تقرير: ميرنا حامد
 

102 عاماً على إصدار وثيقة وعد "بلفور" المشؤوم الذي جيّر التاريخ لصالح عصابات صهيونية، وأسس لتغيير الجغرافيا وزرع كياناً غريباً على أرض فلسطين.

"حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل عظيم جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".

هي كلمات الوعد التي جاءت في رسالة وزير الخارجية البريطانية آنذاك أرثر جيمس بلفور إلى اللورد اليهودي ليونيل روتشلد، في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917، بتبني حكومته "إقامة وطن قومي لليهود" في فلسطين، لا يزال صداها يتردد ألماً وقهراً وتهجيراً وتشريداً يعاني منه الشعب الفلسطينيي، لا سيما أولئك الستة ملايين لاجئ المنتشرين في مخيمات الشتات.
 

حقق الأطماع الصهيونية في فلسطين

وتحول اليوم الثاني من شهر نوفمبر إلى يوم أسود في تاريخ الشعب الفلسطيني، الذي شكل بمجمله في الأراضي المحتلة عام 1948 وفي الشتات وفي الضفة الغربية وقطاع غزة الضحية الأساس لوعد بلفور، المحطة الأولى نحو عديد من الخطوات الصهيونية والدولية التي أسست لزرع الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين.

فالرسالة تلك التي صاغها عضو حزب المحافطين ووزير المستعمرات البريطاني "ليوبولد إيمري" وأرسلها بلفور للجالية اليهودية في بريطانيا، شكلت نقطة انطلاق ليهود العالم بالهجرة نحو فلسطين وإقامة المستعمرات الصهيونية فيها، بتنسيق من وكالة الهجرة اليهودية، ليرتفع عدد اليهود في فلسطين من أقل من 5% من عدد سكانها يوم استصدار الوعد،  إلى نحو 31.7 % عام 1948 الذي أعلن فيه عن قيام الكيان الصهيوني.

ارتفاع عدد اليهود التدريجي، الذي قوبل بثورات فلسطينية أبرزها ثورة البراق عام 1929 ضد الانتداب البريطاني- الذي أوقف حينها موجات الهجرة اليهودية لفترة، فقوبل ذلك بأن فجرت الوكالة اليهودية مقرات له في القدس للضغط عليه-  سهل أمام "إيمري" وضع خارطة تقسيم فلسطين اعتماداً على النسبة في عدد السكان، وهذه الخريطة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 من تشرين الثاني / نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى منطقة للعرب وأخرى لليهود وقالقة دولية تضم المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وبيت لحم.

وضع جديد استغلته الحركة الصهيونية لتفلت يد عصاباتها (الهاغاناه – شيرن – الآرغون والبلماخ وغيرها) والتي كانت مسلحة جيداً في ذلك الوقت على القرى والمدن الفلسطينية، لتنكل بالفلسطينيين وترتكب المجازر بحقهم وتهجرهم من أرضهم، ما شكل نكبة الشعب الفلسطيني الذي هجر أكثر من 721 ألفاً منهم إلى مخيمات الشتات في الضفة وغزة وسوريا والأردن ولبنان، وليقوم بعدها وبموافقة أممية الكيان الصهيوني في 15 أيار / مايو عام 1948 الكيان الصهيوني على مساحة 87 % من أرض فلسطين.

ولم تتوقف الأطماع الصهيونية عند هذا الحد فخلال سني النكبة احتل الجيش الصهيوني الضفة الغربية وقطاع غزة والحولان السوري وسيناء المصرية في حزيران عام 1967، وبالرغم من استعادة شكلية للضفة والقطاع، وفق اتفاق أوسلو الموقع عام 1993، إلا أن الاستيطان الصهيوني استشرى في الضفة لدرجة لا يمكن فيها جغرافياً إقامة أي دولة فلسطينية وفق الاتفاق، ويسيطر فعلياً على أكثر من 85 % من أرض فلسطين التاريخية، هذا عدا عن الاعتقالات والاعتداءت اليومية بحق الفلسطينيين والحصار المفروض على غزة والاعتداءات العسكرية المتواصلة عليه، وانتهاك المقدسات الإسلامية، وسرقة القدس بموافقة أمريكية.

كل هذا باختصار، شكل تاريخ الشعب الفلسطيني الحافل بالمآسي من بعد وعد بلفور، وهي مآس لا تزال حاضرة في الحياة اليومية لكل فلسطيني سواء داخل فلسطين أو لاجئ خاريجها يعاني صنوف الانتهاك والعذاب بالمخيمات ودول اللجوء الممتدة في أصقاع الأرض.
 

مخططات مستمرة واللاجئون في لب الاستهداف

"بلفور" المشؤوم أعطى الضوء الأخضر للعديد من الدول الغربية في إحاكة المؤامرات التصفوية، وآخرها "صفقة القرن" الأمريكية التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، بعد إعلان القدس عاصمة لكيان الاحتلال، وإنهاء قضية اللجوء وشطب حق العودة عبر توطين اللاجئين في دول الشتات، وإلغاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

الفترة ما بين "وعد بلفور" وصفقة القرن" الأمريكية، هل من تشابه أو اختلاف في معالمهما؟.. سؤال طرحه "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" على الكاتب والمؤرخ الفلسطيني منير شفيق، الأمين العام للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الذي اعتبر أن هناك أختلافاً أساسياً وجوهرياً بين الفترتين.

وقال شفيق: إن "هذا الوعد هو محطة من محطات الاستراتيجية البريطانية حين كانت بريطانيا أقوى دولة في العالم في ظل خروجها من الحرب العالمية الأولى منتصرة، واحتلالها البلاد العربية بشراكة فرنسا، هنا كان ميزان القوى يكمن في زرع الكيان الصهيوني داخل فلسطين بهدف إيجاد حاجز بشري يمنع مصر عن المشرق العربي ويكرس تجزأة البلاد العربية، بعدما وحدها محمد علي عام 1840،  لذلك الفارق بين المرحلتين هو في ميزان القوى وليس في نص وعد بلفور أو في ما يراد منه".

وأضاف: "الآن بريطانيا لم يعد لديها أي تأثير في موضوع بلفور، واختلاف موازين القوى عندما أقيم الكيان الصهيوني وثبت أقدامه وكان حينها أقوى جيش في المنطقة.

الآن في هذه المرحلة نحن في ميزان قوى جديد، الجيش الصهيوني ضعف كثيراً عن قبل، والوضع العالمي لم يعد تحت سيطرة بريطانيا أو الولايات المتحدة لوحدها بل أصبح هناك قطبية".

وتابع: "اليوم، لدى الشعب الفلسطيني مركز مقاومة أساسي في قطاع غزة استطاع أن يخوض ثلاثة حروب منتصرة، وهو الآن يتحدى الكيان الصهيوني عبر استراتيجية الصاروخ بالصاروخ والضربة بالضربة".

واعتبر شفيق أن  "نقطة الضعف الوحيدة اليوم هي في الوضع الفلسطيني الحالي كون سلطة رام الله مازالت مصرة على خط التسوية والمفاوضات بدلاً من أن تشجع المقاومة والانتفاضة"، واصفاً الوضع الفلسطيني الآن أنه "في أحسن مرحلة مر فيها منذ إعلان وعد بلفور إلى يومنا هذا".

وحول قضية اللاجئين الفلسطينيين، رأى شفيق أنها "مسألة جوهرية في القضية الفلسطينية لأن أساس هذا الصراع هو مجئ مستوطنين من مختلف أنحاء العالم واقتلاعهم الفلسطينيين أبناء الأرض الأصليين ليحلوا مكانهم، الأمر الذي سبب الهجرة واللجوء، إذا هي جزء من قضية التحرير، وبالتالي لا أحد يستطيع أن ينهي قضية اللاجئين ضمن ما يقال عنه صفقة القرن التي هي مشروع غير منظور ولا معلن".

ومن نتائج وعد بلفور المشوؤم أيضاً، هو اقتلاع 800 ألف فلسطيني من أرضه، ليصبح عددهم اليوم 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجل لدى "أونروا"، غالبيتهم يعيشون في مخيمات الشتات تحت أصعب الظروف الاجتماعية والمعيشية والأمنية الصعبة، ويفتقرون لأبسط أنواع العيش الكريم. من أصل 13 مليون فلسطيني حول العالم.
 

 فلسطينيو الشتات ضحايا "بلفور"

وفي هذا الإطار، اعتبر اللاجئ عصام الخطيب من مخيم مار الياس، في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أن "فلسطينيي الشتات من ضحايا وعد بلفور الذي مهد لمؤامرات تصفوية ضد القضية الفلسطينية وإزالة حق العودة".

فيما أكد اللاجئ محمد صالح من مخيم مار الياس أن "وعد بلفور هو من اختراع الحركة الصهيونية بهدف إبعادنا عن أرضنا، وجاءت الإدارة الأمريكية وأتباعها لتكمل هذا الدور وتعمل على تثبيتنا خارج فلسطين".

وتابع: "الجوع والحرمان والهجرة هم من تداعيات هذا الوعد الشؤوم وما تبعه من مؤامرات للقضاء على الشعب الفلسطيني الصامد، لكننا نحن نربي أولادنا على حب فلسطين والتمسك بها، ونأخذهم على الحدود مع فلسطين لنريَهم بلادهم ولو من بعيد".

إذاً، قرارات وممارسات عنصرية نفذت ومورست بحق الشعب الفلسطيني منذ إصدار وعد بلفور إلى يومنا هذا، انعكست بالتهجير، وارتفاع عدد الاستيطان والمستوطنين، والمصادقة على قانون القومية اليهودي (الأبرتهايد)، وإعلان واشنطن القدس عاصمة للاحتلال، وغيرها من الممارسات الصهيونية لتنفيذ صفقة القرن، بالمقابل لا يزال الفلسطينيون يقاومون مشاريع تصفية قضيتهم  بشتى الطرق النضالية حتى الرمق الأخير وصولاً إلى تحرير الأرض والعودة.

 

شاهد الفيديو
 

 

 

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد