ميونخ
يصادف اليوم 5 أيلول / سبتمبر الذكرى السابعة والأربعين لعملية ميونخ، إحدى العمليات النوعيّة التي نفّذتها منظمة «أيلول الأسود» الفلسطينية التابعة لحركة "فتح"، واستهدفت خطف رياضيين إسرائيليين لغرض مبادلتهم بأسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، وذلك خلال مشاركتهم في أولمبياد ميونخ في ألمانيا عام 1972.
خطط للعمليّة كلّ من صلاح خلف أبو اياد، الرجل الثاني في حركة "فتح"، ومحمد عودة "أبو داوود" قائد المنظّمة، وقاد الأخير تنفيذها بمجموعة من الفدائيين، عددهم ثمانية، نجحت في التسلل إلى القرية الأولمبية واقتحام مقر إقامة الرياضيين الإسرائيليين واحتجازهم، لتبدأ بعدها عملية التفاوض مع الأجهزة الأمنية الألمانية، بعد أن حاوطت المكان بعناصرها وقناصيها الذين اعتلوا أسطح المباني القريبة وبحضور وزير الداخليّة الألماني شخصيّاً.
طالبت منظمة «أيلول الأسود» حكومة الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق سراح 232 معتقلاً فلسطينياً، بالإضافة إلى الألمانيين أندرياس بادر وألريكه ماينهوف، أعضاء منظمة الجيش الأحمر اليسارية، والياباني كوزو أوكاموتو، عضو منظمة الجيش الأحمر الياباني، الذي شارك في عملية مطار اللد داخل فلسطين المحتلة في 30 مايو/أيار 1972.
استمرت المفاوضات على مدى 20 ساعة، لكن حكومة الاحتلال الإسرائيلي رفضت الموافقة على طلبات «أيلول الأسود»، واتفقت مع الحكومة الألمانية على محاولة تحرير المخطوفين، وهي المحاولة التي انتهت بشكل كارثي بعد مقتل جميع الرياضيين الإسرائيليين وشرطي ألماني، بالإضافة إلى استشهاد 5 من الفدائيين في «أيلول الأسود».
اشترط الفدائيون، أن يجري توفير طائرة خاصة لهم لنقلهم مع الرهائن إلى القاهرة، فاستجابت السلطات الألمانية لذلك، إلّا أنّها كانت تخفي خلف استجابتها نيّة إيقاعهم في الكمين الذي نصب لهم مسبقاً في مطار، "فورشينفليد بروك " العسكري، التابع لحلف شمال الأطلسي، حيث وصل الفدائيون بواسطة طائرتين مروحيتين نُقلوا عبرها إلى المطار المذكور.
وبينما همّ الفدائيون للنزول من المروحيات باتجاه طائرتهم، بدأ القنّاصون التابعون للأمن الألماني بإطلاق الرصاص باتجاههم، ما أدّى إلى نشوب معركة أسفرت عن مقتل الرياضيين الإسرائيليين الإحدى عشر، واستشهاد خمسة فدائيين من المجموعة.
ارتكب هذه المذبحة رجال الشرطة الألمان في مطار بلدة (فورستنفلد بروك Furstenfledbruck) العسكري، الذي يقع بين ميونيخ وأوغسبورغ بمحاذاة نهر (أمبر)، وحاولت السلطات الألمانية إلقاء تهمة إطلاق النار على الفدائيين، ولكنها عادت واعترفت رسمياً بمسؤوليتها عن إعداد الكمين وإطلاق النار على الرهائن والفدائيين.
لم يكن هدفنا القتل
يؤكد القائد الوطني الفلسطيني وقائد مجموعة ميونخ "أبو داوود" في وثائقي "حكاية ثورة"، والذي بثتّه قناة الجزيرة عام 2008، بأنّ تعليمات مشددة أعطيت للمجموعة، بعدم قتل أحد من الرهائن إلّا في حالة الدفاع عن النفس.
فلم يكن الهدف من العمليّة قتل أحد، إنّما مبادلة الرهائن بأسرى فلسطينيين وعددهم في ذلك الوقت 236 أسيراً، كهدف مباشر، إضافة إلى الوظيفة الأساسية التي أسست من أجله منظمة «أيلول الأسود»، وهي إعادة لفت انتباه العالم للقضيّة الفلسطينية عبر العمليات الخارجيّة، وإحداث أكبر زخم من الضجيج حولها، وكانت منظمة «أيلول الأسود» إحدى أدوات الثورة لهذا الغرض إلى جانب «المجال الخارجي» للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة المناضل وديع حدّاد.
وبعد مجازر شهر أيلول 1971 التي قام بها الجيش الأردني ضد الفدائيين الفلسطينيين، وإخراجهم من البلاد، برزت الحاجة لهذا النوع من العمليات كخيار وحيد، بعد أن بات الفدائيون بلا قواعد استناد، وفقدوا التماس الحدودي المباشر مع العدو، وكاد العالم أن يطوي القضيّة الفلسطينية بانتهاء قواعدها وفاعليتها في الأردن، فضلاً عن استفراد الاحتلال الصهيوني بما وجد من قواعد للفدائيين في لبنان حينها، وشروعه بعمليات اغتيال ضد القادة والنخب الفلسطينية وأبرزهم غسّان كنفاني، الأمر الذي فتّح وعي الثورة بأن ترد على الصهاينة في كل مكان، وتثبت لهم قدرتها على الوصول إليهم وملاحقتهم أينما وجدو.
مثّلت عمليّة ميونخ كسواها من عمليات الثورة الخارجيّة، صرخة وجوديّة للفلسطينيين، واستطاعت تحقيق بعضاً من روحيّة الهدف، بأنّ الفلسطينيين مازالوا موجودين، يقاومون بأيّ فعل مُتاح، حين تتكثّف محاولات محوهم ومحو قضيّتهم.
أبطال العملية
من اللافت للنظر أن معظم العمليات الخارجية للمقاومة الفلسطينية في حقبة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان عمادها الرئيسي فدائيين من مخيمات الشتات، حيث لعب أبناء المخيمات دوراً كبيراً في صناعة الثورة الفلسطينية، قبل أن يتم تهميشهم نضالياً وسياسياً بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، وتماهي منظمة التحرير (الممثل الشرعي لكل الفلسطينيين) مع السلطة الفلسطينية التي نشأت على بعض أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. شارك في عملية ميونيخ ستة فدائيين من مخيمي شاتيلا وعين الحلوة.
الشهداء الخمسة وهم
1- الشهيد الدكتور (محمد توفيق مصالحة)، 27 عاماً، من قرية دبورية قضاء الناصرة - فلسطين. حاصل على شهادة دكتوراة في الجيولوجيا النفطية من ألمانيا.
2- الشهيد (خالد محمد جواد) (يعرفونه في المخيم: ابن أبو عادل، والذي كانت مهنته توزيع البريد على سكان مخيم شاتيلا بواسطة دراجة هوائية)، عمره 18 عاماً، من سكان مخيم شاتيلا، البلد الأصلي: عرّابة قضاء جنين - فلسطين، كان يلعب مهاجماً في صفوف نادي الكرمل الرياضي لكرة القدم.
3- الشهيد (يوسف فرج مناع) ، عمره 18 عاماً، من سكان مخيم شاتيلا، البلد الأصلي: مجدالكروم قضاء عكا - فلسطين، كان يلعب رأس حربة في صفوف نادي الكرمل الرياضي لكرة القدم.
4- الشهيد (عفيف أحمد حميد) (ابن ابو لطفي)، عمره 23 عاماً، من سكان مخيم عين الحلوة، البلد الأصلي: عين الزيتون قضاء صفد - فلسطين.
5- الشهيد (محمود فقهي خليل نزال) مواليد قباطية - قضاء جنين - فلسطين , 29 عاماً، درس اللغة الإنجليزية وآدابها، وعمل في شركة بريطانية للبترول في الكويت، ثم التحق بالمقاومة الفلسطينية.
وقد تمّ اعتقال ثلاثة من الفدائيين وأفرج عنهم إثر عملية اختطاف طائرة تابعة لشركة (لوفتهانزا) الألمانية كانت متوجهة من بيروت إلى ألمانيا الاتحادية يوم 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1972، ونفذت العملية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهم:
1- (جمال خليل الجشي) عمره 22 عاماً، من سكان مخيم شاتيلا، البلد الأصلي: الكويكات قضاء عكا - فلسطين. كان لاعباً في صفوف نادي الكرمل الرياضي لكرة القدم.
2- (محمد الصفدي) عمره 22 عاماً، من سكان مخيم شاتيلا، البلد الأصلي: الكابري قضاء عكا - فلسطين. كان لاعباً في صفوف نادي الكرمل الرياضي لكرة القدم.
3- الشهيد (عدنان عبدالغني الجشي) (ابن أبو عصام)، 20 عاماً، من سكان مخيم شاتيلا، البلد الأصلي: الكويكات قضاء عكا - فلسطين. كان لاعب خط وسط وإدارياً في صفوف نادي الكرمل الرياضي لكرة القدم
رفضت الحكومة اللبنانية طلباً رسمياً من منظمة التحرير الفلسطينية لإحضار جثامين الشهداء إلى الأراضي اللبنانية، بعد ذلك اتصل رئيس المنظمة الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي، بهذا الخصوص، فوافق على استقبالهم، وعند وصول جثامين الشهداء إلى العاصمة الليبية طرابلس استقبلوا استقبال الأبطال وتمّ دفنهم جميعاً هناك.