيغة حماية للاجئين، والعمل على ضرورة وجود خط ساخن مع السلطات التركية لتدارك جميع المشاكل المحتملة.
واتفقت على تعزيز سبل التعاون لحل هذه المشكلات وعدم تراكمها، واعتماد خط ساخن للتواصل من خلاله مع جمعية فيدار في حال التعرض للتوقيف أو الترحيل.
الجمعية التركية للتضامن مع الشعب الفلسطيني" فيدار"
يذكر أن جمعية "فيدار" وبعد عدة اجتماعات سابقة قد عملت على تقديم ورقة تشرح وضع اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا منذ بداية لجوئهم إلى سوريا عام 1948 وحتى لحظة دخولهم إلى تركيا، الأمر الذي لاقى تجاوباً من المستشار التركي، أحمد داوود أوغلو، عام 2015 في وقتها، والذي قدم تسهيلات عديدة للاجئين الفلسطينيين السورين في تركيا بعد عدة شهور من العمل على الموضوع، ووضعهم في خانة اللاجئين السوريين ومعاملتهم بالمثل، ومنحهم وثائق الحماية المؤقتة، مما جعلهم يستفيدون من الخدمات التي تقدمها الحكومة التركية للاجئين من طبابة وتعليم وإعفاء من الضرائب وتسهيل العمل على الأراضي التركية.
في الوقت الراهن قدمت جمعية فيدار كل ما بجعبتها من خدمات، لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا والمهجرين إلى تركيا للتخفيف من معاناتهم، حيث خصصت الجمعية رقم هاتف ساخناً للتواصل مع اللاجئين الفلسطينيين في اسطنبول في حال تعرض أي لاجئ للتوقيف أو الترحيل بسبب عدم امتلاكه وثيقة حماية مؤقتة "الكملك" والاتصال على الرقم التالي: 00905396801508 خلال الدوام الرسمي من الساعة 10_ 5 مساءاً، أو ترك رسالة واتساب بعد الساعة الخامسة مساءًا.
أعداد واحصائيات
لابد من الإشارة هنا، إلى أن أغلب اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا من مخيمي خان الشيح واليرموك، الذين تهجروا من مخيماتهم بفعل قصف النظام الهمجي، الذي تسبب بتوقيع اتفاق المصالحة بين قوات النظام المعارضة في المناطق التي تسيطر عليها الأخيرة، وقد قدموا إلى إسطنبول بسبب وجود أقارب لهم وتوفر فرص العمل وبحثاً عن حياة آمنة فيها، وبسبب توفر أغلب الخدمات وعلى رأسها الخدمات الطبية التي تقدمها المراكز السورية والعربية بشكل أسهل، وأن سبب عدم استخراجهم لوثائق الحماية المؤقتة كان بسبب عدم منح السلطات التركية وثائق الحماية في تلك الفترة.
يذكر أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا حوالي 2400 عائلة فلسطينية مسجلة، وموزعة على كل الأراضي التركية في الوسط والجنوب، وأن عدد العائلات المتواجدة في مدينة إسطنبول مايقارب حوالي 1200 عائلة فلسطينية، 500 عائلة تمتلك وثائق الحماية المؤقتة صادرة عن مدينة إسطنبول و400 عائلة منهم لا تمتلك أوراق الحماية المؤقتة "الكملك"، وأن أعداد العائلات التي تمتلك هذه الوثائق لكن من ولايات أخرى تجاوز ال300 عائلة.
كما يذكر إلى أن 1200 عائلة فلسطينية سورية في تركيا متوزعة ضمن المحافظات الجنوبية، حوالي 390 عائلة منها لا تمتلك وثائق الحماية المؤقتة.
وأن نسبة اللاجئين الفلسطينيين العاملين في مدينة إسطنبول قد تجاوزت ال 70٪ من جميع اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا بحسب إحصائيات جمعية خير أمة.