تواصل السلطات العراقيّة، حرمان ورثة اللاجئ الفلسطيني من راتبه التقاعدي، للعام الرابع على التوالي، في حين تتواصل المناشدات، لإعادة النظر في هذه المسألة لما لها من تأثير كبير على العديد من العائلات التي تعيلها نساء أرامل.

وكان الرئيس العراقي السابق فؤاد معصوم قد أصدر قراراً صادق عليه البرلمان، بإلغاء المادة رقم (202) من القانون 76 الصادر سنة 2001، ما يعني سحب كافة الامتيازات التي يتساوى فيها اللاجئ الفلسطيني في العراق بالمواطن العراقي باستثناء الحقوق السياسية، ما حوّله إلى أجنبي مقيم بنظر القانون.

ومن أبرز الامتيازات التي حرم منها اللاجئون، "إيقاف الحقوق التقاعدية للفلسطيني الذي كان يعمل موظفاً وتقاعَدَ، وحرمان ورثته من راتبه التقاعدي  عند وفاته"، ليكون لذلك وقعاً معيشيّاً قاسياً، على أسر ربّاتها من الأرامل، طالما شكّلت لهم رواتب أزواجهم المتوفين مصدراً رئيسيّاً للعيش، قبل صدور القانون ويزداد فقرهم فقراً.

أكثر من (32) عائلة تضررت من القرار، وفق ما أفاد لاجئون فلسطينيون في بغداد لـ"بوابة اللاجئن الفلسطينيين" وقد يكون العدد أكبر من ذلك، إلّا أنّ صغره يشي باستهداف مستغرب لعائلات خدم أربابها الدولة العراقيّة لعقود، ولا ترهق حقوقهم التقاعدية خزينة الموازنة.

إحدى ربّات تلك الأسر المتضررة من القرار "سعاد عبد الله" وهي أم لأربع أبناء قالت لمراسل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" في بغداد: "زوجي عمل كموظف في الدولة العراقية منذ 30 عاماً، وخدم دائرته بنشاط كبير وجميع زملائه من العراقيين يشهدون بحسن سلوكه وأداء عمله بتميز، وقد تقاعد من عمله حوالي ١٥ عاماً،  وقبل تسع أشهر توفى نتيجة جلطة قلبية فحرمنا من راتبه التقاعدي".

 ووصفت اللاجئة عبد الله، قطع الراتب التقاعدي لزوجها عند وفاته بـ"الجريمة" نظراً لتأثير ذلك على حالتها معيشتها وأطفالها، "ولكونه يعكس عدم تقدير من قبل أصحاب القرار لمن خدم لثلاثة عقود بكل كفاءة ونزاهة" حسبما أضافت.

أمّا "أم محمد"وهي امرأة فلسطينية تسكن في منطقة الدورة في بغداد، فوصفت القرار بـ" الظالم" نظراً لما تسبب به من تدهور لميعشة أسرتها المكوّنة من 3 أبناء، مشيرةً إلى أنّ زوجها عمل في إحدى الدوائر التابعة لوزارة الصحّة منذ العام 1992، وتقاعد في العام 2014، ليحرم ورثته من راتبه التقاعدي بعد وفاته قبل نحو عامين.

بينما "علي" وهو شاب يبلغ العشرين من عمره، فقد اضطرّ لترك المدرسة ليعيل أشقائه، بعد قطع راتب والدته التقاعدي عنهم عند وفاتها، علماً أنّه يتيم الأب منذ طفولته، هو وسواه من ضمن عشرات القصص لعائلات متضررة من القانون، الذي طالما وعدت جهات عراقيّة إعادة النظر به ولكن دون جدوى.

 

وعود بإلغاء القرار لم تنفّذ

أحدث القرار حين صدوره بعض التفاعلات الإعلاميّة، حيث خرجت أصوات تنتقد إصدار الحكومة العراقيّة مثل هكذا قرار، لم يتوقّف فقط عند حرمان ورثة اللاجئ المتقاعد المتوفى من حقوقه التقاعدية إنما شملت عدّة مسائل جوهرية، ومنها: حرمان الفلسطيني من التقدم بطلبات للحصول على سكن ضمن المشاريع الحكومية والأهلية، وحرمانه من القانون (21) الخاص بتعويض ضحايا العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية، إضافة إلى إعادة فرض رسوم الصحة والتعليم والخدمات الاخرى، وحجب البطاقة التموينية عن الفلسطيني المقيم في العراق، إلى جانب حرمان الفلسطيني من راتب الرعاية الاجتماعية.

بإستثناء وقف حرمان اللاجئين من مفردات البطاقة التموينية قبل أكثر من عام، لم تنفّذ الكثير من الوعود التي قطعها رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، بإصدار تشريع جديد وخاص للفلسطينيين بدلاً من السابق، يعيد إليهم حقوقهم المسلوبة.

وكان الجبوري، قد عبّر عن دهشته بشمول الفلسطينيين في العراق بقانون يساويهم بالأجانب، رغم أنّهم لاجئون في البلاد منذ أكثر من 70 عاماً، وذلك خلال لقاء جمعه بسفير السلطة الفلسطينية في بغداد أحمد عقل، في سياق مساعي الأخير لحثّ الأطراف الحكوميّة العراقيّة لحفظ حقوق الفلسطينيين في البلاد.

الجبوري، قدّم وعداً للسفير عقل، بتعديل القانون ليسمح باسترجاع الفلسطينيين لحقوقهم، إلّا أنّها بقيت حبراً على ورق، وقد تواصلت سفارة السلطة الفلسطينية مع مدير هيئة التقاعد العامة في بغداد أحمد الساعدي المعروف بتشدده حيال الفلسطينيين، إلّا أنّ الأخير قد رفض التعاون في تقديم تسهيلات تستثني الفلسطيني من قانون الغاء منح مستحقات تقاعده لورثته، معللاً رفضه بأنّ " هيئة التقاعد مستقلّة ولا تتأثّر بأي ضغط".

وعن مساعي السفارة الفلسطينية لحل هذه المسألة، قال المستشار الإعلامي للسفارة فؤاد حجّو: إنّه منذ أن وافق البرلمان العراقي على قرار الماد  (٢٠٢) المتعلقة بحقوق الفلسطينيين وسلب حقوقهم، سارع السفير الفلسطيني الدكتور أحمد عقل لمحاولة الغاء هذا القرار.

وأضاف حجّو لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ السفير وجّه خطابات إلى  قادة البلاد، ومنهم رئيس الوزراء حينذاك السيد عادل عبد المهدي، ورئيس البرلمان وعدة جهات سياسية في العراق، وكلهم أبدوا موقفهم المتعاطف مع الفلسطينيين، وقدّموا وعوداً بأنّ حقوق الفلسطينيين في العراق ستعود إلى سابق عهدها.

وأرجع حجّو، عدم الإيفاء بتلك الوعود، للحالة السياسية المضطرّبة التي تمر بها البلاد، مشيراً إلى أنّ رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قد طالب خلال زيارته الأخيرة للعراق، حكومة بغداد باعادة الحقوق للفلسطينيين لكن كل شيء قد توقّف بسبب الاضطرابات في البلاد.

 

تغيير مدير هيئة التقاعد قد يحلحل المسألة

أحد المحامين العاملين في اللجنة القانونية لهيئة التقاعد العامة في العراق، قال في حديث لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ مدير هيئة التقاعد له الحق بإصدار استثناءات حول الحقوق التقاعدية للأجانب.

وأشار إلى أنّ المدير السابق للهيئة الذي جرت تنحيته مؤخّراً أحمد الساعدي، قد أصدر بعض الاستثناءات لموظفين مصريين، وأصدر لورثتهم عام 2019 هويّات تقاعدية، تصرف بموجبها مستحقاتهم التقاعدية، في حين لم يتعاون مع الحالات الفلسطينية بشكل مماثل.

وأضاف المحامي الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ العديد من الأجانب في العراق، قد وكّلوا محامين للطعن بهذا القرار، وقد نجحوا بالحصول على مستحقاتهم بعد تدقيقها، مشيراً إلى أنّ تغيير مدير هيئة التقاعد قد يبشر خيراً بما يخص الفلسطينيين، إلّا أنّ الأمر يحتاج إلى دفعة من قبل الحكومة وارسال برقيات رسميّة للمدير الجديد، للتعاون في حل مسألة الحقوق التقاعدية لورثة الموظف الفلسطيني المتوفي.

 تجدر الإشارة إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لا يخضعون لتعريف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ولا تشملهم الوكالة ضمن مناطق عملها، وجرى اعتبارهم كلاجئين لدى دولة العراق منذ خمسينيات القرن الفائت، ولكنهم تعرضوا منذ الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، إلى عمليات قتل تهجير واسعة على يد الميليشيات المسلّحة، وبات هناك التباس في اعتباريتهم القانونية في البلاد بسبب تبدل نظام الحكم، وعدم احتوائهم كلاجئين من قبل الحكومات التي تعاقبت على العراق عقب الغزو.

إياد عزالدين–بغداد

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد