صابر حليمة - لبنان
ها هو عام 2020 قد أتى، وارثاً عام 2019 بما شهده من أحداث وسوابق أفرحت اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تارة، وأحزنتهم أخرى، وفرجت عنهم همومهم مرة، وزادت من حدتها في مرات عديدة.
حراك المخيمات.. الحدث الأبرز في 2019
لا شك أن الحدث الأبرز الذي شهدته المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان كان الحراك غير المسبوق ضد خطة وزير العمل اللبناني السابق كميل أبو سليمان لـ "مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية"، والتي لم تستثن الفلسطينيين، ولم تراع أي خصوصية لهم وللأوضاع السيئة التي يرزحون فيها.
في منتصف شهر تموز/يوليو، اندلعت شرارة هذا الحراك، حينما أغلق موظفو وزارة العمال مؤسسة "عارف للسيراميك" في منطقة الكورة، ليشعر الفلسطينيون بعدها أنهم مهددون بلقمة عيشهم التي بالكاد كانوا يحصلونها.
استمر الحراك لأسابيع عديدة، ولقي مشاركة لبنانية شعبية كبيرة، وتصدر مخيما عين الحلوة ونهر البارد التحركات، التي بلغت ذروتها في شهر آب/أغسطس.
وعلى الرغم من أن أبو سليمان لم يعرب بشكل علني عن وقف الإجراءات ضد اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن الوزارة أوقفت تلك الإجراءات بحقهم، وأعلن أبو سليمان في أكثر من لقاء أن "الخطة لم تكن تستهدف الفلسطينيين".
في الأروقة السياسية، شكل رئيس الوزراء السابق سعد الحريري لجنة فيها عدد من الوزراء، لتدرس الملف الفلسطيني برمته، لكن، وكعادة كل اللجان، لم تتوصل إلى أي نتائج.
الأزمة اللبنانية وانعكاساتها على المخيمات
انتهى الحراك في المخيمات الفلسطينية، لكن حراكاً لبنانياً أوسع اندلع في البلاد، رفضاً للأوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية المتفاقمة في سوئها.
في 17 تشرين الأول/أكتوبر، خرج اللبنانيون، في حدث غير مسبوق، بشعارات اقتصادية معيشية موحدة، بعدما فرقتهم الخلافات السياسية والانقسامات المذهبية لعقود تعود إلى يوم الاستقلال.
كانت بوادر الانهيار في لبنان هي الدافع وراء هذه التحركات، التي أشعل شرارتها قرار من وزير الاتصالات محمد شقير بفرض ضرائب على مكالمات تطبيق "وتسآب"، وجميع تطبيقات التواصل الأخرى.
ومع مرور الايام والأسابيع، بدأت ملامح الانهيار تظهر وتلقي بثقلها على اللاجئين عموماً، والفلسطينيين تحديداً، فضلاً عن اللبنانيين، إذ تدهورت العملة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي وارتفعت الأسعار بشكا جنوني، وشرعت المصارف بفرض قيود على المودعين وعلى التحويلات المالية، ما كان له بالغ الأثر على جميع القاطنين في البلاد.
فلسطينياً، كان اللاجئون منهكون بعقود الحرمان من حقوقهم المعيشية والإنسانية الأساسية، وما تلاه من وزارة العمل، ليختموا عام 2019 بظروف مأساوية، وصلت فيها نسب البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، وسط مناشدات إلى حلول فورية من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية، خوفاً من انفجار معيشي محتمل.
العاصفة "لولو" وآثارها المدمرة
وكأن سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية لم يكف اللاجئين في المخيمات، لتأتي عاصفة شديدة وتترك أثاراً مدمرة على عدد من المنازل.
كشفت العاصفة "لولو"، التي اشتدت وطأتها في كانون الأول/ديسمبر، عن ترهل البنية التحتية في المخيمات، وخصوصاً تلك المنازل القريبة من البحر في مخيم الرشيدية، والتي أجبر أهلها على تركها بسبب الأضرار الهائلة التي حلت بها.
ويطالب الأهالي السلطات اللبنانية بإعطاء التصاريح اللازمة لبناء سد بحري أو كواسر للأمواج، تحول دون دخول مياه البحر إلى منازلهم.
وفي مخيم شاتيلا، نجت عائلة من موت مؤكد عقب انهيار سقف منزلها بفعل الرياح القوية ومياه الأمطار الغزيرة.
ويبقى حظر دخول مواد البناء إلى المخيمات، أحد الاسباب الرئيسية التي تحول دون تأهيل البنية التحتية السيئة ومئات المنازل الآيلة للسقوط.
تدن كبير في نتائج الشهادة المتوسطة
كانت نتائج الشهادة المتوسطة الرسمية "بريفيه" كارثية لم يشهدها مجتمع اللجوء الفلسطيني في لبنان.
لم يتجاوز معدل النجاح ضمن المدارس التابعة لـ "أونروا" الـ 43.57% ، والتربويون والأهالي يحمّلون سياسات الوكالة التقشفية السبب الرئيس في هذا التراجع غير المسبوق.
وبرزت مطالبات بوقف سياسة "الترفيع الآلي" وسياسة التقييم الجديدة لمستوى الطالب، إلى جانب انتقادات لقرار وضع 50 طالباً في الغرفة الصفية الواحدة وإلغاء الرسوب نهائياً في الحلقة الأولى من التعليم الأساسي.
وفي سياق متصل، تمكّن أهالي مخيم البداوي من إفشال مخطط لدمج مدارس "أونروا" في المخيم.
نزع السلاح من مخيم المية ومية
في شهر أيار/مايو، توصل الجانبان الفلسطيني واللبناني إلى تفاهم يقضي بإخضاع مخيم المية ومية للسلطات اللبنانية، وذلك عقب اشتباكات أدت لعشرات القتلى والجرحى.
ويقضى التفاهم بإقفال المراكز العسكرية لمختلف الفصائل بعد نقل أسلحتها طوعاً إلى مستودعات خاصة بها داخل مخيم عين الحلوة القريب، وإزالة السواتر الترابية وفتح الطرقات داخل المخيم وفي محيطه، ورفع حاجز الأمن الوطني الفلسطيني، وأن يسير الجيش اللبناني دوريات داخله ويدخل ويخرج إليه ومنه متى شاء.
ودخل الجيش اللبناني المخيم لأول مرة منذ إنشائه، ليكون بذلك المخيم الثاني بعد مخيم نهر البارد منزوع السلاح، ويخضع بشكل مباشر وغير مباشر للسلطة الأمنية اللبنانية.
حراك فلسطيني ضد المخدرات
شهد مخيم شاتيلا استنفاراً ورفضاً شعبياً لآفة المخدرات المنتشرة في أرجائه، حيث شارك الأهالي في مظاهرة حاشدة لمطالبة الفصائل الفلسطينية والقوى الأمنية اللبنانية بوضع حد لهذه الآفة، بل وأحرق الأهالي وكراً لأحد التجار.
وتفجّر الاحتجاج، عقب اعتقال الشاب، سعيد الشرقاوي، عند مدخل المخيّم الرئيسي من قبل مخابرات الجيش اللبناني، أثناء قيامه مع عدد آخر من شبّان المخيّم بدوريّة أهليّة لمنع تجّار المخدرات من الوجود في النقطة التي يتمركزون فيها، والكائنة في أحد الزواريب المطلّة على الشارع الرئيسي للمخيّم، الأمر الذي أثار غضب الأهالي الذين طالبوا باعتقال تجّار المخدرات بدل الشبّان الأبرياء.
وفي مخيم برج البراجنة، شكلت لجنة أمنية بعد غيابها لأكثر من عام، لتضع مكافحة تجارة المخدرات ضمن أولوياتها، لكن النزاعات الفصائلية حالت دون أي أثر ملموس لهذه اللجنة حتى اليوم.
تحسّن الوضع الأمني في عين الحلوة
على الرغم من الأحداث الأمنية التي شهدها مخيم عين الحلوة، والتي كان أبرزها مقتل بلال العرقوب عقب اغتياله الشاب حسين علاء الدين، لكن الأوضاع الأمنية في المخيم تشهد تحسناً مستمراً بخلاف حال السنين القليلة الماضية.
وقتل العرقوب علاء الدين في الشارع الفوقاني خلال مظاهرة جمعة الغضب الثالثة ن الحراك الفلسطيني ضد إجراءات وزارة العمل.
وتداول ناشطون مقطع فيديو يظهر العرقوب وهو يطلق النار على علاء الدين وهو جريح ملقى على الأرض، قبل أن يُنقل إلى مستشفى لبيب، حيث فارق الحياة، لكن الهدوء عاد سريعاً إلى المخيم عقب التمكن من إنهاء ظاهرة العرقوب خلال أيام.
شاهد الفيديو