غزة - فلسطين المحتلة
"فيا جُرح الفدا مرحى، فلست الجُرح، إنك في امتداد حقولنا وردة"، على امتداد تاريخ النضال الفلسطيني كتب وغنّى الفلسطينيّون لشهدائهم ولم ينسوا جرحاهم أيضاً، فخلال عام 1982 أخرجت "فرقة العاشقين" للنور ألبوم "الكلام المُباح" متضمناً الأغنية التي لطالما تغنّينا بها في التظاهرات وكُل ذكرى وطنيّة ومع كُل مُواجهة جديدة مع المُحتل، أغنية "وردة لجريح الثورة"، التي كتب كلماتها الشاعر اللاجئ الفلسطيني أحمد دحبور.
بعد أشهر قليلة تمر علينا الذكرى السنويّة الثانية لانطلاق مسيرات العودة الكُبرى وكسر الحصار، التي انطلقت في الثلاثين من آذار/مارس عام 2018، باتجاه المناطق المُحاذية للسياج الأمني العازل، وهو ما يُسميه الفلسطينيّون بالسياج الزائل، الواقع شرقي قطاع غزة ويفصله عن الأراضي المُحتلّة عام 1948.
في هذه المادة التي نُقدّمها عبر "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" لن نُوفي كُل أولئك الشُهداء والجرحى حقّهم، لكن على أمل أن تصل هذه الشهادات لكُل الفلسطينيين في أرجاء فلسطين المُحتلّة، ومُخيّمات وتجمّعات اللجوء في لبنان وسوريا والأردن، وكذلك العراق وكافّة مناطق انتشارهم في الشتات، فهذه الدماء والجراح تستحق.
بعد مُحاولات عديدة تمكّنا أخيراً من التحدّث إلى الشاب حسين أبو سويلم من رفح جنوب قطاع غزة، وهو واحد من آلاف أصيبوا بقنابل الغاز التي يُطلقها جيش الاحتلال خلال قمعه لمُتظاهري مسيرات العودة منذ انطلاقها.
لطالما تعاطى أبناء قطاع غزة مع قنابل الغاز خلال المسيرات في سنوات انتفاضة الأقصى من خلال البصل والمُعالجات الميدانيّة، إلا أنّ ما شهدته مسيرات العودة وكسر الحصار كان نوعاً جديداً من القنابل لم يعهده المُتظاهرون، حيث استخدم الاحتلال ما عُرف في مسيرات العودة بـ "غاز الأعصاب."
قنبلة الغاز جعلته يتجنّب الحياة بأكملها
لم يحصل على علاج نهائيّاً، لجأ للمنوّم، وبعد مرور نحو عامين على الإصابة، يُعاني من ضعف في الذاكرة وارتخاء في الأعصاب، ولم يتمكّن من الإنجاب أو إكمال دراسته، وها هو اليوم بعيد عن كُل شيء يُحاول تجنّب الحياة بأكملها.
اللاجئ حسين أبو سويلم الذي يبلغ من العمر (25) عاماً أصيب خلال مُشاركته في الجمعة الثانية لمسيرات العودة، في السادس من نيسان/إبريل عام 2018، على أرض مُخيّمات العودة شرقي رفح، جراء إطلاق قوات الاحتلال المُتمركزة خلف السياج الأمني العازل لغاز الأعصاب باتجاه المُتظاهرين السلميين.
سألنا المُصاب أبو سويلم عن حاله اليوم بعد الإصابة، يقول: "وضعي الصحي جيد، لكن حتى اليوم يوجد ارتخاء في كافّة أعصاب الجسم، ولم أحصل على العلاج نهائياً، قمت بشراء 7 حُقن مُنوّم على حسابي الشخصي ولم يتعامل معي أحد نهائياً."
في حالة المُصاب أبو سويلم كانت الأطقم الطبيّة تُعطي الأولويّة لإصابات الرصاص الحي والمطاط، وتبقى إصابات الغاز للعلاج الميداني، نظراً لمحدوديّة الاحتياجات واللوازم الطبيّة في القطاع الصحي، إلا أنّ العام الأوّل من مسيرات العودة قد شهد الكثير من الحالات التي انتشر الحديث عنها وكذلك توثيقها بتسجيلات مُصوّرة بُثّت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحدثت عنها العديد من الجهات الطبيّة، لمن أصيبوا بغاز الأعصاب، حيث شاهدنا حالات التشنّج العنيفة والصراخ من شدّة الألم التي يُعاني منها المُصاب.
أبو سويلم شاب مُتزوّج ولديه طفل من قبل الإصابة، لكن حتى هذا اليوم لا يستطيع إنجاب طفل آخر بسبب ارتخاء الأعصاب الذي استمر معه بعد الإصابة، ولم يتمكّن حتى اليوم من إنهاء دراسته الجامعيّة، بقي فصل دراسي واحد للتخرج من كليّة مجتمع الأقصى، تخصص علاقات عامة وإعلام، لكنه غير قادر على استكماله.
"الوضع الصحي الجيّد" الذي وصفه أبو سويلم يتضمّن اليوم مُعاناته من ضعف في الذاكرة وعدم القُدرة على تحمّل المسؤوليّة، بالإضافة إلى قضاء معظم الوقت في النوم، والمزاج العصبي وعدم الرغبة في الحديث وتجنّبه للتعامل مع من حوله.
"لا أكره لكنّي أتجنّب"، هذا ما قاله حسين لختام حديثه معنا، وهذه الحياة التي توقّفت في يوم الإصابة، لم تجد من يُحاول انتشالها حتى اليوم، كحال الآلاف ممّن أصيبوا جراء إطلاق قوات الاحتلال قنابل الغاز بأنواعه المُختلفة اتجاه المُتظاهرين السلميين طيلة أيام المسيرات، وبعضهم من لا يزال يجول بين الأطباء في مُحاولة لإيجاد حل، لكن عبثاً، لم يجدوا مُساعدة تُذكر من أجل استعادة حياتهم.
غازات سامة تؤثر على حياة المصابين لمدى أبعد
في هذا السياق، يقول الدكتور محمود أبو خاطر رئيس قسم جراحة الأعصاب في مُجمّع الشفاء الطبي بمدينة غزة، إنّ الغازات التي يُلقيها الاحتلال خلال التظاهرات السلميّة تؤدي إلى تهيّج للجهاز المُخاطي وسيل الدموع بكثافة، وتؤثر على الجهاز العصبي من خلال خلق حالة إحباط قويّة لدى الشخص المُصاب، ولكن بشكلٍ مؤقت.
وحسب أبو خاطر، إنّ الاحتلال يستخدم مادة Broaceton التي تؤثر على جسم الإنسان مثل تهيّج الأعصاب ومشاكل في القلب والكبد وحكّة في الجسم، وأحياناً تؤدي إلى الوفاة في حال كان جسم المُصاب بالاختناق يُعاني من أحد الأمراض المذكورة.
ويُشير إلى أنّ هناك غازات تُسمى Aerosol والتي تُسبب إزعاجاً بشكلٍ كبير لدى المُتظاهرين، وهي عبارة عن خليط من الغاز بجانب نوع أشبه بالمادة الصلبة كالبودرة الحديديّة، تؤثر هذه المادة على الجهاز العصبي وتجعل المُصاب بحالة إحباط لفترة من الوقت.
زياد في سباق دائم مع الزمن
في صفّ الدبكة وخلف العدسة التي لطالما التقطت أبناء وبنات المُخيّم ورصاصة المُحتل، يرسم البسمة على شفاه أطفال المُخيّم وينضم لصفوف المُتطوّعين هُنا وهُناك، هكذا كان قبل إصابته برصاص قوّات جيش الاحتلال التي أدّت إلى بتر قدمه.
زياد ابن الثلاثة وعشرين ربيعاً كان يعني تلك الحياة التي تركض في شوارع وأزقّة المُخيّم، ويُسابق عجلة الزمن ليتواجد في كُل مكان، انطلق للمُشاركة في التغطية الإعلاميّة لمسيرات العودة الكُبرى منذ بدايتها، إلى أن أصيب بتاريخ 28/9/2018 شرقي مُخيّم البريج للاجئين وسط القطاع، قُرب موقع "أبو مطيبق" العسكري.
كان مُدرّب أنشطة للأطفال في جمعيّة "آفاق جديدة" التي يقع مقرّها في مُخيّم النصيرات للاجئين وسط القطاع، وكان مُدرّب للدبكة الشعبيّة وانخرط في صفوفها منذ الطفولة حين كان يبلغ من العُمر تسع سنوات، كما كان عضواً في فرقة دبكة، وصحفيّاً يعمل مع عدّة وكالات إخباريّة.
وعمل أيضاً في مسرح أفكار الطفل، الذي يقوم على تنظيم الاحتفالات والمهرجانات للأطفال وتعليمهم من خلال مسرح الدُمى والمُهرجين والمُسابقات، وتطوّع في عدة فرق خاصة في مجال الترفيه عن أطفال المُخيّم، إلى أن أصيب في قدمه، حيث اختلف كُل شيء.
يقول اللاجئ زياد علي الشطلي من مُخيّم النصيرات وسط القطاع: "الجنود الي كانوا موجودين عند أبو مطيبق انجنوا، فش ولا شب مبيّن، كلهم قاعدين تحت التلّة ومش مبينين للقناصة ولا الي على التلّة ولا حتى الموقع، وقاعدين تحت ساتر، فالجيش انجن وبدهم يشوفوا أي حدا ويقعّدوه، فكانت نصيبي."
ويُتابع: "شرق البريج قالوا في عنّا شهيدين وأنا الثالث، قبل ما أتصاوب شفت مجموعة بنات واقفين قبل السلك فش بينهم وبينه مترين، كان في بنت واقفة وحاملة علم فلسطين وقبالها دبّابة وبوز المدفع جاي ع البنت، إذا فاكرة صورة فارس عودة كيف؟ شبيهة فيها بتقدري تقولي 95 بالمية، الفرق إنه فارس عودة كان ماسك حجر والبنت كانت ماسكة علم."
يقول زياد إنه باعتباره يعمل مُصوّراً صحفياً، قد أعجبه المشهد فذهب باتجاه الفتاة والدبابة، قائلاً: بيّنت للجنود، الي كانوا مبينين هم البنات بس، أما الشباب محدش كان مبين ولا حتى الصحفيين، أنا لما شفت الموقف البنت والدبابة مشيت تجاههم، رحت قعدت رجل ونص وأخدت الصورة الي بدي ياها، بدي أشوف الصورة إذا كانت زبطت أو لأ، الكادر صح ولا مش صح، متعوّد آخذ كذا صورة لنفس المشهد وانا قاعد براحتي."
وأكمل حديثه "شفت الصورة الأولى وبدي أوقف عشان أعمل إعدادات الكاميرا، مسافة ما أنا وقفت كانت الرصاصة داخلة برجليي التنتين، يعني انا لو موقفتش الرصاصة كانت جياني برقبتي أو راسي، لو بدنا نقيس المسافة بس ارتفاع الرصاصة عن الأرض وأنا واقف وأنا قاعد، الرصاصة كانت حتيجي برقبتي أو راسي وأنا قاعد، بس وقفت، كانوا مجانين بدهم بس يشوفوا حدا عشان يطخوا عليه، محدش كان مبيّن فكانت من نصيبي أنا."
زياد حذف الصورة التي ضحى بقدمه من أجل التقاطها، يقول:
"الصورة هذي كانت سبب وفاتي، حذفتها أول ما صحصحت بالمستشفى، وحذفت تسعين بالمية من الصور الي صوّرتهم ع الحدود، كنت مُتشائم نوعاً ما، فحذفتهن"
انعدام الرعاية تسبّب في بتر القدم
يتحدّث بمرارة عن التفاصيل التي مرّ بها خلال فترة إصابته ومكوثه في مُستشفى الشفاء الطبي بمدينة غزة، بين انعدام الرعاية والشكوى التي لا تلقى استجابة إلى أن بُترت قدمه وتُرِكَ لترميم حياة قنصها جُندي في جيش الاحتلال كان قد جنّ جنونه ليقنص أي شاب شرقي المُخيّم في ذلك اليوم.
الإصابة التي يتحدث عنها زياد كانت عبارة عن طلق ناري مُتفجّر في القدمين، حيث دخل في رجله اليُسرى وانفجر في اليُمنى، والتي أدت فيما بعد إلى بتر قدمه وقلب حياته كُليّاً.
يتحدّث زياد عن انعدام الاهتمام والرعاية الصحيّة التي واجهها خلال فترة تواجده في المستشفى، فيقول "الشرشف الي كان تحتي كان يصير لونه أحمر، وعادي مكانش يفرق معهم، كانوا يحكولي هاد رشح واشي طبيعي، ولما بدنا نغيّر الشرشف يحكولنا فش شراشف أو الشراشف بالغسالة، فكانت الرعاية سيئة كتير."
ويُتابع عن حالته "اشي طبيعي دم بينزل من رجلي ع الشرشف وبكتيريا ونيلة وقرف، وأنا رجلي مفتوحة كان مفروض في مُتابعة أكتر من هيك، وممكن يكون بتر رجلي إلو علاقة بالأطباء في مستشفى الشفاء."
زياد قام بـ (3) عمليات من أجل وصل الشريان الرئيسي المُغذّي للقدم، حيث أخذوا شرياناً من رجله اليُسرى، والعمليّة الرابعة كانت البتر، وهُنا يقول إنه حين دخل في العملية الثالثة كان هُناك نزيف حاد ولا يعرف ما الذي حدث في العمليّة، وحين خرج منها كانت قدمه المُصابة بالطلق المُتفجر مُلتفّة بالجبصين.
يُوضح حول الأمر قائلاً "رجلي اليمين الي فيها الإصابة جبص نصفي، حامي وسخن، ورجلي مفتوحة، فأكيد رح يصير التهابات، أنا كُنت نايم وصحيت بحكي لأبوي رجلي سخنة، بيقلي كشّفها يمكن عشان متغطي، شلت الحرام عن رجلي حسيت الحرارة بتطلع لما صارت بجسمي كله."
ويصف ما حدث معه: "رفعت الحرام كُله عن جسمي، شفت رجلي بتنزل دم، انجنيت وناديت ع أبوي يابا تعال في دم، أبوي نادى المُمرضين، الممرض قال هاد رشح عادي، وضغطلي ع الشريان من مفصل الحوض، عشان يعني إذا كان نزيف يوقف، ووقف الدم بطّل ينزف، بعد دقيقة تقريباً يمكن أقل رجلي من عند مكان الإصابة صارت شلال دم وأجوا المُمرضين يجروا، هيو يعني صار نزيف ومضلش أمل لرجل زياد إنها اتضل، وغرغرينا ومن هالحكي فقرروا البتر."
يعود في حديثه إلى أيامه الأولى في المستشفى، فيقول "أول عمليّة عملتها بالشفاء هي العمليّة الأولى بعد الإصابة طلعوني من غُرفة العمليّات وحطوني على سرير بالممر، طب دخلوني بغرفة؟ مُمرض يجي يطل عليي؟ أبدا فش حدا، قاعد بالممر وبس صحابي وقرايبي حواليي، أما مُمرض يجي يتطمّن ع حالتي؟ فش إلا إذا حد راح نادى مُمرض."
حتى اللحظة يتحدّث زياد بمرارة عن انعدام الرعاية الذي عانى منه في فترة إصابته داخل المُستشفى، ويقول: "قصة انه رجلي تتجبص وهي مفتوحة مُمكن كانت سبعين بالمية سبب لبتر رجلي، لأنه الجبص بطبيعته سخن وحامي، ولما ينحط ع جرح مفتوح، رجلي من ورا الركبة كانت مفتوحة من مكان انفجار الرصاص، وبالشفا فتحوا رجلي، البطة من تحت الركبة لعند الرمانة من الجهتين كانت مفتوحة، فإنه كيف تتجبص الرجل وهي مفتوحة بعرفش، غصبن عن أهلها بدو يصير فيها التهابات وتأدي للغرغرينا، اشي حامي وحطيه ع جرح مفتوح حتلتهب، فبعرفش العقلية الي كانت عندهم كيف دارسين عنجد طب وتمريض ولا لا."
يُواصل حديثه وكأنّ المشهد يتكرر أمامه ويعيشه اليوم مُجدداً: "كُل عمليّة كُنت أدخلها بكون ميّت، بيكون عندي نزيف وبيكتشفوه لما دمّي يتصفّى، فش مُتابعة، محدش بيجي يرفع الشرشف عن رجلي يشوف شو مالها، حتى الشرشف الي كانوا يغيروه من تحتي هم ولاد عمي، المُمرضين مكانوش يعملوا هيك."
ما بعد الإصابة.. "كنت أمسك جلدي بإيدي وأشيله عن رجلي أمزع الجلد"
اليوم زياد فقد عمله بسبب الإصابة، لكن مُمتناً كونه لم يتبقّ عمليّات أخرى في رحلته مع العلاج، إلا أنه ربما يحتاج للسفر خارج غزة من أجل تركيب طرف صناعي، فكان قد قام بتركيب طرف في غزة إلا أنه وصفه بالسيء حيث يتسبّب له بالتقرّحات في رجله ويتسبّب له بالأذى.
يقول زياد "كُل مشوار كُنت أطلع بالطرف كُنت أروّح تعبان ومش قادر، بيضغط رجلي كتير، بتوجّع منه، الفترة الأخيرة صار يعملّي تقرحات، يعني لما كنت أشلح الطرف كنت أمسك جلدي بإيدي وأشيله عن رجلي أمزعه. الجلد، كذا مرة أوقع، أكون ماشي بالشارع ويوقع بسبب الطرف، ومرة انكسر معي."
"فجأة انقطعت رجلي، بعد الإصابة تغيّرت حياتي كُلها، الأشياء الي كُنت أعملها كُنت أحبها انحرمت منها فجأة، بطّلت أدرّب دبكة، بطّلت أدبك، بطّلت أشارك باحتفالات الأطفال، اتضايقت بالبداية انه كُنت أشوف صحابي بيطلعوا ع المسرح بيدبكوا وأنا لأ، الأشبال الي كُنت أدربهم دبكة صاروا ينزلوا احتفالات ويدبكوا، الإشي كان صعب."
يتحدّث زياد عن المرة الأولى التي خرج فيها بعد الإصابة "بالبداية أول طلعة إلي واتجهت للمكان الي بيكونوا فيه أطفال عن بجمعيّة آفاق، أنا كُنت بدي أقلك زيي زيهم أطفال هدول، وأنا كُنت مُدرب أنشطة إلهم ألعبهم وأعمللهم مسابقات فكانوا يحبوني، لما كنت اروح عندهم قبل الإصابة كانوا يجروا عليي عمو زياد عمو زياد، أول طلعة إلي بعد البتر ع الروضة عند الأطفال خافوا منّي أنا شفت نظرة الخوف بعينيهم، انه متعودين ع زياد بشكل وشافوه بشكل تاني، رجل ونص، كشّوا مني، وخلص أنا منعت حالي إني أروح تاني، معجبنيش الموقف الي صار إلي وللأطفال، الإشي كان صعب وبيضايق."
بعد نحو أسبوع من خروجه الأوّل للحياة بعد بتر قدمه، كان هُناك حفل في مدرسة للفريق ودعاه رفاقه للذهاب معهم، يقول: "طلعت ونزلوا يدبكوا، فأنا متحمّلتش يعني، مفروض أكون بينكو وأدبك معكو، بس الّي صار معي منعني أنزل، فعيّطت واتضايقت، فمش صح إنه أضل هيك وبديش أعيش عمري كله هيك."
زياد ينتشل نفسه مُجدداً
يقول زياد إنه حين كان يرى رفاقه يقومون بما كان يقوم به سابقاً، كان ينزعج ويحزن "ضغط على حالي وقسيت ع حالي شوية لحد ما صار الأمر عندي عادي، وصرت فرقة الدبكة الّي كُنت فيها، بحُكم إنه مش قادر أرجع أدبك، فالأشخاص الّي درّبتهم قبل وانقطعوا، رجّعتهم تاني للتدريب وانضمّوا للفرقة، درّبت قبل ما أتصاوب بنات بمُخيّم المغازي، كلّمتهم وضمّيتهم للفرقة الّي كُنت أدبك فيها."
"شُفت حالي فيهم، يعني اوك انمنعت أدبك، بس لأنه صرت أشوف الفرقة كاملة بتطلع ع المسرح وتدبك، بحس حالي بينهم واقف، انه زياد لا ما انقطعش لسة موجود واقف، فبعتبره إنجاز إلي."
أرقام حول مسيرات العودة
أصدرت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة تقريراً قبل أسابيع، يُغطي الفترة من بداية انطلاق مسيرات العودة الكُبرى بتاريخ 30/03/2018 وحتى 23/11/2019 حول حصيلة الشهداء والجرحى وطبيعة هذه الأعداد من حيث التوزيع الجغرافي والعمري والنوعي وأداة الإصابة وغير ذلك من تفاصيل أخرى.
حسب تقرير الصحة إنّ حصيلة شهداء المسيرات حتى التاريخ المذكور بلغ (316) شهيداً، فيما بلغ عدد الإصابات (35703) بجروحٍ مُختلفة، والنسبة الأكبر من الإصابات هُم أشخاص ما بين (18 – 39) عاماً.
ويُشير تقرير الصحة إلى أنّ (2.4) بالمائة أصيبوا في كافة أنحاء الجسد، (48.2) بالمائة من الإصابات كانت في الأطراف السُفليّة، و(10.1) بالمائة في الرأس والرقبة، والأطراف العلوية (14.5) بالمائة، وإصابات الصدر والظهر (4.9) بالمائة، والبطن والحوض (4.1) بالمائة، وسُجّل (15.7) بالمائة إصابات أخرى.
فيما (40.7) بالمائة من المُصابين كانوا من الرصاص الحي، و(7.7) بالمائة ناتج عن الرصاص المعدني المُغلّف بالمطاط، و(13.0) بالمائة نتيجة لاستنشاق الغاز المُسيل للدموع، والشظايا (10.7) بالمائة، وأدوات أخرى (7.4) بالمائة، أما انفجار قنابل الغاز فكان (9.7) بالمائة، والصدمات والكسور والكدمات (9.2) بالمائة، والانفجارات (1.7) بالمائة.
وسُجّل في التقرير (26) حالة شلل، منهم (42.3) بالمائة في الأطراف السُفليّة، و(158) حالة بتر أطراف من بين الإصابات، قُسّمت بواقع (124) حالة بتر في الأطراف السُفليّة، و(4) حالات بتر في الأطراف العلويّة، و(30) حالة بتر أصابع يد. فيما جاء توزيع حالات البتر عُمريّاً بواقع (29) حالة بتر لمن هُم أقل من (18) سنة، (125) حالة بتر من (19 – 55) عاماً، و(4) حالات بتر لمن هُم أكبر من (55) عاماً.