ميرنا حامد – مخيم عين الحلوة
تساءل أحد الصحفيين اللاجئين في لبنان: "من يطفىء حرائق التاريخ؟"، في معرض مقال له حول مشاركة الدفاع المدني الفلسطيني في إطفاء الحرائق الضخمة التي اندلعت بجبل الشوف في لبنان، يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين.
هو تحدث بلسان حال كل فلسطيني موجوع داخل هذا البلد المُضيف، جراء قرارات حكومية جائرة بحقه تحرمه من أبسط حقوقه الإنسانية.
ولكن فعلاً، هذا ما حدث الدفاع المدني الفلسطيني من مخيمات بيروت وصيدا والشمال استنفر بكل عناصره وموارده وقواه ليساعد الشعب اللبناني في محنته.
تصرف إنساني بحت، لا منّة فيه ولا انتظار شكر، فهو الواجب لولا أن الوضع القائم في المخيمات هو ما جعله مستغرباً، يثير الإعجاب.
فقبل أسابيع ليست بالبعيدة كانت المخيمات الفلسطينية تغلي مظاهرات غضب وهتافات تطالب بمنح الفلسطينيين اللاجئين في هذا البلد منذ 71 عاماً حقوقاً إنسانية بديهية كحق العمل، وحق التملك، وحق إدخال مواد البناء إلى المخيمات، والتعامل الإنساني مع المخيمات وساكنيها فقط لاغير .
واليوم، حين دق ناقوس الخطر جبال لبنان وأهله، وجد الفلسطينيون أنفسهم السبّاقين في مد يد العون والمساعدة، لم يرغبوا بإيصال أي رسالة لأنه الواجب، ولكن الرسالة وصلت لوحدها، مفادها "نحن شعب واحد، لنا خصوصيتنا وأرضنا المحتلة التي سنعود إليها، ولكن عند المحن، ما يوجع اللبناني يؤلم الفلسطيني".
لذلك، ودون أدنى تباطؤ، لبّى الدفاع المدني الفلسطيني في مخيمات الشتات في لبنان نداء المواطنين اللبنانيين لإغاثتهم، بعدما علقوا لساعات طويلة بين ألسنة اللهب التي اجتاحت الأحراش والغابات في أكثر من منطقة لبنانية بجبل الشوف.
في المحن للإنسانية الكلمة الفصل
قائد فوج الدفاع المدني الفلسطيني–فوج عين الحلوة، تامر الخطيب، قال في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": أن "مشاركتنا جاءت انطلاقاً من قناعتنا بأن أي تحرك نقوم به هو نابع مع مبدأ إنساني بالدرجة الأولى".
وأضاف: "عندما توسعت حدة الكارثة وأصبح حجمها يستوجب تدخلنا، جرى تنسيق بين كل من الدفاع المدني الفلسطيني واللبناني، وتحركت أفواجنا في بيروت للمؤازرة في منطقتي الدبية والمشرف، كما تلقينا في فوج مخيم عين الحلوة طلب مؤازرة لاطفاء الحريق في منطقة الدامور، فباشرنا بعملنا الذي ينبع من قناعتنا بوحدة الدم الفلسطيني اللبناني، فنحن مكون أساسي في هذه البلد، وأي مصيبة تحل عليه نحن مسؤولون عن معالجتها كأي مواطن أو مؤسسة لبنانية".
وأضاف: "هذا البلد الذي قام باحتضاننا منذ واحد وسبعين عاماً حتى اليوم يستحق منا وقفات جدية وعملاً مشتركاً يداً بيد مع الشعب اللبناني بعيداً عن التجاذبات السياسية".
أحمد الخطيب، شاب عشريني لا شك أنه كغيره من الفلسطينيين في المخيمات محروم من ممارسة كثير من المهن والأعمال، ولا يتوقع أن يكون له بيته الخاص المسجل باسمه خارج المخيم، لكن عمله التطوعي في الدفاع المدني الفلسطيني–فوج عين الحلوة، أبعد عن رأسه كل هذه الأفكار حين حان وقت الواجب، فانطلق في مهمته للمساعدة في إطفاء الحرائق وتقديم العون للمتضررين منها، هنا لا وقت للتفكير في جنسية أو طائفة أو عرق أو انتماء سياسي، في مثل هذه الحالات للإنسانية تكون الكلمة الفصل.
يصف أحمد لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عملية إخماد الحرائق، بأن "المهمة كانت صعبة جداً، لأن حجم الكارثة كان كبيراً، ما استدعى طلب المؤازرة من دول مجاورة، لكننا قمنا بواجبنا الإنساني تجاه اخواننا اللبنانيين".
وشدد على أنه "لا فرق بين الشعبين الفلسطيني واللبناني، نحن شعب واحد وتربينا في ذات الأرض"، مشيراً إلى أنه "إذا تطلب الأمر تدخلنا في أزمات جديدة لا قدر الله بالتأكيد سنشارك ونقوم بواجبنا الإنساني على أكمل وجه".
عين الحلوة تفتح بيوتها للمتضررين
لا يسجل لأحمد، أو لأي من عناصر الدفاع المدني أي دور خارق متعد لحدود السلوك الفلسطيني العام، الذي حفلت مواقف أبنائه على صفحات السوشيال ميديا، بالدعاء للبنان وأهله، والدعوة للوقوف إلى جانبهم، فكان ذلك تصرفاً جمعياً عفوياً لا تخطيط له ولا تحضيرات، ليكشف عن وجه المجتمع الفلسطيني في المخيمات الممتدة يده دوماً للتآخي مع الجوار، ولا يريد من الأخير سوى حقوق إنسانية بسيطة.
وهنا، لا يمكن إنكار دور شريحة واسعة جداً من الشعب اللبناني في مؤازرة الفلسطيني بمطالبه، بل ودعوة حكومة بلدها وسياسييه إلى التعامل مع الفلسطيني بإنسانية يمزجها الحس العروبي والتآخي.
لهذا ربما، فتح عدد من أهالي مخيم عين الحلوة أبواب بيوتهم وكانوا على أهبة الاستعداد لاستقبال ضحايا هذه الكارثة البيئية بعدما أتت على ممتلكاتهم، وذلك ضمن مبادرة أطلقها الممثل الفلسطيني وليد سعد الدين.
ابن المخيم الفنان سعد الدين قال لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "قمت بهذه المبادرة بناءًا على خبرتي في مجتمعنا الفلسطيني واللبناني، فنحن كفلسطينيون عندما نكون بحاجة لدعم نجد الشعب اللبناني وبخاصة في منطقة صيدا يفتح أبوابه للفلسطينيين ويعتبرهم جزءاً لا يتجزأ منه".
وتابع سعد الدين: "استفزتني كارثة الحرائق في لبنان، ولكي أرد جزءاً من الجميل للشعب اللبناني.. قمت بالتواصل مع أصحاب عشرات البيوت الذين فتحوا أبوابه للمنكوبين من الحرائق، فكل عائلة فلسطينية هي على استعداد لاستقبال عاِئلات لبنانية في منزلها وهي مسؤولة عن كامل تكاليف الضيافة".
وأشار إلى أن "هذه المساعدات الإنسانية تأتي في ظل الوضع الاقتصادي السيء في المخيمات وبخاصة بعد قرار وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان حول العمالة الفلسطينية، وصبغهم بصفة الأجانب رغم أننا هجرنا من وطننا قسراً".
وختم بالقول: إن "العلاقة بين الشعبين الفلسطيني واللبناني هي علاقة تحمل عنواناً وطنياً سياسياً وانسانياً بامتياز، فالوجع يوحد الشعبين لذا ينبغي رد الجميل للشعب اللبناني الذي وقف معنا في قضايانا".
هي إذاً، المحن التي تكشف جوهر الأشياء، وفي معظم المحن تظهر الشعوب رقيّاً وتعاملاً حضارياً، كثيراً ما يكون مفقوداً لدى صانعي القرار والمسؤولين والسياسيين، حيث تحكمهم انتماءتهم واصطفافاتهم.
ومثلما قاد الشارع الفلسطيني قبل أشهر الطبقة السياسية والفصائلية الفلسطينية في تبني حراك المطالب، يؤمل أن يستطيع الشارع اللبناني قيادة طبقته السياسية وحملها على منح الفلسطيني حقوقه.
شاهد التقرير