أحمد حسين – قطاع غزّة
ككل عام منذ 72 عاماً تحلُ ذكرى النكبةُ الفلسطينيّةِ وسط ظروفٍ قاهرة يمرُ بها أبناء الشعب الفلسطيني المُشرّد من دياره، لا سيما مع استمرار انتهاكات الاحتلال الصهيوني ومجازره اليوميّة بحق كل ما هو فلسطيني، ولكن في هذا العام جائحة "كورونا" انتشرت لتحد قليلاً من زخم الفعاليات الشعبية لإحياء الذكرى المؤلمة.
وكما أخبرنا أجدادنا بأنّ النكبة الفلسطينيّة شكّلت أكبر عمليةِ تطهيرٍ عرقي شهدها القرن العشرين، حيث شُرّد ما يربو عن 800 ألف فلسطيني قسرًا من قراهم ومدنهم بقوة السلاح والتهديد من قبل العصابات الصهيونيّة إلى الضفة الغربيةِ وقطاع غزة والدول العربية المُجاورة، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخيّة عام 1948، وتم إحلال اليهود مكانهم، لذا لم يستكن الفلسطينيون يوماً وطوروا من أساليب مقاومتهم لهذا المحتل.
ولطالما أبدع الشعب الفلسطيني في اجتراح وسائل وأساليب نضاليّة جديدة ومبتكرة لمواجهةِ الاحتلال الصهيوني على مر السنوات الماضية، فكانت مسيراتُ العودةِ الكبرى التي صدمت الاحتلال والعالم، والتي استطاعت إيصال رسائل سياسيّة للمجتمع الدولي، لكنّ الاحتلال كما عادته اعتدى المسيرات مُخلفًا الآلاف من الإصابات، وارتقى خلالها مئات الشهداء.
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة يؤكد أنّ "مسيرات العودة رسّخت أولاً حق العودة في وجدان أبناء شعبنا الفلسطيني، وأكَّدت للعالم أجمع أنّه لا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال التراجع أو التخلي عن هذا الحق، كحقٍ جماعي مكفولاً بالقرار 194".
المسيرات شكّلت عاملاً ضاغطًا لتثبيت وكالة "أونروا"
وأكَّد أبو ظريفة خلال حديثه مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّه "وفي الذكرى 72 للنكبة الفلسطينيّة نرفض كل المقايضات على حق العودة للاجئين، ونتمسّك بحق العودة كما أكَّدت دائمًا مسيرات العودة على كافة الصعد"، مُشيرًا إلى أنّ "المسيرات أيضًا شكّلت عاملاً ضاغطًا على الدول المانحة من أجل الايفاء بالتزاماتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بصفتها تقدّم خدمات للاجئ الفلسطيني في المُخيّمات في قطاع غزة والضفة الغربية باعتبار أنّ هذا جزءًا من واجب الوكالة الذي تشكّلت من أجله"، مُؤكدًا أنّ "هذه خطوة مهمة قدمتها مسيرات العودة في الفترة التي كان يجري فيها الحديث عن إمكانية تقليص خدمات أونروا".
أمَّا عن الرسالة الثالثة التي أوصلتها المسيرات بحسب أبو ظريفة أنّها "أكَّدت على تماسك قرارات الشرعيّة الدوليّة وأنّه لا يمكن القبول بأي شكلٍ من الأشكال بالمس بهذه القرارات ومن بينها القرار المتعلّق باللاجئين ووكالة أونروا"، لافتًا إلى أنّ "المسيرات أظهرت للجميع أنّ شعبنا لديه الاستعداد دائمًا للمواجهة، ولديه مخزون نضالي قادر على مواجهة الاحتلال والمضي قدمًا في ذلك، لكنه يحتاج إلى قيادة توظّف هذه التضحيات في إطارٍ ومسارٍ صحيح".
ورأى أبو ظريفة أيضًا أنّه "ورغم حالة الانقسام الموجودة على الساحة الفلسطينيّة، إلا أنّ الجماهير توحّدت في الميدان"، داعيًا إلى نقل "هذا النموذج الشعبي إلى المستوى السياسي الفلسطيني من قِبل الكل الوطني، مع تأكيدنا على أنّ الانجاز الأكبر هو تحقيق الوحدة الوطنيّة، وكما أكدنا سابقًا أنّ مسيرات العودة شكّلت جسرًا ربط غزة بالمشروع الوطني الفلسطيني أكَّد من جديد أنّه لا يمكن فصل غزة عن الضفة".
المطلوب في ذكرى النكبة؟
وبحسب أبو ظريفة فإن "المطلوب اليوم وليس غدًا من طرفي الانقسام في غزة والضفة ونحن نتحدّث في ظل الأخطار المُحدّقة بقضية اللاجئين والخطر الموجود في المُخيّمات، ومسألة الضم التي يتحدّث عنها الاحتلال بوجود رعايةٍ أمريكيّة، التوحّد فورًا والتعالي على الجراح وإنهاء الانقسام الفلسطيني البغيض".
ظُهر الخميس 14 أيار/ مايو الجاري، أعشية ذكرى النكبة، عقدت الهيئة الوطنيّة لمسيرات العودة مُؤتمرًا صحفيًا في مُخيّم ملكة شرقي مدينة غزّة، أكَّدت خلاله أنّ "حق شعبنا بالعودة لأرضه لا يسقط بالتقادم، ولا يملك أي أحد الحق في الالتفاف عليه، باعتباره حق ضمنته الشرعيّة الدوليّة".
وأكَّد القيادي بالجبهة الشعبيّة ماهر مزهر، في كلمة ممثلة عن الهيئة، أنّ "روح الاستعداد العالية للتضحية والتمسك بالثوابت رغم العدوان والتهديدات بضم المزيد من الأراضي في الاأغوار، تؤكّد أنّ هذا العدوان سيتحطّم أمام صمود شعبنا"، مُطالبًا "بضرورة النضال من أجل إنجاز المصالحة فهي المدخل لصمود شعبنا ومواجهة مُخطّطات التصفية".
كما دعا مزهر "الإطار القيادي المؤقّت لمنظمة التحرير للتصدي للتحديات الراهنة وصفقة القرن"، مُشددًا على ضرورة "تطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني بالتحلّل من اتفاقيات أوسلو "الكارثيّة" والتزاماتها الأمنيّة والاقتصاديّة، وعلى رأسها التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي، وسحب الاعتراف بالاحتلال؛ "فالوقائع على الأرض أثبتت كارثية اتفاق أوسلو"، كما طالب "بإطلاق العنان للمقاومة بالضفة المحتلة ونقل مسيرات العودة هناك، ومواجهة مشاريع التصفية والتصدي للاحتلال، ووقف الرهان على الإدارة الأمريكيّة والمفاوضات العبثيّة وتعزيز صمود شعبنا في القدس، وإقرار سياسات تنمويّة في خدمة المُخيّمات واللاجئين".
كما جدّد القيادي مزهر "رفض شعبنا لكل أشكال التطبيع مع الاحتلال، لأنها جريمة وخيانة وطعنة في خاصرة شعبنا وتضحياته".
من خلال المشاهدات على طيلة أكثر من عامين ومنذ بدء هذه المسيرات في يوم الأرض 30 آذار/ مارس 2018 ومطالب المشاركين يظهر أن الأداء الرسمي والفصائلي السياسي لم يرق يوماً إلى طموحات واستعدادات الشارع الفلسطيني للتضحية، في وقت تزداد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين شراسة.
وفي هذا السياق، تواصل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مع رئيس اللجنة القانونيّة لمسيرات العودة صلاح عبد العاطي، والذي قال بدوره: "لقد قمنا بتوثيق كل انتهاكات الاحتلال خلال مسيرات العودة وتابعناها مع كافة الأجسام والمؤسّسات الحقوقيّة الدوليّة وعلى رأسها محكمة الجنايات الدوليّة"، مُشيرًا إلى أنّ اللجنة القانونيّة "قدّمت ملفات الاحاطة وتوثيق الانتهاكات الإسرائيليّة إلى مكتب المدعي العام".
معركة قانونيّة
وبيّن عبد العاطي أيضًا، أنّ "اللجنة التقت مع لجنة تقصي الحقائق الدوليّة، وانتزعنا عدّة قرارات دوليّة لإدانة جرائم الاحتلال، ولا زلنا نتابع فضح هذه الانتهاكات ومتابعة مُلاحقة قادة الاحتلال كمُجرمي حرب"، مُؤكدًا: "خضنا معركةً قانونيّة كبيرة في هذا الإطار لاستعادة مكانة القضيّة الفلسطينيّة وفي ذات الوقت التصدي لانتهاكات الاحتلال وفضحها والتصدي لكل رواية التطبيل الإسرائيليّة في هذا الاتجاه، وتفنيد رواية الاحتلال بالقانون، إضافة إلى ذلك تقديم تقارير قانونيّة ونداءات ورسائل وبيانات إلى كافة الأجسام الدوليّة للقيام بواجباتها القانونيّة والأخلاقيّة من أجل حماية حقوق الضحايا ولضمان عدم إفلات الاحتلال من العقاب".
وتابع عبد العاطي: "في ذكرى النكبة نحن متمسكون بحقوقنا الوطنيّة التي أقرتها كافة الأعراف والمواثيق الدوليّة، وحتمًا لن نتخلى عنها رغم كِبر التحديات وعِظمها، ورغم مُخطّطات التصفيّة سنستمر في التمسك بحق العودة الثابت كالشمس، ومُقر بموجب كافة المواثيق الدوليّة وخاصة القرار 194 القاضي بعودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين".
تأثيرات جائحة "كورونا"
وبحسب عبد العاطي فإن "جائحة كورونا بالتأكيد ستُلقي بظلالها على مسيرات العودة، العالم كله تغيّر منذ انتشار الوباء، وبالتالي تراجعت الأنشطة الجماهيريّة بشكلٍ كبير حفاظًا على حياة وصحة الإنسان، لذلك جرى استبدال هذه الأنشطة بأنشطة إلكترونية، وبالرغم من انشغال العالم بهذا الوباء إلا أنّ هناك استمرار في دعم شعبنا وحقوقه العادلة".
وتأتي ذكرى النكبة متزامنةً مع مرور عامين على نقل السفارة الأمريكيّة لدى الاحتلال إلى مدينة القدس المحتلّة، هذا القرار الأمريكي رد عليه الشعب الفلسطيني بانتفاضة غضب عارمة ومشاركة واسعة يوم 15/5 في مسيرات العودة عام 2018 ارتقى خلالها 72 شهيدًا وما يزيد عن 3200 جريح في قطاع غزة، لتبقى هذه المظلمة التاريخيّة حاضرة كالكابوس تُلاحق كل مُتخاذلٍ، وكل من يصمُّ أذنيه ويغمض عينيه عن كل قضيةٍ عادلة، وعن أطول احتلال في العصر الحديث.