لا بوادر لحلول للأزمة الاقتصادية الخانقة بلبنان في المدى المنظور، بل إن الأحوال تزداد سوءاً بفعل الغلاء المستمر وتراجع قيمة العملة اللبنانية الوطنية أمام الدولار الأمريكي، واستمرار ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس "كورونا".
وفي محاولة للتخفيف من تبعات الأزمة الاقتصادية على اللاجئين الفلسطينيين، تبرز دعوات إلى الزراعة الفردية أو الجماعية داخل المخيمات، في المساحات الفارغة أو أمام المنازل أو على أسطحها، فما مدى إمكانية نجاح هكذا مبادرات؟ وهل هناك تجارب عملية ضمن هذا الإطار؟
اللجنة الشعبية في مارالياس تبحث إمكانية الزراعة بالمخيم
اللجنة الشعبية في مخيم مارالياس أجرت، ولا تزال، سلسلة لقاءات حول إمكانية زراعة المساحات الفارغة (بالرغم من قلتها) في المخيم، إضافة إلى الزراعة على أسطح المنازل.
وقالت غادة عثمان، صاحبة فكرة المبادرة: إن الفكرة جاءت خلال حديثها مع زملاء في العمل عن مجموعة العمل الاجتماعي الاقتصادي-سياق، والتي تدعم المبادرات الزراعية في جميع أنحاء لبنان، ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية.
وأشارت عثمان لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إلى أنها تواصلت مع اللجنة الشعبية، التي خولتها بالتواصل مع المجموعة.
وأوضحت أن حماسها لهذا المبادرة ينبع من تطلعها لأن يكون مخيم مارالياس مبادراً في هذا السياق، وتعميم الفائدة على جميع الأهالي، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة الصعبة.
وهكذا، تواصلت مع "سياق"، التي لبت الدعوة سريعاً واجتمعت مع اللجنة الشعبية بحضور عدد من الأهالي، بحسب عثمان.
وبحث المجتمعون إقامة مشروع زراعة مشترك لأهالي المخيم، بمشاركة أكبر عدد، حيث سيستفيدون، إلى جانب المنتجات الزراعية، بتعلم كيفية الزراعة، وبالتالي، ما إن تسنح لأي فرد الفرصة لزراعة سطح منزله أو أمامه أو على شرفته، تكون لديه المعلومات الكافية لذلك.
تحديات جمة أبرزها المساحة والمياه
ولفتت عثمان إلى أن مجموعة سياق هي التي ستؤمن البذور، وستحاول كذلك تأمين التربة اللازمة، كما أنها ستعمل على تعليم الأهالي كيفية الزراعة على الأسطح والشرفات وأمام المنازل عبر الطرق الحديثة ، لأنها تختلف عن الزراعة في أماكن واسعة وأراض خصبة.
واستشهدت عثمان في حديثها بتجارب ناجحة للزراعة في مخيم عين الحلوة، والتي بات أصحابها لا يؤمنون المنتجات الزراعية اللازمة فحسب، بل باتوا يبيعون الفائض ويحصلون على مدخول منها.
لكن، وكما يعلم القاصي والداني، فإن مساحة مخيم مارالياس صغيرة جداً، مقارنة بباقي المخيمات، إلا أن عثمان أشارت إلى أنه يمكن استثمار سطح المدرسة والساحة قرب جمعية "مساواة"، إضافة إلى عدد من السماحات الأخرى المتوفرة.
وأكدت أن المياه المالحة تشكل تحدياً كبيراً لنجاح هذا المشروع، لأن المياه العذبة لا تصل إلى المخيم، موضحة أن هكذا مشروع يحتاج إلى نفس طويل، بمعنى أن نتائجه ستظهر على المدى البعيد وليس القريب.
وتأتي هذه المبادرة في ظل وضع اقتصادي سيء يعيشه أهالي مخيم مارالياس، إذ شددت عثمان أن "الوضع الاقتصادي يرثى له، مش عدم، تحت العدم، أغلب العالم بالمخيم عاطلة عن العمل قسرياً وفتنا بأزمة كورونا".
وتابعت: "في ناس قاعدة إلها 3 أشهر، في ناس بتقبص نص معاش وفي ناس ربع معاش، وفي ناس يومي.. الوضع كتير محزن وسيئ".
فتح آفاق لكثير من العاطلين عن العمل
إلى ذلك، أكد العضو في مجموعة "سياق"، مراد عياش، أنه لا غنى عن الأرض والزراعة، ولكن كمخيمات فلسطينية لا خيار لدينا سوى الاستفادة من المساحات كلها.
وشدد، في حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن القيمة المعنوية لزراعة الأسطح كبيرة جداً، فاللاجئون الفلسطينييون يكونون عبرها فاعلين وقوة عاملة فاعلة، ولا سيما في ظل قانون العمل اللبناني المجحف.
وأكد أن هكذا مبادرات تفتح آفاقاً لكثير من العاطين عن العمل في المخيمات.
وكمثال عملي على زراعة الأسطح، أشار عياش إلى أن أحد الأهالي استطاع أن يحصد 200 كيلو من البندورة، مشيراً إلى أن هذه تجربة عملية على صعيد صغير هو بيع البندورة، توفر الخضراوات اللازمة وتؤمن مدخولاً مادياً عبر بيع الفائض.
كما أن هناك تجارب ناجحة في مخيمات الرشيدية برج البراجنة والجليل وفي عدد من التجمعات الفلسطينية، بحسب عياش.
وفيما يتعلق بمخيم مارالياس، أشار إلى أن المجموعة بانتظار اتفاق اللجنة الشعبية على النموذج التي تسعى إلى تطبيقه في الزراعة.
وأوضح أن المطلوب هو الجهد اللوجستي، لافتاً إلى أن "سياق" تدرس جميع الخيارات التي أمامها ومساحات العمل المشتركة.
ما هي مجموعة "سياق"؟
وحول مجموعة العمل الاقتصادي الاجتماعي "سياق"، المكونة من ناشطين وأفراد لبنانيين وفلسطينيين، ذكر عياش أن لديها رؤى تتجاوز الزراعة إلى قطاع الحرف والخدمات المنزلية، في سبيل تكوين تحالف اقتصادي-اجتماعي لبناني-فلسطيني.
تسعى المجموعة إلى تحفيز بناء اقتصاد تضامني شامل في أكثر المناطق فقراً في لبنان وتوفير البدائل لنماذج التنمية الاقتصادية الاجتماعية الإقصائية السائدة.
كما تهدف إلى حشد الخبرات والموارد المحلية، وتوفير أدوات التواصل مع المجتمع والسوق، وتحسين قدرة المنتجين ومقدمي الخدمات، وتمكين القطاعات المهمشة اقتصادياً، لا سيما اللاجئين والعمال المهاجرين والشرائح اللبنانية الفقيرة.
وتركز استراتيجيّة "سياق" على ثلاثة مكونات رئيسية ومترابطة:
- تشجيع مبادرات ريادة الأعمال المحلية الّتي تهدف إلى تحسين معيشة المجتمعات المستفيدة.
- تشجيع اقتصاد التضامن من خلال تحفيز المبادرات المحلية لإنشاء هياكل تعاونية شاملة.
- المساهمة في التماسك الاجتماعي من خلال دعم إنشاء مراكز مجتمعية شاملة متعددة الأغراض لتلبي احتياجات المجتمع، وخاصة الفئات المهمشة بشكل مضاعف مثل النساء والشباب.