الدوحة – قطر
 

أكد مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عزمي بشارة، أن الجديد في  مبادرة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب من أجل التسوية في الشرق الأوسط أنها "تبدأ من الصفر، منقطعة عن المبادرات الأمريكية السابقة".

وأوضح بشارة، في ندوة في مقر المركز العربي للأبحاث، بعنوان: "صفقة ترامب - نتنياهو: خطة اليمين الأمريكي - الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية في سياق تاريخي"، أن الولايات المتحدة حاولت تاريخياً لعب دور الوسيط كدولة عظمى مع انحيازها الكامل للاحتلال الإسرائيلي، واصفاً مبادرة ترامب بـ "كسر" مع المبادرات السابقة، إذ قررت إدارته التخلي عن دورها كقوة عظمى ليس في فلسطين فحسب، وإنما في أماكن أخرى في العالم.
 

انقلاب إدارة ترامب على المبادرات السابقة

كما أشار إلى أن الاحتلال كان دوماً هو الطرف الرافض للمبادرات الأمريكية للتسوية، بما فيها رفضه لمبادرة السلام العربي، نافياً الادعاء القائل بأن العرب يرفضون المبادرات السلمية.

وقدم بشارة تاريخاً موجزاً للمبادرات الأمريكية المتعلقة بالصراع مع الاحتلال، بدءاً من مبادرة روجرز عام 1970، والتي تعاملت مع الصراع باعتباره قضية "ما ترتب على حرب حزيران"، انتهاء بمبادرة الرئيس السابق، باراك أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري، والتي حال الاحتلال دون تنفيذها جراء رفضها قبول شرط وقف الاستيطان خلال المفاوضات مع الفلسطينيين.

وفيما يتعلق بالمبادرة الحالية، قال بشارة: إن القائمين عليها باشروا بتنفيذها قبل الإعلان عنها مؤخراً، إذ قاموا أولاً بنقل السفارة الأمريكية لدى الاحتلال إلى القدس، ثم أعلنوا "قانونية" البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة ولم يعتبروه عائقاً أمام "السلام"، إضافة إلى وقف تمويل وكالة "أونروا" للاجئين، بما له من تداعيات، ثم إغلاق مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة، كنوع من الانقلاب على اتفاقيات أوسلو، التي تبعها افتتاح مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

وهو ما رآه بشارة بالموقف الأمريكي الجديد الذي يعبّر عن "الكسر" مع المبادرات السابقة، التي اعتبرت معظمها الاستيطان غير قانوني وعائقاً في وجه أي تسوية.
 

صفقة لدواع انتخابية تتضمن خطاباً استعمارياً

إلى ذلك، اعتبر بشارة أن ما كُشف عنه مؤخراً هو في الواقع "صفقة بين ترامب - نتنياهو" لدوافع انتخابية، إذ يتشارك الطرفان القواعد الاجتماعية ذاتها.

وأكد أن "الخطة تسعى لإنهاء قضايا الحل الدائم بالقوة، وعملاً بـ"حق القوة" وليس بـ"قوة الحق"، أي أن الطرف القوي من حقه فرض الوقائع على الأرض".

ولفت بشارة إلى أن "الخطة" لم تستخدم كلمة "احتلال" بتاتاً، وتضمنت خطاباً استعمارياً وصائياً يعود للغة القرن التاسع عشر، ويتبنى السردية الصهيونية كاملة، إذ خصصت فقرات لعلاقات اليهود التاريخية مع مدينة القدس منذ 3 آلاف سنة باعتبارها "مركزاً سياسياً" و"عاصمة" لليهود منذ ما قبل الميلاد، في زمن لم تكن فيه عواصم ولا مراكز سياسية.

وبحسب بشارة، فإن تبني السردية الصهيونية والتشديد على "أمن إسرائيل" وتجاهل معاناة الفلسطينيين نتيجة الاحتلال، يمكن في أن الخطة أعدها مقربو ترامب المتبنين عقيدة صهيونية متطرفة.

كما أشار إلى اعتبار الخطة للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كـ"أراضٍ مرهونة في حرب دفاعية"، هو تبنٍ المفردات والخطاب والإسرائيلي بالكامل، الذي يعتبر الحروب الإسرائيلية كلها دفاعية، بما فيها حرب 1967 التي بادر إليها الاحتلال بعدوان مفاجئ ضد دول عربية.

وأوضح "طغيان لغة المستثمرين العقاريين" على الخطة، من ناحية إيراد التفاصيل الدقيقة للمشاريع التي من المزمع إنشاؤها حسب البنود، بما فيها طرح أفكار مثل افتتاح مطاعم ومراكز تجارية للفلسطينيين وغيرها.
 

مغالطات عديدة في "الخطة"

وفي سياق آخر، عدّد بشارة مغالطات تضمنها نص "الخطة الأميركية – الإسرائيلية".

وأورد على سبيل المثال، أن الخطة تشير إلى انسحاب الاحتلال من 88% من الأراضي التي احتلها إبان نكسة 1967، والقصد هو سيناء، التي تم التخلي عنها ضمن اتفاقية أحادية مع النظام المصري.

وذكر في الوثيقة مصطلح "لاجئين يهود"، في إشارة إلى اليهود العرب ممن هاجروا إلى كيان الاحتلال، مطالبة بتعويض الاحتلال عن تكاليف استيعابهم، وجعلهم بموازاة اللاجئين الفلسطينيين، موضحاً أن "إسرائيل نفسها لا تعتبرهم لاجئين، وإنما "قادمين جدد".

وفي هذا الصدد، ركّز بشارة على المغالطة الكبيرة في القفز عن الدور البارز للحركة الصهيونية، في محاولة إقناع هؤلاء اليهود بالهجرة إلى كيان الاحتلال وكذلك في تهجيرهم لحاجة الحركة الصهيونية بعد إقامة الدولة إلى أياد عاملة، معتبراً هذه المغالطات "مجرد كلام سجالي لا يرقى إلى أن يكون مجادلة سياسية".

وفي مقابل قضية "اللاجئين اليهود" المزعومة، تضمنت "الخطة الأمريكية-الإسرائيلية" إلغاء حق العودة لأي لاجئ فلسطيني، كإعلان صريح وغير مسبوق لإنهاء مسألة اللاجئين وحق العودة بالمطلق.

ومن المغالطات التي أشار إليها بشارة، هي أن الخطة تضمنت إمكانية الاستيراد المشروط من مينائي حيفا وأسدود، لكنه أوضح أن هذا ما يحدث في الواقع الذي يفرضه الاحتلال الآن ولا يتضمن أي تنازل، إذ إن الفلسطينيين يستوردون منتوجاتهم إلى الضفة عبر حيفا وأسدود.

وفيما يتعلق بعبارة "لا تعتقد إسرائيل والولايات المتحدة أن دولة إسرائيل ملزمة قانونياً بتزويد الفلسطينيين بمئة في المئة من الأراضي المحتلة"، أكد أن هذه العبارة تشكل الموقف الأمريكي-الإسرائيلي المشترك وتمثل الإرادة الإسرائيلية.
 

"ترانسفير" وتخلص من الكتل الديمغرافية الفلسطينية

وفي سياق مختلف، أوضح بشارة أن طرح تبادل أراضٍ في الخطة، منها تبادل المستوطنات مع مناطق صحراوية في النقب ومنطقة المثلث، هو "ترانسفير وتخلص من الكتلة الديموغرافية التي يمثلها هؤلاء الفلسطينيون".

وذكر أن المصطلحات الواردة في الخطة، كـ "عدم إخلاء أي يهودي أو عربي"، هو المرادف الفعلي لعدم إخلاء المستوطنات، لأن الفلسطينيين تم تهجيرهم أصلاً، وهو تجاوز حتى لأرئيل شارون، الذي تضمنت إستراتيجياته إخلاء بعض المستوطنات، أو كما حصل في غزة من إخلاء لكافة المستوطنات والمستوطنين.

كما عرّج بشارة على "مفهوم" السيادة الوارد في الخطة، حيث يكون مرناً "كي لا يكون عائقًا أمام السلام"، معتبراً أن هذه "المرونة"تكون فقط عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، وهو ما يؤكده، بحسب بشارة، الإصرار على وضع "الأمن الإسرائيلي" كشرط في معظم بنود الوثيقة.

وينتهي بشارة إلى خلاصة أن ما تقترحه مبادرة ترامب هو باختصار الوضع القائم، وتشريع له، مع تشريع ضم 70% من أراضي مناطق "ج"، ومع "دولة فلسطينية" لا تتعدى كونها تسمية من دون استحقاقات.

متابعات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد