كتب يانيس بوروليس عن يديعوت احرنوت, ترجمة جبريل محمد
لا يشكل يهود الولايات المتحدة سوى 2% من الجسم الناخب فيها، لذا فحتى لو صوت كل التجمع اليهودي وفي اتجاه واحد ( وهو ما لايحصل)، فهم لا يستطيعون التأثير على نتيجة الانتخابات لتكون لصالح مرشح دون آخر، ورغم ذلك بقي "الصوت اليهودي" بندا يرافق الانتخابات الامريكية في دوراتها المختلفة ، كما يظهر انه لم يبذل جهد كبير لاجل كسب هذا التجمع الصغير.
الجواب الاسهل على السؤال: لماذا يحاول مرشحو الرئاسة خطب ود التجمع اليهودي؟ هو: اليهود هم الاخبار (Jews is news). ومن المهم ان نعرف لمن يمحض التجمع اليهودي دعمه، وما هو المزاج العام لهذا التجمع. لكن الاقتراب اكثر عبر فحص معمق يكشف اسبابا اخرى عديدة واساسية للمغازلة المستمرة لليهود.
تثير دراسة اجراها البروفيسور غيل تروي لبرنامج رودرمان لليهود الامريكيين في جامعة حيفا اسبابا عدة يمكن ان تقدم تفسيرا للتصريحات التي اطلقها كل من ترامب وكلينتون والمؤيدة لاسرائيل.
" يقول تروي وهو مؤرخ للرئاسات الامريكية ومحاضر في التاريخ في جامعة ماك غيل في مونتريال: " ان اليهود الامريكيين اثرياء، انهم مانحون كبار، ولديهم التزام سياسي". وحسب التقديرات فان المساهمة اليهودية في دعم المرشحين للرئاسة تصل الى 50% من حجم التبرع للمرشح الديمقراطي، و25% للمرشح الجمهوري.
واوضح تروي انه في الولايات المفتاحية والمتأرجحة والتي تحسم نتيجة الانتخابات هناك تركيز عال لليهود، ولهم تأثير معتبر بالنسبة لحجم التجمع الموجود. اضافة الى ان نسبة المصوتين بين اليهود تبلغ 85% من التجمع، بينما نسبة المشاركة العامة في التصويت على مستوى كل الولايات المتحدة تزيد قليلا عن 50%، وهذا يزيد من تأثير الصوت اليهودي.
سبب آخر يشبه ما يحصل في هوليود، هناك قليل من اليهود في مراكز مهمة في الولايات المتحدة وراء المشاركة اليهودية في حملات المرشحين، كما انه لا يوجد سوى عشرة يهود في مجلس الشيوخ، و19 في الكونغرس وثلاثة في المحكمة الفيدرالية العليا. من الصعب تجاعل هذا الحضور المهم لاعضاء التجمع اليهودي في مواقع سامية ، لان هذا الحضور له تأثير تراكمي مهم.
ويزعم تروي انه على المستوى العملي- عدا عن السياسي والمتعلق بالوعي- فان اليهود يلعبون دورا هامشيا فقط في معظم نتائج الانتخابات :" حتى لو كان ذلك بمعدل مشاركة عالي في التصويت، ووجود تركيز عال لليهود في بعض الولايات المفتاحية، فلا يوجد يهود كفاية للتأثير في الانتخابات".
اخبار جيدة لكلينتون
يستطيع مرشحو الجمهوريين ان يقدموا خطابا دافئا في ايباك، يحرجون نتنياهو ويقدمون تصريحات خادعة ضد ايران واعداء اسرائيل، لكن يوم الانتخابات سيكونون خائبين . فمنذ انتخابات عام 1928 كان معظم اليهود ليبراليين، وكان حوالي 70% منهم يصوتون للديمقراطيين.
بين تروي في دراسته ان التفسير الكلاسيكي لدعم اليهود للديمقراطيين هو الطابع الليبرالي لليهود. العقيدة اليهودية الاساسية مثل العمل الخيري، العدل والعدل الاجتماعي تجد تربتها الخصبة في الايدولوجية الليبرالية. اضافة الى ذلك فان معظم اليهود الامريكيين يعتبرون ليبراليتهم جزءا من التراث اليهودي- مثل قصة الخروج، الشمعدان الفضي، او " المصة" التي تخبزها الجدة (عبارة عن خبز دون خميرة، يكون صلبا ويأكله اليهود بدل الخبز قبل الفصح اليهودي).
تاريخيا كان روزفلت – ايقونة ليبرالية عظيمة- والذي اصبح موضع اعجاب ليهود الولايات المتحدة وضمهم للحزب الديمقراطي. ورغم ان الحزب الجمهوري اكثر تأييدا لاسرائيل من الديمقراطي، فان يهود امريكا استمروا في التصويت لل"يسار"، وهو ما يمثل عقليتهم وايدولوجيتهم وهويتهم الثقافية.
بهذا الشأن يرى تروي ان اليهود يتجهون الى التصويت للقيم الليبرالية اكثر من التصويت للمواقف المؤيدة لاسرائيل. هذا لا يعني ان اليهود الامريكيين ليسو مؤيدين لاسرائيل، بل بالعكس انهم يدركون ان الحزب الديمقراطي يتخذ مواقف قوية مؤيدة لاسرائيل.
ويوضح تروي بقوله: "اليوم واكثر من اي وقت مضى كثير من اليهود الامريكيين يتمسكون بليبراليتهم، انهم متحدون بسبب خوفهم من الانجيليين، من دونالد ترامب ومن حزب الشاي. ان ليبراليتهم تعرف من خلال الحرية والاستقلال".
كل هذا هو اخبار ممتازة لهيلاري كلينتون، التاريخ القريب ينبؤنا ان حوالي 70% من اليهود صوتوا لاوباما في فترتيه. هذا رغم نقاط الاحتكاك الكثيرة بينه وبين الحكومة الاسرائيلية، لقد صوتوا له بكثرة لتأييده للمساواة في الزواج، الرعاية الصحية، وموضوعات اخرى تقع ضمن الاجندة الليبرالية.
حزب المهذبين
خلال الانتخابات التمهيدية تنافست كلينتون مع بيرني ساندرز، وهو اليهودي الاول الذي يكسب في الانتخابات التمهيدية، ورغم انه يهودي، كانت رؤية ساندرز لاسرائيل قريبة من تلك التي يحملها اوباما. ان ساندرز يؤمن باسرائيل ولكنه قال "اننا نحتاج لمناقشة احتياجات الشعب الفلسطيني".
في المقابل، بقيت كلينتون محافظة على المواقف الكلاسيكية القوية المؤيدة لاسرائيل، لقد ادانت حماس، والارهاب وادانت ازدواجية ساندرز. ووقفت اثناء عضويتها في الكونغرس كمؤيد مخلص لاسرائيل والدولة اليهودية . كل ذلك يقول انه بالرغم من العنوان التاريخي " اليهودي الاول في..." كانت نتيجة الانتخابات التمهيدية نجاحا لكلينتون وحاصلة على ثلثي اصوات اليهود فيها.
الان وضعت كلينتون امام التوجه المستمر للحزب الجمهوري حيث يتنافس السياسيون ضد بعضهم ليظهروا ايهما يحب اسرائيل اكثر. لقد قال ترامب ما معناه انه لا يفهم كيف ان اصدقاءه اليهود يدعمون اوباما ماليا بينما هو غير مخلص لاسرائيل.
يوجد جواب معقد لسؤال ترامب هو ان الاسرائيليين سوف لا يحبون سماع: ان اغلب اليهود الذين يصوتون لا يضعون اسرائيل على رأس قائمة اهتماماتهم، انما يفضلون التمسك بليبراليتهم والتي لا يلبيها الحزب الجمهوري.
اضافة الى ذلك فان الثورة التي بدأت في عهد ادارة ريغان- والتي خلالها تم التماهي مع الانجيلية- طبعت الجمهوريين كحزب للمهذبين، ورغم تأييدهم لاسرائيل، فان هذه المجموعة لها اجندة داخلية والتي يراها كثيرون متعارضة مع الاجندة اليهودية.
كثير من الارثوذكس ، كثير من الجمهوريين
لم يجلب ترامب بذاته المصوت اليهودي التقليدي. وحسب تروي فان تصريحات المرشح السجالية ترتبط بالشخصية والاجندة الخارجية والداخلية، قد خلقت حاجزا ثقافيا واشمئزازا سياسيا تجاهه في اوساط الليبراليين اليهود. كثير من اليهود رأوه كتهديد وجودي ولم يترددوا بمقارنته مع هتلر. لقد سحر ترشيحه الاشباح العنصرية واللاسامية. مع كل هذا التهييج تمتعت كلينتون بمزايا مهمة من التصويت اليهودي، وبقي الاجماع اليهودي مواليا للديمقراطيين.
من الصعب ايجاد تقسيم كامل للاصوات اليهودية ، حيث ان حجم العينة صغير نسبيا. لكن دراسات سابقة اظهرت ان توزيع تصويت اليهود هو 70% للديمقراطيين و22% للجمهوريين وبين اليهود المتزمتين تختلف البيانات فهم الاكثر تصويتا للجمهوريين حيث حصل الجمهوريون على 57% من اصواتهم فيما حصل الديمقراطيون على 36% من هذه الاصوات. يلخص تروي: "نستطيع القول بشكل عام انه كلما كان اليهودي اورثوذكسيا اكثر كلما كان ميله للتصويت للجمهوريين اكثر".
نحن ضد من؟
اذا سألت الاسرائيليين ما الذي يشخص اليهودي برأيهم، سيكون الجواب " المحافظة". لكن في الولايات المتحدة سيكون الجواب عكسيا. ويشرح تروي ان ذلك يأتي من الاختلافات العميقة بين المجتمعين. " ان تاريخ اليهود الاسرائيليين لا يشبه تاريخهم في الولايات المتحدة. فبينما تكون التقاليد حاضرة في اسرائيل يوميا ويقوم الربابنة والمتشددين بدورهم في فهم اليهودية، فان اليهودية في الولايات المتحدة تعني الحق في الحرية والطوعية الكاملة في اقتفاء الرموز الدينية او التقاليد.
واضاف: " اليهود في امريكا سعداء بحريتهم، انه حلم يهودي قديم ان تكون كأي انسان آخر مواطنا في العالم الكبير. انه ليس موازيا لما نراه في اسرائيل او التحديات التي يواجهها اليهود في اسرائيل، ان القيم الليبرالية والتصويت للحزب الديمقراطي يعكسان مزاج اليهود الامريكيين".
يناضل تروي ليرى مستقبلا يترك اليهود فيه المعسكر الليبرالي جماعات فيقول: " منذ فوز ريغان عام 1980 كانوا يقولون ان الوقت قد حان ليعبر اليهود نحو الجمهوريين، لكن ذلك لم يحصل، صحيح ان هناك تصويت يهودي لليمين، لكنه منذ عام 2000 كنا نرى الليبراليون يزيدون، ان النظرة السائدة هي ان الليبرالية واليهودية متطابقتان.
" نحن نفكر دائما ب "لمن نحن"، لكن في بعض الاوقات يبرز السؤال : " ضد من نحن ؟ ". لقد جاء اليهود الى الولايات المتحدة مع بدايات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت باتوا احرارا، وهم يخافون من ان اليمين المسيحي واجندته يمكن ان تعيد الولايات المتحدة للخمسينات. اكثر من نصف اليهود يرون قيمة عليا في القدرة على ان يكونوا احرارا في حياتهم وهذا مهدد من قبل اليمين.
هناك مئات الآلاف من الاسرائيليين يحملون الجنسية الامريكية. وحينما سئل تروي هل كان هناك تصويت لاسرائيليين في الانتخابات الامريكية، اجاب انه يمكن رؤية بدايات على ذلك، نحن نحاول ان نبني هوية امريكية اسرائيلية، وعندما تكون واضحة في هذه الحالة نكون مؤيدين لاسرائيل ونلعب دورا مركزيا، وهذه قيمة مهمة في زمن الانتخابات. ان بعض المزج بين "المحافظة" والعلمانية يمكن ان يكون مفهوما اكثر لهذا التجمع".
يقول جي رودرمان، وهو رئيس مؤسسة عائلة رودرمان التي تعمل على تقوية الروابط بين اسرائيل ويهود امريكا: " اذا لم تكن اسرائيل القضية المركزية في التصويت في الانتخابات الامريكية، تبقى في نظرهم قضية مركزية، اغلب المصوتين اليهود يريدون انتخاب رئيس يدعم الدولة اليهودية. لان الولايات المتحدة هي الحليف الاكبر لاسرائيل، مهم للاسرائيليين متابعة وفهم السياسة الامريكية وتأثيرها عليهم".