فلسطين المحتلة
في الذكرى الـ 72 لقرار تقسيم فلسطين يعيد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين نشر مادة سابقة حول هذا القرار وكيف تم تبنيه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر 1947.
صدر القرار تحت الرقم (181) 1947 بعد تصويت (33) دولة مع، و(13) دولة ضد، وامتناع عشر دول عن التصويت، وكان هذا القرار من أولى محاولات الأمم المتحدة لحل ما سمي بالنزاع "العربي-اليهودي".
قبل القرار
هذا النزاع اختقلته الحركة الصهيونية العالمية التي تمكنت قبل ثلاثين عاماً في من صدور القرار والتحديد عام 1917 بتحصيل تعهد من حكومة الانتداب البريطاني بـ "حق اليهود إقامة دولة لهم على أرض فلسطين" سمي بـ وعد بلفور، لتبدأ بعدها موجات هجرة اليهود من كل أصقاع العالم إلى فلسطين، ما أدى إلى اندلاع ثورة البراق عام 1929 و الثورة الفلسطينية الكبرى التي استمرت حتى عام 1939، وعمليات مقاومة من قبل الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني رفضاَ لموجات الهجرة اليهودية.
ثورات تمكنت حينها من إجبار الانتداب البريطاني على إيقاف موجات الهجرة اليهودية لفترة، فقوبل ذلك بأن فجرت الوكالة اليهودية مقرات له في القدس للضغط عليه- ما سهل أمام عضو حزب المحافطين ووزير المستعمرات البريطاني "ليوبولد إيمري" -الذي صاغ سابقاً وعد بلفور- وضع خارطة تقسيم فلسطين اعتماداً على النسبة في عدد السكان.
وفي نيسان/أبريل 1947، توجه الانتداب البريطاني إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة
على وقع هجمات العصابات الصهيونية على مقاره وضغوطات من إدارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان، ليقدم خطة التقسيم.
تلا ذلك تشكيل الجمعية العامة في أيار/مايو 1947 لجنة خاصة لفلسطين سميت "يونسكوب" وغالبيتها من الدول المتأثرة بسياسات الولايات المتحدة والحركة الصهيونية، لتقترح هذه اللجنة مشروع تقسيم فلسطين إلى منطقتين عربية ويهودية على أن تبقى القدس تحت الوصاية الدولية.
أعطى قرار التقسيم 55% من أرض فلسطين لما سماها "الدولة اليهودية"، واستند مشروع تقسيم الأرض الفلسطينية على أماكن تواجد التّكتّلات اليهودية بحيث تبقى تلك التكتّلات داخل حدود الدولة اليهودية.
التصويت على قرار التقسيم
في تشرين الثاني 1947 بلغ عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 57 دولة فقط، وشارك في التصويت 56 دولة، أي جميع الدول الأعضاء باستثناء دولة واحدة هي مملكة سيام (تايلند حالياً) بسبب غيابها عن المشاركة في الاجتماع.
وافقت الدول العظمى في ذلك الحين - الاتحاد السوفييتي، الولايات المتحدة وفرنسا - على خطة التقسيم، باستثناء بريطانيا التي كانت حينها سلطة الانتداب والتي فضلت الامتناع عن التصويت. ومن بين الدول المعارضة للخطة كانت جميع الدول العربية والإسلامية وكذلك اليونان، الهند وكوبا.
في مساء 29 تشرين الثاني جرى التصويت فكان ثلاثة وثلاثون صوتاً إلى جانب التقسيم، وثلاثة عشر صوتاً ضدّه وامتنعت عشر دول عن التصويت، وغابت دولة واحدة وعندما أعلنت النتيجة انسحب المندوبون العرب من الاجتماع وأعلنوا في بيان جماعي رفضهم للخطة واستنكارهم لها.
مع القرار: أستراليا، بلجيكا، بوليفيا، البرازيل، بيلاروسيا "روسيا البيضاء"، كندا، كوستاريكا، تشيكوسلوفاكيا، الدانمارك، جمهورية الدومينيكان، إكوادور، فرنسا، غواتيمالا، هاييتي، أيسلندا، ليبيريا، لوكسمبورغ، هولندا، نيكاراغوا، النرويج، بنما، باراغواي، بيرو، الفلبين، بولندا، السويد، أوكرانيا، جنوب أفريقيا، الاتحاد السوفييتي، الولايات المتحدة الأمريكية، أوروغواي، فنزويلا.
ضد القرار: أفغانستان، كوبا، مصر، اليونان، الهند، إيران، العراق، لبنان، باكستان، السعودية، سوريا، تركيا، اليمن.
امتناع: الأرجنتين، تشيلي، الصين، كولومبيا، السلفادور، إثيوبيا، هندوراس، المكسيك، المملكة المتحدة، يوغسلافيا.
يشار إلى أنه بين يومي الأربعاء والجمعة أي بين 25 و28 من تشرين الثاني بعد تأجيل التصويت المفترض إقامته في يوم الـ 25 من نوفمبر نتيجة تأجيل الجلسة من قبل رئيس الجمعية العمومية آنذاك "أوزوالدو أرانها"، انهالت الضغوطات (الأميركية والصهيونية) على بعض الدول المعارضة للقرار لتغيير موقفها، وبشكل خاص على (هاييتي وليبيريا والفلبين وإثيوبيا والصين واليونان) ونتيجة الضغوط بدلت كل من (هاييتي وليبيريا والفلبين) من معترض إلى موافق على مشروع قرار التقسيم فتأمنت بذلك الأغلبية المطلوبة لتمرير القرار.
ويذكر عدد من المصادر حجم الضغوطات غير المسبوق لتمرير هذا القرار بما في ذلك الضغط الذي تعرضت له (الهند والصين وفرنسا) إضافة إلى الضغط السوفياتي على أوروبا الشرقية، شملت تلك الضغوطات تهديدات بوقف المساعدات وتمويل المشاريع، كما فعل "هارفي صامؤيل فايرستون" صاحب مصانع الإطارات المعروفة وصاحب مزارع المطاط مع الحكومة الليبيرية.
قرار التقسيم
وتبنّى القرار خطة تقسيم فلسطين التي تقضي بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة كالتالي:
أولاً- دولة عربية: تبلغ مساحتها حوالي (4300) ميل مربع (11000 كم مربع) وتقع على الجليل الغربي ومدينة عكا والضفة الغربية والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة اسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.
ثانياً- دولة يهودية: تبلغ مساحتها حوالي (5700) ميل مربع (15000 كم مربع) على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب "تل أبيب"، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا واصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش.
ثالثاً- تحت الوصاية الدولية: القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة.
فكرة التقسيم
يوجد في متحف القدس التابع للاحتلال، خريطة رسمها عام 1946 الوزير البريطاني "ليوبارد إيمري" - تحمل عنوان خطة أيمري- تهدف إلى تقسيم فلسطين إلى قسمين يهودي وعربي، وكانت الخريطة تشبه إلى حد بعيد تلك التي جاءت بها خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في عام 1947 والتي انتهى بموجبها الانتداب البريطاني وإنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
ولكن قبل لك، جاءت فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية مع تحديد منطقة دولية حول القدس، في تقرير لجنة "بيل" عام 1937 وتقرير لجنة "وودهد" عام 1938، وصدر التقريران عن لجنتين تم تعيينهما على يد الحكومة البريطانية لبحث قضية فلسطين، في أعقاب الثورة الفلسطينية الكبرى (1933-1939).
بعد الحرب العالمية الثانية طالبت الأمم المتحدة إعادة النظر في صكوك الانتداب التي منحتها عصبة الأمم للإمبراطوريات الأوروبية، واعتبرت حالة الانتداب البريطاني على فلسطين من أكثر القضايا تعقيداً وأهمية.
وقامت هيئة الأمم بتشكيل لجنة مؤلفة من عدة دول باستثناء الدول دائمة العضوية لضمان الحياد في عملية إيجاد حل للنزاع.
قامت اللجنة بطرح مشروعين لحل النزاع، تمثّل المشروع الأول بإقامة دولتين مستقلتين، وتدار مدينة القدس من قبل إدارة دولية. وتمثّل المشروع الثاني في تأسيس فيدرالية تضم كلاً من الدولتين اليهودية والعربية. واتجه معظم أفراد لجنة UNSCOP إلى المشروع الأول والرامي لتأسيس دولتين مستقلتين في إطار اقتصادي موحد. وقامت هيئة الأمم بقبول مشروع لجنة UNSCOP الدّاعي للتقسيم مع إجراء بعض التعديلات على الحدود المشتركة بين الدولتين، العربية واليهودية، على أن يسري قرار التقسيم في نفس اليوم الذي تنسحب فيه قوات الانتداب البريطاني من فلسطين.
رد الفعل الصهيوني
تنامت الضغوط السياسية على هيئة الأمم المتحدة لقبول خطة التقسيم، واستحسن معظم اليهود مشروع القرار وبخاصّة الوكالة اليهودية، إلا أن المتشددين اليهود من أمثال مناحيم بيغن رئيس منظمة الأرجون الصهيونية، وعضو عصابة الشتيرن إسحاق شامير رفضوا هذا المشروع
ولكن إلى هذا اليوم تشيد كتب التاريخ "الإسرائيلية" بأهمية 29 تشرين الثاني 1947.
وكان أعلن بن غوريون في حزيران 1938، في كلام أمام قيادة الوكالة اليهودية بشأن اقتراح آخر لتقسيم فلسطين عن نيّته في إزالة التقسيم العربي - اليهودي والاستيلاء على كلّ فلسطين بعد أن تقوى شوكة اليهود بتأسيس وطن لهم.
رد الفعل العربي
اجتمعت الجامعة العربية الناشئة بعد هذا القرار وأخذت بعض القرارات كان أهمها:
أصدروا مذكرات شديدة اللهجة لأمريكا وإنجلترا، إقامة معسكر لتدريب المتطوعين في قطنة بالقرب من دمشق بسوريا لتدريب الفلسطينيين على القتال، تكوين جيش عربي أطلق عليه جيش الإنقاذ وجعلوا عليه فوزي القوقجي، رصد مليون جنيه لأغراض الدفاع عن فلسطين.
ما بعد قرار تقسيم فلسطين
بعد أشهر من صدور قرار التقسيم، سيطرت منظمات صهيونية مسلحة على غالبية أراضي فلسطين، بعد خروج بريطانيا منها، وأقاموا عليها دولة "إسرائيل" عام 1948 والتي عُرفت بـ "النكبة"، التي هُجّر خلالها الفلسطينيين من أراضيهم، ووقعت خلالها ثلاثة أرباع فلسطين تحت السيطرة "الإسرائيلية"
وفي تقرير صادر عن الإحصاء المركزي الفلسطيني عام 2018، جاء أن الاحتلال الإسرائيلي يستولي على أكثر من 85% من أراضي فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كم مربع، ولم يتبقَ للفلسطينيين سوى أقل من 15% فقط من مساحة تلك الأراضي.
والحال هذه، فإنّ تداعيات قرار التقسيم رقم 181 فاقت جداً ربما ما تخيّله الموافقون عليه حينها، فأكثر من خمسة وثمانين بالمائة من أرض فلسطين صارت تحت احتلال الكيان المباشر، وما تبقّى من الضفة والقدس تحكمه الآلة العسكريّة والتهويديّة والاستيطانيّة التي باتت مشروعة في عرف الإدارة الأمريكية، بينما قطاع غزة يتعرّض لحصار كامل من الاحتلال منذ 13 عاماً عدا عن الاعتداءات جوّاً وبرّاً وبحراً على سكانه والتي أوقعت آلاف الشهداء خلال أعوام قليلة، فيما سجون الاحتلال تعج بآلاف الأسرى الفلسطينيين، يتعرّضون يوميّاً لأبشع وأقسى الانتهاكات، ويستشهدون جراء ذلك، هذا بالإضافة إلى أكثر من 13 مليون فلسطيني مُشتتين في أصقاع الأرض، 6 ملايين منهم يعيشون في مُخيّمات لا تتوفر فيها أدنى مُقوّمات الحياة الإنسانية، منهم من هو محروم من حقوقه الاجتماعيّة والقانونيّة، وآخرون يفتقدون الأمان، وغيرهم أجبروا على الرحيل فلفظتهم مطارات ودول العالم، ليُشكّل كل ذلك مأساة الشعب الفلسطيني بأيدٍ أمميّة في المقام الأول.
لذا يرفض الفلسطينيون اليوم، ضحايا هذا القرار، محاولات الأمم المتحدة بتصحيح خطأها عبر إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في ذات اليوم الذي تمر فيه ذكرى تقسيم وطنهم، بعد أن أقرت هذا اليوم الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1977، فإذا ما سألت الفلسطينيين في مخيمات الشتات يدركك الجواب فوراً: إنها ذكرى التقسيم، وتصحيح الخطأ يكون بالتراجع عن القرار وإعادة الأرض إلى أصحابها، ليس غير ذلك.