صابر حليمة – لبنان
ما تزال حالة الغموض وعدم الوصول إلى حقيقة ثابتة، هي السائدة في ملف تسجيل الطلاب الفلسطينيين في المدارس الرسمية اللبنانية، فبين قرار وزارة التربية اللبنانية وتصريحات فصائل منظمة التحرير بأن لا مشكلة في التحاق الطلاب الفلسطينيين بالمدارس اللبنانية من جهة، وتأكيدات عدد من اللاجئين عدم قبول تسسجيل أبنائهم في مدارس رسمية من جهة ثانية، تقع الحيرة حول حق إنساني كفلته القوانين الدولية، وهو التعلم.
ففيما تفتح المدارس أبوابها لاستقبال عام دراسي جديد، عاد بعض آباء وأمهات طلاب فلسطينيين خاليي الوفاض، دون أن يتمكنوا من تسجيل أبنائهم في مدارس تابعة للدولة اللبنانية.
ورفضت العائلات الكشف عن أسماء أبنائها خوفاً على مستقبلهم الدراسي.
شهادات من عائلات حاولت تسجيل أبنائها في مدارس رسمية
أشار محمد، وهو فلسطيني ولديه ولدان، إلى أن مدرسة "المربية انجيليك صليبا"، الرسمية المختلطة في صيدا، رفضت تسجيل ابنه في الصف الأول الابتدائي.
وأوضح محمد، أن ابنه في المدرسة منذ سنتين، لكنه، وعقب تثبيت التسجيل ودفع الرسوم، أُبلغ من قبل الإدارة ومعلمين إلى أن الفلسطيني ممنوع من التسجيل في هذه المدرسة، حتى الانتهاء من تسجيل الطلاب اللبنانيين، وإذا بقي أماكن شاغرة في الصفوف، عندها يُعمد إلى قبول الفلسطينيين.
ما حصل مع زياد لا يختلف كثيراً، إذ، وعقب نجاح ولده وابنته في امتحانات الدخول لمدرسة صيدا اللبنانية الكويتية الرسمية، أبلغته إدارة المدرسة بقبول ابنته فقط دون ابنه الصاعد إلى الصف الثاني الابتدائي، موضحاً، أنهم أخبروه بـ "عدم وجود مكان لابنه في المدرسة".
حالة إبراهيم تختلف كثيراً عن الحالتين السابقتين، إذ أكد في حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنه سجل ابنه في مدرسة متوسطة معروف سعد الرسمية، وابنته في المدرسة الكويتية، دون أن يبلغه أحد بعدم وجود أماكن شاغرة أو رفض قبول أولاده.
ما يعني أن هذه العائلات الثلاثة ستظل رهينة القلق إلى أن يسمح لها بتسجيل أبنائها، وفي حال لم يسمح لها بذلك فعليها إيجاد بديل، لا بد أنه مكلف جداً في مدارس خاصة، وقد لا تتحمله جيوبها المنهكة أصلاً من غلاء المعيشة.
الأولوية للّبناني
وفي هذا الصدد، يوضح ممثل حركة الجهاد الاسلامي في لبنان، إحسان عطايا، والذي عمل في القطاع التعليمي لأكثر من عشرين عاماً، أن المدارس الرسمية لا ترفض الفلسطينيين، لكنها تعطي الأولوية للطلاب اللبنانيين.
وأوضح لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن إدارات المدارس الرسمية تنهي أولاً تسجيل الطلاب اللبنانيين، ومن ثم تنتقل لتسجيل الطلاب الفلسطينيين، مشيراً، إلى أنه لا يسمح لإدارة المدرسة الرسمية إنشاء شعب جديدة بناء على أعداد الفلسطينيين، بل يتم ذلك بناء على أعداد الطلاب اللبنانيين فحسب.
اعتصام طلابي في عين الحلوة
إلا أن هذه النقطة بالذات، (عدم معاملة الفلسطيني كاللبناني في الحقوق الإنسانية والمدنية)، هي من فجرت حراكاً غاضباً في المخيمات لا يزال مستمراً حتى اللحظة.
وفي هذا السياق، اعتصم الطلاب الفلسطينيون في مخيم عين الحلوة، اليوم الأربعاء، عند مدخل المخيم الشمالي احتجاجاً على سياسية التسجيل في المدارس اللبنانية في مدينة صيدا كما جرت العادة كل عام.
وشارك في الاعتصام ممثلون للقوى الفلسطينية واللجان الشعبية، فيما رفع الطلاب المعتصمون الكتب المدرسية وهتفوا مطالبين بحقهم في التعليم.
وطالب المشاركون اللجنة الوزارية التي تشكلت برئاسة الرئيس سعد الحريري بـ "الاجتماع والإسراع في إقرار الحقوق المدنية والإنسانية والاجتماعية للشعب الفلسطيني في لبنان".
منظمة التحرير تتابع القضية
في قول احد أولياء الأمور، إن المدرسة أخبرته بأنها بقرار من الوزارة لا تستطيع تسجيل ابنه حتى الانتهاء من تسجيل اللبنانيين، مفارقة مؤسفة مع عدم قدرة المستوى الرسمي الفلسطيني التأثير على قرار وزير التربية في اجتماع هيئة العمل الفلسطيني المشترك معه، الأسبوع الماضي.
إلا أن أمين سر حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير في لبنان، فتحي أبو العردات، قال أمس الثلاثاء، إن "قرار وزير التربية والتعليم اللبناني، أكرم شهيب القاضي، بالسماح بتسجيل الطلاب الفلسطينيين في المدارس الرسمية ما زال ساري المفعول ولم يطرأ عليه أي تغيير يذكر".
وبحسب بيان لأبي العردات، فإن سبب عدم تسجيل الطلاب الفلسطينيين في بعض المدارس الرسمية في مدينة صيدا يعود إلى الأعداد المتزايدة للطلاب الفلسطينيين الراغبين في التسجيل بهذه المدارس، وأنه يتابع هذه القضية مع الوزير شهيب ومع النائب عن صيدا بهية الحريري ليصار إلى إيجاد حل لهذه القضية.
وكشف أبو العردات أن الوزير شهيب أعطى توجيهاته للمدارس الرسمية بتمديد فترة التسجيل، حتى أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر القادم.
وعود لبنانية بحل المشكلة
وفي سياق متصل، زار وفد قيادي من اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني "أشد" برئاسة رئيس الاتحاد في لبنان، يوسف أحمد، اليوم الأربعاء، رئيس المنطقة التربوية في محافظة الجنوب، باسم عباس، بمكتبه بالسراي الحكومي في مدينة صيدا، وذلك في حضور جميع مدراء المدارس الرسمية في صيدا.
وعرض وفد الاتحاد العقبات التي واجهت عملية تسجيل والتحاق الطلاب الفلسطينيين في المدارس الرسمية اللبنانية في محافظة الجنوب، وتحديداً في مدارس صيدا، حيث تم رفض تسجيل والتحاق الطلاب الفلسطينيين القدامى، وأقفلت ابواب التسجيل بوجه الطلاب الجدد في غالبية المدارس.
واعتبر الوفد ان الظروف القاهرة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وتفاقم معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن حرمانهم من حقوقهم الإنسانية والاجتماعية، إلى جانب غياب القدرة الاستيعابية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وحالة الاكتظاط التي تعانيها، تتطلب تعاون الجهات المعنية والرسمية والإدارات المدرسية اللبنانية وفتح أبواب المدارس الحكومية أمام الطلاب الفلسطينيين وتسهيل تسجيلهم وإعطائهم الحق بالتعليم بعيداً عن سياسات التمييز والحرمان، لتي لم يعد يحتملها اللاجىء الفلسطيني في لبنان، وبات استمرارها يشكل خطراً وضرراً كبيراً على الشعب الفلسطيني وصموده ونضاله وقضيته الوطنية، الى جانب انعكاس هذه السياسات التمييزية على العلاقات اللبنانية الفلسطينية المطلوب تحصينها وتعزيزها لمواجهة التحديات التي تواجه الشعبين الشقيقين.
من جهته، أكد عباس ومدراء المدارس حرصهم على مستقبل الطلاب الفلسطينيين.
وأشار عباس إلى وجود مساع من قبل الوزارة ونواب المدينة والمنطقة التربوية في الجنوب لمعالجة هذا الموضوع، موضحاً للوفد أن هناك عدة خيارات مطروحة مع وزارة التربية اللبنانية لمعالجة القضية، آملاً أن تبصر هذه المقترحات النور خلال الأيام القليلة القادمة.
وأكد عباس عدم وجود أي استهداف للطلاب الفلسطينيين، والإدارات المدرسية تطبق القانون اللبناني ولديها الحرص الكامل على مستقبل الطلاب الفلسطينيين وتعاونها مع مختلف الجهات المعنية لإيجاد الحلول والمعالجات الممكنة المطلوبة.
يذكر أن وزير التربية والتعليم العالي، أكرم شهيب، أصدر مطلع الشهر الحالي، قراراً بإتاحة المجال لتسجيل الطلاب الفلسطينيين في المدارس الرسمية كافة في لبنان مع بدء العام الدراسي، وبمعاملتهم أسوةً بالطلاب اللبنانيين.
وقال شهيب في حديث صحفي: "هذا القرار هو واجب، وننطلق من الواقع الخاص لوجود الإخوة الفلسطينيين في لبنان بشكل قسري، وأيضاً التزاماً بالقضية المركزية، قضية فلسطين، على أمل عودتهم إلى وطنهم".