يوم السبت 8 آب/ أغسطس 2020 بعد أربعة أيام على التفجير المدمر الذي قضى على مرفأ بيروت، وما حوله من المناطق السكنية، وأزهق أرواح المئات من بينهم فلسطينيان، وأصاب الآلاف بجروح جسدية ونفسية عميقة، كان محمد حسنين مشؤول منطقة بيروت في جمعية الشفاء الطبية الفلسطينية يتجول في المرفأ برفقة فريقه الإسعافي، ينتظرون أن يتم إخراج مصاب من تحت الأنقاض ليعاجلون في إسعافه ونقله إلى المشفى.
هم على هذه الحال منذ وقوع الكارثة، أعلنوا الاستنفار على أعلى مستوياته للمساهمة في لملمة جراح المدينة وأهلها.
يقول حسنين: إن 15 سيارة إسعاف تابعة للجمعية بالإضافة إلى عدد من الدراجات الإسعافية انطلقوا لحظة وقوع الانفجار، ليتجولوا على الأحياء المنكوبة، ومنطقة المرفأ، وكان الهدف من غطلاق الدراجات هو البحث عن مصابين لم ينتبه لهم أحد كي نستطيع إنقاذهم.
نجول في الأحياء كأن أخواتنا وأمهاتنا هناك.
يؤكد في سياق حديثه مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إن مصاب الشعبين الفلسطيني واللبناني واحد وألمهم واحد، لذا استمرينا في العمل لأيام علنا نستطيع المساعدة وتقديم ما نقدر عليه.
يضيف: "حين كنا نفتش بين الأحياء وداخل المباني المدمرة، لم نكن نتخيل سوى أمهاتنا أو أخواتنا أو أطفالنا هم المصابون، لذا كنا نعمل مدفوعين بحب الشعب اللبناني وواجبنا اتجاهه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكم كنا نكون سعداء حين نجد شخصاً ما يزال على قيد الحياة، وننقله فوراً إلى المشفى".
كان الوضع مأساوياً استنفر الهلال الأحمر الفلسطيني.
في ذات المكان وبعد ستة أيام، تجول سيارة للهلال الأحمر الفلسطيني علها تساعد في إنقاذ من يستطيعون إنقاذه.
تروي جمانة سرحان، وهي ممرضة في مستشفى حيفا الواقع بمخيم برج البراجنة جنوب بيروت والتابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، كيف تلقوا وقع نبأ الكارثة: " عندما سمعنا ما حدث، طلبت إدارة المستشفى بشكل عاجل من جميع الممرضين والأطباء والمسعفين الالتحاق بالعمل، حتى من كان منهم بإجازة، لأن جرحى سيأتون إلى المشفى، وبالفعل، قدم بعد ساعات من الانفجار حوالي خمسين جريحاً من المناطق المتضررة، وتم علاجهم".
تتابع: " لكن هذا لم يكن كافياً، فأرسلت جمعية الهلال الأحمر من المستشفى لدينا ومن مشفى الهمشري في صيدا سيارات إسعاف ومسعفين إلى منطقة التفجير، وكنت بينهم، كان الوضع مأساوياً، نقلنا جرحى بإصابات خطرة وأشلاء إلى المستشفيات التي كانت قادرة على العمل في بيروت".
يذكر أن ثلاث مشاف في بيروت توقفت تماماً عن العمل في بيروت جراء تضررها من الانفجار، وتخبر جمانة أن الهلال الأحمر الفلسطيني ذهب إلى مشفى الكارنتينا لنقل ضحايا وجرحى لكن المشفى كان متضرراً فتم التوجه إلى مشفى بيروت الحكومي".
وكانت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وضعت إمكانياتها كافة لمساعدة الصليب الأحمر الللبناني، وهي ليست المرة الأولى، إذ إن العمل الإنساني والطبي والتعاون في هذا المجال لا تؤثر به أي مواقف سياسية ومشاحنات تخلقها بعض الأحزاب في لبنان.
ولعل هذا الانفجار المؤلم كان، شاهداً على الفرق الفلسطينية التي انطلقت من المخيمات كافة في لبنان لمؤازرة بيروت في مجالات الإسعاف والإنقاذ والإغاثة، وهو جهد قابله اللبنانيون بالشكر وعدم الاستغراب، لا سيما من تمكنت فرق الدفاع المدني الفلسطيني من إخراجهم من تحت الأنقاض، أو أهالي الذين استطاعت هذه الفرق انتشال جثامينهم، وربما أن يُشكر الفلسطينيون في جنّاز أحد الضحايا اللبنانين ببيروت كان أمراً مستحيلاً قبل ثلاثين عاماً، لكنه حدث فعلاً بعد أيام على كارثة انفجار المرفأ.
ربينا في لبنان وشربنا من مائه لذا نحن يومياً هنا.
فبيروت بعد هذه السنين، وبعد زوال غبار حروبها الأهلية، لم تعد هي بيروت ذاتها، ولد فيها جيل يقاوم من أجل البقاء والعيش وفق أسس عادلة، يناهض الفساد ويحاول بناء دولة ناجحة، رمى عن كاهله ثقل أحقاد مزيفة زرعتها في الأجواء الطبقة السياسية التي ينتفض عليها والتي كانت السبب فيما حل ببلده، لذا ومنذ سنين صار مشهد الشباب الفلسطيني جنباً إلى جنب مع اللبناني في شارع الجميزة ومار مخايل أمراً مألوفاً، وحين حلت مصيبة انفجار المرفأ استمر المشهد بشباب قادمين من مختلف المخيمات من أجل العمل الإغاثي.
مريم درويش شابة من مخيم برج البراجنة استمرت لأيام مع زملائها توزع المياه والوجبات الغذائية التي تعد في المخيم على المنكوبين وفرق الإنقاذ تقول: " نحن متطوعين فلسطينيين نعمل على توزيع هذه الوجبات، ولدينا فريق كامل في المخيم يقوم بإعدادها كمان أن هناك أفراداً من فريقنا يساعدون المتضررين في أعمال الترميم وإزالة الأنقاض" .
محمد أسعد من ذات الفريق يقول: "نحن تربينا في هذا البلد وواجب علينا مساعدة إخوتنا اللبنانين خلال أزمتهم، ساعدناهم في اليوم الأول بنقل الجرحى ومنذ اليوم الثاني نوزع الطعام والماء هنا، ونجول لنساعد من يرمم منزله في العمل".
هنادي ميعاري، لاجئة فلسطينية تقطن في مخيم عين الحلوة، جاءت إلى شارع الجميزة أحد أكثر الأماكن تضرراً مع فريق من جمعية نبع لتوزيع طرود غذائية، تقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "أنا هنا لأن لبنان بحاجة لنا في هذه الفترة، هذا البلد وقف إلى جانبنا واستقبل أجدادنا وقت النكبة منذ 73 عاماً، فمن الطبيعي أن نقف بجانبه حين يكون بمحنة".
رائد عطايا من ذات الفريق ولكنه لبناني الجنسية يتحدث حول إقبال الفلسطينيين للإغاثة: " منذ حدوث الكارثة ببيروت، كانت وفود من الشباب الفلسطيني تنطلق إلى المشافي للتبرع بالدم، ومن ثم هبوا أيضاً كمجموعات وأفراد لتنظيف الشوارع جنباً إلى جنب مع اللبنانيين، هم موجودون بشكل يومي وهذا ليش غريباً عن الشعب الفلسطيني الذي يعيش معنا هنا منذ 73 عاماً، ولم يحتاجه لبنان يوماً إلا وجده حاضراً".