صالح السعدي – صحفي فلسطيني
لا تهجيرهم عن أوطانهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية، ولا جدار عالٍ يعزلهم عن العالم الخارجي، ولا العقلية العنصرية التي تتهمهم بأي حدث أمني في البلاد كسرَ عزيمتهم، عن أبناء مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان أتحدث.
كحال باقي البلاد والمدن في لبنان يتعرض مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين لخطر شرس من (كوفيد -19)، أو كما هو معروف بفيروس كورونا المستجد، وعلى الرغم أنه ليس الوحيد في هذا المواجهة إلا أن المخيم لم يسجل حتى اليوم أي حالة إصابة بالفيروس، غير أن لديه تحديات خاصة يجب عليه مواجهتها.
أولها تقصير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" المعني الأول في الرعاية الصحية للاجئيين الفلسطينيين.
وثانياً الكثافة السكانية العالية، إذ يؤوي المخيم نحو مائة ألف لاجئ في مساحة كيلو متر مربع واحد، مما يشكل خطراً حقيقاً إذا ما دخل الفايروس المعروف بسرعة انتشاره المخيم.
ثالثاً، البنى التحتية شبه المعدومة في المخيم، وأخيراً مواجهة الصورة النمطية التى يسعى الإعلام والسياسيون "المتعصبون" دائماً إلى نقلها بأن "مخيم عين الحلوة عبارة عن بؤرة إرهاب تشكل تهديداً على المناطق المجاورة"
رغم كل هذه التحديات، إلا أن المخيم بكل مكوناته السياسية والاجتماعية والصحية عكس كل التوقعات وأثبت قدرته على تحمل المسؤولية الوطنية اتجاه أبناء شعبه والجوار، وإذا ما تتبعنا دور هذه المكونات في التصدي لجائحة كورنا سنجد ما يلي:
على مستوى الفصائل:
لعبت الفصائل دورأ أساسياً تركز في ثلاثة اتجاهات : التوعية والتعقيم والتكافل الاجتماعي، لمساعدة أبناء المخيم الذين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة، والاستعداد الصحي لأي طارئ ومتابعة التفاصيل اليومية داخل المخيم والقيام بحملات إغاثية وإجراءات وقائية وعمليات توعية وتعقيم وإشراف ومراقبة واهتمام.
فعلى سبيل المثال، حركة حماس اهتمت بتقديم مساعدات لتغطي تكلفة مواد التعقيم والتنظيف بالإضافة الى دور حركة فتح والسفارة الفلسطينية التي تعمل على إدارة خلية أزمة لمواجهة فايروس كورونا، إضافة إلى تجهيز مستشفى الأقصى لعزل أي حالة مشتبه بها بالتنسيق والتعاون مع الدولة اللبنانية ووزارة الصحة والهلال الاحمر الفلسطيني والصليب الاحمر الدولي ووكالة الأونروا .
على مستوى المجتمع المدني والعمل الشعبي:
في حركة مميزة وغير مسبوقة قام فريق الدفاع المدني داخل المخيم بابتكار غرفة تعقيم خاصة بأدوات محلية الصنع من داخل المخيم، تستخدم لتعقيم الأشخاص المشاة الداخلين والخارجين من وإلى المخيم ،بهدف الوقاية والحماية كما تم إطلاق "حملة آمنون" بهدف تنفيذ عمليات تعقيم يومية في أسواق الخضار وتعقيم مسالخ اللحوم والدواجن والأسماك والمطاعم والبسطات ومحال السمانة والمطاعم والحلويات والملابس، وبدروها قامت كشافة الإسراء باطلاق حملة "الجار للجار" بهدف مساعدة العائلات المحتاجة المتعففة من خلال شراء بعض السلع وبيعها لهذه العائلات بسعر التكلفة.
كما انطلقت حملة "عقد الإيد" بهدف توزيع وجبات منزلية على البيوت الأكثر فقراً، بدأت هذه الحملة من امرأة لاجئة واحدة، ولكن سرعان ما انتشرت ولاقت استحساناً عند نساء المخيم فبدأن بتجميع المواد الأساسية من أرز وخضار ولحوم وطبخها ثم توزيعها لهذه العائلات.
كل ما سبق عبارة عن أمثلة لكل ما يجري بالمخيم من تقديم صورة نموذجية للتكافل الوطني والاجتماعي، هذه الصورة تعيدنا إلى الماضي، فهذا المخيم مع كل أزمة يتحول إلى خارق للواقع ويثبت أبناؤه أنهم قادورن على التميز وعلى مقاومة كل خطر يداهمهم، وإذا ما استرجعنا التاريخ، سنجد معاركه السابقة أثبتت ذلك من تصدي للاحتلال الصهيوني في اجتياح لبنان عام 1982 وإعادة بنائه على أيدي نسائه بعد اعتقال كل رجاله وتحريره بسواعد المقاومة عام 1985، إلى كل أشكال التضامن مع الانتفاضات الفلسطينية المتتالية وتقديم الفدائيين منه شهداء كرمى لتراب فلسطين المُشتهى، والتعالي على الجراح لبناء حياة بين الزواريب الضيقة، تلفظ كل ما يُرسم للمخيم من مخططات مشبوهة وتنتصر عليه، وتشكيله عصباً اقتصادياً لجواره اللبناني وتآخيه معهم، فمخيم عين الحلوة ليس جزيرة "أمنية" بل هو جزيرة تنبض حياة.