على الرغم من اللجوء إلى الدول الأوروبية، باعتبارها "حامية حقوق الإنسان والساهرة على تطبيقها"، تلاحق السياسات التمييزية اللاجئين الفلسطينيين أينما حلوا، وهذه المرة من قبل بلجيكا.
منذ أيام، وتحديداً في 6 تموز/يوليو الجاري، صدر تعميمان عن السفارة اللبنانية في بلجيكا، نصا على أنه "بناء على قرار مجلس الاتحاد الأوروبي، تشددت السلطات البلجيكية ومنعت حاملي وثائق السفر اللبنانية وحاملي وثائق السفر اللبنانية الخاصة للاجئين الفلسطينيين، وهم أيضاً من حاملي جوازات السفر البلجيكية من مغادرة بلجيكا إلى لبنان ما لم يكن بحوزتهم وثائقهم اللبنانية المترجمة".
وبناء على هذا القرار الصادر، فقد منع كثير من حاملي جوازات السفر البلجيكية من الخروج عبر مطار بروكسل، وذلك على أساس "منع السفر غير الضروري إلى الدول الثالثة"، ومنها لبنان.
وقالت السفارة في أحد التعميمين الصادرين: إنها تواصلت مع السلطات البلجيكية المختصة من أجل تسهيل السفر إلى لبنان من مطار بروكسل، إلا أنها أبلغتها بضرورة التقيد بتعليمات بلجيكا.
واليوم، الخميس 9 تموز/ يوليو صدر تعميم آخر من السفارة اللبنانية في بروكسل وهو خاص بحل تعقيدات المسافرين اللبنانيين غير المترجمة وثائقهم، والتأكيد في البند الرابع على ضرورة امتلاك بطاقة الهوية اللبنانية لكل من يريد السفر من بلجيكا إلى لبنان حتى لو كان يحمل الجنسية البلجيكية، أي أنه يستثني اللاجئون الفلسطينيون القادمون من لبنان إلى بلجيكا.
إجراءات تمييزية!
ووفق التعميمين الصادرين أولاً، فإنه يمنع السفر إلى لبنان للفلسطينيين المسجلين في لبنان، والحاملين لجواز السفر البلجيكي، ولا يحملون الجنسية اللبنانية، وعليهم مراجعة السلطات البلجيكية.
كما أن اللبنانيين المتزوجين من فلسطينيات مسجلات في لبنان، وغير حاصلات على الجنسية اللبنانية، والحاصلات على جواز السفر البلجيكي، فلا يسمح لهن بالسفر إلى لبنان، بل يسمح للزوج اللبناني فقط، وعليهم مراجعة السلطات البلجيكية.
ويسري هذا المنع أيضاً على الفلسطينيين المتزوجين من لبنانيات، ولديهم أولاد لا يحملون الجنسية اللبنانية، فإن الزوجة فقط يحق لها المغادرة إلى لبنان، وعلى الباقين مراجعة السلطات البلجيكية.
وفي التعميم الأخير الصادر اليوم عن السفارة اللبنانية في بلجيكا، جاء أن البعثة اللبنانية هناك تواصلت مع السلطات البلجيكية وتم التفاهم على آلية لتسهيل سفرهم، ولكن في البند الرابع من التعيم جاء أنه يجب على المسافر أن يحمل هوية لبنانية مصدقة من السفارة حتى يسمح له بالسغر من بلجيكا، وهذا لا ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين القادمين من لبنان، أي أنهم لا يستطيعون الخروج من بلجيكا وزيارة أهلهم ومخيماتهم في لبنان.
آثار خطيرة مجتمعية وسياسية
وفي هذا الصدد، أعرب مدير الهيئة "302" للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، عن مخاوف كبيرة من هذا القرار، "خاصة أنه صادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي، والآن بدأت القصة في بلجيكا، ولدينا مخاوف من أن ينسحب هذا القرار على دول أخرى".
وأوضح لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن هذه الإجراءات تعني أن "كل لاجئ فلسطيني أصبح في أي دولة أوروبية، وغير حاصل على الجنسية اللبنانية، حتى لو حصل على جنسية تلك الدول، فهو ممنوع من العودة إلى لبنان إلا إذا كان يحمل الجنسية اللبنانية".
وحذر هويدي من أن هذا الموضوع يتعلق مباشرة بالأسرة، لأن الكثير من اللبنانيين متزوجين من فلسطينيات، ولم يمنحن الجنسية اللبنانية حتى الآن، كما أن الكثير من الفلسطينيين متزوجون من لبنانيات، وأولادهم غير حاصلين على الجنسية، وبالتالي سيكون هناك تفكك أسري.
سياسياً، أبدى هويدي مخاوف كبيرة في المدى البعيد لهذه الإجراءات، إذ إن "اللاجئ الفلسطيني الذي أصبح في أوروبا، ممنوع من العودة إلى لبنان، واللاجئ الفلسطيني في لبنان ليس من السهولة أن يغادر إلى أوروبا"، ما يسبب شرخاً بين اللاجئين في البلد المضيف وأوروبا.
وبالتالي، أشار هويدي إلى أن الموضوع "يتجاوز التمييز، بين اللبناني واللاجئ الفلسطيني، ليصل إلى مرحلة أخرى بمعنى أنه قطع أي علاقة للاجئ الفلسطيني بمخيمه وعودته إلى هذا المخيم وعائلته".
وركز هويدي على ارتباط هذه الإجراءات، وخصوصاً في منحاها السياسي، بـ "صفقة القرن" واستهداف قضية اللاجئين وحق العودة.
ما المطلوب؟
وحيال المطلوب لوقف هذه الإجراءات، دعا هويدي المؤسسات العاملة في قضايا اللاجئين الفلسطينين وحقوق الانسان على مستوى أوروبا، وتلك المؤسسات التي لها دالة على صانع القرار هناك، بالإضافة إلى المؤسسات التي لها تمثيل في الأمم المتحدة، إلى التحرك في هذا السياق والعمل على وقف هذه الإجراءات.
كما شدد هويدي أن على الدولة المضيفة، لبنان، أن "تقول كلمتها في هذا الموضوع"، بمعنى أن تستنكر هذا القرار، سواء من منطلق إنساني أو سياسي، كونها تدفع باتجاه أن يتمسك اللاجئ الفلسطيني بحقه في العودة إلى دياره وممتلكاته في فلسطين.
وطالب كذلك بموقف صارم من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لوقف هذه السياسات التمييزية التي تحمل آثاراً جد خطيرة على مستقبل اللاجئين الفلسطينيين.
أحد المعلقين الفلسطينيين في بلجيكا علق على هذا القرار بذات المنحى، بالقول: "يجب قراءة هذا القرار على أنه مقدمة للآليات التي سيتم اتباعها بعد هجرة الشباب الفلسطيني إلى الدول الأوروبية، وهو قطع أي علاقة للاجئين الفلسطينيين بمخيماتهم وبيوتهم في لبنان، وليست القضية فقط تمييز بين الفلسطيني واللبناني"
وأضاف: "يعلم من اتخذ القرار بأنه ليس من السهولة على اللاجئ الفلسطيني في لبنان أن يحصل على الجنسية اللبنانية ولو كانت والدته لبنانية، ولهذا وراء القرار ما وراءه"