انتصار جديد تحققه حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها "BDS" ولكن هذه المرّة في أروقة المحاكم الألمانيّة، يُضاف إلى سلسلة من الانتصارات الماديّة والمعنويّة التي تحققها الحركة في الميادين الاقتصاديّة والثقافيّة والأكاديميّة حول العالم.
وأفضى قرار لمحكمة في العاصمة برلين يوم 3 آب/ أغسطس الجاري، إلى تبرئة النشطاء ماجد أبو سلامة، وروني باركان وستافيت سيناي، من تهمة "الاعتداء" التي كانت صلب موضوع دعوة رفعتها إحدى منظمات اللوبي الصهيوني في ألمانيا، إثر رفعهم شعاراتـ وصراخهم بهتافات، خلال مشاركة عضو الكنيست "أليزا لافي" في ندوة حول حقوق المثلييين بجامعة هومبولت في حزيران/ يونيو 2019، حيث تعتبر مشاركتها في وعي المُقاطعة تجميلاً لصورة كيان عنصري استعماري احلالي.
كسب معركة ضد اللوبي الصهيوني
انتصار قانوني على دعوة اللوبي الصهيوني، عزز "حشره في الزاوية الضيّقة" وهو تعبير الناشط في حركة المقاطعة ماجد أبو سلامة، دلل به في حديث لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين" على أهمية هذا الانتصار على جماعات الضغط الصهيونية، التي يشهد نشاطها المعادي لحركة المقاطعة في ألمانيا، تكاثفاً مدعوماً بميزانيات وخطط وإمكانيات، سخّرها كيان الاحتلال ضد الحركة، التي باتت تمثّل خلال السنوات الأخيرة، مصدر قلق كبير يعكس الصورة الحقيقية لنظام " الابارتايد" الإسرائيلي.
ولأنّ أليزا لافي أيضاً، هي مسؤولة اللجنة الأوروبيّة التي تعمل ضد حركة المُقاطعة في أوروبا والعالم، ويسخرّ لها كيان الاحتلال ميزانيّة تقدّر بملايين الدولارات، أكسب ذلك الانتصار القانوني على الدعوةِ الصهيونية، قيمة مُضافة، فالزاوية تضيق بالفعل، وفق الناشط سلامة الذي قال: إنّ "حركة المُقاطعة باتت تشكّل خطراً حقيقياً على صورة إسرائيل في العالم، واستطاعت خلال سنواتها الـ15 الأخيرة، تكبيد دولة الاحتلال خسائر بمليارات الدولارات، وتجريدها من الكثير من الاستثمارات، وإفقادها الكثير من التعاون الأكاديمي والثقافي والفنّي".
"إسرائيل دولة مُلاحقة من كل الشعوب الحرة"
التضييقات على حركة المُقاطعة تُعزز صحوتها
ويعتبر الناشط ماجد أبو سلامة، أنّ جملة التضييقات التي تتعرّض لها حركة المقاطعة من قبل اللوبي الصهيوني الفاعل في أوروبا، تُعزز من صحوتها، وتدفع المزيد إلى الانضام إليها والتفاعل معها، وهو ما انعكس خلال مجريات المُحاكمة، التي شهدت تجمّعاً لمئات الناشطين من الفلسطينيين والعرب والمتضامنين الأجانب، وبعضهم قَدِموا من عدّة دول أوروبيّة للوقوف إلى جانب النشطاء خلال مُحاكمتهم، مُضيفاً :" هذا يدلل على أنّ اسرائيل دولة مُلاحقة من الشعوب الحرة في كل أنحاء العالم، فالطلبة بالجامعات يصوتون ضد أي علاقة لجامعاتهم مع إسرائيل، و في محاكمتنا كان من اللوبي الصهيوني 7 أشخاص، بينما معنا وقف أكثر من 150 ناشطاً من أحزاب ومجموعات حقوقية ألمانيّة، والكثير من النشطاء المتضامنين الذين جاؤوا من دول اوروبية متعددة للوقوف معنا ضد المحاكمة".
دفعة أمل والمزيد من القوة والشجاعة والإصرار على مواصلة النضال في ظل التضييق الاستثنائي على نشاط حركة المُقاطعة، هو ما أعطاه هذا الإنجاز القانوني للحركة، فحجم الضغط على النشاط الداعم للحق الفلسطيني في ألمانيا، لا يقتصر فقط على حكومة الاحتلال، بل إنّ الحكومة الألمانيّة باتت تعمل كـ"دولة ثانوية" لحكومة الاحتلال وفق الناشط أبو سلامة، من خلال تضييقها على الجالية الفلسطينية والعربيّة وكل صوت حر يحاول أن يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني ويعرّي الاحتلال "هذا الانتصار القانوني ضيّق على اللوبي الصهيوني، وهو كان بمثابة دعوة لشعبنا الفلسطيني والجالية العربية هنا وكل حر، أنّ يستغل الميزات الموجودة عنده، وأن يخصص وقتاً للقتال والنضال من أجل حقوق شعبنا المسلوبة" حسبما أضاف.
لسنا مُتهّمين إنّما نُلاحق مجرمي الحرب
ولعلّ ما يُلفت الانتباه في هذه المُحاكمة للنشطاء، ويبرز جانباً آخراً لأهميّة نتيجتها، يكمن أيضاً في تحويلهم لها إلى محكمة لمجرمي الحرب الصهاينة، وفضح جرائمهم وتعريتهم ومُلاحقتهم، لا سيّما أنّ أليزا لافي واحدة من مجرمي الحرب الصهاينة المسؤولين عن جريمة العدوان على قطاع غزّة عام 2014 والتي أفضت إلى مجازر ضد الإنسانيّة، بشغلها حينذاك منصب عضو "لجنة الدفاع" التي أقرّت العدوان.
"لم نتعامل مع المحكمة بصفتنا متهمين بل سلطنا الضوء على جرائم الاحتلال"
يقول أبو سلامة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "نحن تعاملنا مع المحكمة ليس بصفتنا متهمين، نحن رفضنا أن نتحدث عن مسألة اعتراضنا أو دخولنا على ندوة اللوبي الصهيوني في ألمانيا، في محاولة منا لتسليط الضوء على جرائم هذه المجرمة، وتسليط الضوء على صورة اسرائيل المجرمة المنتهكة لحقوقنا بشكل مستمر السارقة لأراضينا، ولنؤكد على أنّ هذه المقاومة و الثورة مستمرة" مُضيفاً: "نحن معنيون أنّ يشعر هؤلاء المجرمون بالخوف والتوتر، وأن يشعروا بإحساس أهلنا بكل فلسطين، هذا الإحساس الذي نحاول أن نعززه ونحيط به الصهاينة".
نسعى لملاحقة مجرمي الحرب
ماباتت تشكلّه حركة المقاطعة "BDS" على الكيان الصهيوني، لا يظهره فقط جحم الضغوطات التي تمارسها حكومة الاحتلال على نشطاء الحركة في كل أصقاع الأرض، وخصوصاً في أوروبا حيث تتواطأ بعض الحكومات معها بشكل جلي، إنّما أيضاً بما حققته من إنجازات موجعة، وتحقيقها خروقات كبيرة في الوعي العالمي، إزاء طبيعة كيان الاحتلال العنصريّة الإجراميّة.
بهذا الصدد، يقول ماجد أبو سلامة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ أهم ما يميّز حراك المُقاطعة، ليس فقط مُقاطعة "إسرائيل" ومُقاطعة بضائع المستوطنات فحسب، بل لكونه حراكاً شاملاً يسعى لتكريس حالة المُقاطعة الاقتصاديّة عبر الحضّ على سحب الاستثمارات من كيان الاحتلال، وفرض عقوبات عليه، وإحداث أوسع نطاق من المُقاطعة الثقافية والفكرية والأكاديمية، فضلاً عن مُلاحقة مُجرمي الحرب وفضحهم.
وتنطلق فكرة النضال في صفوف الحركة، من أنّ فلسطين عنوان للحق والعدالة، وبالتالي :"نحن ننطلق من هذه الفكرة بصراعنا ضد كل من ينتهك العدالة وحقوق الإنسان وأي فعل إجرامي في دولة مثل دولة الابرتايد الإسرائيلي التي تتعامل بنظام عرقي عنصري" يقول أبو سلامة.
ويشير إلى عدّة انتصارات حققتها الحركة من ضمن الكثير ومنها :" انتصار بجامعة ساوس في بريطانيا، وجامعة مانشستر التي سحبت كل استثماراتها من إسرائيل".
الكثير من الانجازات التي حققتها حركة المُقاطعة، جعلتها بمثابة "أكبر خطر استراتيجي على اسرائيل" وفق الناشط أبو سلامة، "وصارت خزّاناً للأمل والمقاومة، وأهم تفرّعات الثورة الفلسطينية في الداخل والخارج" حسبما أضاف.
"BDS" نشاط فاعليته بوعيه ولا مركزيته
لا يتسّم نشاط حركة مُقاطعة " إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها "BDS" بالعشوائيّة، رغم اللامركزيّة في عملها، الذي يبدو أنّه أحد عوامل قوّتها وانتشارها، ويوفّر لمجموعاتها ونُشطائها، الحركيّة الميدانيّة الحرّة والمؤثّرة في أيّ مكان وكلّ زمان، يتقرر فيه القيام بنشاط ما ضد المصالح الصهيونية.
يوضح ماجد أبو سلامة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أسلوب عمل الحركة، لافتاً إلى أنّه يعتمد على الوعي والفهم والدراية لأهداف الحركة ومنطلقاتها التي يعرضها بيان الحركة المُقرّ سنة 2005، ويقول:" نحن شبكة من الناس الذين يعملون بشكل لا مركزي، ولنا إطار فعلي إداري يتتبّع سير الأنشطة" لكنّه يشير إلى أنّ الانضمام إلى المجموعة لا يحتاج إلى تقديم طلب أو الخضوع إلى هيكلية تنظيميّة، بل يكفي لأي إنسان حر أو مجموعة أو عائلة، أن تشكّل نفسها ضمن أفكار ووعي الحركة، وتبدأ بنشاطها في مكانها تجاه أي شركة أو مؤسسة تتعامل مع الاحتلال.
" حركة المقاطعة باتت تنتمي الى أسرة ضخمة في العالم"
ويضيف أبو سلامة، أنّ عدم مركزيّة الحركة، لا يعني أنّها حركة غير منظّمة، ويوضّح في هذا الصدد قائلاً:" إنّ في الحركة أجنحة تجتمع بشكل شهري، وكل جناح أو مجموعة، يضم عشرات الشبّان والفتياة وكبار السن من الناشطين اجتماعيّاً وسياسياً وحقوقيّاً حول العالم، ولدينا مئات المجموعات على مستوى أوروبا".
ويلفت الناشط المقيم في ألمانيا، إلى أنّ حركة المقاطعة باتت تنتمي الى أسرة ضخمة في العالم، وصار لها شرعية من أحزاب ونقابات واتحادات في دول عديدة، مشيراً إلى تبني اتحاد العمّال في النرويج لوثيقة الحركة، والذي ممكن أن يكون ذلك خطّاً تسير عليه العديد من المؤسسات والمجموعات أن تتبنى الوثيقة وتعمل على أساسها.
حملاتٌ سنويّة تخوضها حركة المُقاطعة بشكل دوري، وتصب بشكل أساسي ضد الشركات التي تتعامل عسكريّاً مع كيان الاحتلال الصهيوني في مجال الأسلحة أو طائرات الاستطلاع وسواها من تقنيات تستخدم لأغراض حربيّة، إضافة إلى الشركات التي تتعاون مع الاحتلال في سرقة الأراضي والموارد الطبيعية الفلسطينية، أو التي تسعى لتجميل صورة الاحتلال فنيّاً وثقافيّاً.
"BDS أبطلت بيع أكثر من 10 آلاف تذكرة لمهرجان يوروفيجن في تل أبيب"
ويشير الناشط أبو سلامة، إلى نشاط الحركة ضد تنظيم الاحتلال لمسابقة " يورو فيجن" الفنيّة كأحد الأمثلة، وتمكّنت حينها من إبطال بيع أكثر من 10 آلاف تذكرة لحضور المهرجان الغنائي الأوروبي الشهير الذي أقيمت فعالياته في تل أبيب في أيّار/ مايو 2019.
وينوّه كذلك، إلى حالة الوعي التي شكلّتها حركة المُقاطعة، من" خلال الناس الواعية بأهمية السلاح الفلسطيني الذي انطلق من فلسطين و تبناه كل حر في كل انحاء العالم" وفق أبو سلامة، لافتاً إلى أنّ ما تعمل وفقه الحركة من وعي كبير واستناد إلى معلومات ومعطيات وابحاث وتعميم الدراية بعملها وأهميّته لدى نشطائها، يشكّل لكيان الاحتلال اشكاليّة كبيرة.
ويختم حديثه مع موقعنا :" نحن بعلمنا نحاول أن نكون واضحين، وأن يكون هناك بحث وكمية معلومات ضخمة تمكّن من يناضل معنا من امتلاك وعي كافٍ، فحركة المقاطعة نضال واعي وهذا ما يخيف دولة الأبارتايد، وعي يشترك به كل الأحرار، سواء الفلسطينيين الذين يحركهم انتماؤهم إلى فلسطين، أو الدوليين الذين يتحرّكون بايمانهم للفكرة ومركزيّة فلسطين في صراعنا الأممي ضد الاستعمار والإمبريالية والصراع من أجل إسترجاع الحق".