تقرير الوليد يحيى
يعيش أهالي مخيّم العائدين في مدينة حمص وسط سوريا حاليّاً، تحت وطأة إجراءات الوقاية من انتشار فايروس" كورونا" المستجد، حيث تأثّر المخيّم بشكل كبير جرّاء انعكاس الإجراءات التي تفرض على السكّان منذ آذار/مارس الفائت البقاء في المنازل وإغلاق المُنشآت التجارية والخدمية التي تشهد تجمعات كبيرة، وهو ما قضى فعليّاً على الجزء الأكبر من الموارد المعيشيّة الشحيحة بالأساس، جرّاء أزمة مزمنة بدأت منذ العام 2011 ناتجة عن ظروف عامّة محيطة متمثلة بالحرب، وراحت باتجاه التفاقم الحاد خلال الشهرين الأخيرين.
أزمة معيشيّة مزمنة منذ سنوات، تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة وهو حال مطابق لبقيّة مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، نظراً للتأثر بتبعات الأزمة الاقتصاديّة وتوقف معظم الأعمال التي تشكّل مصدر إعالة لسكّانها، فمعظم القوى العاملة في المخيم اليوم هم عمال بالمياومة في المرافق الخدمية، أو من بائعي البسطات الجوالين، إضافة إلى شريحة كبيرة تزاول المهن الحرفيّة المتعلقّة بأعمال البناء، كالدهان والتطيين والسباكة وسواها، إضافة إلى ورش تصليح السيارات وما يشابهها، عدا عن شريحة الموظفين الحكوميين في القطاعات المدنيّة، والذين تأثّروا من انهيار قيمة الليرة السوريّة وارتفاع الأسعار.
الركود الاقتصادي في مدينة حمص ينعكس على المخيّم
وحول الأزمة المعيشية التي تصفها بـ"المزمنة" تشرح المهندسة وإحدى أهالي المخيّم "أ. صبحيّة" لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" معنى هذا التوصيف وتقول : إنّ الأحوال المعيشيّة في مخيّم العائدين، بدأت تنحدر منذ بدء تصاعد الأحداث في مدينة حمص في النصف الثاني من العام 2011، حيث بدأت الأحياء الحيوية والتي تعد مراكز تجارية واقتصادية في المدينة تشهد حالة من الركود الاقتصادي نتيجة الأحداث الاجتماعيّة، والسطوة الأمنية التي عممت حالة من الرعب جعلت الأحياء تتقوقع على نفسها، وقلّت بالتالي حركة التنقلات فيما بينها.
وتضيف المهندسة المغتربة في الدانمارك منذ نحو عامين، أنّه منذ بدء الأحداث في المدينة، بدأ أهالي المخيّم ينعزلون على أنفسهم نسبيّاً، ولا سيّما بعد الصراع المسلّح الذي اندلع في المدينة وما تبعه من حصار للأحياء حتّى عام 2013، حيث حدّ ذلك من حريّة التنقل لغرض العمل والتكسّب، فضلاً عن التخوّفات من عمليات الاعتقال والتي طالت مئات الشبّان من أبناء المخيّم على الحواجز الأمنيّة.
حالٌ، جعل معظم أبناء المخيّم ولا سيّما شريحة الشباب، يفكّرون بالهجرة من البلاد، رغم عدم تعرّض مخيّمهم بشكل مباشر لتبعات الحرب المباشرة والدمار كمخيّم حندرات في حلب واليرموك في دمشق ودرعا جنوبي سوريا، وفق ما تقول المهندسة صبحيّة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، وتوضّح الأسباب، بأنّ الوضع الاقتصادي في المخيّم يعتمد بشكل أساسي على الحركة الاقتصاديّة داخل مدينة حمص وريفها، وهي متوقفّة إلى حدّ كبير رغم استعادة "الحكومة السوريّة" سيطرتها على كافة أحياء المدينة منذ العام 2013 وما تبعه من سيطرة على معظم مناطق الريف خلال السنوات اللاحقة.
وتضيف، أنّ حال مدينة حمص اليوم لم يعد كما السابق، حيث أنّ حركة إعادة الإعمار قليلة جدّاً، وهي التي يعوَّل عليها بشكل رئيسي، لتوفير فرص عمل للقوى العاملة داخل المخيّم، إضافة إلى استمرار توقّف المنشآت الخدميّة والصناعيّة الكبيرة، وضعف الموارد الماليّة لدى الشبّان لمزاولة بعض المشاريع التجاريّة الصغيرة، ما يجعل الأزمة المعيشيّة مزمنة للغاية في المخيّم لا سبيل لمواجهتها سوى بالهجرة حسب قولها.
التحويلات من الخارج ..شريان عيش رئيسي تأثّرت بـ"كورونا"
ويوفّر خيار الهجرة، "حلّاً" سواء للشاب المُهاجر أو لأفراد عائلته المتبقين في المخيم وفق المهندسة صبحّية، وتضع حالتها هنا كنموذج، حيث كانت تعمل سابقاً في إحدى المنشآت المدنيّة الخاصة في مدينة حمص، والتي طالها الدمار جرّاء الحرب، وبقيت في حالة بطالة حتّى هجرتها إلى الدانمارك في العام 2018، وهي اليوم مصدر الإعالة لأسرتها المكوّنة من والدها ووالدتها وشقيقيها اللذين يتلقيان تعليمهما الجامعي.
وتعتمد نسبة كبيرة من المقيمين في المخيّم عمّا يصلهم من تحويلات خارجيّة من أبنائهم وأقاربهم المُهاجرين، وفق ما تؤكد المهندسة المغتربة، وتقول لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ أكثر من 70% من العائلات في المخيّم قد هاجر أحد أفرادها هرباً من الظروف المعيشيّة والأمنيّة منذ العام 2011، وفق تقديراتها، فيما تلفّ البطالة واقع الكثير من الشبّان المتبقين ممن ههم في سنّ العمل وتقدّر نسبتهم بأكثر من 60%.
وتضيف أنّ حال المخيّم حاليّاً في ظل إجراءات الوقاية من فايروس " كورونا"، قد تأثّر للغاية جرّاء توقف معظم الأعمال التي تشكل مصدر عيش للقوى العاملة، كعمال المطاعم والمرافق الخدميّة بشكل أساسي، فضلاً عن التردي المعيشي العام الذي تشهده سوريا نتيجة انهيار سعر صرف الليرة وانهيار القدرة الشرائيّة، و الذي خفض بدوره الحركة التجاريّة وأعمال البناء والترميم والتي تشهد ركوداً كبيراً.
ولعل أبرز ما تأثّر كذلك جرّاء حائجة "كورونا" التي تجتاح العالم، هو الشريان الأساسي الذي يعتمد عليه معظم سكّان المخيّم معيشيّاً، والمتمثّل بحركة تحويل المال من الخارج، وتقول في هذا الصدد: إنّ إجراءات الوقاية في بلد كالدانمارك حيث تقيم، وقرارات التزام المنازل قد أخّرت تحويلها المال لعائلتها منذ أكثر من شهر، وهو حال الكثير من المقيمين في دول أوروبيّة.
وأنشئ مخيم حمص، المعروف باسم "مخيم العائدين" في عام 1948 على مساحة تقارب 150 ألف متر مربّع، وبلغ عدد سكّانه قبل العام 2011 أكثر من (22,000) لاجئ مسجل لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وتعرّض سكانه إثر الأحداث السوريّة إلى مضايقات أمنيّة، تمثّلت باعتقالات أمنيّة شملت أكثر من 300 من أبنائه.
ويعاني المخيّم إضافة إلى الأزمات المعيشيّة، واقعاً خدميّاً سيئّاً، سواء ما يتعلّق بضعف شبكات الماء والكهرباء وتقادمها، إضافة إلى مشاكل مزمنة في شبكات الصرف الصحّي، والخدمات البيئيّة، وهو ما يثير شكاوى الأهالي من تقصير الجهات المعنيّة وعلى رأسها وكالة " أونروا" ولجان التنمية والخدمات، وخصوصاً في موسم الشتاء حيث تظهر تبعات الانهيار الخدمي بشكل مكثّف.