وسام مجيدي - العراق

يتابع موقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قضيّة المعتقلين الفلسطينيين في سجون السلطة العراقيّة، وهو ملف أمضى 17 عاماً من التغييب والنسيان على رفوف القضاء الأعلى والمحاكم في البلد، فحالة اليتم التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون هناك، حيث لا سند لهم أو عشيرة، أو معبرات سياسية تتابع أحوالهم وتتفقّد أوضاعهم من النواحي القانونية والإنسانيّة، جعلتهم عرضة لإلباسهم تهماً وجرائم، بعد تعريضهم لأبشع وسائل التعذيب والضغط والإجبار، بعضها يتخطّى حدود الآدميّة.

 

أساليب غير آدمية لنزع اعترافات مفبركة

وفي إفادة صادمة، حصل عليها "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" لأحد المعتقلين الفلسطينيين المغيّب مع والده في سجون السلطات العراقية منذ سبع سنوات، كان قد تقدّم فيها لنيابة الإدعاء العام أمام محكمة التحقيق في بغداد، بصفة مُشتكي، يعرض فيها بعض التفاصيل الصادمة، عن طرق التعذيب والإجبار، من أجل انتزاع اعترافات عن جرائم لم يرتكبها، ومن ضمنها وسائل غير أخلاقيّة، يندى لبشاعتها جبين الانسانيّة.

ويقول المعتقل وهو من سكّان تجمّع البلديات للاجئين الفلسطينيين بالعاصمة العراقيّة، في نصّ الإفادة، المخطوطة بوثيقة رسميّة صادرة رئاسة الادعاء العام في مجلس القضاء الأعلى ما نصّه :" بتاريخ 17/3/2012، تم اعتقالي من قبل قوات الشرطة الاتحادية  وتم ايداعي في الشعبة الخامسة(...) وتم ايداعي لمدة شهرين تقريباً في نفس المقر، وهناك تم تعذيبي بشتى انواع التعذيب من الصعق بالكهرباء وضربي بواسطة الكيبلات لإجباري على الاعتراف بحوادث لم أعرف عنها أي شيء وتم إمضائي على افادات بيضاء لا نعرف ما محتواها".

ويتابع نصّ الإفادة في سرد الوقائع الصادمة التي تعرّض لها لغرض إجباره على الإمضاء، ما نصّه : "وأراد المحقق إجباري على فعل اللواط  بوالدي، الموقوف معي، وأني رفضت، مقابل إمضائي  على تلك الإفادات  وعليه أطالب بإرسالي الى لجنة طبية لإثبات صحة ادعائي"

وينهي المعتقل افادته بما نصّه: "وإني لا أطلب الشكوى في الوقت الحاضر، ضد أي محقق قام  بتعذيبي واستدرك أنّ أوراقي مودعة لدى مكتب جرائم (...)  ومنظورة  من قبل محكمة التحقيق المركز في الرصافة  وهذه افادتي".

 

 
 

وتدلل هذه الإفادة، إضافة إلى العديد من الشهادات للاجئين فلسطينيين وذوي معتقلين وأصحاب رأي واختصاص من حقوقيين وسواهم، على مستوى الظلم والتعسف الذي يطال المعتقلين الفلسطينيين في السجون العراقيّة، ومعظمهم اقتيدوا افتراءً، لإلباسهم تهماً تتعلّق بالأعمال الإرهابيّة التي عصفت بالبلاد منذ تولّي الأحزاب الطائفية مقاليد الحكم، إثر الاحتلال الأمريكي عام 2003.

وهو الأمر الذي تؤكّده والدة المعتقل صاحب الإفادة، التي سردت لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" بعض الوقائع عن اعتقال ابنها وزوجها، بناء على افتراءات كيديّة من قبل أحد أبناء المنطقة، ممن له علاقات مع الأحزاب الميليشياوية الحاكمة.

وتقول الأمّ التي طلبت عدم ذكر اسمها:" قبل سبع سنوات خرج ابني ووالده إلى مكان عملهم في أحد أحياء بغداد، حيث زوجي يملك محلاً صغيراً لكسب رزقه، فيما جاره أيضاً لديه محل ويعتبر زوجي منافساً له، ما دفعه للافتراء على زوجي والتقدّم ببلاغ لدى الشرطة اتهمه فيه بالإرهاب، دون أيّ دليل، سوى أنّه فلسطيني".

وتضيف الأم:" لم نكن نعرف في البداية شيئاً عن قضيّة حبس ابني وزوجي، إلّا أننا بعد اربع سنوات اكتشفنا من كان يقف وراء الأمر، وأنّه جرى اتهامهما بالإرهاب ونقلهما من حبس إلى آخر".

وتابعت:" قمت بتوكيل محامي ذي خبرة طويلة، بعد أن قمت ببيع شقتي وكل ما أملك من أجل الإفراج عنهما، ولكن كل المحاولات لم تجد نفعاً لكونها فلسطينيين،  ولم أنل من المحامي سوى نسخة من إفادة ابني التي جعلتني أشد قلقاً وحزناً".

وتواسي الأم المكلومة نفسها، بأنّ المحامي وبعد جهوده التي بائت بالفشل، استطاع معرفة أنّ ابنها وزوجها مازالا على فيد الحياة، وتقول :" لكن ما يؤسفني حقاً أن الحكم قد صدر بعد التعذيب والضرب وإجبارهم على الإمضاء على تهم لم يقترفانها، واخيراً تم نقلهما الى سجن الحوت بعد الحكم عليهما بالسجن المؤبد" .

وتنتقد الأمّ، تقاعس المفوضيّة الأممية الساميّة لشؤون اللاجئين، التي لم تحرّك ساكناً حين التجأت إليها، وواجهتها "إنّ مفوضية اللاجئين في العراق لا تتدخل بتلك القضايا"  رغم إنهم يمتلكون فريقاً من المحاميين للدفاع عن اللاجئين وفق ما أشارت الأمّ.
 

الفلسطيني متهم أول رغم براءته

وبدأ مسلسل الظلم والاعتقال، بحق اللاجئين الفلسطينيين في العراق، منذ أن شهدت البلاد تفجير أوّل سيارة مفخخة بعد الاحتلال الأمريكي، حيث جرى اعتقال  4 شبّان فلسطينيين من بينهم ثلاثة أشقاء، وجرى عرضهم على شاشة إحدى القنوات الفضائيّة التابعة لحزب ميليشياوي طائفي من الأحزاب الحاكمة، وشجعت القناة حينها المواطنين العراقيين، على الإخبار عن كل فلسطيني يتحوّل في شوارع بغداد، على أنّه إرهابي حتّى يثبت العكس، ليجري انتزاع اعترافاته بالوسائل والأساليب التي وردت فيالإفادة، وفق ما قال أحد اللاجئين لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" رفض ذكر اسمه.

أضاف اللاجئ، أنّه مع كل انفجار سيارة مفخخة، يكون الفلسطيني هو المتهم  الأوّل، وجاهز للاعتقال في اي وقت، لتتسارع بعض القنوات التابعة للأحزاب، بعرض فلسطينيين أبرياء متهمين بالإرهاب، ولفت إلى أنّه "بعد مرور سنوات طويلة، أدرك غالبية الشعب العراقي أن جميع الفلسطينيين أبرياء، ومن قام بتلك الحوادث الإرهابية هم الأحزاب"، ولسان حالهم يقول " "كنا في غفلة من الزمن " حسبما قال.
 

السلطة الفلسطينية لا تملك تأثيراً على المستوى الرسمي العراقي  

ويأتي كل ذلك، في وقت ما يزال فيه ملف المعتقلين الفلسطينيين في العراق، حبيس أدراج السلطة الفلسطينية منذ عام 2003، رغم تسلّمها قائمة بأسماء 39 معتقلاً منهم في العام 2012، وقيام رئيس السلطة محمود عبّاس، بتسليمها إلى رئيس الحكومة العراقيّة آنذاك نوري المالكي في القمّة العربية المنعقدة في بغداد- آذار/ مارس من العام نفسه، لكن دون نتائج تذكر.

وبحسب لاجئين فلسطينين في العراق وذوي معتقلين فإنه في كل زيارة يقوم بها مسؤول فلسطيني للعراق يتطرق إلى موضوع  المعتقلين الفلسطينيين،  فيلاقي وعوداً على صعيد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب العراقي، بأنهم سيطلقون سراح جميع الأبرياء الفلسطينيين، ولكن الواقع يقول: إنه ولا بريء واحد تم الإفراج عنه منذ سنوات طويلة وكل الوعود  لم تتحقق، وبحسب عدد من اللاجئين الفلسطينيين فإن سفير السلطة في العراق تحرك بهذا الخصوص، وتحدث في وسائل الإعلام عن براءتهم وقد ضمنهم شخصياً، بحسب قولهم، ولكنه على ما يبدو لا يملك تأثيراً على المستوى السياسي العراقي، ولا يتم الأخذ كثيراً بتدخلاته، والدليل على ذلك أن إحدى العاملات في طاقم سفارته تم اعتقال والدها بتهمة كيدية، ولم يستطع السفير مساعدته، حيث يعتبر تدخل السفير في شؤون المعتقلين "تدخلاً بالعمق بالشؤون الداخلية للدولة وهذا منافيا للعمل الدبلوماسي" كما أكد صحفيون في العراق طلبوا عدم ذكر أسمائهم.
 

المعتقلون الفلسطينيون بالسجون العراقية  في ظل تفشي "كورونا"

ويأتي انتشار فيروس "كورونا" في البلاد، ليكمل االخطر المتربص بالمعتقلين الفلسطينيين في االسجون العراقية، ومسلسل الانتهاكات اللاإنسانية المرتكبة بحقهم، حيث لم تستجب السلطات العراقية لمطالبات من نقابة المحامين العراقيين بإطلاق سراح المعتقلين الذين أمضوا نصف محكومياتهم، ولم يخل مطلبهم من شمول المعتقلين العرب والفلسطينيين، خوفاً من انتشار وباء "كورونا" في السجون العراقية، وهو ما طالبت به منظمات إنسانية دولية عدة ولم يلق استجابة.

وكان ذوو المعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون العراقية قد استثنوا في وقت سابق من التحدّث مع أبنائهم عبر الهاتف في سجن "الحوت" بمدينة الناصرية، بعد سماحها لعائلات السجناء بالقيام بهذا الإجراء، عقب قرار بإلغاء الزيارات كإجراء احترازي بسبب تفشّي فايروس " كورونا".

و تشير تقديرات حصل عليها "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إلى بلوغ أعداد المعتقلين منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 إلى يومنا هذا، قرابة 62 معتقلاً وغالبيتهم جرى اعتقالهم بناء على وشايات، في ظل حالة من القلق على مصيرهم في ظل حالة الفوضى في أروقة المؤسسات العراقيّة، وهو ما تناوله تقرير سابق لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
 

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد