فلسطين المحتلة

للأسبوع الثالث على التوالي، تم تأجيل تنظيم مسيرات العودة الكُبرى وكسر الحصار، التي تُقام على أرض مُخيّمات العودة قبالة السياج الأمني العازل الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي المُحتلّة عام 1948، وكان انطلاقها الأوّل في الثلاثين من آذار/مارس عام 2018 بالتزامن مع ذكرى يوم الأرض الخالد.

وكانت الهيئة الوطنيّة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار قد أعلنت بشكلٍ مُفاجئ، مساء الأربعاء 28 تشرين الثاني/نوفمبر، عن تأجيل فعاليات الجمعة المُقبلة لمسيرات العودة والتي كان من المُقرر أن تأتي تحت عنوان "جمعة التضامن مع الشعب الفلسطيني"، وهو يوم دعت له الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة عام 1977 "للاحتفال في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (القرار 32/40 ب)، وفي ذلك اليوم من عام 1947 اعتمدت الجمعيّة العامّة قرار تقسيم فلسطين (القرار 181)"، حسبما ورد على الموقع الإلكتروني لإذاعة الأمم المتحدة.

هذا التغيير الذي حدث في اللحظات الأخيرة يؤجّل مسيرات العودة للأسبوع الثالث على التوالي في أعقاب العدوان الذي شنّه جيش الاحتلال على قطاع غزة، عقب اغتيال بهاء أبو العطا القيادي في "سرايا القدس" الذراع العسكري للجهاد الإسلامي، في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حيث خلّف العدوان (36) شهيداً و(111) إصابة، بالإضافة إلى الأضرار الماديّة التي لحقت بمئات الأبنية والبُنية التحتيّة.

الشهيد بهاء أبو العطا الذي لطالما عُرف بين أهالي القطاع بأنه صاحب الرّد على الانتهاكات والاعتداءات التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في مسيرات العودة، ورفض التماشي مع هذه الاعتداءات التي كان أهالي القطاع يُطالبون فصائل المُقاومة بالرّد عليها وعدم اعتبارها أمراً اعتياديّاً بحق المُتظاهرين في مسيرات العودة، حيث اتهمه الاحتلال بمسؤوليّته عن إطلاق الصواريخ تجاه المُستوطنات في مُحيط قطاع غزة، وعمليّات قنص طالت قوات الاحتلال المُتمركزين شرقي السياج الأمني العازل وغيرها.

وجاء في بيان الهيئة الوطنيّة لمسيرات العودة، الذي وصلت نسخةً منه لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "ارتباطاً بالظروف الأمنيّة الخطيرة جداً، وفي ضوء تهديدات المُجرم نتنياهو بارتكاب حماقة من خلال شن عدوان شامل جديد على قطاع غزة، لحماية نفسه من المُلاحقة على تُهم الفساد، ولإشباع غريزة هذا الكيان الصهيوني المُتعطّشة للدماء، ومن مُنطلق المسؤوليّة الوطنيّة المُلقاة على عاتقنا ومن أجل الحفاظ على حياة أبناء شعبنا، قرّرت الهيئة تأجيل مسيرات العودة التي كانت مُقررة يوم الجمعة القادم، وذلك من أجل تفويت الفُرصة على العدو الصهيوني."

ما تصفه الهيئة هُنا بـ "الظروف الأمنيّة الخطيرة جداً"، كان قد سبقه أحداث مُشابهة شهدها القطاع منذ انطلاق مسيرات العودة، لكن لم يتم التعاطي معها على نفس النحو، فكان الحدث يتطلّب تأجيل جمعة واحدة خلال أو ما بعد العدوان/التصعيد، بما يكفي لتجنّب نسبي للمخاطر الأمنيّة، كونها لا تنتهي بفعل وجود الاحتلال، بالإضافة إلى مُواساة عائلات الشهداء وإحصاء الخسائر وغيرها من جدول الأعمال المُتكررة لغزة بعد كُل عدوان على أهلها.

 

"التفاهمات".. هل هي جزء من الأسباب؟

نفت الهيئة الوطنيّة بدورها أن يكون للقرار ارتباط "بأيّة تفاهمات هُنا أو هُناك، فبوصلتنا ومسؤوليّتنا الوطنيّة ستظل شاخصة باتجاه التمسّك بثوابت شعبنا وحقّه في المُقاومة، وفي الحفاظ على دماء أبناء شعبنا أيضاً من أي مُحاولات غدر صهيونيّة."

والإشارة بالنفي هُنا للتفاهمات التي يجري الحديث عنها منذ نحو عام بين حركة "حماس" في غزة ووساطات أخرى عربيّة ودوليّة في مُحاولة لتخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من (13) عاماً، وتقديم بعض التسهيلات لأهالي القطاع، حسب ما تم تداوله كثيراً خلال العام، والتي لطالما قدّم الاحتلال اشتراطاته لتسهيلها، ورهن بعض بنودها بـ "الهدوء"، كحال مبلغ المُساعدات الذي يُسميه أهالي القطاع بـ "منحة الـ 100 دولار" التي تُقدّمها قطر لبعض الفئات شهريّاً في القطاع، ويتم تجميدها عند أقل حركة تصدر من غزة، حيث يعتبرها وغيرها كُل من الاحتلال والوُسطاء ورقة ضغط على غزة.

وكانت قد شهدت الأيّام الماضيّة بعد العدوان، أنباءً حول البدء بإنشاء مُستشفى أمريكي ميداني جديد شمالي قطاع غزة، قُرب حاجز بيت حانون "إيرز"، وهو ما لاقى العديد من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك من بعض الفصائل الفلسطينيّة، والذي ردّت عليه حركة "حماس" بأنه يأتي كجزء من التفاهمات الأخيرة "بين الفصائل الفلسطينيّة والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصر والأمم المتحدة"، وفي هذا السياق أوضح المُتحدث باسم الحركة حازم قاسم إنّ قرار إنشاء المستشفى جاء لأنّ جزء من الحصار أثر على الأوضاع الصحيّة بشكلٍ كبير في قطاع غزة.

 

شهيد رغم تأجيل المسيرات

رغم تأجيل المسيرات لهذا الأسبوع، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينيّة خلال الساعات الماضية في يوم الجمعة الذي كان من المُقرر أن تنطلق فيه مسيرات العودة كالمُعتاد، عن استشهاد الفتى الفلسطيني فهد الأسطل (16) عاماً، وإصابة (5) بجروح مُختلفة، برصاص قوات الاحتلال شرقي خانيونس جنوب القطاع.

وأقرّ المُتحدث باسم جيش الاحتلال قائلاً "في الساعة الأخيرة وصل عشرات من الفلسطينيين إلى منطقة السياج الأمني في جنوب قطاع غزة، حيث تم رصد مُحاولات اقتراب إلى السياج لتخريبه، وردّت قوات الجيش باستخدام وسائل لتفريق المُظاهرات ونيران من نوع روغر."

وما حدث ينفي قُدرة قرار تأجيل المسيرات  على التحكّم باعتداءات الاحتلال، التي لطالما نفّذها بغض النظر عن أيّة احتياطات مُسبقة، لكن ذلك لا ينفي مُحاولات التقليل من الخسائر في صفوف الفلسطينيين، وهو ما أكّدته الهيئة الوطنية على لسان أحد أعضائها قبيل الإعلان عن قرار التأجيل بأنّ الهيئة في انعقادٍ دائم للخروج بتصوّر يصون دماء الشعب الفلسطيني.

 

خلافات حول إعادة تنظيم شكل المسيرات

الاستنزاف المادي ليس سبباً وحيداً

حسب مصادر خاصة لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مُطّلعة على ما يدور في اجتماعات الهيئة الوطنيّة لمسيرات العودة، ذكرت أنّه منذ أشهر هناك حديث بشأن إعادة تشكيل المسيرات بحيث تكون الخسائر أقل، وكان هناك مُقترحات بأن تكون هناك جمُعة واحدة في كُل منطقة، أو أن يتم إلغاء مُخيّمات العودة المُوزعة على خمسة مناطق، وتُصبح مُخيّماً واحداً، وهو ما وافق عليه البعض ورفضه آخرون.

ومع مرور عام وثمانية أشهر على المسيرة الكُبرى التي شيّدها أهالي قطاع غزة، حفاظاً على حقّهم في الدفاع عن أنفسهم وقضيّتهم وحقوقهم، في وجه الهجمة الشرسة التي يشنّها الاحتلال وحُلفائه من استيطان ومُحاولات لتصفية قضيّة اللاجئين والتطبيع الذي بدأ يستشري في المنطقة، وما تخلّل هذه المسيرات من تغيّرات من كافّة النواحي وغيرها ممّا جرى في المنطقة، كان لا بُد للهيئة الوطنيّة العُليا لمسيرات العودة، وكافّة الجهات المُشاركة والمُنظّمة، وكذلك المُتظاهرون، إجراء مُراجعات دائمة بشأن هذه التجربة الحسّاسة، بغرض تطويرها وحمايتها والاستمرار في الحفاظ على الحق في التظاهر والدفاع عن حقوق هذه الجموع.

وبطبيعة الحال لم يكن دور الهيئة الوطنيّة العليا يتوقّف على إدارة شكليّة للأمر، لكن كان هُناك تنظيم دائم للتحرك والتجمّع في كافّة المناطق وتجهيز مُخيّمات العودة إن كان من الناحية اللوجستيّة أو الطبيّة أو غير ذلك، وعلمت "بوابة اللاجئين" أنه مُنذ بداية المسيرات ساهمت العديد من الجهات المُشاركة في المُساعدة لتأمين التغطية الماديّة لهذه الاحتياجات، كلّ حسب قُدرته، إلّا أنّ ما يعيشه قطاع غزة من شُح هائل في الموارد الماليّة والحصار الذي يؤثّر على كافّة مناحي الحياة، لم يعد يُمكّن هذه المسيرات من الاستمراريّة على نفس النسق، فبات الأمر يتطلّب إعادة تنظيم وتوزيع بما يُساعد على استمراريّتها والحفاظ على هذا الجُهد الذي سجّل تجربة فريدة للفلسطينيين والعمل الوطني، رغم الكثير من الانتقادات والخلافات والأخطاء التي أحاطت بمسيرات العودة.

لكن لم تقتصر أسباب التأجيل على الجانب المادي، حيث أفادت نفس المصادر بأنّه بعد العدوان الذي شنّه الاحتلال على قطاع غزة في الثاني عشر من الشهر الجاري، طرأ خلاف حول انسحاب بعض الجهات من المسيرات لأسباب أخرى، ولا يزال الأمر الآن بين استمرار الجميع أو انسحاب البعض، وطبيعة وشكل المسيرات فيما بعد، خلال المرحلة المُقبلة.

ومنذ انطلاق مسيرات العودة، استشهد أكثر من (300) فلسطيني وأصيب أكثر من عشرين ألف بجروح مُختلفة، جراء اعتداء قوات الاحتلال على المُتظاهرين السلميين، لكن تجدر الإشارة إلى أنّ مناطق السياج الأمني العازل شرقي قطاع غزة تشهد مُواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال منذ ما قبل مسيرات العودة، وحتى في ظل تأجيل هذه المسيرات يستمر الفلسطينيّون في التوجّه إلى هذه المناطق لمُواجهة قوات الاحتلال.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد