مخيم عين الحلوة
من الصفر، بدأت الشابتان الفلسطينيتان فايزة يحيى وسارة سلوم ممارسة اختصاصهما، العلاج الفيزيائي، في عيادتهما الخاصة التي فتحتاها في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا، جنوب لبنان. فهما لم تحصلا على فرص عمل كمعالجتين في أي من مراكز لبنان الطبيّة فقط لأنهما تحملان تهمة اللجوء.
لم يكن الاستسلام خياراً
"تحدي الواقع مهما كانت الظروف"، كان عنوانهما العريض، فرفضتا أن تبقيا أسيرتا ما وصفتاه بـ "العنصرية" في القوانين التي تتربص باللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ولم تشاءا أن تقيّد طموحاتهما سلاسل البطالة وغياب حق العمل أصلاً وأبسط حقوقهما المدنية والاجتماعية الأخرى.
واقع مؤسف يعيشه اللاجئ الفلسطيني في لبنان، فهو محروم من لائحة طويلة عريضة من المهن التي من أهمها الطب، العلاج الفيزيائي، المحاماة، والهندسة.
وكان أكبر التحديات التي واجهت الشابتان هي عدم الحصول على ترخيص بمزاولة مهنة العلاج الفيزيائي، ومنع الانضمام للنقابة/ وبالتالي عدم السماح لهما بممارسة مهنتهما خارج المخيمات الفلسطينية.
وحتى إذا حصلت فايزة أو سارة على فرصة عمل، فعقد العمل والشروط المرافقة له ستكون مختلفة ومحدودة لهما كلاجئتين فلسطينيتين مقارنة بالعقود العادية التي يحصل فيها اللبناني على كافة حقوقه الاقتصادية والاجتماعية.
وفي حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قالت فايزة: "أكثر ما يزعجني هو التمييز العنصري ضد اللاجئ الفلسطيني وحقه المهدور في لبنان."
أيضاً سارة واجهت في بداية مشوارها المهني موقفاً لا تحسد عليه، يعكس بامتياز صورة من صور التعامل ضد اللاجئ هنا، فقد وصل بلاغ أمني الى المركز الطبي الذي كانت تعمل فيه في مدينة صيدا، يفيد بأن فلسطينية تعمل كمعالجة فيزيائية داخله وأنه أمر مخالف للقانون اللبناني لعدم حيازة الفلسطيني حق مزاولة المهنة، ما دفع سارة الى تقديم استقالتها مجبرة.
ولكي يزداد الوضع سوءاً استغل المركز هذا الموقف ولم يعطيها كامل حقوقها من تعويض نهاية الخدمة ونسبتها من الأرباح.
قالت سارة معلّقة "كان من الممكن أن يتم استدعاء قوى الأمن اذا لم أستقيل مع التنازل عن حقوقي المادية وكأنني اقترفت جريمة."
واقع كهذا يحمل معه الكثير من خيبات الأمل، زاد سارة وفايزة إصراراً ودفعهما الى التفتيش عن بديل مبتكر لتحقيق طموحهما.
هناك دائماً ضوء في آخر النفق...البداية فكرة وإرادة
أبواب كثيرة أغلقت في وجه الشابتين، ولكن باب الإرادة والإصرار مفتوح، فكانت فكرة فتح عيادة للعلاج الفيزيائي في مخيم عين الحلوة، الخيار الأمثل لفرض نفسيهما في ميدان العمل، وإثبات جدارتهما فيه.
البداية من الصفر، كانت بمثابة صنع باب جديد، وسط كل الأبواب التي أغلقت أمام طموحاتهما، وفتحه لدخول معترك الحياة.
قالت فايزة: "حتى وان توفرت لي فرصة عمل في أحد المراكز الطبية سيكون حقي منقوصاً لأنني فلسطينية وتعبي سيذهب هباء منثوراً"
وأضافت " لذلك فضّلت أن أؤسس عملاً خاصاً لي وأفتح عيادة داخل المخيم يكون فيه حقي محفوظا ويكون مردود كل تعبي لي."
أمّا بالنسبة لسارة فقالت "كنت أشعر بالقهر عندما كان يتم تسجيل كل مجهودي في علاج مريض معين باسم معالج فيزيائي لبناني وكأنني لم أفعل شيئا".
وأكملت "بعد أن توقفت عن العمل لسبب ظالم، زاد إصراري لإثبات جدارتي ومهاراتي المهنية في مجالي لأنني قادرة بأن أكون معالجة فيزيائية متميزة وناجحة، خاصة أنني كسبت خبرة عملية من فترات التدريب التي أمضيتها في عدة مراكز أثناء دراستي الجامعية، فكل هذه العوامل شجعتني على اتخاذ خطوة جديدة لبناء اسم مهم لي في مجال العلاج الفيزيائي."
تنفيذ المشروع على أرض الواقع
تم افتتاح العيادة عام 2018 وأصبحت مع الوقت مقصداً لعدد كبير من المرضى من مختلف الفئات العمرية في مخيم عين الحلوة وخارجه، ولكن في البداية وككل مشروع، احتاج تنفيذ الفكرة لتمويل لكي يبصر النور.
وأوضحت فايزة أنه "بعد استئجار بيت وتحويله لعيادة، تم تأمين المعدات اللازمة من خلال قرض المشاريع الصغيرة التي قدّمته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (أونروا) وأضافت بأن "تقنيات العمل المتبعة في العيادة تتطور كل فترة."
كما أن العيادة تستقبل كل الفئات العمرية من نساء وأطفال باختلاف الحالات المرضية. فالحالات الي تعالجها فايزة وسارة متعددة كالشلل الدماغي عند الأطفال، الضمور العضلي، ديسك الرقبة والظهر، ومشاكل الكتف وغيرها من الحالات.
وأكدت فايزة قائلة: "نتعامل مع كل فئة عمرية بأسلوب مختلف فمثلا بالنسبة للأطفال، نلجأ الى اللعب معهم في البداية لكي نكسر حاجز الخوف عندهم، ومن ثم نبدأ بالعلاج من دون أن يشعروا، فيتعودون على هذا الأمر جلسة بعد جلسة حتى نصل إلى النتيجة المرجوة مع انتهاء مدة العلاج"
وأضافت "أما الكبار فنلعب على الجانب النفسي من خلال توجيه الكلمات التي ترفع من معنوياتهم وتشجعهم وتزيد اصرارهم على تحمل الألم وإكمال العلاج."
جزء من عملنا...دعم شعبنا الفلسطيني
مساعدة أبناء الشعب الفلسطيني كان من الأسباب الرئيسية التي شجعت سارة وفايزة لفتح عيادة خاصة لهما في المخيم.
حيث قالت سارة "نحن نريد أن نمد يد العون لأكبر عدد ممكن من شعبنا وبشكل خاص أهالي المخيم الذين يمرون في هذه الأوقات بظروف صعبة جدا،" وأوضحت "السعر الذي نقدمه لزبائننا مناسب جداً وهو أقل من الأسعار المعتادة خارج المخيم، وذلك لنشجعهم على العلاج في عيادتنا ومراعاة لوضع الناس الإقتصادي."
الإستمرار في التطور والإرادة..شوقا لغد أفضل
تطمح الشابتان الفلسطينيتان إلى تطوير العيادة وتحديث المعدات مع الوقت، وتطمحان أيضا لتوسيعها لتضم معالجين من اختصاصات أخرى ولتستوعب أعداداً أكبر من المرضى.
وتتمنيان أن تتغير القوانين التي تتحكم باللاجئ الفلسطيني في لبنان، وأن يكون هناك إيمان بمهارات وقدرات الشعب الفلسطيني، وإعطاء شبابه الفرص لتحقيق طموحاتهم لأنه "شعب مكافح يختزن الكفاءات ويستحق أن يصل الى القمة".
وأكّدتا بأن "رسالتهما للشباب الفلسطيني هي أن لا يستسلموا أبداً للفشل ويعملوا جاهدين على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، لأننا كشعب نملك خيارين: إمّا أن نترك الأبواب المغلقة تلتهم طموحاتنا وتقضي على إصرارنا، أو أن يكون خيارنا الأمل بمستقبل أفضل طالما نحن نسعى باستمرار لتحقيق أهدافنا."
شاهد التقرير