في ذكرى الرحيل الكبير

في الذكرى الرابعة للنزوح من مخيم اليرموك.. مصائر ساكنيه من حصار إلى حصار

السبت 17 ديسمبر 2016
في الذكرى الرابعة للنزوح من مخيم اليرموك.. مصائر ساكنيه من حصار إلى حصار
في الذكرى الرابعة للنزوح من مخيم اليرموك.. مصائر ساكنيه من حصار إلى حصار

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

بلغ عدد سكان مخيم اليرموك حتى العام 2011 نحو 220 ألف نسمة من اللاجئين الفلسطينيين وفق إحصائيات غير رسمية، و800 ألف نسمة من غير الفلسطينيين، أما الآن وبعد أربع سنوات من النزوح عن المخيم منذ 2012/12/17 فلم يبقَ إلا (2500) عائلة.

البداية

بدأت الأوضاع في المخيم تشهد توترا بعد ما عرف بأحداث الخالصة يوم تشييع شهداء ذكرى النكسة في 6/6/2011 إثر توجه المتظاهرين من التشييع بمسيرة غضب لمحاصرة مقر الخالصة التابع للجبهة الشعبية- القيادة العامة استنكاراً لاستغلال بعض الفصائل المتحالفة مع النظام السوري مسيرات إحياء ذكرى النكبة والنكسة في منطقة الجولان السوري المحتل للتغطية على الأحداث في سورية، ووقوع  عدد كبير من الشهداء برصاص العدو الصهيوني أثناء محاولتهم العبور إلى الطرف الآخر المحتل.

سقط بذات اليوم عدد من الضحايا المدنيين من أبناء مخيم اليرموك برصاص عناصر "القيادة العامة "خلال المظاهرة أمام مبنى الخالصة ليشهد هذا اليوم تحولا في استقرار وحياد مخيم اليرموك.

انتقل بعدها المخيم لحالة غضب مؤقتة بعد أن استشهد الطفل يزن الخضراء في شارع فلسطين وعدد آخر من الشبان الفلسطينيين جراء تعرضهم لرصاص قوات النظام أثناء مشاركتهم في شهر 7 عام 2012 بمظاهرة تندد بمقتل (16) لاجئاً من عساكر جيش التحرير الفلسطيني الذين وجدت جثثهم في مدينة بنش بإدلب بعد خطفهم من قبل جهات مجهولة على طريق حلب مصياف وأغلبهم من أبناء مخيم النيرب في حلب.  

بعد ذلك، ولفترة ما قبل نهاية العام 2012، اعُتبِر المخيم المنطقة الوحيدة التي لم تتأثر بالنزاع المسلح المباشر بين قوات النظام والمعارضة السورية المسلحة في المنطقة الجنوبية للعاصمة دمشق، باستثناء استهداف المخيم بقذائف الهاون بين الفينة والأخرى. ما تسبب بوقوع ضحايا جراء هذا الاستهداف، وكان أكثرها وقعا ما عرف بـ"مجزرة حي الجاعونة" بتاريخ 2/8/2016 وقد خلف قصف الحي بقذائف الهاون (19) ضحية من أبناء الحي.

لكن المخيم استمر في كونه المكان الأكثر أمانًا من بين الأحياء الجنوبية واستقبل في مدارسه ومساجده وعدد من البيوت التي قدمت للنازحين أو المستأجرة من قبلهم  حوالي (300) ألف نسمة على دفعات، وذلك من نهاية عام 2011 وحتى نهاية عام 2012. وكان هناك عشرة مراكز إيواء  افتتحت لإيواء النازحين من المدنيين من مختلف المناطق المجاورة، إذ قارب العدد في كل منها (1500) شخصاً، وعملت أكثر من ست مؤسسات وجمعيات وهيئات إغاثية  داخل المخيم على تقديم مختلف الخدمات لهم ورعايتهم.

 

 

النزوح الكبير 17-12-2012

بعد معارك عنيفة  بين عناصر "القيادة العامة" واللجان الموالية للنظام السوري  مع المعارضة المسلحة سيطرت خلالها الأخيرة على أجزاء واسعة من مخيم اليرموك تعرض المخيم  للقصف الجوي بطيران "الميغ" ظهيرة يوم 16/12/2012،  واستهدف القصف جامع "عبد القادر الحسيني" ومدرسة "الفالوجة" التابعة للأونروا، ما أسفر عن سقوط أكثر من مئة وخمسين شخص بين قتيل وجريح.

على إثر تلك الحادثة والقصف الذي شهده المخيم، وما صاحبه من انتشار شائعات عن نية القوات النظامية اقتحام المخيم في اليوم التالي، شهد المخيم عملية نزوح جماعي صباح يوم 17/12/2012، خرج خلالها الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ونزوح سكان المخيم من السوريين.

في حين تمركز عناصر الجبهة الشعبية - القيادة العامة وقوات النظام عند المدخل الرئيسي شمال المخيم. ومنذ ذلك الوقت والمخيم يشهد اشتباكات ومعارك شبه يومية. كما تعرّضت مختلف الأحياء إلى القصف بكل أنواع الأسلحة إضافة إلى السيارات المفخخة مما أوقع العديد من الضحايا بين قتيل وجريح وأدى إلى دمار واسع للأحياء السكنية في منطقة شمال غرب المخيم.

ملامح حصار

مع بداية العام 2013 بدأت ملامح الحصار تلوح في الأفق، وذلك من خلال الإجراءات التي اتخذها حاجز النظام واللجان التابعة للجبهة الشعبية _  القيادة العامة وفتح الانتفاضة. شملت هذه الإجراءات منع إدخال المواد الغذائية والطبية والصحية إلا بشكل خفيف. إضافة إلى عمليات التفتيش الدقيقة والتحكم في الدخول والخروج من وإلى المخيم، إلى جانب عمليات الاعتقال (ذكورًا وإناثًا)، وتذكر الاحصائيات غير الرسمية إلى أن عدد المعتقلين الفلسطينيين من أبناء المخيم وصل لما يقارب الـ (500) معتقل في سجون النظام.

وفي أوائل شهر تموز من العام نفسه تعرض المخيم لمحاولة اقتحامه من جانب الفصائل المتواجدة عند مدخله الرئيسي ما أدى إلى نزوح آلاف العائلات، ولكن العملية العسكرية فشلت.

تبعها في منتصف شهر تموز 2013 إغلاق تام وحصار كامل لمخيم اليرموك والمنطقة الجنوبية التي كانت تعتمد بشكل كامل على المنفذ الوحيد شمال مخيم اليرموك للحصول على الغذاء وبعض المواد الأخرى.  ونتيجة للتضيق والحصار الجزئي مع بداية العام 2013 أدى ذلك إلى نقص حاد في الحاجات الأساسية من غذاء ودواء ومحروقات، ونقص في الرعاية الصحية والطبية وانعدام الخدمات من كهرباء مع بداية نيسان 2013، وانقطاع الاتصالات الجوالة منذ بداية شهر كانون الثاني 2013.

رغم المناشدات التي قام بها عدد من مؤسسات المجتمع المدني والإغاثي العاملة، ومناشدة الأونروا من أجل كسر الحصار المفروض وإدخال المساعدات، إلا أنها باءت بالفشل. مما اضطر المحاصرون لانعدام وجود المواد التموينية والغذائية اللجوء إلى أنواع من الطعام كخبز العدس،ونبات رجل العصفورة، وشوربة البهارات والكلاب والقطط من أجل سد الرمق، ففي 14 تشرين الأول/ من العام 2013، وكان المخيم هو المنطقة الأولى في سورية بعد عام 2011 التي لجأ سكانها لمثل هذا الفعل بعد مرور 90 يوم من الحصار المطبق.

جاءت عملية ذبح وأكل لحم الكلاب بعد صدور فتوى من قبل الشيخ "صالح الخطيب البلداني" من على منبر جامع فلسطين في المخيم، ونصت الفتوى على "جوازِ أكلِ لحمِ القطط والحميرِ والكلابِ للمُحاصَرينَ في المخيّم بعدَ أن بلَغُوا مرحلةَ الاضطرارِ المُفضي إلى الهَلاك".

بقي هذا الوضع حتى كسر جزء من الحصار لأول مرة في الشهر الأول من العام 2014، إذ تم إدخال عدد من الطرود الغذائية من خلال حملة الوفاء الأوروبية بالتعاون مع وكالة الغوث الأونروا والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سورية.

بيد أن هذه الحملة لم تقدم إلا القليل ولم تصل لكافة المحاصرين في المخيم، واستمرت معاناة السكان المحاصرين مع استمرار فشل إدخال المساعدات، وقضى في ذلك الوقت (187)  شخصا من أبناء المخيم جوعًا ومرضًا جلهم من الأطفال والنساء، وارتفع الرقم حتى العام 2016 بسبب استمرار الحصار إلى (192).

"فيليبو غراندي" المفوض السابق لوكالة الغوث "الأونروا"، وصف أوضاع المخيم المأساوية بعد زيارة المخيم في الشهر الثاني من العام 2014 :" أشعر بالانزعاج الشديد لما رأيته اليوم. لقد عانى اللاجئون الفلسطينيون ممن تحدثت إليهم الكثير، والعديد منهم في حاجة واضحة لدعم فوري، لا سيما الغذاء والعلاج الطبي. ما شاهدته واستمعت إليه اليوم يؤكد أهمية صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2139 في الوقت المناسب حول إيصال المساعدات الإنسانية والحاجة إلى التزام جميع الأطراف بتنفيذ هذا القرار". وقال غراندي "نأمل أن تعطي التطورات الإيجابية في اليرموك الزخم للحوار السلمي بين جميع الأطراف بحيث يمكن إيصال المساعدات الإنسانية لجميع المدنيين في سورية الذين عانوا بما فيه الكفاية".

شهد المخيم خلال فترة حصاره وإلى الآن عدة هدن ومبادرات من أجل فك الحصار ودخول المساعدات وعودة المدنيين، إلا أنها باءت بالفشل جميعها.

الوضع الصحي

خلا المخيم من المشافي إلا مشفى وحيد هو مشفى فلسطين، بعد أن كان يوجد 3 مشافي في اليرموك، مشفى فلسطين ومشفى الباسل (المجمع الطبي الخيري) والمركز الإغاثي الطبي الجراحي ومئات العيادات.

ويعمل المشفى بالحد الأدنى ويقتصر عمله على حالات الإسعاف الأولي وعمليات البتر وبعض التحاليل الطبية البسيطة نتيجة معاناته من نقص كبير في المستلزمات الطبية والنقص الحاد بالمحروقات اللازمة لتشغيل ما تبقى من تجهيزات في المشفى.

يذكر أنه سجل في مخيم اليرموك انتشار عدد من الأمراض المزمنة مثل الحمى التيفية واليرقان، إذ وصل عدد حالات المصابين بمرض التيفوئيد  داخل اليرموك إلى أكثر من 110 إصابة. وذلك بسبب النقص الحاد بالأدوية والخدمات الطبية نتيجة استمرار الحصار ومنع دخول مساعدات طبية الى المخيم ما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض بين السكان وخاصة الأوبئة، إذ وثقت مصادر طبية داخل المخيم الحالات المرضية التالية: التهاب الكبد الإنتاني (A)/يرقان 69 حالة، والالتهابات التنفسية العلوية 160 حالة، والالتهابات الهضمية 94 حالة، والحمى المالطية 5 حالات. إضافة إلى أمراض الكلى الناتجة عن اعتماد السكان على مياه الآبار.

الوضع التعليمي

كان يتواجد في المخيم رغم ظروف الحصار والأوضاع المعيشية السيئة وإغلاق وكالة الأونروا لمدارسها، ثلاث مدارس بديلة تقدم الخدمات التعليمية للطلاب: مدرسة الأمل الابتدائية وفيها 150 طالباً وطالبة، مدرسة الجرمق ابتدائية/اعدادية وفيها 800 طالباً وطالبة، والمدرسة الدمشقية 150 طالباً وطالبة، إضافة إلى روضة واحدة هي روضة الأمل 90 طفلاً وطفلة، لكن هذه المدارس أوقفت تعليمها بعد أن صدرت أوامر من تنظيم داعش الذي سيطر على المخيم فيما بعد بأن لا تعليم في المخيم  دون وصاية داعش ومناهجها.  

الأمر الثاني الذي عانى ويعاني منه طلاب الجامعات والشهادتين الإعدادية والثانوية من أبناء المخيم هو صعوبة الخروج والدخول إلى المراكز الامتحانية في العاصمة دمشق، حيث تعرض عدد منهم للاحتجاز من قبل قوات النظام السوري إضافة إلى المضايقات التي يتعرضون لها من قبل داعش وجبهة فتح الشام في المخيم حيث جرت محاولات منعهم من الخروج أكثر من مرة.

دخول داعش إلى المخيم

في الأول من نيسان 2015 قامت عناصر من تنظيم داعش في الحجر الأسود باقتحام مخيم اليرموك بالتنسيق مع جبهة فتح الشام التي سهل عناصرها دخول داعش من منطقة الحجر الأسود. ودارات بعدها معارك عنيفة مع أكناف بيت المقدس وهي مجموعة مسلحة فلسطينية كانت تسيطر على اليرموك قبل دخول داعش.

وفور وصول التنظيم بدأ بحملات ترويع للأهالي  فتم خطف العشرات من المدنيين، إلى جانب دوره بعدد من عمليات الإعدام والاغتيال إضافة إلى فرض حظر تجول على السكان.

ما أدى إلى حرمانهم من الحصول على الماء والطعام والرعاية الصحية وخاصة للجرحى الذين سقطوا نتيجة الاشتباكات. وقام التنظيم كذلك باقتحام مقرات المؤسسات الإغاثية ونهب محتوياتها وملاحقة ناشطيها الذين لجأوا إلى بلدة يلدا المجاورة. كما لاحق التنظيم أيضاً الناشطين الإعلاميين والإغاثيين، ويتهم عناصره باغتيال عدة أشخاص ممن ينشطون في المجال الإغاثي والخدمي من أبناء المخيم.

في المقابل دخول داعش إلى المخيم نتج عنه نزوح حوالي 9 آلاف من السكان إلى يلدا وببيلا وبيت سحم المجاورة حيث أقام الكثيرون منهم في مراكز إيواء جماعية. ولم يتبقَ في المخيم حاليا إلا (2500) عائلة.

حصار ثانٍ

إبان ذلك وفي العام 2016 زاد التنظيم من انتهاكاته بحق مدنيي المخيم، وبسبب خلافاته واشتباكاته المتكررة ضد جبهة فتح الشام، فرض تنظيم داعش حصاره على مناطق جبهة فتح الشام في المخيم محاصرا بذلك مئات المدنيين والأطفال ممن يقطنون في تلك المناطق، وشدد الحصار بمنع الدخول والخروج إلا في ساعة محددة وكمية قليلة جدا من المواد الغذائية ورغيف خبز واحد فقط لكل فرد يوميا.

أما عن الوضع التعليمي في ظل سيطرة داعش على المخيم، فلم يكن بعيداً عن ممارسات التنظيم وأوامره، فعمل على التدخل في شؤون العملية التعليمية، فمُنِعَ الاختلاط في المدارس بين الذكور والإناث، وفُرِضَ "اللباس الشرعي" للفتيات الصغار، وقام بفصل معلمي التربية الدينية من المدراس، بالتزامن مع إلغاء مادة التربية الدينية المتداولة بحجة عدم كفاءتها وأنها لا تتناسب مع فكر وإيديولوجيا التنظيم وكأنه "المرجعية الدينية الوحيدة" الآن في المنطقة، وقد أفاد أحد الناشطين للبوابة في الشهر السابع من العام الجاري بأن مناهج جديدة لم تعرف ماهيتها أو محتواها للجميع، أصبحت جاهزة للتوزيع في المدارس، غير أن هذه المناهج قوبلت بالرفض من كافة أعضاء الكادر التدريسي الموجود في المخيم، بعد أن عرضها التنظيم عليهم، بغية تمريرها في المدارس بعد أخذ الموافقة عليها، ما حرم أكثر من 1500 طالباً وطالبة من أبناء المخيم من التعليم.

المخيم في الوقت الراهن نهاية العام 2016

وردت الكثير من الأنباء والأخبار عن عقد اتفاق قريب ينهي الوضع المأساوي الذي وصل إليه المدنيون في المخيم، وكانت مصادر إخبارية عدة تناقلت في أواسط العام 2016 خبر توقيع اتفاق بين جبهة فتح الشام من جهة وقوات النظام وتنظيم داعش من جهة أخرى، تقضي بخروج فتح الشام إلى إدلب ومن ثم خروج عناصر داعش إلى محافظة الرقة.

بقيت تلك الأنباء تتداول إلى أن تم الحديث في شهر تشرين الثاني عن اقتراب تسوية الأوضاع في مخيم اليرموك، وكان آخرها ما تناقلته وسائل الإعلام الموالية لقوات النظام، بأن الأخيرة وجهت إنذار لـ"مسلحي" مخيم اليرموك والذي يقضي بخروجهم إلى إدلب أو الرقة حسب رغبتهم، ولم يحدد أي مهلة زمنية للمسلحين وأن الجواب لم يصل بعد، رغم مرور وقت على إرسال الإنذار لهم.

في الوقت الراهن ومع حلول الذكرى الرابعة لنزوح سكان المخيم وما تبعها من حالات نزوح أخرى (2500 عائلة) إلى مناطق الجوار (يلدا، ببيلا، بيت سحم)، ينتظر مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين مصيرهم، سواء من بقي منهم أو من خرج، فيعلقون الآمال بين خبر هنا وإشاعة هناك تعدهم بإنهاء مأساتهم التي طالت وذهب ضحيتها الكثير من الضحايا والجرحى والمعتقلين إذ بلغ عدد الضحايا (1284) منذ بداية الأحداث، بينهم (192) قضوا نتيجة الجوع والحصار ونقص الرعاية الصحية.

شاهد في خمس دقائق أهم الأحداث التي مرت على مخيم اليرموك خلال خمس سنوات من الحرب على سورية:►

خاص بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد