غالباً ما يستيقظ اللاجئون الفلسطينيون في مُخيّم خانيونس جنوب قطاع غزّة، على صوت "زوزو" بائع الماء وهو ينادي "مية حلوة"، متجولاً  بعربته الخاصة –عربة كارو كما يسميها أهالي الفطاع- داخل أزقّة وشوارع المُخيّم.

  "زوزو" صاحب الوجه البشوش والابتسامة اللافتة، يبلغ من العمر واحداً وسبعين عاماً، كانت عائلته قد قدمت إلى قطاع غزة لاجئة إبان النكبة الفلسطينية عام 1948، بعد أن اضطرت مجبرة تحت وقع الجرائم الصهيونية هجر قريتها الأصلية سطرية القبيبة بالقرب من الرملة.

واتخذ منذ نحو 15 عاماً من مهنة بيع المياه الحلوة لأهالي مخيم خانيونس مصدراً للعيش، ولإعالة أسرته، وهي مهنة ذات مردود مادي بسيط ولكنها تكفيه شرّ الحاجة والعوز.

بائع المياه زوزو.mp4_snapshot_01.30.459.jpg

يقول زوزو واسمه الحقيقي يوسف أبو حطب: "أنا إلي حوالي 10 أو 15 سنة ببيع مية ما طورت نفسي لأنه المصاري (النقود) يلي أنا بحوشها (بجمعها) بصرفها على أولادي، وبالفعل علّمت في الجامعة وعلّمت في الشرطة يعني بعيل في أسرة من خلال المصاري يلي بربحها".

أزمة الكهرباء في غزة قد تعكر صفو يوم زوزو 

 يصف هذا العامل السبيعيني ببساطة وكلمات قليلة تفاصيل يومه الاعتيادية:  "بنزل الصبح بصلي الفجر جماعة، وبعدها برجع على الدار بشرب كباية شاي وباكل بسكوتة أو أي حاجة أغير طعمة فمي وبقصد باب الله وبقول يا رب. وبطلع على المحطة بعبي وبروح بلفلف على الناس وبنادي: مين بده مية، مين محتاج مية، مين عايز مية".

 يتابع لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:  "فصل الصيف هو الأوفر حظاً لي في بيع المية، لأنه الناس في الصيف بتكون دايماً عطشانة وبتحب المية وبتنتعش مع المية في الحر".

بائع المياه زوزو.mp4_snapshot_05.40.292.jpg

 إلا أن صعوبات يعتبرها هذا اللاجئ الفلسطيني القاطن في ذات المخيم منغصات قد تعكر صفو يومه كانقطاع الكهرباء عن محطة تعبئة المياه وازدحام عربات المياه:  "بنروح الصبح منجي نطلع منلاقي ما في كهربا – في ضغط عربيات قدامنا كَارات بننتظر بالدور والواحد بيضيّع ساعة أو ساعتين من وقته"، مُشيراً أنّ هناك مشكلة أخرى يُعاني منها وهي أنّ "محطات تعبئة المياه أحياناً تقوم بغسل المياه بمادة الكلور من أجل التعقيم، لكن الزبائن لا يحبون ذلك فيكرهون المياه وينفرون من تعبئتها".

 ولكن بابتسامةٍ خفيفة يشير إلى خزان المياه الذي يبيع منه: "طبعاً شوفوا النظافة واللبس كيف نظيف وحاجو اتكيت، أنا ما بحب الذبابة تيجي عالبرميل تبعي لأن بشوهه".

الغناء أثناء البيع يسلب قلوب الزبائن 

ولكن على ما يبدو، ليست النظافة فقط هي ما يميز هذا الرجل الذي اعتاد الناس على سماع صوته بأغاني جميلة بعضها حديث وآخر من التراث، ويقول عن عادة الغناء أثناء العمل بأنها ساهمت في كسبه لقلوب الناس وبات محبوباً أكثر بينهم: "الأغاني الحلوة، والأغاني الفكاهية، والنكات، والابتسامة الجميلة، والقلب الحنون يلي عمره ما كان مكّار ولا أسود ولا حاقد. وأنا بتمنى الشعب الفلسطيني يكون أحلى شعب في العالم".

من يجلس مع هذا اللاجئ الفلسطيني الذي عبر عن أمله بالعودة إلى قريته الأصلية المحتلة عام 1948، يلمس فطرة سليمة تتمثل في حب الحياة والناس والعمل، لم تشوهها تفاصيل الحياة القاسية في قطاع غزة، فهو رغم أنه يعمل من سنين دون أن يؤسس لحياة تؤمن له قدراً من الرفاهية، يجد سعادته في محبة الناس وانتظارهم له: "بيفقدوني وبينتظروني والله لو غبت يومين بنتظروني، ولا يمكن يعبي إلا مع مية زوزو لأنها مي معطرة وحلوة وفيها الابتسامة وفيها الحنان وفيها المحبة".

نسبة الفقر في غزة تجاوزت 60% 

وفيما يجد زوزو راحته بين أهالي مخيمه وفي عمله البسيط الذ استدعاه واقع المخيم الخالي من المياه الحلوة، يقبع مئات الآلاف من الرجال والنساء عاطلين عن العمل في القطاع المحاصر حيث تجاوزت نسبة الفقر في قطاع غزة جراء البطالة وفق رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار جمال الخضري نسبة 60 %.

وقال الخضري في تصريح لقناة الغد في الـ 17 من تموز/ يوليو الجاري: إن أكثر من 300 ألف عامل مُعطل عن العمل, والإنتاج تقلّص في مصانع غزة إلى معدلات غير مسبوقة (حوالي 30٪ من القدرة الإنتاجية)"، مُشيراً إلى أنّ "الحصار تسبَّب في إغلاق المئات من المنشآت الاقتصادية التجارية والصناعية والمقاولات، وفي القطاع الفندقي، إضافة إلى ضعف القوة الشرائية في الأسواق.

يضاف إلى ذلك تقليص وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لخدماتها المقدمة للاجئين الذين يشكلون ما يفوق 70 % من نسبة عدد السكان في القطاع المحاصر منذ 14 عاماً. 

شاهد الفيديو

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد